السنة الرابعة / العدد الثاني عشر/ شتاء 2008 - محرم 1429هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الارتباط بين التكفير والإرهاب

الشيخ إبراهيم الأنصاري الخوئيني الزنجاني

المقدمة

أشار القرآن الكريم إلى أول اغتيال وقع على وجه الأرض وهو قتل قابيل لأخيه هابيل، فإنه بعد ما هدده بقوله {لأقْتُلَنَّكَ}([1])، هجم عليه على حين غفلة منه فقتله بحجر على ما في التاريخ، ولكنه لم ينسبه إلى الجن ولم يصل عقله إلى هذا.

وأما أول اغتيال اعترف به المؤرخون صريحًا في تاريخ الإسلام فهو اغتيال سعد بن عبادة بيد الجن المدافعين عن بيعة السقيفة، حيث كان الجن الذي قتله شاعرًا وأنشد فيه:

قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة     ورميناه بسهم فلم يخطِ فؤاده([2])

ولم يزل ولا يزال هذا الجن القاتل، والجن الذي أمره بالاغتيال يغتالون كل من لم يخضع لمدرسة الخلفاء ولم يستسلم لحكوماتهم، حتى زماننا هذا حيث حصل الارتباط بين كبار الجن في أمريكا وإسرائيل مع أفراد من الجن في البلاد الإسلامية فشكّلوا جنودًا للإرهاب يقتلون الإنس على الطريقة التي يحكي عنهم القرآن {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}([3])، ولكن الفرق بينهما أن الجن حينئذ كان يغتال الأفراد مثل سعد ولكنهم في زماننا يقومون بحروب إبادة ضد جماعات كبيرة كشيعة العراق، مضافًا إلى اغتيال شخصيات شيعية أمثال السيد محمد باقر الحكيم وغيره.

ثم إن هؤلاء الجماعة من الجن يُدْعَون بأسماء مختلفة كل اسم يشير إلى جانب من جوانب شخصيتهم أمثال (خوارج القرن) (الإرهابيين) (السلفية) (الانتهازيين) (الفتاكين) و (التكفيريين).

وكلامنا فعلاً في اللقب الأخير، ونريد الإشارة إلى الفرق بين الارتباط الواقعي بين عقيدة التكفير، وبين الإقدام على هذه الاغتيالات، وبين التذرع والتشبث بالتكفير لتبرير الإرهاب، كما يمكن التوسل إلى غير ذلك من التهم، ولذا نراهم في العراق تشبثوا بمسألة الانتساب إلى أمريكا أكثر من التكفير وكذا في (دارفور) وأفغانستان.

ونراهم لا يهجمون على الخوارج الأباضية مع تكفيرهم لعثمان وعلي وتكفير السلفية لهم على حسب مبانيهم وبالعكس.

فالأسباب الواقعية للإرهاب شيء آخر غير التكفير نشير إليها إجمالاً.

تلقين الارتباط بين التكفير والإرهاب

لقد كثر في زماننا البحث عن التكفير والتكفيريين ومدى ارتباط التكفير بالإرهاب وقد عملوا على ترويجه بكل الوسائل التبليغية من كتب وجرائد ومجلات وإذاعات.

ومما يقوّي الريبة أن وسائل الإعلام في الدول المستعمرة مثل بريطانيا وأمريكا يروجون هذه الملازمة بين الإرهاب والتكفير بشدة فمن يستمع إلى إذاعة (بي بي سي) أو (صوت أمريكا) أو (مونتي كارلو) العربية أو الفارسية والأردية يرى كيف يدعون إلى الوحدة الإسلامية ويهجمون على التكفير بذريعة أنه يجر إلى الإرهاب والتقاتل.

وحقيقة الأمر أن الدول الكافرة من الصهاينة والمستعمرين حينما يرون التعايش القائم بين أصحاب الديانات المختلفة في بلد واحد مع اعتقاد كل دين بل أحيانا كل مذهب من دين واحد كفر الدين أو المذهب الآخر، ومع ذلك يعيشون أكثر من ألف سنة بكل هدوء واستقرار فإنه تزعجهم هذه الإلفة فيقومون بالتهويل والإرهاب الفكري المنصب على الملازمة بين التكفير والإرهاب، يريدون بذلك خلق الملازمة بينهما وإيجادها ولكن بِلَحن الإخبار عن وجودها، وقد ثبت في علم النفس وعلم الاجتماع أن التلقين أقوى وسيلة للتأثير على أفكار الأفراد والمجتمعات، فترى الفرقتين المكفرتين لبعضهما البعض كانتا تعيشان مئات السنين من دون تقاتل ولكنهم بعد تأثرهم بهذه التهويلات والمقالات والخطابات النارية المنصبة على الإرهاب والتكفير تراهم يتبدلون إلى أعداء متقاتلين وحتى إرهابيين بسبب هذه التلقينات وصاروا يرونها عين الدين.

ويحتج هذا المنطق أحيانًا ببداهة الملازمة بينهما وأنه أمر لا يحتاج إلى البحث والدليل وأنه كيف يمكن أن يعيش بأمن وأمان من يعتمد مذهبين يعتقد كل منهما كفر الآخر.

وهل أنه يوجد عاقل فضلا عن عالم لا يدرك هذا الأمر البديهي وهو الملازمة بين التكفير والتقاتل.

فنراهم أحيانًا يدّعون إجماع العقلاء والعلماء وثانية مرتكز أذهان المتشرعة وأخرى يحتجون ببداهة المسألة واستغنائها عن البحث والاستدلال، وربما يشيرون إلى المحسوس الخارجي الذي نراه من الإرهابيين الذين جمعوا بين الارهاب والتكفير فيثبتون الملازمة بينهما بتجربة واحدة.

المسلمون في بلاد الكفار

ولكن هناك مئات التجارب على إبطال هذه الملازمة حيث نرى ملايين المسلمين في الدول الشرقية مثل الصين واليابان والهند وبنغلادش وكوريا يعيشون بكل سلام مع عباد الأصنام والبقر والماركسيين والبوذيين والكونفوشيين وغيرها من المذاهب والأديان المجمع على كفر أصحابهم عند كل المسلمين بكل سلام.

ونراهم يعيشون في الدول الغربية من روسيا ورومانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وأستراليا وغيرها مع المسيحيين واليهود وسائر الكفار الموجودين هناك رغم كونهم كفارًا بدون أي نزاع فضلاً عن القتال.

الكفار في بلاد الإسلام

كما أننا نرى ونسمع بما هو فوق حد التواتر تواجد الآلاف بل الملايين من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم في البلاد الإسلامية سواء مع قرار الجزية المعمول بها في القرون الأولى أو بدونها كما في القرون الأخيرة، فكانوا يعيشون في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى زماننا هذا مع اعتقاد كل يهودي كفر كل من ادعى دينًا بعد موسى، واعتقاد كل مسيحي كفر كل من آمن بنبي بعد عيسى، واعتقاد كل المسلمين كفر كل من لم يؤمن بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله).

فمع اعتقاد كل منهم كفر الآخرين كانوا يعيشون أزيد من ألف سنة من دون أي تقاتل أو إرهاب، وكذلك في زماننا في جميع الدول والبلاد يعيشون من دون أية مشكلة، وهل يوجد تجربة أوسع وأشمل من هذه؟!.

وهل يوجد دليل حسي شاهد أوضح وأبين من هذا؟!.

تعايش السنة والشيعة

وأما بالنسبة إلى المذاهب الإسلامية وعلى الخصوص الشيعة والسنة وفروعهما فقد كانت بلدة (تربت جام) في خراسان نصفها شيعة ونصفها سنة مئات السنين يعيشون مع بعضهم البعض بكل هدوء واحترام، كذا سيستان مع أغلبية الشيعة على السنة وعكسها في بلوشستان، وكذا في كردستان وحواشي الخليج من دون فرق بين البلاد التي كان عدد الشيعة أكثر من السنة أو بالعكس أو متساويين، إذ المسلم الذي يعيش بسلام وأمان مع الكافر المُجمَع على كفره، كيف يمكن أن لا يعيش مع المسلم الذي يراه طاهرًا وذبيحته حلالا وغير ذلك من الأحكام بسلام حتى ولو عرف أنه يراه كافرًا في القيامة أو في الباطن، إذ لا يزيد على الكافر الذي لا يشك بأنه كافر ومع ذلك يعيش معه من دون أية مشكلة.

وفي سلطنة عُمان يعيش الشيعة مع الأباضية منذ مئات السنين -مع تكفير كل واحد للآخر- في منتهى الأمن والأمان حتى يصرح سلطان عمان بأن أفضل رعيته هم الشيعة.

تصالح الإرهابيين مع الكفار

ومن جملة الأدلة القطعية على عدم ارتباط الإرهاب بالتكفير أنهم لا شغل لهم مع الكفار الحقيقيين الذين لا خلاف بين المسلمين أجمع على كفرهم مثل اليهود والهنود والبوذيين والكونفوشيوس والماركسيين وعباد الأصنام.

فتراهم لم يعرف منهم إلى الآن قتل يهودي واحد بيد الإرهابيين قاصدين ذلك، وحتى أنهم في تفجير البرجين لم يقتلوا يهوديًا واحدًا مع وجود أربعة آلاف يهودي فيها، وذلك إما لكون قيامهم بهذا العمل بتحريك اليهود أو أنهم أخبروا اليهود قبلاً بقيامهم بهذا العمل حتى لا يقتلوا، ولو أرادوا القيام بالأعمال الانتحارية ضد اليهود في البلاد العربية لم يبق فيها يهودي واحد، وكذا في العالم كله..... فإن اليهود في الدول الغربية وأميركا وأستراليا وروسيا كثيرون فلو أراد الإرهابيون قلع جذور الفتن ضد المسلمين بل في العالم ككل لأقدموا على قتل اليهود في كل العالم بدلا من قتل المسلمين الشيعة.

فتراهم يقتلون الشيعي ويتركون اليهود في كل بلد ويقتلون في الهند والباكستان الشيعي ويتركون عُبّاد الأصنام والبقر والبوذيين وغيرهم.

ويُفجرّون مساجد الشيعة في حال انشغالهم بالصلاة، وحسينياتهم حين إقامة الشعائر الدينية ويقتلون الأبرياء ويتركون عباد الأصنام والبقر وغيرهما في معابدهم مشغولين بأداء الطقوس الشركية.

وفي باكستان قتلوا آلاف الشيعة ولم يقتلوا كافرًا واحدًا لكفره مع كثرة الكفار هناك.

ومن غريب الأمر تركهم السيخ والشيعة الإسماعيلية في الهند وباكستان وأفغانستان وسوريا ومصر مع اتفاق علمائهم على تكفيرهم وتسميتهم بالملاحدة.

إن هذه السيرة المشبوهة في اهتمامهم البالغ وتركيزهم على قتل الشيعة الاثني عشرية، مع تصريح من يُعتد به من علمائهم -حتى ابن تيمية- بعدم تكفيرهم للشيعة، هذه السيرة تدل على عدم ارتباط خطة الإرهاب بعقيدة التكفير وإنما تدل على ارتباطها بحاجةٍ في نفس اليهود.

الشيعة عدو اليهود الأصلي

فالمنشأ الأصلي لما ذكر أن الحكومات الإسلامية بين مستسلم لليهود وصديق لهم وبين ساكت محايد بحيث أحس اليهود بارتياح كامل من قبل جميع الحكومات الإسلامية سوى الحكومة الشيعية الإيرانية والحكومة العلوية السورية والمقاومة الشيعية اللبنانية.

فهذا هو أهم منشأ لعداوةِ الإرهابيين للشيعة وهذا هو السبب في توجّه الجيوش والمنظمات الإرهابية إلى كل دولة شيعية أو إلى حيث يكون للشيعة نشاطات دينية وتحركات مذهبية مثل باكستان وأفغانستان وبعض الدول الأفريقية.

ولا ينافي ما ذكرنا إقدامهم على قتل بعض الجنود الأمريكيين من الزنوج والمرتزقة إذ لا قيمة لهم عند اليهود وإنما جعلوا قتلهم ستارًا للتغطية على مؤامراتهم الأصلية في قلع جذور الشيعة من العراق فقتلوا مئات الآلاف من الشيعة وهجّروا منهم الملايين وتستروا بغطاء قتل أربعة آلاف من زنوج أمريكا ومن المرتزقة.

أسباب تكوّن الحركات الإرهابية

السبب الأول -وهو العمدة-: مصالح الصهاينة والدول الاستعمارية.

والشاهد على هذا : التنبه إلى زمن ظهور الإرهابيين ومكانه والأهداف التي يهاجمها الإرهابيون، والجهة المستفيدة من أعمالهم، فنقول:

من أهم الجنايات التي قام بها الاستعمار الأمريكي والغربي -بتحريك من اليهود- ترويجهم للفرق المتشددة الداعية والمنفذة لأعمال الإرهاب من فتك واغتيال للأبرياء وهدم لبيوت الله وقتلٍ لعباد الله ومحاربة لدين الله، وقد كثر البحث عن سبب إيجاد الاستعمار لهم وما هي مصلحته في صنع خلايا إرهابية؟!

حيث دلت القرائن الكثيرة على أن أصل تأسيس السلفية هم اليهود وتحت إشرافهم وقد أشرنا إلى غياب آلاف اليهود الذين كان لهم مكاتب ومحلات في البرجين المستهدفين فلم يقتل منهم أحد، وكانت لهم تظاهرة كبيرة في نيويورك في ذلك اليوم وذهب شارون إلى أمريكا لأجلها فألغوها قبل يوم من الحادثة.

ولكن المحسوس الواقعي يغنينا عن الخوض في الفرضيات الخيالية فإن من البديهي أن الأمريكان أحدثوا حزب (جيش الصحابة) في باكستان لمحاربة الحركة الشيعية التي كانت تتقدم يومًا بعد يوم، وكذلك لمناهضة الأحزاب اليسارية الداعية إلى الحرية والتقدم، فضربوا بحجر واحد عصفورين وحاربوا بجيش واحد في جبهتين ونجحوا نجاحًا مؤقتًا، ثم إن الحكومة الشيوعية الروسية في أفغانستان والتي لم يجد الأمريكان لها علاجًا إلا بإحداث فرقة الطالبان وتدريبهم بواسطة جيش الصحابة المجاورين لهم وبإرسال رؤسائهم للتدرّب في السعودية. أضف إلى ذلك النجاح المؤقت في إيجاد الحزب الإرهابي في الشيشان في قلب الاتحاد السوفياتي السابق وفي الجوار الفعلي لروسيا.

وقد استفاد الأميركان من تكوين الأحزاب السلفية المتشددة لمحاربة منافسيهم من الدول الكبرى ولتحقيق أهدافهم في جميع الدول الإسلامية، مع اختلاف أسماء تلك الحركات حسب المصلحة من (فتح الإسلام) و(جند الشام) و(القاعدة) و(الطالبان).

عباراتنا شتى وقبحك واحد        وكل إلى ذاك الضلال يشير

ثم بعد زمن قليل استولى الشيوعيون على الحكومة الأفغانية فوصل الروس إلى قلب الشرق الأوسط، ولم يكن للسلفية وجود في أفغانستان أصلا، فإذا في مدة قليلة تمكنت أمريكا من خلق جيش كبير من السلفية من نفس العائلة - بشتون- التي كانت عش الشيوعية.

ثم إنهم لما احتلوا العراق أرادوا التحفظ على شعار الديمقراطية فاضطروا إلى التسليم ظاهرا لإرادة الأكثرية الشيعية في إعطاء الحكم لها.

وفي نفس الوقت أرادوا إبعادهم عن الحكم تدريجيًا بل تهجيرهم من بلدهم وذلك عبر اتهامهم بالارتباط بالأمريكان مما يشكّل ذريعة للإرهاب في قتل الشيعة وتهجيرهم، فأمروا بن لادن وجماعته أن يرسلوا جيوشهم إلى العراق، وأمروا البعثيين أن يلحقوا بهم ويتظاهروا بالسلفية، ولكن البعثيين وبدافع المكر أوعزوا إلى الإرهابيين أن يهجموا على جيوش أمريكا ويقتلوا البعض من مرتزقتهم وأتباعهم ممن لا قيمة له عندهم، فكانت حصيلة من قتل منهم ثلاثة آلاف من المرتزقة فموّهوا بذلك على الناس، ولكن الأميركان تمكنوا بذلك من محاصرة إيران من الشرق الأفغاني والغرب العراقي بواسطة السلفية.

ثم رأينا أنه بمجرد سقوط الماركسية تمكنوا من تأسيس جيش قوي من الشيشان في قلب الاتحاد السوفياتي .

وهكذا في دارفور لوقوف الحكومة السودانية في مقابل الاستعمار الأمريكي.

والحاصل أن خبراء علم النفس وعلم الاجتماع والسياسة من اليهود تمكنوا في مدة قصيرة من خلق قوة سلفية وتشكيل جيش كبير منهم ليتحرك أينما أرادوا في العالم.

النفاق منشأ الإرهاب

السبب الثاني من أسباب الإرهاب والذي يعتبر السبب الأصلي له: هو (النفاق)، بمعنى أن المؤمن لا يقدم على قتل عدوه غيلة وغدرًا بل يقف أمامه ويقاتل غالبًا ومغلوبًا، ويدل على ما ذكرنا الحديث النبوي عن طريقي الشيعة والسنة: الإيمان قيد الفتك، وفي رواية أخرى: المؤمن لا يفتك.

وقد تجعل الرواية الثانية ذيلا للرواية الأولى، فالروايتان صريحتان في أن الفتك لا يصدر من المؤمن الذي آمن بقلبه كما أسلم بلسانه، نعم قد يصدر الفتك ممن لم يؤمن بقلبه وإنما أظهر الإسلام بلسانه وهذا هو الذي يسمى بالمنافق.

وقد ركز نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) على إعلان نفاقهم لعلمه بتظاهر هؤلاء بالتشدد في الإسلام والاستماتة في سبيل الدفاع عنه والتضحية لأجله بحيث ينخدع بهم أكثر المسلمين، ولذا ركز على نفاقهم وطردهم عن ساحة الإسلام والمسلمين ليتضح الأمر للجميع.

ومن أهم علائم النفاق ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه (ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق)([4]).

وفي رواية أخرى (ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب إلا كان نفاقًا)، وفي سورة المنافقين {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}([5]).

ونحن نرى في التظاهر بالالتزام الديني عند السلفية ما يوهم بتسنمهم أعلى مراتب الإيمان، ولو تطابق هذا الظاهر مع باطنهم لكانوا في مصاف الأنبياء (عليهم السلام) ، بل لعل تشدّدهم فيما يتظاهرون به يقصدون منه الإيحاء بتجاوزهم حتى لتلك المقامات العالية، وحيث إنا نعلم يقينًا كذبهم في هذا القدر فإننا نقطع بأن المقدار الذي يتظاهرون به يقتضي كذب دعواهم فيدخلون في النفاق بمقدار مخالفة ظاهرهم لباطنهم ، قليلاً أو كثيرًا.

فلا يمكن أن يكون هؤلاء مؤمنين بل هم منافقون كما صرح نبينا (صلى الله عليه وآله) في حق الخوارج حيث قال : يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم([6]). يعني لا يدخل قلوبهم وهذا هو النفاق.

فبقي أن يكون باطنهم بلا إيمان كما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله)، أو أقل من ظاهرهم وهذا هو النفاق لقوله (صلى الله عليه وآله): (ما زاد من خشوع الجسد على ما في القلب إلا كان نفاقًا)، وقوله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}([7]).

فميزة الإرهابيين في طول التاريخ هي تظاهرهم بمرتبة من الإيمان ليس في باطنهم مثلها، وهو ما يحركهم إلى الفتك والاغتيال كما يظهر من الرواية المتفق عليها الإيمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن([8])، يعني لا يفتك إلا منافق، ولا يُستغرب إقدامه على الموت لأن مرض النفاق إنما يمنع من الشهادة في سبيل الله وأما في سبيل الطاغوت فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بنفاق الخوارج وكانوا يستقبلون الموت في طريق الباطل كما كانوا يجتنبونه في طريق الحق{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ}([9])، فحرصهم على القتل عن طريق الفتك والاغتيال منشؤه أمران مرض روحي وهو امتلاؤهم بغضًا بلا حب وتبرّوءًا بلا تَوَلٍّ كما سيأتي. ومرض ديني قلبي وهو النفاق، ولا يشفي غليلهم إلا قتل الأشخاص المؤمنين بالفتك وقتل شخصيتهم الدينية بالتكفير والتضليل.

السبب الثالث من أسباب الإرهاب: محاولة الإساءة إلى سماحة الدين الإسلامي ، وذلك عن طريق إعطاء القسوة والغلظة والفظاظة صيغة دينية وإدخالها في القيم الدينية الأخلاقية، وتصوير الإسلام بصورة الأديان البربرية والوحشية، الداعية إلى محاربة العواطف الإنسانية والرحمة والرأفة.

وهذه الجهة لها مبرراتها ومستنداتها -مع شديد أسف- عند السلفية المتساهلين في الأخذ بكل ما يسمى بالحديث النبوي، أو السنة والسيرة النبوية وقد ذكر بعض نماذجه صديقي العزيز المدافع عن حريم أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) الشيخ علي الكوراني في مقال في مجلة رسالة النجف العدد الخامس وأنا أستفيد من تتبعه مع زيادات مني فأقول:

نسب عمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الله يعذب الميت ببكاء أهله عليه([10]).

سبحان الله أليس عمرًا هو الذي انزل الله فيه قوله تعالى في سورة الأنعام {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}([11]). ثم كُرّر هذا المضمون في سورة الإسراء وفاطر والزمر وغيرها من سور القرآن والحديث النبوي.

فكيف يمكن تعذيب الميت الذي لا يقدر على منع أولاده من البكاء حال كونه في القبر لأجل بكائهم عليه؟!

نعم هنا الكارثة الكبرى والمصيبة العظمى وهي إنكار الحسن والقبح العقليين والعقلائيين وتمهيد نسبة الظلم إليه تعالى إلى حدّ يفتخر أكبر أئمتهم في العقائد بأنه لا يوجد أي مانع عقلي من أن يخلد الله جميع أنبيائه المرسلين والملائكة المقربين في النار ويخلد الكفار والمنافقين في الجنة بلا حساب.

فهل يوجد لدى المعتقد بهذه العقيدة أيّ وازع ديني أو رادع وجداني يمنعه عن القيام بالمجازر الكبيرة والقسوة البالغة؟

ونقل الشيخ الكوراني رواية عن عائشة أنها سئلت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: [كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وَجَدَ -أي حزن- فإنما هو آخذ بلحيته]([12]).

ثم إن الشيخ الكوراني أجاب عن هذه التهمة الكبيرة ودافع عن نبيه ونبي المسلمين بذكر موارد من بكائه وجريان دموعه في روايات صحيحة في صحاحهم، ثم ذكر بأن أتباع مدرسة الخلفاء لم يجرأوا على ترك رواية عائشة مع وجود الروايات الصحيحة على خلافها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقد روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: (قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون)([13]).

وقال البخاري في موضع آخر: (فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم)([14]).

وفي موضع آخر(.... فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا)([15]).

وفي رواية بعد قطع أيديهم وأرجلهم: (وما حسمهم) ([16])، والحسم الكي بالنار لقطع الدم.

وفي رواية مسلم: (ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا)([17]).

وفي رواية الزمخشري : قال أنس : (فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا عطشًا)([18]).

وفي تفسير القرطبي : (فكانوا يقولون الماء، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : النار) . وقد حكى أهل التواريخ والسير : أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه، وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات ([19]). وأنه (ص) أحرقهم بالنار بعد قتلهم.

ولكن الشافي ذهب إلى قبول أنه سمل أعينهم، فكان علي بن الحسين ينكر ذلك كله.

وقد نقل المؤرخون جميعا قصة هارون الرشيد -والذي هو عندهم أمير المؤمنين وخليفة رسول الله- حينما كان يحتضر، وجاؤوه برئيس الخوارج في حال النزع، فأمر بصلبه أمام عينه، وأمر بقشر جلده حيًا، فبدأوا من رأسه وهو يصيح وهارون يلتذ من صياحه، حتى وصلوا إلى صدره، فخرجت روحه وروح هارون معًا فماتا متقاربين.

نعم من اعترف بمثل هذا الجزار أميرًا للمؤمنين وخليفة للمسلمين كيف يمكن أن يرحم الأطفال والأبرياء؟!

السبب الرابع : ومن أهم الأمور الداعية إلى الإرهاب الحسد، فإن الإنسان إذا رأى أن أهل مذهب عندهم نشاطات مذهبية ليست عنده وشعائر دينية لا يمكن إقامة مثلها، وأئمة ليس عنده مثلهم، فإنه يحصل عنده عقدة الحقارة التي هي منشأ كل جناية، فكما أن أهل الأديان لا يقدرون على أن يقرؤوا كتبهم الدينية في الإذاعات والمكبرات كما يفعل المسلمون، فكذلك الشيعة يقدرون على ذكر الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الأذان، ولكنّ الآخرين لا يقدرون على ذكر الشهادة بخلفائهم، ونحن عندنا الشعائر الحسينية وننظم آلاف القصائد في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا يوجد مثلها عندهم بالنسبة إلى خلفائهم ، وعندنا أسفار دينية خاصة بأهل المذهب، مثل السفر إلى كربلاء ومشهد والشام حيث مراقد المعصومين (عليهم السلام) والأولياء -مضافًا إلى الأسفار الدينية المشتركة بيننا وبينهم- ولا يوجد مثلها عندهم، وعندنا أئمة معصومون من نسل نبينا هم محل إكرام وتقدير وتقديس عند جميع المسلمين ولا يوجد عندهم.

السبب الخامس : من أسباب الإرهاب : غلبة الهوى على العبودية لله

لأن الإنسان حينما يفكر في انتشار الفساد في البلاد الإسلامية وغلبة الاستعمار عليها بواسطة الحكومات الفاسدة وغيرها من الأمور التي تحرك العواطف الدينية في الطبقة المؤمنة.

تراه تارة قد يتخذ القرار ويقوم بوظيفته تجاه هذه المفاسد عن طريق العقل والدين، فيتصل بعلماء المسلمين وعقلائهم، وبعد البحث والمشاورة الطويلين والمناقشات العلمية يخططون برنامجًا دينيًا معقولاً يعالج الداء ولا يزيد فيه، سواء كان البرنامج دفعيًا أو تدريجيًا.

وتارة أخرى قد يتخذ قرارًا عمليًا سريعًا انفعاليًا، متأثرًا بالعواطف والإحساسات البعيدة عن العقل والعلم، فيزيد في الداء بدلا من معالجته ولا يصل إلى دواء، بل يصبح الأمر داءً مزمنًا لا علاج له ويكون مصداقًا للمثل المعروف (إن مجنونًا واحدًا يلقي حجرًا في البئر يعجز أربعون عاقلاً عن إخراجه).

فالسلفية عبارة عن المذهب الذي لا يريد أن يكون عبدًا لله بل لعواطفه وإحساساته.

وبتعبير أصح : قد يكون السلفي دقيقًا في تشخيص الكبرى لكنه متساهل في الصغريات وتطبيقاتها، فهو ربما يأخذ الحكم الكلي من الشرع ولكنه يأخذ تطبيقاته من أهوائه وميوله الشيطانية، ومن شهوته وغضبه.

ومن الأمور المهمة التي يُعرف بها السلفية:

1- تسرّعهم في الرواية والعمل قبل الدراية، فتراهم بمجرد الورود في بحث من المسائل يسترسلون في نقل الآيات والروايات من دون تفقه ودراية.

2- وهنا جهة أخرى قريبة مما ذكرنا -وإن اختلفت الحيثية- وهي تقديمهم للتعبّد على التفقّه وإدخالهم التعبد في متن التفقه مما يسقطه عن درجة الاعتبار .

3- وجهة ثالثة قريبة منهما وهي الإفراط في التقليد والابتعاد عن الاجتهاد، بحيث جعلوا تبعية السلف شعارًا بل اسمًا لجماعتهم السلفية.

السبب السادس : من الأسباب الباطنية الداعية إلى الإرهاب شدة الميل إلى البراءة أكثر من الولاية وبيان ذلك:

أن البراءة قد تتولد من الولاية مثل نفي الشريك المتفرع عن كمال معرفة الله تعالى وعموم سيطرته وشمول سلطانه، مما لا يترك موردًا عند العاقل المنصف لاحتمال شريك له تعالى، ومثل عموم نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) واستمرارها الموجب لضيق المجال على المتنبئين والدجالين، وكذا جامعية أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهة الأفضلية والنص المانع لإمكان شرعية أية خلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) مع وجوده عليه السلام.

وقد لا يكون هوى وعلاقة الإنسان وحبه من جهة الفضائل الإنسانية، بحيث تكفي نفس ولايته لإيجاد البراءة من منافسيه، فإذا لم يكن ملاك الحب لإنسانٍ هو ما يمتلكه من الفضائل الإسلامية والإنسانية، فإن أتباعه يضطرون إلى اتخاذ نهج البراءة بدون الولاية مبدءًا اعتقاديًا، فيكون مذهبهم نظير بعض المبتلين بالأمراض النفسية الذين يقوى فيهم الغضب أكثر من الحب، وتكون القوة الدافعة غالبة على الجاذبة حتى يصل إلى حد كأنه ليس فيهم القوة الجاذبة أصلاً فيتجسّد فيهم البغض والحقد ويمتلؤون بالغضب والعداوة.

ومن ينظر إلى الشكل والمظهر الخارجيين للسلفيين يرَ هذه الأمور جلية في سيماهم وكأنهم من زبانية جهنم ومعذبيها.

وببيان آخر : إن الإنسان قد يحبّ شخصًا قليلاً أو كثيرًا، فينتج من ذلك بغض لأعدائه بمقدار حبه له، وقد يكون عند بعض الناس حبّ بلا بغض كما في المسيحية التي تدعو إلى حب العدو، فينجذبون إلى أعدائهم دون أن يكون لديهم القدرة، على دفعهم عنهم، وهذا مع كونه مخالفًا لفطرة البشر أقل خطرًا من عكسه.

والمقصود بالعكس هو أن يكون بغض بلا حب، بمعنى أنه يوجد دافعة بلا جاذبة أو أنه لا تعادُلَ بين الجاذبة والدافعة لدى الإنسان بحيث تكون دعواه حب الله أو حب النبي (صلى الله عليه وآله) فقط بمقدار جعله ذريعة لبغض جمع خاص، وإلا فلا يرى فيه آثار الحب ولا خواصه، ولا يرى من عمل أو حالة تناسب الحب إلا جعل حب الله أو حب الرسل وسيلة لبغض الشيعة وأئمتهم، وقد يشتد الأمر لديه ويتذرّع بحبه للصحابة ليبرّر عداوته وبغضه للشيعة إلى أقصى حد ممكن في الحقد، بحيث يكون وجوده مملوءًا بالحقد على الشيعة وليس فيه شيء غيره، ويصل الأمر إلى حد يضحي بحياته في سبيل قتل الشيعة، وليست هذه التضحية كما يتوهم من أنه يختار الحياة الآخرة على الدنيا، بل ذلك مرض نفساني يجعله غير قادر على الاستمرار في حياته بشكل طبيعي، لأن الحب هو طاقة الروح فإذا لم يكن الحب في وجود الإنسان بل كان مملوءًا بالبغض والحقد فإنه يقدم على الانتحار حتى لو لم يكن يعتقد بشيء لأنه لا يقدر على الاستمرار في حياته بروح ملؤها الحقد والبغض بلا حب، وأما ما يذكرونه من الآيات والروايات فإنها لخديعة الناس وخديعة أنفسهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- المائدة: من الآية27.

[2]- مجمع الزوائد ، الهيثمي : 1/206

[3]- الأعراف: من الآية27

[4]- الكافي ، الكليني ، 2/396 .

[5]- المنافقون:4.

[6]- سبل الهدى والرشاد ، الصالحي الشامي : 10/131.

[7]- المنافقون:4.

[8]- مقاتل الطالبيين ، الأصفهاني ، ص65. وفي الكافي ، الكليني : 7/375 بهذا اللفظ (الإسلام قيد الفتك) ؛ وفي المجازات النبوية ، الشريف الرضي ، ص356 : بلفظ (الإيمان قيد الفتك).

[9]- النساء: من الآية76-

[10]- مسند أحمد : 1/36 .

[11]- الأنعام: من الآية164

[12]- نقلا عن مسند أحمد:6/141

[13]- صحيح البخارى : ج 1 ص 64.

[14]- صحيح البخارى : ج 5 ص 70.

[15]- صحيح البخارى : ج 4 ص 22.

[16]- سنن أبي داود - ابن الأشعث السجستاني ج 2 ص 331.

[17]- صحيح مسلم النيسابوري ج 5 ص 102.

[18]- الفايق في غريب الحديث - جار الله الزمخشري ج 1 ص 212.

[19]- تفسير القرطبي - القرطبي ج 6 ص 148.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني عشر