العدد الحادي عشر/ خريف 2007م  / ذو الحجة 1428هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

العلامة الحلي في سيرته وتراثه الفكري ومنهجيته العلمية

الشيخ جعفر كوثراني

تمهيد

هناك بعض المفكرين الذين كان لهم دور هام في إثراء الدّراسات الفلسفية والكلامية، ولم تتوفر حولهم دراسات منهجية وافية، تُبرز مناحيهم الفكرية، ومنهم على وجه التّحديد الحسن بن يوسف الحلي، المشتهر بلقب [العلامة]، فهو صاحب مدرسة فكرية لا يزال تأثيرها إلى يومنا، وبخاصة في حقلَيْ التّشريع والكلام. وكثير من مؤلّفاته العلمية المتنوّعة لا يزال مرجعًا هامًا ومصدرًا للثّقافة العربية والإسلامية. وصلة الحلي بالفلسفة والكلام ليست عارضة، بل له رؤيته الخاصّة فضلاً عن إحاطته التامّة بموضوعاتهما.

ويمكن اعتبار ذلك كلّه من جملة الأسباب المّهمة التي تستوجب تسليط الضّوء على شخصّيته من خلال سيرته وتراثه الفكري ومنهجيته في البحث العلمي.

أ - نشأته ودراسته

العلامة الحلي هو أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن مطهّر، ولد في مدينة الحلّة العراقية في شهر رمضان من عام 748هـ([1])/1250م.

وهو أوّل من لقّب بـ [آية لله]([2]) من علماء الإمامية، وعرف بألقاب أخرى، كالفاضل، وجمال الدّين، وشيخ الطائفة، والعلامة([3])، وهذا أشهر ألقابه، بل هذا اللّقب ينصرف إليه عند الإطلاق([4]).

عاش العلامة الحلّي في أواسط القرن السابع الهجري وعقدين من القرن الثامن الهجري/الثالث عشر الميلادي، في فترة اجتياح المغول أكثر المناطق الإسلامية، وتعتبر تلك الفترة بداية تحوّل في الاتّجاهات الفكرية وبداية تاريخ فكري جديد امتاز بالرّكود والجمود.

وقد كان للغزو المغولي آثار سيّئة على الحضارة العربية والإسلامية([5])، فقد هدمت الصّروح العلّمية في العواصم الإسلامية، لا سيما بغداد، فأحرقت مكتباتها ودمّرت دور العلم فيها، مما أدى إلى نزوح قسم كبير من رجال الفكر والأدب إلى أماكن أكثر أمانًا.

وكاد أهل الحلّة أن يكونوا من جملة النّازحين لولا أن اجتمع علماء الحلّة، وعلى رأسهم والد العلامة الحلّي (سديد الدّين يوسف)، وأجمع رأيهم على مكاتبة السّلطان المغولي لكي يجنّبوا الحّلة وأهلها فتك المغول، وقد أفلح العلماء في الحصول على أمر من هولاكو -قائد المغول- يعطي الأمان لأهل الحلّة وأعمالها([6]). وهذا ما ساعد على نشوء المراكز العلمية الهامة في الحلّة.

وكان أن تأسّست معاهد الحلّة العلمية بعد أن فرّ فقهاء الشّيعة ومتكلّموهم من بغداد حين دخول السّلاجقة إليها([7])، وبقيت تلك المعاهدة تمارس نشاطها حتى بعد سقوط بغداد([8]). وقد استوعبت الحلّة روّاد العلم في معاهدها التي كانت تدرّس ضروب المعرفة([9]).

هذه الأحداث والتّطورات التي عاصرها العلامة الحلّي قد أثرت في نشأته وسيرته الفكرية، وطبعت حياته الفكرية بطابع مميّز، كما سيتبين ذلك من خلال نشاطه الفكري في حلّه وترحاله.

فنشأة العلامة كانت في بيتٍ عريق بالعلم والدّين، ومن أسرة عربية صميمة، وفي جو حركة علمية، خصوصًا أن والده كان من الفقهاء والمحقّقين والمدرّسين المرموقين، ووالدته أخت المحقّق الحلي -جعفر بن يحي بن سعيد- أحد أكابر فقهاء الإمامية في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، وكان من طلائع العلماء والمشرّعين في العراق، فضلاً عن إشرافه على إدارة الحوزات والمدارس الدينية التي كانت الحلّة يومذاك مركزها الرّئيسي([10]).

تلقّى العلامة العلم عن كبار علماء عصره، فدرس الفقه والكلام والأصول العربية والعلوم الشّرعية على والده الشيخ يوسف. وكذلك أخذ الفقه والكلام عن خاله المحقّق جعفر بن يحيى بن سعيد الحلي، ولازمه فترة طويلة من خلال دراسته عليه([11]). ودرس الفلسفة على يد كمال الدين بن علي البحراني المعروف بـ[ابن ميثم]([12]).

وأمّا أبرز أساتذة العلامة الحلي في الفلسفة والكلام فهو الفيلسوف محمد بن محمد بن الحسن الطوسي([13]) المشتهر باسم الخاجة نصير الدين الذي برع في الرّياضيات والفلسفة والكلام([14]).

درس العلّامة عليه الرّياضيات والفلك وسائر العلوم العقلية والفلسفية، كما صرّح هو نفسه بذلك، حيث قال: [قرأت عليه إلهيات الشّفاء لأبي علي سينا، وبعض التّذكرة في الهيئة تصنيف الخاجة]([15]).

وحظي العلامة الحلي عند الطوسي بمكانة سامية، وقد اصطحبه في إحدى رحلاته إلى بغداد، وسأله [في الطريق عن اثنتي عشرة مسألة من مشكلات العلوم، إحداها انتقاض حدود الدّلالات بعضها ببعض]([16]). وتولى الحلي شرح بعض كتب أستاذه الطوسي في الفلسفة والكلام، ككتاب قواعد العقائد وتجريد الاعتقاد([17]). وهو أول شارح لكتاب التّجريد، بل من أهم الشّراح له، إذ سهّل بشرحه فهم الكتاب الذي كان يصعب فهمه لشدّة اختصاره ودقّة المسائل المطروحة فيه، وقد أثنى العديد من شرّاح التّجريد على شرح العلامة الحلّي، من بينهم شمس الدين الأصفهاني الذي قال: [لولا شرح الحلّي لَمَا شُرح هذا المتن]([18]).

والطوسي نفسه يقول في هذا المعنى: [لولا هذا الفتى العربي- يعني العلامة الحلي- لبقيت كتبنا بلا شرح..]، كما يقول عندما سئل -بعد زيارته الحلّة- عما شاهده فيها: [رأيت خِرّيتًا ماهرًا، وعالمًا إذا جاهد فاق]([19]).

وعمومًا فقد برز تفوّق العلامة الحلّي علميًا، وهو لا يزال في مطلع شبابه، حيث إنّه أنهى أكثر مؤلّفاته في الحكمة والكلام قبل أن يُكمل السادسة والعشرين من عمره([20]).

وهذا ما ذهب إليه الطوسي إذ أقرّ للعلامة بالمهارة في العلوم العقلية وهو شاب([21]).

وباختصار : كان العلامة الحلّي مُجليًّا في كلّ العلوم المنتشرة والمعروفة في عصره، لذا نُعت بالكثير من الأوصاف العلمية، كالأصولي والمحدّث والرّجالي والأديب والرّياضي والحكيم والمتكلّم والمفسّر([22])، كما وصفه الصّفدي بأنّه [إمام في الكلام والمعقولات]([23]).

ولم تخْفَ على الطوسي أستاذيّةُ العلامة الحلّي، فدرس عليه الفقه([24])، وهذا ما أكسبه ثقة كبيرة في معاهد الحلّة العلمية، فضلاً عن ما يتمتّع به العلامة الحلّي من مؤهّلات فكرية حدت بطلاب العلوم إلى السّعي نحوه من كلّ حدب وصوب للاستفادة من علومه.

وكثر تلامذة الحلّي والدارسون عليه، وبرز منهم متفوّقون توصّلوا إلى رتبة الاجتهاد([25])، ونذكر فيما يلي بعض أشهر الدارسين عليه في الحلّة، وهم:

1- ولده فخر الدين محمد، وهو من الفقهاء البارزين في عصره، وله مؤلّفات عديدة أهمّها: إيضاح الفوائد، وقد اشتغل بتحرير كتب أبيه. ومن الجدير ذّكره أنّ كثيرًا من كتب الحلّي قد ألّفها بناءًا على طلب ولده هذا.

2-عميد الدين، عبد المطّلب الحسيني الأعرجي الحلّي، كان فقيهًا وأصوليًا جامعًا للمعقول والمنقول.

3- قطب الدين محمد من محمد الرّازي البويهي، الذي اشتهر بالمنطق وشروحاته، كشرح الشّمسية ومطالع الأنوار والمحاكمات.

ومما يجدر ذكره هنا أنّ الشيخ (محمد بن مكّي المتوفّى في أواخر القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي) المعروف بالشّهيد الأوّل ممن هاجر من جبل عامل إلى الحلّة ليقرأ على العلامة الحلّي، فوجده قد توفّي، فقرأ على ولده فخر الدين تيمّنًا وتبرّكًا لا حاجةً وتعلّمًا..([26]).

وفضلاً عن تلامذة العلامة الحلّي الذين درسوا عليه في الحلّة، هناك الكثير ممن حضر أبحاثه ودرس عليه أثناء رحلاته وتجواله خارج الحلّة، إذ وسّع العلامة دائرة نشاطه الفكري، فكانت له أسفار ورحلات، كتََب وباحث ودرّس خلالها، حتى إنّ كثيرًا من كتبه ألّفها في خلال أسفاره ورحلاته.

ومن هنا وصف الصّفدي الحلي بأنّه [كان يصنّف وهو راكب]([27]).

ب - رحلات العلامة

كان العلامة الحلي كثير التّنقل([28])، فله رحلات عديدة، وما يهمّنا منها هو رحلاته العلمية، وسأقتصر على أهم رحلة له، وهي رحلته إلى بلاد إيران، والتي دامت من أواخر عام 709هـ. ولغاية عام 713هـ([29]). وقد تخلّل هذه الرّحلة تجوال في أكثر مدن إيران بصحبة السّلطان المغولي خدابنده الملقب بـ[أولجايتو]([30]).

وقد وفد العلامة إلى تلك البلاد على أثر دعوة وجهها له السّلطان المذكور، لما كان يمثل الحلي من مكانة علمية مرموقة إذ أنّه [كان أشهر المجتهدين في العهد المغولي]([31]).

وقد ذكر المؤّرخون وأصحاب التراجم والسير أن سبب استدعاء العلامة الحلي من قِبَل السّلطان كان لمشكلة فقهية عرضت له -أي للسلطان- وعجز عن حلّها فقهاء البلاط المغولي، وذلك عندما طلّق السّلطان خدابنده زوجته ثلاثًا في جلسة واحدة وبلا شهود، ثم أراد الرّجوع إليها، فاختار أرباب المذاهب السّنية الفتيا التي لم تُجوِّّز رجوع المطلّقة ثلاثًا إلا بزواج آخر، خلافًا لما يذهب إليه الشّيعة من تضييق دائرة الطّلاق، فلا يقع بالثلاث إلا طلقة واحدة مع توفّر الشّهود، فاختار السّلطان من فقهاء الشّيعة العلامة الحلي ليسمع منه بملأ ومحضر ممن حوله من الفقهاء، وجعلها مناقشة علنية وحرّة حتى يرى قوّة رأي الشّيعة الذين مثلهم العلامة حينها، وبالفعل فقد حاجج الحلّي الفقهاء وأفحمهم في تلك المسالة مستدلاً عليها بالنّصوص القرآنية والأدلة المسلّمة لدى الفريقين، كما هو دأبُهُ في أكثر أبحاثه الفقهية.

وبعد هذه القضية اشترك العلامة الحلي بمناظرات كلامية واسعة، ومباحثات علمية شتّى وبصورة علنية مع أئمّة المذاهب الأخرى، وعلى رأسهم قاضي القضاة نظام الدين المراغي([32]). وقد تم ذلك بحضرة السّلطان المغولي الذي أعجب بمهارة العلامة في الجدل وسعة اطّلاعه، فطلب منه البقاء بكنفه، وجعله من مستشاريه في الشّؤون الدينية والتّشريعية.

وحرص السّلطان دومًا على اصطحاب العلامة الحلي معه في حلّه وترحاله للاستفادة من مجالسه الفكرية وعلومه الجمّة. وقد عمل السّلطان بكثير من نصائحه إلى حد أنّه التزم بالمذهب الإمامي الاثني عشري، فتشيّع السّلطان ومن معه من الأمراء وقادة الجند وكان السّلطان أولجايتو لا ينفك يزداد رغبة ورسوخًا في التّشيع متأثّرًا بمصاحبة العلامة الحلي حتى أعلن التّشيع مذهبًا رسميًا للدّولة، وكتب أسماء أئمة الشّيعة على العملة المتداولة في حينها([33]).

وأسس السّلطان المذكور -بعد وصول العلامة الحلي إلى إيران- مدرسة كبرى إلى جانب قبّة السّلطانية -عاصمة السّلطنة- وذلك بطلب من العلامة الذي كان يرى أنّ له رسالة في الحياة الدّنيا تتجاوز المظاهر المادية، وهي نشر العلم وتهيئة علماء يقومون بترويج الفكر وبعث النّهضة من جديد.

وقد أولى العلامة الحلي هذه المدرسة اهتمامًا كبيرًا، فكانت منهلاً للعلوم وهرع إليها الطّلاب من كلّ حدب وصوب، وبقيت عامرة حتى بعد وفاته، وأطلالُها لا تزال باقية إلى يوما([34]).

إلى ذلك، فقد أنشأ السّلطان مدرسة سيارة، بناءًا لطلب العلامة الحلي، الذي كان حريصًا كلّ الحرص على نشر العلم وإفادة الناس به، وجُهزت المدرسة النّقالة بالكتب والمصادر اللازمة وكانت ترافق السّلطان في رحلاته وأسفاره([35])، فكانت [تُنقل من آذربايجان صيفًا، إلى بغداد شتاءً]([36]).

وقد درّس العلامة الحلّي في هذه المدرسة وناقش وباحث، ومنح عددًا من الدارسين عليه إجازات علمية. ولكي نأخذ صورة عن الإجازة التي كان يمنحها فيها أذكر ما جاء في إجازته للشيخ محمد بن محمد الرازي حيث يقول فيها العلامة الحلي: [قرأ عليّ هذا الكتاب -أي كتاب قواعد الأحكام- الشيخ محمد.. قراءة بحث وتدقيق وتحرير وتحقيق، وسأل عن مشكلاته واستوضح معظم مشتبهاته فبيّنت له ذلك بيانًا شافيًا]([37]).

كما أنّ العلامة الحلي ألّف كتبًا ورسائل عدّة في هذه المدرسة، نذكر منها على سبيل المثال: (منهاج الكرامة) إذا يقول في آخره: [وقع الفراغ منه في المدرسة السّيارة السّلطانية في كرمانشاهان] و(الألفين الفارق بين الصّدق والمين) في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي يقول في آخره: [هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب..، وذلك في غرّة رمضان المبارك سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. وكتب حسن بن مطهر ببلدة جرجان في صحبة السّلطان الأعظم غياث الدين محمد أولجايتو].

ج - آثار العلامة الحلي الفكرية

كانت أوقات الحسن بن المطهر الحلي في معظمها تمضي تدريسًا وتأليفًا وإرشادًا، لا مكان فيها للبطالة والملل، فأثمرت عطاءً فكريًا واسعًا ومهمًّا، حتى بلغ نتاجه الفكري المائة والعشرين مؤلّفًا في مختلف حقول المعرفة التي اشتهرت في عصره([38])، وهو إرث ضخم جدًا فيما إذا قيس بالفترة الزّمنية التي عاشها الحلّي، إذ بلغت خمسًا وسبعين عامًا، وإلى هذا أشار رونلدسن بقوله: [وكانت كثرة تآليفه أعجوبة لكافة من عرفه]([39]).

ولا يخفى اهتمام المفكّرين والعلماء والباحثين بمؤلّفات علامتنا الحلي، إذ هي محط أنظار كثير منهم تدريسًا وشرحًا وتعليقًا، على اختلاف اهتماماتهم، وذلك لتنوّع نتاج العلامة الفكري الذي شمل أكثر علوم عصره، فأخرج من كلّ علم أكثر من مؤلّف يمتاز عن الآخر، فمنها مطوّلات، ومنها موجزات، ومنها شروح على كتب أخرى، مما جعل نتاجه متعدّدًا سواء في الفقه والأصول واللّغة والتّفسير أم في المنطق والفلسفة والكلام.

ولا يزال قسم كبير من مؤّلفات العلامة الحلّي مخطوطًا، كما أنّ منها ما لم يصلنا إلا اسمه. هذا فضلاً عن بعض الكتب التي نسبت إلى العلامة ولا نقطع بصحة النّسبة، مثل كتاب المعتمد في فقه الشّريعة وشرح حكمة الإشراق، وكتاب الإيمان.

وفيما يلي أقتصر على تعداد مؤّلفات العلامة:

أوّلاً- مؤلّفاته في علم الفقه:

1- مختلف الشيعة في أحكام الشّريعة.

2- تذكرة الفقهاء: وهو في الفقه المقارن.

3-منتهى المطلب وهو في الفقه المقارن.

4- قواعد الأحكام.

5- تحرير الفتاوى والأحكام.

6- إرشاد الأذهان.

7- تلخيص المرام في معرفة الأحكام.

8- تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين.

ويبدو أنّ العلامة تطرّق لموضوعات فقهية في كتب ورسائل أخرى لم يصل إلينا منها سوى عناوينها وهي:

1- تسليك الأفهام في معرفة الأحكام.

2- تهذيب النّفس في معرفة المذاهب الخمس.

3- تنقيح قواعد الدين المأخوذة عن آل ياسين.

4- مدارك الأفهام في الطّهارة والصّلاة.

5- المنهاج في مناسك الحاج.

6- رسالة في واجبات الوضوء والصّلاة.

7- تعليقه على كتاب المعتبر للمحقق الحلي([40]).

ثانيًا- مؤلّفاته في أصول الفقه:

جعل العلامة الحلي مؤلّفاته الأصولية -غير الشّروح منها- مكملّة لبعضها، إذ أعدّ جملة منها لدارسي هذا العلم، فمنها البسيط والمختصر، ومنها المبسوط والدّقيق، ونذكر أهم مؤّلفاته الأصولية:

1- مبادئ الوصول إلى علم الأصول.

2- تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول، اختصر فيه كتابه الكبير [النهاية].

3- نهاية الوصول إلى علم الأصول، ولا يزال مخطوطًا([41]).

4- غاية الوصول في شرح مختصر الأصول لابن الحاجب، وهو مخطوط.

5- منتهى الوصول إلى علمي الكلام والأصول، وهو مخطوط.

6- النكت البديعة في تحرير كتاب الذّريعة للشّريف المرتضى، وهو مفقود.

ثالثًا- مؤّلفاته في تفسير القرآن:

له كتابان في التّفسير لم يعثر عليهما، وهما:

1- القول الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.

2- نهج الإيمان في تفسير القرآن، وقد [لخص فيه جملة من كتب التّفاسير كالكشاف والتّبيان وغيرهما]([42]).

رابعًا- مؤّلفاته في الحديث وعلومه:

1- استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار، وهو مفقود.

2- مصابيح الأنوار، ولم يعثر على هذا المؤّلف.

3- النهج الوضاح في الأحاديث الصّحاح، وهو مفقود.

4- خلاصة الأخبار، وهو مخطوط([43]).

خامسًا- مؤلّفاته في علم الرّجال:

وضع العلامة في علم الرّجال أكثر من مؤلّف، أهمّها:

1- كشف المقال في معرفة الرّجال، وهو موسوعة رجالية كبيرة، إلا أنّ هذا الكتاب لم يعثر عليه.

2- خلاصة الأقوال في معرفة الرّجال، وقد طبع مرارًا.

3- إيضاح الاشتباه في أسماء الرّواة، وهو مطبوع.

سادسًا- مؤلّفاته في علوم اللّغة:

ألّف في النّحو وعلوم العربية كتبًا عدّة، لكنها للأسف لم تصلنا، وهي:

1- بسط الكافية.

2- المقاصد الوافية بفوائد القانون والكافية.

3- كشف المكنون من كتاب القانون.

سابعًا- مؤّلفاته في المنطق والفلسفة والكلام:

تجاوزت آثار العلامة الحلّي في هذه العلوم الخمسين مؤّلفًا وأهمّها:

1- القواعد الجليّة في شرح الشّمسية في المنطق، وهو مطبوع.

2- الجوهر النضيد في شرح منطق التّجريد للطوسي، وهو مطبوع.

3- الأسرار الخفية في العلوم العقلية: وهي المنطق والطّبيعي والإلهي([44])، وهو مخطوط.

4- مراصد التّدقيق ومقاصد التّحقيق: في المنطق والطّبيعي والإلهي، وهو مخطوط([45]).

5- إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد، وهو مطبوع([46]).

وللعلامة الحلي كتب أخرى في المنطق والفلسفة إلا أنّه لم يعثر عليها، وهي:

1- القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي والإلهي.

2- نهج العرفان في علم الميزان.(أي المنطق).

3- تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث ( المنطق والطبيعي والإلهي).

4- الدّر المكنون في علم القانون.

5- النور المشرق في علم المنطق.

6- كتاب المقاومات.

7- حل المشكلات من كتاب التّلويحات للسهروردي.

8- إيضاح التّلبيس من كلام الشيخ الرّئيس.

9- إيضاح المعضلات من شرح الإشارات، والشّرح للطوسي.

10- كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار لدبيران الكاتبي.

11- كشف الخفاء من كتاب الشّفاء.

12- بسط الإشارات في شرح إشارات ابن سينا.

13- الإشارات إلى معاني الإشارات.

14- التّعليم التام في الحكمة والكلام([47]).

وأمّا كتب العلامة في علم الكلام فهي:

1- مناهج اليقين في أصول الدين: وهو أوسع كتاب كلامي لدى العلامة.

2- نهج المسترشدين: وهو أيضًا في أصول الدين.

3- نهج الحق وكشف الصّدق: ويشتمل على مسائل في علم الكلام والفقه وأصوله، للرد على آراء الأشعرية، وأُلف حوله كتب كثيرة: منها محاولة لنقضه ككتاب (إبطال الباطل..) تأليف الفضل بن روزبهان الأصفهاني. ومنها انتصارًا لآرائه ككتابَيْ إحقاق الحق للقاضي الشهيد نور الله الحسيني المرعشي، ودلائل الصّدق لمؤلّفه الشيخ محمد حسن المظفّر([48]).

4- الباب الحادي عشر.

5- أنوار الملكوت في شرح الياقوت.

6- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للطوسي، ويعدّ هذا الكتاب أهم شرح على التّجريد وأوّله([49]).

7- كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد للطوسي، وهو مطبوع.

8- منهاج الكرامة في مباحث الإمامة. وقد حاول ابن تيمية الرّد عليه ومناقشته في كتاب أسماه [منهاج السّنة].

9- الألفين الفارق بين الصّدق والمَيْن: قصد بتأليفه ذكر ألف دليل على إثبات إمامة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وألف دليل على بطلان إمامة غيره، ورد شُبَه المخالفين، فأتم الألف الأولى وقسمًا من الألف الأُخرى، وهو مطبوع.

10- الرّسالة السّعدية في الكلام، وهو مطبوع.

11- كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، وهو مطبوع.

12- واجب الاعتقاد، طبعت مع شرحها باسم (الاعتماد).

13- استقصاء النّظر في القضاء والقدر، وهي رسالة صغيرة، وهو مطبوع.

14- معارج الفهم في شرح النّظم، وهو مخطوط.

15- الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.

16- نهاية المرام في علم الكلام، وهو مخطوط.

17- تسليك النّفس إلى حظيرة القدس، وهو مخطوط([50]).

18- إيضاح مخالفة أهل السّنة للكتاب والسّنة، وهو مخطوط.

19- إثبات الوصية للإمام علي([51]).

وللعلامة الحلي كتب كلاميّة أخرى لم يعثر عليها، وهي:

1- كتاب التناسب بين الأشعرية والفرق السوفسطائية.

2- منهاج الهداية ومعراج الدّراية.

3- مقصد الواصلين في معرفة أصول الدين.

د - منهج العلامة وطريقته في البحث العلمي

المنهج هو السّبيل الذي يسلكه المؤلّف في عمله، والخطّة التي يضعها الباحث ويسير وفقها في جميع مراحل بحثه([52]).

والعلامة الحلّي هو واحد من أولئك الباحثين والمؤلّفين الذين اشتهروا بكثرة الكتابة والتّأليف في شتى حقول المعرفة، كما ظهر لنا ذلك من العرض المتقدّم لآثاره الفكرية، لذا جاء منهج الحلّي وأسلوبه في البحث العلمي متنوّعًا ومتميّزًا بتنوّع وتميّز الموضوعات التي كتب فيها.

ففي علم الفقه غلّب العلامة أسلوب التّتبع والاستقراء والمقارنة على معظم دراساته الفقهية، سواء من حيث الدّليل على الحكم والفتوى أم من حيث نقله للآراء الأخرى. وهذا ما يتجلّى بوضوح في أكثر أبحاثه الفقهية، كما يظهر الحال في مسألة مسح الرّأس في عمليّة الوضوء، إذ يقول الحلّي في ذلك: [الواجب من مسح الرّّأس لا يتقدّر بقدر في الرَّجل، وفي المرأة يكفي منه أقلّ ما يصدّق عليه الاسم. وبه قال الشيخ([53]) في (المبسوط) والأفضل أن يكون بقدر ثلاث أصابع مضمومة، وبه قال السّيد المرتضى, وقال (أي الشيخ) في (الخلاف): يجب مقدار ثلاث أصابع مضمومة،وهو اختيار ابن بابويه، وأبي حنيفة في إحدى الرّوايتين. وقال الشافعي: [يجزى ما وقع عليه الاسم، وذهب بعض الحنابلة إلى أن قدر الواجب هو الناصية، وهو رواية عن أبي حنيفة، وحكي عن أحمد أنّه لا يجزي إلا مسح الأكثر]([54]).

فالملاحظ هنا أنّ العلامة صدّر رأيه وفتواه في المسألة ثم تتبع فتاوى الآخرين من فقهاء الشّيعة، ثم عرض آراء جملة من فقهاء أهل السّنة بغية المقارنة وإظهار مدى التّوافق أو التّخالف.

ولو سقنا مثالاً آخر- وليكن مسألة نقض الوضوء بالنوم- لرأينا العلامة يتتبع الدّليل، إذ يقول: [قال علماؤنا: النوم الغالب على السّمع والبصر ناقض للوضوء..وهو مذهب المُزني وإسحاق وأبي عبيد.. لنا [والقول للحلّي]: النّص والمعقول. أمّا النّص فقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}([55]). وأمّا المعقول، فهو: [أنّ النوم سبب لخروج الحدث]([56]).

فهو إذن يبدأ بعرض الدّليل من القرآن الكريم بصفته دليلاً مشتركًا ومتوافقًا عليه بين جميع الفقهاء؛ وذلك لأجل إقناع بقية الفقهاء، وبعدها يورد الأدّلة الخاصّة بالمذهب، وبذلك يجعل بحثه الفقهي عامًا متوافقًا مع جميع الآراء والمذاهب.

بالإضافة إلى ما تقدّم فإنّ البحث الفقهي لا يستغني عن المنهج النّقدي المرتبط بالنّصوص من حيث السّند وصحّة طريق النّص، وكذا المنهج التّحليلي المستخدم للوصول إلى المعنى المقصود من النّص، وهذا يتمّ بالاعتماد على معرفة أوضاع اللّغة العربيّة والفهم العرفي الشائع في عصر النّص مع إحاطة الفقيه بالظّروف التي عايشت النّص.

كلّ ذلك قد اعتمده العلامة في دراساته الفقهية لما له من أثر في الفقه العملي التّشريعي المتوقّف على ممارسة الاجتهاد.

وكما يعتمد العلامة الحلّي في الفقه أسلوب التّتبع والاستقراء والمقارنة، فإنّه كذلك يعتمد المنهجيّة نفسها عندما يتطرّق إلى مسائل الأصول، فمثلاً عندما يبحث العلامة عن القيمة التّشريعية لأخبار الآحاد([57]) يبدأ بتعريف خبر الواحد في اصطلاح الأصوليين، فيقول: [هو ما يفيد الظّن وإن تعدّد المخبر، وهو حجّة في الشرع، خلافًا للسّيد المرتضى ولجماعة]([58]). يستفاد من نصّه هذا أنّه بعد تتبّعه للآراء في المسألة قد وجد مخالفة السّيد المرتضى له بالإضافة إلى جماعة آخرين-كابن أدريس([59]).

ثم يورد العلامة الأدلّة على اعتبار الخبر- أي صحّة الاعتماد عليه في الفقه- من الكتاب والإجماع والعقل. فمن الكتاب قوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا..}([60]) إذ أوجب الله تعالى التّثبت عند إخبار الفاسق، فإذا أخبر العدل لم يجب التّثبت ويجب القبول وهو المطلوب([61]).

وأمّا دليل الإجماع فقرّره العلامة كالتالي: إنّ [جماعة من الصّحابة عملوا بأخبار الآحاد، ولم ينكر عليهم أحد، فكان إجماعًا]([62]).

وقرر العلامة دليل العقل مستندًا إلى قاعدة وجوب دفع الضّرر، فاعتبر أنّ الالتزام بخبر الواحد [ يتضمّن دفع ضرر مظنون فيكون واجبًا]([63]). أي إن ترك العمل بمضمون الخبر مظنّة للوقوع في الضرر الذي يتمثّل بالعقاب الإلهي لأجل ترك التّكليف، وتجنّب ذلك واجب في الحكمة، فيجب ما يعين على ذلك وهو الالتزام بخبر الواحد واعتباره حجة في الشّرعيات([64]).

وأمّا منهج العلامة الحلّي في الفلسفة فهو عقلي محض لكون مسائلها محض عقلية، ولذا أكثر من استخدام الأدلّة والبراهين المنطقيّة، وكثيرًا ما يلجأ إلى برهان الخلف لإثبات مطلوبه، فيفترض عكس النّتيجة التي أراد الوصول إليها ثم يدلل على بطلانها لتصح النّتيجة، كما يتجلّى ذلك بوضوح في مسألة وجود واجب الوجود، إذ يقول: [اختلف القوم في وجود واجب الوجود، فذهبت طائفة إلى أنّ وجوده نفس حقيقته، وآخرون إلى أنّه زائد عليها، والحق هو الأول، والدّليل عليه: أنّ الوجود لو كان زائدًا لكان صفة للماهية فيفتقر إليها فيكون ممكنًا، وكلّ ممكن له مؤثّر فلوجوده مؤثّر، هذا خلف]([65]).

نجد في برهانه هذا تضمينًا للكثير من المسلّمات واللّوازم المتسلسلة منطقيًّا. فكون الوجود زائدًا على الماهية يلزم منه الافتقار والإمكان، ومن لوازم الإمكان الاحتياج إلى مؤثّر، فيلزم من ذلك الحدوث في ذاته تعالى ونفي قدمه وهذا فاسد، وكلّما فسد اللازم فسد الملزوم.

أمّا الموضوعات التي بحثها العلامة في المنطق فلم تتجاوز ما سبق وبحثه المتقدّمون من مسائل المنطق التّقليدي، ولذا كان منهجه المنطقي هو المنهج السائد في دراسة الموضوعات المنطقية قبله وهو منهج فلسفي لغوي تعليمي([66]).

من هنا برزت السّمات الفلسفيّة واللّغوية والتّعليميّة مجتمعة في دراسات العلامة الحلي المنطقيّة، فالمنهج الفلسفي الجدلي تجلّى بوضوح في أبحاثه، كما هو الحال في مسألة تعريف المنطق وعدّه من العلوم، يقول العلامة في هذا الصّدد: [وقد اختلف فيه، والحق أنّه علم متعلّق بالمعقولات الثانية -وإن لم يكن علمًا بالمعقولات الأولى- وهو داخل تحت مطلق العلم. وقول المخالف: (إنّه آلة في اكتساب العلوم فلا يكون علمًا) خطأٌ؛ لأنّه ليس آلة لجميعها حتّى البديهيات والنّظريات التي لا يتطرّق إليها الخطأ -بل لبعضها، ويجوز أن يكون بعض العلوم آلة لغيره، كالهندسة وغيرها]([67]). أراد الحلّي بالمخالف الفارابي وابن سينا والغزّالي وبقية الفلاسفة الذين ذهبوا إلى اعتبار المنطق من الآلات والفنون التي ليست من العلوم المستقلّة.

وقد غلّب العلامة السّمة التّعليمية أيضًا، في أبحاثه المنطقيّة، إذ راعى في ترتيب موضوعاته ومسائله حاجة المتعلّم، فبحث لأجل ذلك عن موضوعات لا تمتّ إلى المنطق بصلة ولكن يتوقّف عليها البحث المنطقي، كمباحث الألفاظ التي هي بمثابة مدخل إلى علم المنطق ومطالبه، مما تساعد على مسائل المنطق، يقول الحلّي في هذا الصّدد: [إنّ المنطقي لا نظر له بالذات في الألفاظ، وإنّما نظره الذاتي في المعاني..]([68]).

ثم بحث بعد ذلك في موضوع القضايا ثمّ الاستدلال المباشر وصولاً إلى الاستدلال غير المباشر؛ أي أنّه تدرّج من السّهل إلى الصّعب متوافقًا مع أحدث النّظريات التّعليمية.

واستند العلامة في عرض مسائل المنطق وموضوعاته على ألفاظ اللّغة، لكون الألفاظ طريقًا إلى تحصيل المعاني، فامتاز منهجه المنطقي بالسّمة اللّفظية، إلا أنّه استعان بالرّموز أيضًا لكنّه حصرها بمتغيّرات القضايا إذ لم يرمز إلى ثوابت القضايا البتّة، يقول العلامة في مبحث (قياس العكس) -الذي هو أحد أنواع لواحق القياس-: [وهو عبارة عن إبطال إحدى مقدّمتي قياس المستدل، بقياس مركّب من نقيض النّتيجة أو ضدّها مع المقدّمة الأخرى([69]). مثاله: إذا كان قياس المستدلّ (كلّ ج ب وكلّ ب أ) فيقول العاكس في تكذيب الصّغرى إنه يصدق (ليس كل ج أ وكل ب أ) ينتج (ليس كل ج ب) وهو يقابل الصغرى تقابل النّقيض، ولو قلنا: إنّه يصدّق ( لا شيء من ج أ) وضممناها إلى الكبرى أنتج ( لا شيء من ج ب) وهو يقابلها تقابل الضّدية]([70]).

لاحظنا أنّ الرّمزية التي استخدمها العلامة غطّت متغّيّرات القضايا فقط، غير أنّ ثوابت القضايا مثل: (كل)، و (لا).. لم يستبدلها برموز البتّة، شأنه في ذلك شأن السابقين عليه.

وباختصار تشكّل طريقة العلامة الحلّي في الدّراسات المنطقيّة منهجًا تركيبيًا تكامليًا يرتكز على اللّغة والتّعليم والجدل.

وأمّا في علم الكلام فمنهج العلامة توفيقي بين العقل والنّقل، بل مقدِّمًا للعقل على النّقل في حالات التّعارض وعدم إمكان التّوفيق بينهما، كما هو الحال في النّصوص القرآنية التي يظهر منها للوهلة الأولى التّجسيم في ذات الباري تعالى، فإنّ العلامة يصرفها عن ظاهرها في ذلك ويؤولها إلى معنى آخر يوافق العقل. ويرتكز العلامة في ذلك على قاعدة كلاميّة متّفق عليها بين الإمامية وهي: إنّ الشرع موافق للعقل، وإذا ورد نصّ شرعي يوهم ظاهره خلاف العقل فلا بد من تأويله، لأنّ أصل الالتزام في قضايا الشّرع وأحكامه قد دلّ عليه العقل، وبعبارة أخرى إنّ ثبوت الشّرع إنّما يكون بالعقل.

وعلى العموم فقد ساد المنهج الفلسفي الجدلي على جلّ الأبحاث الكلامية التي عرضها الحلّي في مؤلّفاته تماشيًا مع طريقة أستاذه الفيلسوف نصير الدين الذي يعتبر بحقّ مؤسس المنهج الفلسفي في علم الكلام الإسلامي.

* * *

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

1- الحلي، الحسن بن يوسف: خلاصة الأقوال في معرفة الرّجال (رجال العلامة الحلي)، المطبعة الحيدرية، النّجف، سنة 1961م، ص45 وص48.

[2] - ويعني هذا اللّقب أنّه مجتهد فقيه يُرجع إليه في الأحكام الدّينية.

[3] - ينظر: أ - الزّركلي، خير الدّين: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، سنة1992م، ج2،ص227.

 ب - الأفندي، عبد الله: رياض العلماء، منشورات مكتبة المرعشي، قم، سنة 1401هـ، ج2، ص359.

 ج - الحلي، الحسن بن علي (المعروف بابن داوود): الرّجال، منشورات المطبعة الحيدرية، النّجف، سنة 1972م، ص78.

[4] - رونلدسن، دوايت م: عقيدة الشّيعة (تعريب ع. م)، مؤسسة المفيد، بيروت، سنة 1990م، ص295.

[5] - نعمة، عبد الله: فلاسفة الشّيعة، دار الكتاب الإسلامي، قم، سنة 1987م، ص272 - 273.

[6] - الحلّي، الحسن بن يوسف: كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، وزارة الثّقافة، طهران، سنة 1991م. ص81-82.

[7] - عقيدة الشّيعة، مرجع مذكور: ص295.

[8] - الحلي، الحسن بن يوسف: مناهج اليقين، تحقيق محمد رضا الأنصاري، ط قم، سنة1416هـ المقدّمة، ص30.

[9] - كركوش، يوسف: تاريخ الحلّة، منشورات الرّضي، قم، سنة 1413هـ. القسم الأوّل، ص 75.

[10] - فلاسفة الشّيعة، مرجع مذكور: ص 272، وأيضًا كتاب الرّجال لابن داوود، مرجع مذكور: ص78.

[11]- ينظر: (أ) فلاسفة الشيعة: ص275. (ب) الخوانساري، محمد باقر: روضات الجنات، منشورات إسماعيليان، قم، سنة 1391، ج2 ص278. (ج) البحراني، يوسف بن أحمد: لؤلؤة البحرين، دار الأضواء بيروت، سنة 1986م، ص 223.

[12] - وهو فيلسوف ومتكلّم شهير، صاحب تصانيف مهمة في العقليات، أشهرها قواعد المرام في علم الكلام، وشرح فلسفي لنهج البلاغة، وله آثار أخرى لا زالت خطية، ككتاب البحر الخضم في الإلهيات، وغاية النّظر في علم الكلام، والوحي والإلهام، والمعراج السّماوي وغيرها. ينظر: (أ) البحراني، كمال الدين بن علي: قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق أحمد الحسيني، منشورات مكتبة المرعشي، قم، سنة 1406هـ، ص8 و12 ؛ (ب) الحلي، الحسن بن يوسف: إرشاد الأذهان، تحقيق فارس تبريزيان، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، سنة 1410هـ، ج1، ص40.

وكان [ابن ميثم] من تلامذة الفيلسوف الطوسي البارزين في مجال الفلسفة.

ينظر : الأعسم، عبد الأمير: الفيلسوف نصير الدين الطوسي، دار الأندلس، بيروت، سنة 1980م، ص53.

[13] - وقد صرّح العلامة الحلي باستفادته من الطوسي[في العلوم الإلهية والمعارف العقلية] في كتابه [كشف المراد]: ص11.

[14] - الأعسم ، عبد الأمير: الفيلسوف نصير الدين الطوسي: ص53 وص62.

[15] - كتاب الألفين، ص 18.

[16] - الأمين ، السيد محسن: أعيان الشيعة، دار التّعارف، بيروت، سنة1986م، ج5، ص396.

[17] - ومن الجدير ذكره أنّ هذا الكتاب لعب دورًا هامًا في [التأسيس الفلسفي لعلم الكلام في العصور المتأخرة]، فقد صهر الطوسي فيه المنهج الكلامي الشّيعي منذ زمان الشّريف المرتضى- (ت 436هـ / 1044م) بأسلوب فلسفي. وقد اشتمل هذا الكتاب على أهم الموضوعات الكلامية والفلسفية، مصنّفًا إياها في ستة مقاصد هي: 1- في الأمور العامة. 2- في الجواهر. 3- في إثبات الصانع وصفاته. 4- في النبوة. 5- في الإمامة. 6- في المعاد.

وهذه المقاصد تُعدّ تجسيدًا مكثّفًا (لأبعاد الجدل العقلي في الإسلام) منذ القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي - في النزاع بين الفلاسفة والمتكلّمين من جهة وبين المتكلّمين أنفسهم. وقد أعطى الطوسي هذه الأبحاث قوّة برهانية على أسس فلسفية بحتة، فهو لأول مرّة يضع منهج المعرفة الدينية بالشكل البرهاني كطريق صحيح للوصول إلى نتائج العقيدة فلسفيًا، وقد احتذى المتكلّمون من بعده طريقة هذا الكتاب في وضع المؤلّفات الكلامية، ككتاب المواقف لعضد الدين الايجي (756هـ/1355م) وكتاب المقاصد لسعد الدين التفتازاني (792هـ/1489م) وكتاب المجلي لابن أبي جمهور الأحسائي (توفي سنة 901هـ/1496م)، فضلاً عن كتب العلامة الحلّي الذي أرسى ذلك المنهج وكانت كتب القوم بمثابة رد على ما طرحه الحلي.

يراجع: الفيلسوف نصير الدين الطوسي: ص152-153.

[18]- ينظر : الصدر حسن ، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، دار الرائد العربي ، بيروت سنة 1981م ، ص 396.

[19] - عنى بالخرّيت: المحقق الحلّي، وبالعالم: العلامة الحلّي.

[20] - الحلي، الحسن بن يوسف: كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، تحقيق حسن مكي، وتقديم حسن الأمين، دار الصّفوة، بيروت، سنة 1993، ص22.

[21] - تأسيس الشّيعة، مرجع مذكور: ص207.

[22]- رياض العلماء، مرجع مذكور: ج2، ص359، والتّستري، نور الله الحسيني: إحقاق الحق، منشورات مكتبة المرعشي، تقديم السّيد شهاب الدين المرعشي، قم، د. تا، ج1، ص 38 -39 (المقدّمة).

[23] - الصّفدي، صلاح الدين خليل: الوافي بالوفيات،جمعية المستشرقين الألمانية، سنة 1984م، ج13، ص85.

[24] - الفيلسوف نصير الدين الطوسي، مرجع مذكور: ص53.

[25] - تأسيس الشيعة، مرجع مذكور: ص270.

[26] - أعيان الشّيعة: ج5، ص397، مرجع مذكور، ويضيف السيّد الأمين أنّ فخر الدين ولد العلامة الحلّي قد أجاز الشّهيد الأوّل وذكر في إجازته له: (قد استفدت منه أكثر مما استفاد مني).

[27] - الوافي بالوفيات، مرجع مذكور: ج13،ص85..

[28] - عقيدة الشّيعة، مرجع مذكور: ص295.

[29] - مناهج اليقين، مرجع مذكور: ص57 (التّقديم).

[30] - وأصل هذه الكلمة (أولجايتو خربته) ومعناها: السّلطان الكبير المبارك، بحسب اللّغة المغولية. لكنه اشتهر في أغلب المصادر بلقب (خدابنده). ينظر: أعيان الشّيعة: ج5، ص295.

[31] - عقيدة الشّيعة، مرجع مذكور : ص295.

[32] - ويرى حسن الأمين أنّ العلامة الحلّي هو الذي اقترح طريقة محاججة خصومه وبصورة علنيّة إذ كان متأكّدًا أنّه سيكون الحلقة المفقودة التي سوف تسهم في فسح المجال للامتداد السّياسي والعقائدي للشّيعة الإمامية في عهد المغول.

[33] - الأمين، حسن: المغول بين الوثنية والنّصرانية والإسلام، دار التّعارف، بيروت، سنة 1993م، ص353. ويراجع: الصّياد، فؤاد عبد المعطي: الشّرق الإسلامي في عهد الإيلخانيين، منشورات مركز الوثائق والدّراسات الإنسانية، جامعة قطر، سنة 1987، ص367.

[34] - كشف الفوائد، مرجع مذكور: ص25-26.

[35] - مناهج اليقين، مرجع مذكور، التّقديم: ص55. والألفين، مرجع مذكور: ص25.

[36] - المغول بين الوثنية والنّصرانية والإسلام، مرجع مذكور: ص358.

[37] - مناهج اليقين، مرجع مذكور، تّقديم: ص58.

[38] - أعيان الشّيعة، مرجع مذكور: ج5، ص398.

[39]- عقيدة الشّيعة، مرجع مذكور: ص295.

[40] - إحقاق الحق، مرجع مذكور: ج1، ص52 (المقدّمة).

[41] - مكتبة العلامة الحلي، مرجع مذكور: ص209.

[42] - أعيان الشّيعة، مرجع مذكور: ج5، ص405.

[43] - إحقاق الحق: ج1، ص57 (المقدّمة).

[44] - أحصى العلامة اليزدي مخطوطات هذا المؤلّف فبلغت 13 نسخة خطّية. ينظر: مكتبة العلامة، مرجع مذكور، 51.

[45] - كتبة العلامة الحلّي، مرجع مذكور، ص 185.

 [46]- طبع في طهران سنة 1959م.

[47] - ذكر هذه المؤلّفات برمّتها: إحقاق الحق: ج1، ص55-56 (المقدّمة).

[48] - ينظر: الحلي، الحسن بن يوسف: نهج الحق وكشف الصّدق، تقديم رضا الصّدر، دار الكتاب اللبناني، بيروت، سنة 1982م، ص34.

[49] - وقد تقدّم الكلام مفصّلاً حول كتاب التّجريد وأهميّته وشرحه.

[50] - مكتبة العلامة الحلي، مرجع مذكور، ص105.

[51] - ينظر: صبحي، أحمد محمود: نظرية الإمامة لدى الشّيعة الإثني عشرية، دار النّهضة العربية، سنة 1991م،ص509.

[52] - فضل الله، هادي: مقدّمات في علم المنطق، دار الهادي، بيروت، سنة 1996م، ص35.

[53] - وهو محمد بن الحسن الطوسي من كبائر فقهاء الإمامية في أواسط القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وكتابه المبسوط هذا موسوعة استدلالية في الفقه المقارن.

[54] - الحلي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب في تحقيق المذهب، نشر مجمع البحوث الإسلامية، إيران- مشهد، سنة1412هـ، تقديم د. محمود البستاني، ج1، ص12.

[55] - سورة المائدة/آية6.

[56] - منتهى المطلب: ج1، ص14 (التّقديم).

[57] - وهي الأخبار المروية عن النّبي والأئمة بطريق واحد أو لم تبلغ حدّ التّواتر، لأّنّها إن بلغته أفادت العلم واليقين، فتكون حجّيتها ذاتية، أي لا حاجة إلى التماس أدلّة على إثبات ذلك؛ لأنّ اليقين إليه تنتهي حجيّة كلّ حجة، وبعبارة ثانية إنّ كلّ ما أفاد اليقين لا حاجة إلى التماس دليل على حجّيته.

[58] - مبادئ الوصول إلى علم الأصول، مرجع مذكور: ص206.

[59] - هو محمد بن إدريس الحلّي، فقيه إمامي له كتب في الفقه ككتاب (السّرائر الحاوي لتحرير الفتاوي) توفّي سنة (598هـ/1201م)

ينظر القمي، عباس: الكنى والألقاب، المطبعة الحيدرية، النّجف، ج1, ص201.

[60] - سورة الحجرات/الآية6.

[61] - مبادئ الوصول إلى علم الأصول: ص206.

[62] - المصدر عينه: ص207.

[63] - المصدر عينه، الصّفحة نفسها.

[64] - أي في الأحكام الشّرعية التي يطلقون عليها (فروع الدين)،دون الاعتقاديات التي تسمّى (بأصول الدين). فإنّ هذه بنظر العلامة الحلّي لا يجوز أخذها بالظّنون التي تستفاد من الأخبار وما شاكلها، بل لا بد فيها من اليقين العقلي، وسيأتي مزيد من بيان حول هذه المسألة في الفصل الثالث.

[65] - الأسرار الخفية في العلوم العقلية (مخطوط): المقالة الخامسة، البحث الثاني.

[66] - يلاحظ: مقدّمات في علم المنطق، مرجع مذكور: ص36.

[67] - الحلّي، الحسن بن يوسف: الجوهر النّضيد في شرح منطق التّجريد، ط. قم، سنة 1362هـ. ش، ص7.

[68] - المصدر عينه، الصّفحة نفسها.

[69] - وهذا ما يعرف بقياس الخلف الذي يستخدم في إثبات صحّة أيّ قياس، ويمكن توضيح ذلك بالمثال التالي:

كلّ إنسان فان (كبرى).

كلّ عاقل إنسان (صغرى).

 فإنه ينتج كل عاقل فان.

ولإثبات صحة هذا القياس نأخذ نقيض النتيجة ونجعلها مقدمة كبرى في قياس جديد (المسمّى بقياس الخلف)، ونأخذ إحدى مقدمتي القياس الأساسي ونجعلها صغرى في قياس الخلف فيتكون قياس على الشكل التالي:

ليس بعض العاقل فانيًا (نقيض النتيجة) (كبرى)

كل عاقل إنسان (صغرى).

ينتج: ليس بعض الإنسان فانيًا.

وهذه نتيجة كاذبة وعليه فيجب أن يكون القياس الأوّل صحيحًا وهو المطلوب.

ينظر: مقدّمات في علم المنطق، مرجع مذكور: ص358-360.

[70] - الجوهر النّضيد: ص183.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الحداي عشر