العدد الثاني / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)البياض - صور

رسوخ في العلم - صلابة في الدين

تحقيق : أحمد الموسوي

 *الشيخ مالك سليمان : اجتهاد في حفظ الدين وتمسّك بخطّ الرسول(صلى الله عليه وآله)والأئمة(عليهم السلام).

- نشاطات فكرية وثقافية ودينية على مدار السنة.

*الشيخ علي عيديبي :المنهج التقليدي في الدراسة .. وتجارب المجدّدين مقدّرة ومشكورة.

- أخوّة بين الأستاذ والطالب.. والسياسة ممنوعة.

*الشيخ صالح الفقيه: الخيارات في جبل عامل محدودة ولا غنى عن النجف وقمّ.

- ليس أمام الطلاب سوى الجد والاجتهاد، ولا تساهل ..

تتابع [رسالة النجف] في هذا العدد ملف الحوزات الدينية في لبنان، فبعد الحلقة الأولى في العدد السابق التي تناولت واقع حوزة النجف الأشرف في حاريص التي أسّسها سماحة الحجة الشيخ مفيد الفقيه، تنشر فيما يلي الحلقة الثانية من الملف وتتضمن تحقيقًا عن حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)في البياض قضاء صور.

* * *

شكّلت حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)في البياض منذ تأسيسها قلبًا نابضًا في دفع الحركة العلمية الدينية إلى الأمام، فأخذت مكانًا مميزًَا إلى جانب الحوزات الدينية الأخرى المتقدّمة في نشر الفكر الإسلامي وتبليغ أحكام الدين الحنيف، وفي الحفاظ على العقيدة وأصالتها وإبقاء مشعلها مضيئًا بنور المذهب الإسلامي الجعفري الأصيل.

الدور والتأسيس

وعن هذا الدور الذي تقوم به حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه) وعن تأسيسها، تحدّث مدير الحوزة، سماحة الشيخ مالك سليمان عبر الحوار التالي:

سؤال/ من أسس الحوزة ، وما الغاية من تأسيسها؟

الجواب : أسّس سماحة العمّ العلامة الحجة الشيخ إبراهيم سليمان(قدس سره)حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)في بلدة البياض بعد تاريخه الزاخر بالعلم والعمل الصالح، وعمر مديد بالبحث والتحقيق والتأليف في النجف الأشرف والكويت وجبل عامل. وقد كان له اهتمام بالغ بطلب العلم الديني، فتصدّى للتوجيه والتربية والتدريس، حيث تتلمذ على يديه كوكبة كبيرة من العلماء الأبرار.

وقد برزت حاجة ملحّة لإنشاء بناء مستقل خاصّ يكون صرحًا للدراسة ومكانًا لإقامة الطلاب، وبعد صعوبات كبيرة على صعيد تأمين الأرض الملائمة لذلك، وصعوبات تغطية نفقات البناء والتجهيز، تمّ -بعون الله تعالى- له ذلك. وقد تمّ افتتاح الحوزة في سنة 1991م، فانتقل درس الحجة الشيخ إبراهيم إلى الحوزة حيث تحلّق حوله الطلاب المحصلّون. فكان(قدس سره)المرشد، والموجّه، فأحاط الحوزة بإشرافه ورعايته العلمية والروحية، وبذل كل جهد في ترسيخها لتحقيق الغاية من إنشائها، وقد جعلها وقفًا على الطائفة الشيعية لتدريس العلوم الدينية والدنيوية المتلائمة مع الشرع الشريف.

الحجة الشيخ إبراهيم آل سليمان

وقد عمد إلى وضع منهج تعليمي وتوجيهيّ أريد منه أن يوجد المناخ الصالح لطالب العلم الديني للوصول به إلى تحصيل علوم أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) والتخلّق بأخلاقهم ليساهموا في إعلاء كلمة الله تعالى، والاجتهاد في حفظ الدين والسير على خطى السلف الصالح من العلماء حيث الرسوخ في العلم والصلابة في الدين والتمسك بخطّ الرسول وأوصيائه الميامين(عليهم السلام).

كما وضعت هيئة الحوزة نظامًا عامًا مفصلاً يتعرّف الطالب من خلاله على ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ويتضمن الشروط التي يجب أن تتوفّر في الطلاب الراغبين في الانتساب إلى الحوزة.

سؤال / أين يقع مبنى الحوزة وممَ يتألف ؟

الشيخ مالك سليمان

الجواب: تتألف حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه) من مبنيين منفصلين في بلدة البياض في قضاء صور. المبنى الأول مؤلف من ثلاث طبقات تشتمل على غرف الإدارة، والدراسة، والغرف الخاصة بالطلاب، كما يضم قاعة للمحاضرات ومكتبة عامة.

وقد سمح العلامة الحجة الشيخ إبراهيم سليمان(قدس سره)لوزارة التربية الوطنية بإشغال الطابقين الأرضي والأول لمدرسةٍ رسميةٍ ابتدائيةٍ وتكميلية، حيث يتلقّى المئات من الطلاب في البلدة والقرى المجاورة تعليمهم.

أما المبنى الثاني الذي تم بناؤه بعد الانتهاء من إنشاء مبنى الدراسة، فإنه يشتمل على ثلاث طبقات أيضًا ويتألف من اثنتي عشرة شقة أعدّت لسكن الأساتذة والطلاب المتزوجين.

سؤال / ما هي النشاطات التي تعتمدها الحوزة ؟

الجواب : إضافة إلى تطبيق منهاجها التعليمي التربوي المقرّر من خلال إقامة حلقات الدرس اليومي، تشارك حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)في تنشئة الأجيال من خلال قيام العديد من طلابها بالتدريس في المدارس العصرية في الكثير من القرى والبلدات.

كما تقيم الحوزة دورات ثقافية تشتمل برامجها على مختلف العلوم العصرية إضافة إلى علوم القرآن والفقه والأخلاق والعقائد.

وتوزّع الحوزة النشرات الثقافية الإسلامية التي تحثّ على التمسك بالعقائد الحقّة والأخلاق الفاضلة وعلوم أهل بيت النبوة(عليهم السلام)والأحكام الشرعية.

وتُعنى الحوزة بإحياء المناسبات الدينية والشعائر الحسينية على امتداد السنة في مبنى الحوزة وفي النادي الحسيني والمسجد في البلدة وتتخلل هذه المناسبات بعض الدروس الدينية والتوجيهات.

سؤال / كم هو عدد الطلاب الحاليين، وما هي جنسياتهم ؟

الجواب : يقتصر قبول الطلاب في الوقت الحاضر على الطلبة اللبنانيين، كما يقتصر على عدد معين من قبل هيئة الحوزة لا يتعدّى العشرين طالبًا ممن يتمتعون بمؤهلات تخوّلهم دراسة المراحل المعتمدة في الدراسة الحوزوية، ويحوزون على كفاءة علمية وتربوية وأخلاقية عالية.

والاقتصار على هذا العدد مع كثرة المتقدّمين للانتساب إلى الحوزة إنما هو للحفاظ على نوعية المتصدين لطلب العلم الديني من جهة، وللقدرة على القيام بما يتوجب على الحوزة القيام به اتجاه طلابها من الناحية المادية.

بناء الطالب الرسالي

تعتمد الحوزة أكثر من أسلوب روحي وسلوكي في بناء الطالب الرسالي، ومن أكثر المجالات رعاية بين الحوزة وطلابها هو إشعار الطالب بالأخوية الكاملة بينه وبين أساتذته مما يشعره بمسؤوليته الملقاة على عاتقه من جهة وكفالته ورعايته التامّة من جهة أخرى. وهذا الجانب الرعائي الخاص يتم بشكل متواصل وشبه يومي فتدخل في هذه الرعاية -التي قد لا يلتفت إليها الطالب تلقائيَا- أدقّ الأمور وأقلّها وأعظم المشاكل وأخطرها- ولكل بحسبه-، فالحوارات اليومية شبه العامة واللقاءات اليومية الفردية تعطي دراسة دقيقة للحوزة عن كيفية سير الطالب تربويًا ومسلكيًا وفكريًا وعلى أساسه ينصح بمطالعة كتاب ما أو زمالةٍ ما، أو بترك مطالعة كتب معينة...

ا

لسياسة والمناهج

لكن ما تحرص عليه حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)حرصًا شديدًا هو الابتعاد عن السياسة والعمل الحزبي، ولا تُجيز ذلك لأساتذتها فضلاً عن طلابها، أما السبب فهو -كما يقول- المدرّس بالحوزة سماحة الشيخ علي عيديبي:

لما كانت السياسة بمعناها المقيت السائد في المجتمعات يعني التفيّء إلى فئة والتحزّب إلى جهة من الجهات... ارتأت حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)صون الداعية وتحصين مفاهيمه الواسعة والشاملة على امتداد مسؤوليته الريادية في كونه أبًا عطوفًا لمجتمعه وأخًا حريصًا لأبناء أمته ومرآة صافية صادقة مشعّة لأبناء جلدته، وهذا لا يناسب بحال المعنى المشار إليه بالانتماء والعمل السياسي.. إلا أنه لا يعني عدم العلم والمعرفة بأحوال مجتمعه والاطلاع على واقعه بالطريقة التي تجعل من رجال الدين أدوات خير وصلاح وحصنًا منيعًا يكفيهم الريب والشبهات.

وعن المناهج المعتمدة في الحوزة يقول سماحته:

لم تتبين الحوزة ضرورة التبديل في جميع كتب المنهج التقليدي للدراسة، بل حافظت على كثير من كتب ذلك المنهج لأهميتها من الجهة العلمية للطالب الذي يشقّ طريقه لا للطالب الذي يرى من نفسه الوصول بمجرد دراستها.. ولهذا اتبعت الحوزة الأسلوب التالي:

المقدمات الأولى - المقدمات - السطوح - السطوح العليا .

وقد عمدت الحوزة إلى تدريس المواد التالية:

في اللغة العربية وآدابها: النحو الواضح بقسميه الابتدائي والثانوي، وشرح قطر الندى، وشرح ألفية ابن الناظم (أو ابن عقيل)، وبعض أبواب مغني اللبيب، والبلاغة الواضحة ومختصر المعاني.

وفي الفقه: الرسالة العملية، وفقه الإمام الصادق(عليه السلام)(أو بعض أبواب شرائع الإسلام)، وشرح اللمعة الدمشقية، ومكاسب الشيخ الأنصاري (ومكاسب الفقيه([1])).

وفي الأصول: الحلقة الأولى، وأصول الفقه، (والحلقات)، وكفاية الأصول، والرسائل.

وفي العقائد والكلام: عقائد الإمامية، وشرح الباب الحادي عشر، وشرح التجريد.

بالإضافة إلى مطالعات مبرمجة في القرآن والسيرة والتاريخ والأخلاق، مع تقديرنا لتجارب المجددين المشكورة في هذا المجال.

وعن علاقة حوزة الإمام الحجة(عجل الله فرجه)مع الحوزات الدينية الأخرى في لبنان، والحوزات الدينية الكبرى خارجه، خاصة في العراق وإيران , تحدّث المدرّس في الحوزة سماحة الشيخ محمد صالح الفقيه فقال:

إن العلاقات المنسقة والمنظمة بين الحوزات الموجودة في لبنان بشكل عام قليلة تصل أحيانًا إلى حدّ الإستفسار عن طالب منتقل من تلك الحوزة إلى هذه، وهو تواصل عادي قد لا يزيد عن إعطاء إفادة مكتوبة في حقّ الطالب تبيّن مستواه الدراسي وسلوكه الأخلاقي بشكل عام. وربما تُوجَّه دعوات لأساتذة الحوزة وطلابها لحضور ندوة أو مناسبة دينية، أو توزَّع بعض الكتب والمجلات إن توفرت.

سؤال / هل هناك طموحات أخرى من هذه الناحية؟

الجواب: نحن نتطلع إلى مستوى أعلى من التواصل والتنسيق، حتى تصبح الحوزات المتعدّدة والمتباعدة في حكم الحوزة الواحدة، فإن الخطوط العريضة في المناهج العلمية وغيرها محلّ وفاق، خصوصًا بعد فرض الالتزام بميثاق الحوزات العلمية الدينية، إلا أن التركيز على الجدّية في الالتزام بالمناهج العلمية، والتربية الأخلاقية، والمتابعة للطلاب، لا يترك للطالب المقصّر خيارًا غير الجدّ والاجتهاد والتفرّغ للاجتهاد والتحصيل، بحيث لو انتقل إلى أي حوزة أخرى لا يتغيّر من حاله سوى المكان، أمّا التساهل مع هؤلاء، أو فسح المجال أمام أنصاف المؤهلين فإنه يولّد شريحة من الطلبة غير مرضيّة مما ينعكس سلبًا على الطائفة فضلاً عن أهل العلم.

سؤال / وماذا عن العلاقة مع الحوزات الكبرى في قم والنجف؟

الجواب : من الطبيعي أن الطالب الذي ينهي مرحلة المقدّمات والسطوح في لبنان، لا بد له أن يسعى لدراسة الفقه والأصول بمستوى البحث الخارج عند أحد الأساتذة المجتهدين، ومن المعلوم أن الخيارات في جبل عامل محدودة جدّا فعلاً، لذا لا يستغني الطالب عن السفر إلى إحدى العاصمتين العلميتين النجف الأشرف أو قم المقدسة، والثانية كانت هي الخيار في العقدين الأخيرين، وتعدّد الأساتذة له أثر بالغ في إغناء ذهنية الطالب بمختلف الأذواق والمناهج التي يتعرّف إليها من الأساتذة المجتهدين.

وقد سافر فعلاً إلى قم عدد من طلابنا، ونتمنى أن تتوفر الإمكانات لمساعدتهم ماديًا للصمود فترة أطول ليقطعوا مراحل علمية قد لا تتيسر لهم فعلاً في جبل عامل.


ــــــــــــــــــــــــــ

([1]) [مكاسب الفقيه] تأليف المرجع الديني الشيخ محمد تقي الفقيه(قدس سره).

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية