السنة الرابعة / العدد الثاني عشر/ شتاء 2008 - محرم 1429هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

رجال الشيخ البهائي

الشيخ محمد تقي محمد جواد الفقيه

 

تعد الكتابة واحدة من أهم الوسائط في نقل الفكرة وإفهامها للآخرين، فبواسطتها تعارفت الشعوب وتواصلت فيما بينها وتبادلت الفنون والمعارف.

وقد كان للكتابة أساليب ونُظُمٌ استعملها الإنسان في بداية أمره لإيصال أفكاره إلى أخيه الإنسان، ومن هذه النظم : الكتابة الصورية، والمسمارية، والرمزية، والمقطعية، إلى أن ابتُكرت الكتابة الأبجدية.

وقد عُرِّفتِ الكتابة بأنها الشكل المصوّر المقابل للكلام، أي أنها تثبيت اللغة المحكية بشكل دائمي أو شبه دائمي.

وقد قيل : لولا الكتابة لما وجدت الثقافة، وعرفت بأنها العقل المتنقل([1]).

ثم إن الكتابة تختلف باختلاف أصل الفكرة والموضوع، فمتى ما كانت الفكرة سهلة وواضحة كانت الكتابة على مقتضاها يسيرة سهلة أيضًا، أما إذا كانت الفكرة بعيدة الغور عميقة المعنى كبعض النظريات العلمية العامة فإن طرحها وبيانها قد يحتاجان إلى صفحات عدة بل ربما إلى مجلد كامل، وهنا يظهر امتياز الكاتب القدير عن غيره من سائر الكُتّاب في إيجازه الصورة مع بقاء المضمون كما هو من غير إخلال بالمعنى. وأهل هذا المنحى في إيجاز الكتابة قلة قليلة كما هو واضح للمتتبّع([2]).

ومن هنا نرى أن بعض كتب الأنساب اختصرت بأوراق قليلة، بل في بعض الأحيان بورقة واحدة، وهي ما يسمى بمشجرة الأنساب، وموضوع بحثنا مشابه لهذا، حيث نعرض فيه مشجرة في علم رجال الحديث لشيخنا البهائي اختزلها بورقة واحدة.

الشيخ البهائي ومشجرة الرجال

من الأفذاذ الذين يفخر بهم تاريخنا وحاضرنا (الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين العاملي الجبعي قدس سره) والذي عرف بإبداعه الفكري في شتى العلوم، ويكفي تدليلاً على ذلك ضلوعه في علوم الرياضيات بالإضافة إلى علوم الهندسة والفقه والتاريخ والأدب والقرآن. كما تدل على ذلك آثاره المخطوطة والمطبوعة بالإضافة إلى ما تركه لنا من معالم فنية رائعة كمسجد الشيخ لطف الله الميسي الذي يتميّز بترجيع الصدى مرات، وصالة حفظ الأصوات، وغير ذلك منن الآثار الفنية والهندسية الموجودة في مدينة أصفهان في مدينة أصفهان.

ومما أبدع فيه الشيخ البهائي قدس سره أيضا (علم رجال الحديث).

وقد حصل مركز الفقيه العاملي لإحياء التراث على مصورة لمشجرة في الرجال من إبداعات الشيخ البهائي. وهذه المشجرة أشبه ما تكون بالخريطة، وترتيبها على الشكل الموجود بين أيدينا فعلاً يحتاج إلى عالم فقيه. ولهذه المشجرة نسخ ثلاث، أهمها النسخة التي بين أيدينا، وهي من مكتبة السيد الحكيم في النجف الأشرف، وهي بشكل خريطة لأنها نقلت عن النسخة الأصلية وبنفس الطريقة التي كتبها المؤلف. وأما النسخ الأخرى فقد كتبت بشكل جداول، وهي نسختان : (الأولى) في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران. (والأخرى) في مكتبة كاشف الغطاء في النجف الأشرف.

إطلالة مختصرة

كتب في مقدمة المشجرة :

بسم الله الرحمن الرحيم. والله الموفق والمعين.

هذا مشجر الرجال الثقات الذين أحاديثهم صحيحة، ومنه يعلم الطبقات، وكل حديث صحيح في أحد الأصول الأربعة مما يتعلق بالأحكام فإن سنده موجود هنا على ما هو عليه في تلك الكتب.

وقد صرفت في إتمام هذا المشجر أيّامًا متوالية وليالي متعاقبة حتى منَّ الله تعالى بقرب إتمامه. ولكن لا بد من نقله إلى صفحة أكبر من هذه الصفحة على نهج سهل التناول على من أراد أن يعرف كل حديث يراه في أحد الكتب الأربعة هل هو صحيح أم لا والله الموفق.

وقع اختراع هذا المشجر الشريف في سنة ألف وخمس (1005) وأنا الفقير بهاء الدين العاملي عفي عنه.

بعض تفاصيل المشجرة

بدأ الشيخ البهائي مشجرته بالشيخ الطوسي ليرسل مِنْ اسمه سهمًا في طرفه حرف (ع) على هذا الشكل :

(الشيخ الطوسي) عـــــــــ (المفيد) عــــــــ (الصدوق) وهكذا إلى آخر المشجر([3]).

فذكر في هذا المشجر كل الأسانيد التي لا نقاش ولا ريب في صحتها إذ لم يذكر غير الثقات من الرجال.

وإليك نبذة مما في هذا المشجر أكتفي فيها بذكر طرق الشيخ الطوسي إلى الشيخ الكليني والى الشيخ الصدوق بكل وسائطها المذكورة فيها، بالإضافة إلى نموذج نذكر فيه سندًا كاملاً من الشيخ الطوسي لأحد الأئمة (عليهم السلام) ونترك ما تبقى لعملٍ أشمل وأوسع بحيث يُنجز من خلاله تحقيق هذه المشجرة إن شاء الله تعالى.

أولاً : طرق الشيخ الطوسي إلى الشيخ الصدوق أعلى الله مقامهما

(1) : الطوسي عن المفيد عن الصدوق. وهي أقصر طريق إذ أنه بواسطة واحدة وهي الشيخ المفيد.

(2) : الطوسي عن ابن الغضائري عن الصدوق. وهي أيضًا بواسطة واحدة وهي ابن الغضائري.

ثانيًا : طرق الشيخ الطوسي إلى الشيخ الكليني أعلى الله مقامهما

(1) : الطوسي عن المفيد عن جعفر بن قولويه عن الكليني.

(2) : الطوسي عن ابن الغضائري عن محمد بن أحمد بن داوود القمي عن جعفر بن قولويه عن الكليني.

نماذج للسند بين الطوسي وأحد الأئمة (عليهم السلام)

(1): الطوسي عن المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن محمد بن يحيى العطار عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).

(2) : الطوسي عن ابن الغضائري عن الصدوق عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام).

فكل حديث روي بهذا السند أو الذي قبله أو بالأسانيد الأخرى المذكورة في المشجرة فهو حديث صحيح لا خلاف في صحته على ما جاء في بيان المشجرة الذي ذكرناه أعلاه.

ونكتفي بهذا القدر لأن الغرض من كتابة هذا الموضوع هو الإعلام بوجود هذه المشجرة وليس تحقيقها، ونسأل المولى تعالى أن نوفّق لتحقيقها في القريب العاجل لتنشر وتعم فائدتها فيضاعف لمؤلفها ثواب عمله.

ـــــــــــــ

 الهوامش

[1] - د. ديرينجر. كتاب الكتابة. ص 9.

[2] - فمما رأيته مثلاً : صفحة واحدة مخطوطة، وقد ضمّت تعبيرًا لكل أنواع المنامات مرتبًا على أحرف الهجاء بطريقة معينة.

[3] - الظاهر أن حرف العين يقصد به كلمة (عن).

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني عشر