العدد صفر / 2005م - 1425هـ

     رجوع     التالي     أرشيف المجلة     الرئيسية

التحقيق

نص ميثاق الحوزات الدينية في لبنان

الموضوع:  ميثاق الحوزات الدينية في لبنان.

التاريخ   :  27 رجب 1423هـ  الموافق  7/10/2002م

الجهة   : جماعة من العلماء القيمين على الحوزات.

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }

(.. مجاري الأمور والأحكام، على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه.. )([1]).

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد (صلى الله عليه وآله)وآله الغرّ الميامين(عليهم السلام).

وبعد.. إن الإسلام الذي هو أتم نعمة بعد الوجود، قد صدع بتبليغ أصوله وفروعه، الرسول الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله)، وأوصياؤه الأئمة المعصومون(عليهم السلام)، و اجتهد في حفظه، وترويجه في غيبة إمام الحقّ(عجل الله فرجه)، العلماء العاملون، المخلصون، الذين أنفقوا كنوز أعمارهم في النظر في آثار النبوة، لحفظ الشريعة، واستنباط الأحكام، ونشرها، وبثّها، تعليماً، وسلوكاً بين الأنام.

ولقد كان هؤلاء العلماء يهتمون بأن يتوارث مشعل العلم والفقه، خلفٌ منهم من بعد سلف، فأنشأوا لهذه الغاية الشريفة المدارس والحوزات، يحوطونها بالرعاية العلمية والروحانية، ليتخرج منها أجيال من العلماء، والفقهاء، يكونون في كل زمان منارا ً في البلاد، وقدوة للعباد.

ومن هنا نأمل أن يكون للحوزات الدينية في أقطار العالم الإسلامي عموماً، ولحوزات لبنان بالخصوص، في مطلع القرن الخامس عشر الهجري، كما كان لها في القرون الماضية من الأثر الفعال في بناء المجتمع الإيماني، الموالي لأهل البيت(عليهم السلام)، المتميز بوعي أفراده، وجدّية التزامهم بالعقيدة الحقّة، التي يواجهون بها مختلف التحديات، وقد تميز علماؤنا الأبرار بعطاءاتهم، وانجازاتهم العلمية، والحضارية، التي خدَمَت ولا تزال الإنسانية جمعاء.

وكان المؤمنون العارفون، بل عامة الناس فيما مضى، جيلاً بعد جيل، يرون في علماء الدين نماذج كمالية، ومشاعل نورانية، فانعكس هذا الأمر تقديساً وحبّاً وتقديراً لهم، فملكوا القلوب، وغدوا ملوكاً على النفوس، وإن لم تكن لهم دولة.

ولكي نحفظ هذه المكانة المميزة التي حازوها على الدوام من تطفل المتطفلين، وطمع بعض ضعاف النفوس، والانتهازيين، الذين قد يغريهم ترك الأمور على غاربها، فيعملون على فتح ثغرة خطيرة ينفذون منها ليكونوا الفئة التي وصفها أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: (يحتلبون درّها بالدين).. ويستغلون هذا الموقع غير متحرجين من التعدي على الحدود الشرعية، ولا مكترثين من تجاوز كثير من الآداب الإسلامية.

لكي نحفظ هذه المكانة، كان من الطبيعي أن نعمل على تحصين المواقع العلمية وتقويتها، وحفظ هذا المسلك العلمي المقدس من سلبيات ربما ينشأ عنها حالة من الضعف والوهن في أداء الرسالة الإسلامية المقدسة.

وأمام هذا الأساس لضرورة التصدي لهذه الحالات التي يمكن أن تنشأ، وحرصاً على صفاء ونقاء صورة حملة الرسالة، والذائدين عن حياض هذا الدين، حتى لا تتشوّه صورة العالم في نفوس كثير من الناس، تلاقى جماعة من أهل العلم والفضل، ممن يتصدّون للإشراف على المدارس العلمية الدينية في لبنان، لوضع ضوابط تفيد في درء هذه السلبيات المشار إليها، وتزيد من مستوى الرقي العلمي والالتزام الرسالي.

تمهيد في الأسباب والدوافع

وقد رأينا من واجبنا أن نعمل على تحصين المواقع العلمية وتقويتها، وذلك بأن تتحرز من الأمور التالية:

1. أن يصل الأمر إلى حد تصبح معه دعوى الاجتهاد أمراً مبتذلاً وهيّناً يدّعيه من ليس أهلاً  له.

2. منح الامتيازات للفارغين علمياً، الذين قد يسيئون في تعاطيهم في الشأن العلمي، ويسيئون للدين، وللحق، ولقداسة العلماء، فيجب التحرّز من الوقوع في هذا المحذور.

3. تدنّي المستوى العلمي، حيث لوحظ أخيراً تعجّل بعض الطلبة في لبس الزيّ العلمي، والتصدي للعمل في مجال التبليغ والإرشاد والتعليم في إطار أوسع من مدركاتهم، فيجب أيضاً التحرّز من وجود مثل هذه الحالات.

4. ارتكاب المنافيات للشريعة والآداب، التي قد تصدر من نزر من المتلبسين باللباس الديني، حتى لو كان من غير قصد أو التفات.

5. يجب التحرّز من استغلال قلّة من ضعاف النفوس لموقعهم الديني على المستوى الاجتماعي والمادي، في ممارسات غير لائقة دينيًا وعرفيًا، كجمع قلّة نادرة للأموال بطريقة غير خاضعة للأصول الشرعية أو الضوابط الاجتماعية.

6. يجب التحرّز من التحصّن بالزيّ، لمخالفة النظام الاجتماعي العام بطريقة تعطي الانطباع السيء عن أهل العلم وغيرهم.

7. منع انتحال صفة العلم ممن ليس منهم، وإن كان ذلك قد لا يحصل.

8 . الحيلولة دون ادّعاء بعض الفارغين لمراتب ليست لهم.

فصول الميثاق

كانت الخطوة الأولى التي انبثقت عن هذا الاجتماع، هي الاتفاق على أمور اجتمعت عليها كلمتهم، وتفيد في رسم الصورة الصحيحة التي ينبغي أن تكون عليها الحوزات وطلابها، والقيمون عليها.

وقد صيغ هذا العمل على أساس التنسيق بين المؤسسات الحوزوية في نطاق العمل في دائرة المشتركات، وما هو محل وفاق على أساس أن يوفق الله -سبحانه وتعالى- لتوسيع دائرة التوفيق والتعاون من خلال التشاور والتعمّق في بحث القضايا، وما ذلك على الله بعزيز..

وما يتم التداول فيه والاتفاق عليه يمكن عرضه في خمسة فصول:

الفصل الأول: إنشاء الحوزة

الحوزة هي مجمع علمي ديني دراسي، يعنى بتعليم طلابه العقيدة الإسلامية، والعلوم الموصلة إلى الاستدلال على الحكم الشرعي، واستنباطه من مظانه.

وهذا التعريف يرمي إلى تمييز طلب العلم الديني عن بقية الاختصاصات العلمية في العلوم والآداب الإنسانية، وهو مخرج أيضاً لكثير ممن حاز بعض العلوم والثقافة الإسلامية العامة بمقدار لا يفي للاستدلال على الأحكام الشرعية.

فالحوزة العلمية تهدف إلى أن يصبح الطالب المتخرج منها فقيهًا مجتهدًا، أو مبلغًا عارفًا بالإسلام وبحقائقه، بمقدار يؤهله لأن توكل إليه مهمة الدعوة إلى الإسلام وتبليغ أحكامه ونشر مفاهيمه وحقائقه، سواء أكان بالكتابة، أم بالخطابة أم متخصصاً في بعض العلوم الحوزوية، أم باحثًا ملتزمًا بمنهجية البحث العلمي، التي ستوضح في الملاحق الخاصة لذلك، أم منصرفًا للتدريس، أم في موقع يتناسب مع جانب العلم الديني، وذلك بعد أن يتم إعداده في الحوزات العلمية من خلال دراسة المقدمات والسطوح العليا ومقدارًا من بحث الخارج في الفقه والأصول.

وبناء عليه.. يجب أن يخضع إنشاء الحوزة للضوابط الموضوعية المبيَّنة في المواد التالية:

المادة الأولى: المنشىء للحوزة:

ويشترط في من يبادر إلى إنشاء الحوزة أن يكون من أهل العلم المعروفين بكفاءتهم العلمية والسلوكية، والمعزّزين بشهادة العلماء بذلك.

المادة الثانية: الهيئة التعليمية:

ويجب في الهيئة في الهيئة التعليمية أن تكون من الفضلاء المقتدرين على تدريس المواد المقرّرة للطلاب.

وهذان هما الأساس الذي تعتمد عليه الحوزات، وما سواهما من المفردات المادية إنما هي أمور كمالية.

المادة الثالثة: طالب العلم الديني:

يوجد نوعان من المنتسبين إلى الحوزات العلمية، هما:

(الابتدائي): وهو الذي ينتسب إلى الحوزة ابتداءً، ولكي يدرس طلب انتسابه لا بد له من:

1. التعريف عنه، وحدّه الأدنى:

أ . الأوراق الثبوتية الصحيحة والصريحة..

ب. التأكد من حسن سابقته.

ج. شهادة تعريف وحسن سلوك من علماء ترى الحوزة المعنية كفاية شهادتهم.

2. الأهلية العلمية، بأن يكون حائزًا على شهادة تؤهله دخول الجامعة، ولا يكفي ادّعاء الأهلية لذلك بدون هذه الشهادة.

ثم تدرس الحوزة طلبه بالاستناد إلى ذلك، وبملاحظة سائر الاعتبارات المعتمدة في تلك الحوزة يقبل انتسابه أو يرفض..

(الانتقالي): وهو من سبق له أن انتسب لحوزة أخرى، فيطلب تعريفه أو ملفه من الحوزة السابقة، وتعامله الحوزة حسب المقررات، مع أخذ المعطيات المطلوبة بنظر الاعتبار.

ملاحظة: يجب اعتماد فترة تجريبية لا تقلّ عن فصل دراسي، أي ثلاثة أشهر.

المادة الرابعة: المراحل الدراسية..

يجب اعتماد المراحل المتعارف عليها في المناهج الدراسية، وهي ثلاث:

المرحلة الأولى: المقدمات:

وهي ما عدا الفقه والأصول من العلوم التي يتوقف عليها الاستنباط، من قبيل النحو بمستوى (ألفية ابن عقيل)، والمنطق بمستوى (المنطق) للعلامة المظفر، والمعاني والبيان بمستوى (جواهر البلاغة) أو (مختصر التفتازاني)، بالإضافة إلى ذلك كله دراسة رسالة فقهية عملية كاملة، ودراسة كتاب عقائدي ولو في حدود كتاب (عقائد الإمامية) للمظفر.

المرحلة الثانية: السطوح:

وهي كتب الفقه والأصول المتداولة دراسياً كـ(اللمعة)و(الحلقات) و(أصول الفقه) و(الكفاية) و(الرسائل) و(المكاسب)، بالإضافة إلى دراسة لكتاب في الدراية، ويقترن ذلك كله مع كتب في العقائد بمستوى (شرح التجريد).

وهاتان المرحلتان تؤهّلان الطالب علميًا بحيث يصبح مستوعبًا لمجمل المسائل الأصولية والفرعية، وتؤهلانه أخلاقيًا وسلوكياً وعقائديًا.

المرحلة الثالثة: بحث الخارج:

وهي مرحلة الدراسات العليا في الفقه والأصول، وهي تقترن مع بداية مرحلة التخصّص في حقلٍ من الحقول في العلوم الإسلامية.

ملاحظة: يمنع تجاوز أي مرحلة إلا بعد إتقان المرحلة السابقة.

يتبع =

ـــــــــــــ

([1]) تحف العقول ص238.

أعلى الصفحة     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية