العدد الحادي عشر/ خريف 2007م  / ذو الحجة 1428هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

"قراصنة وأباطرة"

(الإرهاب الدّولي في العالم الحقيقي)

تأليف: ناعوم تشومسكي

قراءة : د. بسام طه

أوّلاً: التّعريف بالكاتب:

ولد ناعوم تشومسكي في سنة 1928 في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتّحدة الأميركية لعائلة من المهاجرين اليهود الروس، ودرس في جامعة بنسلفانيا اللّغويات والرّياضيات والفلسفة وحصل منها على الدّكتوراه في علم اللّغويات، ومنذ حصوله على الدّكتوراه وهو يدرّس الطّلبة.

ويعتبر تشومسكي أهم عالم لغويات معاصر، وأحد أكثر العلماء تأثيراً في علم اللّغويات الحديث.

وتستخدم نظريات تشومسكي اللّغوية بكثرة في علوم الاتّصالات وعلوم الحاسب الآلي.

بيد أن هذا الجانب العلمي لا يمثّل الجانب الأهم من تشومسكي، فيكفي أن نعرف أنّه أهم المنشقّين في الولايات المتّحدة الأميركية. وصفه البعض بأنّه يهودي يكره ذاته، واعتبرته محطّة [سي أن أن] الإخبارية: "أهم نقاد السّياسة الأميركية" ، واختير ضمن أحد الاستفتاءات الثقافية في الولايات المتّحدة ليكون ضمن أهم ثلاث شخصيات ثقافية على قيد الحياة في هذا القرن.

له مؤّلفات عديدة تناولت السياسة الأميركية والإرهاب بتعريفه الحقيقي والتّعريف الأميركي.

ثانياً: كتاب "قراصنة وأباطرة"

العرض الوصفي:

نحن أمام كتاب قيم جرت ترجمته في قسم التّرجمة في دار حوران، وصدرت الطّبعة العربية الأولى منه عام 1996، وهو كتاب من القطع المتوسط يحوي بين دفّتيه مائة وثمانين صفحة موزّعة على ثلاثة فصول ومقدّمة.

يمثل هذا الكتاب دراسة معمّقة للفكر الأميركي الرّسمي في تعريفه للإرهاب، ويمثّل تشومسكي فيه شهادة خبير في صميم الواقع الأميركي، ومتبصر في حالة الأدلّة والكيفية التي تتم فيها صناعة الرّأي في أميركا وبالتّالي شن الحروب والعمليات الواسعة تحت ذريعة الإرهاب، الذي حصروا تعريفه فقط بإرهاب الأفراد والحركات التّحررّية، واستبعدوا الإرهاب المنظّم للدّول من هذا التّعريف. ويلقي هذا الكتاب الضّوء على بعض النّماذج التي تمثل واقع الفكر السّائد للنّخبة المسيطرة في الولايات المتّحدة.

العرض التّحليلي:

تركّزت مباحث الكتاب حول فكرة رئيسية وهي [الإرهاب]، ويذكر الكاتب في مقدّمته قصّة قرصان وقع في أسر الإسكندر الكبير، الذي سأله:

[كيف يجرؤ على إزعاج البحر والعالم؟

فأجاب القرصان: [لأنّني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب، أُعَدُّ لصاً، وأنت، الذي يفعل بأسطول ضخم، تدعى إمبراطوراً] .

ويرسم هذا الجواب ملامح العلاقة الرّاهنة بين الولايات المتّحدة ومختلف اللاعبين الصّغار على مسرح الإرهاب الدّولي. كما يلقي الضّوء على معنى ومفهوم الإرهاب الدّولي في الاستعمال الغربي المعاصر.

تشومسكي يؤكّد أنّ الإدارة الأميركية ومنذ قدوم الرّئيس رونالد ريغن إلى الحكم تبنّت (الحرب على الإرهاب) كمحور أساسي للسّياسات الخارجية الأميركية، وهي نفس اللّغة المستخدمة إلى يومنا هذا، لكن المشكلة هنا تكمن في تعريف الإرهاب وفيما إذا كانت الولايات المتّحدة تتبنى التّعريف الرّسمي للإرهاب، وهو استخدام العنف ضد المدنيين من أجل تحقيق غايات سياسية أو دينية أو غايات أخرى، أو أنّها ستلجأ إلى محاولات عديدة لتحريف تعريف الإرهاب باعتبار أنّ التّعريف الأول يجعلها من الدّول الإرهابية.

ويبيّن تشومسكي في كتابه أنّ التّعريف الرّسمي للإرهاب غير مهم لأنّه غير مطبّق عملياً.

كذلك فالإرهاب في نظر الولايات المتّحدة هو الإرهاب الصادر عن الأفراد والجماعات التي تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في دول العالم الغربي، وتسعى إلى الحد من أطماع هذه الدّول، وعلى ذلك فالإتّحاد السوفياتي والدّول العربية الممانعة ومنظّمة التّحرير الفلسطينية يمارسون الإرهاب حتى ولو كانوا على صواب فيما يناضلون من أجله.

ويظهر الكاتب الأهداف الكبرى لوضع [الإرهاب الدّولي] في بؤرة الاهتمام المركزية لإدارة ريغن عندما تسلّم السّلطة في عام 1981، وقد حدّدها في مقدّمة الكتاب:

1- نقل الموارد من الفقراء إلى الأغنياء.

2- زيادة ضخمة لقطاع الدّولة في الاقتصاد وبالطّريقة التّقليدية الأميركية.

3- زيادة ملموسة في التّدخّل الأميركي، بأعمال التّخريب والإرهاب.

ومثل هذه السّياسات لا يمكن تقديمها للجمهور بالمصطلحات المقصودة منها، ويمكن تجسيدها فقط إذا أصبحت عامة السّكان مرعوبة فعلاً من وحوش علينا حماية أنفسنا منها.

في الفصل الأوّل:

وهو الفصل الأهم في الكتاب يتطرّق الكاتب إلى مسألة التّثقيف وصناعة الرّأي العام، ويعطي أهمية كبرى لمقولة: [السّيطرة على ما يفكّر به الناس] .

فهو يرى أنّه عندما تكون حرية الفكر والرّأي في الولايات المتّحدة [أمراً] لا مناقشة فيه، وعندما يكون صوت الشّعب مسموعاً إلى حدّ كبير، وعندما تكون أساليب القمع غير موجودة وغير لائقة في بلد كهذا، تصبح الحاجة ماسة وضرورية إلى السّيطرة على ما يفكّر به الشّعب، وضمان أن يقول هذا الشّعب الأشياء الصّحيحة أي الأشياء التي تكون منسجمة مع تطلّعات النّخبة المسيطرة (الحاكمة)، وعلى هذا الأساس يشير الكاتب إلى مصطلحات وردت في أدبيات صنّاع العلاقات الأميركية، واستخدمت كآليات للتّحكم بالفكر وهي [فبركة الموافقة] أو [هندسة الموافقة] ، [الوهم الضّروري] ، [معتدل] ، [متطرّف] ، [رافض].

ويتّخذ الكاتب من القضية الفلسطينية نموذجاً لتلك السّياسة التي أشار إليها، ويفنّد بهذا الشّأن عدداً من المصطلحات في الأدبيات الأميركية استخدمت لتحقيق نتيجةٍ مؤدّاها أن الشعب الفلسطيني ومن ورائه الدول العربية هي رافضة تمامًا لإسرائيل ، وأنها تمارس إرهابًا ، وأنها متطرفة ، وأنها لا تقبل بالآخر .

والواقع غير ذلك بطبيعة الحال ، فالكاتب يتعرّض لهذه الأوصاف والمصطلحات واحدةً واحدة ، ويُظهر أن ما خبرته وسائل الإعلام الأميركي بعيد عن الواقع والصدق ، ويبرهن على أن الدول العربية والفلسطينيين قدّموا ما يكفي من مبادرات تُظهر نواياهم المؤيدة للسلام وأنهم غير رافضين للآخر ، مما يعني أن سياسة النخبة المسيطرة في أميركا تبنّت وروّجت لمفاهيم مُصَمّمة لاستثناء أي فهم ممكن للحقائق والقضايا .

وعلى هذا الأساس يبيّن الكاتب أن مصطلح الإرهاب ، وهو الفكرة الرئيسية، كيف أصبح تعريفه محصورًا في فئة محدودة من أعمال الإرهاب : ليس  الإرهاب بالجملة -أي إرهاب الإمبراطور- ، إنما الإرهاب بالتجزئة -أي إرهاب القرصان، إذا عدنا إلى قصة (الإسكندر والقرصان)-.

اعتمد الكاتب في مؤَلفه على نصوص وشروح وقراءات لكتّاب وصحفيين ومحرّرين في الولايات المتحدة جعلت الإرهاب في الشرق الأوسط قضية أولى للبحث في عام 1985 ، وساهمت في فبركة الدعاية والإعلام والتمهيد لعلميات استباقية على هجوم يدّعون أنه سيحصل.

ويختم الكاتب هذا الفصل بقوله : "الرقابة الحرفية بالكاد موجودة في الولايات المتحدة، ولكن التحكّم  بالفكر هو صناعة مزدهرة ، وفي الحقيقة صناعة لا غنى عنها في مجتمع قائم على مبدأ قرار النخبة (و) مصادقة الجمهور أو إذعانه".

أما الفصلان الثاني والثالث :

فهما عرض لمسألتين شكّلتا مسرح عمليات للآليات المعروضة في الفصل الأول ، وهما الإرهاب الشرق أوسطي ، وليبيا ودورها في الإرهاب .

وقد طرح الكاتب في هذين الفصلين مسألة الإرهاب ، وكيف كان ملاصقًا بتعريفه الغربي (الإمبراطوري) للفلسطينيين والدول العربية الممانعة ، وقد أجرى تشومسكي مقارنة بين الأعمال التي تقوم بها مجموعات رافضة لسياسة الولايات المتحدة ، وبين مثيلاتها التي تقوم بها مجموعات موالية لسياسة الولايات المتحدة ، فيظهر بوضوح اختلاف المعايير ، والكيل بمكيالين ، حيث ينطبق على الأولى تعريف الإرهاب ، أما الثانية فهي أعمال مشروعة وإنسانية.

ويناقش الكاتب في هذا الشأن أحداث غواتيمالا والسلفادور ولبنان وليبيا.

تقييم عام:

إن كتاب ناعوم تشومسكي الصادر في أواخر الثمانينات جدير بالقراءة والتمعن من كل مثقف عربي ودارس للفكر والمجتمع ، وهو من الكتب الثرية ، المفعمة بالعرض والتحليل ، والتي تغني المكتبة العربية ،وتلهم صنّاع القرار السياسي العربي لصياغة مستقبل عربي مشرق ومزدهر .

ولا بد من عرض نقاط أجدها ضرورية لبناء هندسة تاريخية حسب مصطلحات الأميركيين ، ألا وهي :

1- إن سياسة الولايات المتحدة القائمة على ازدواجية المعايير والمرتكزة على النفس الإمبراطوري العنصري لم تتغير حتى يومنا هذا ، وما تشهده منطقة الشرق الأوسط ليس إلا دليلاً على ما ذكرت.

2- إذا كانت الإدارة الأميركية بوجوهها المتعددة تسيطر على نظامي التحليل والتأليف في السياسة وصياغة الرأي العام ، فهل يعني ذلك أن لا وجود لأراء وتحليلات تعكس الواقع الحقيقي للمسائل ؟

الأمر في هذا المجال متروك للنشاط العربي والإسلامي في سعيه وتقرير إمكانياته للكشف عن هذه الأقلام والتكامل معها في سبيل إظهار الصورة الحقيقية.

3- ثمّة سؤال يطرح نفسه : هل النظم العقائدية المعمول به في البلاد الإسلامية عمومًا ، والعربية خصوصًا ، قادرة على إنتاج رأي عام حر يفهم مصالحه بما يتناسب مع مصلحة وطنه وليس بما يتناسب مع مصلحة المستعمر والوصي ؟

المسألة برأيي تبدأ من المنزل إلى المدرسة وصولاً إلى حركة الإنسان في مجتمعه.

* * *

أعلى الصفحة     محتويات العدد الحداي عشر