السنة الرابعة / العدد الرابع عشر/ كانون أول 2008 - ذو الحجة 1429هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

من القصيدة اللامية للشيخ محمود عباس العاملي

 

يا أيّها النّاس إنّ الأمّ واحدة
وخالق الكلّ ربّ واحدٌ أحد
ما بالنا وسبيل الرشد واحدة
أنترك الحقّ تقليدًا لمن سلكوا
ونقتفي مسلك الغاوين نتبعهم
قد كان ألجأ أباءًً لكم سلفوا
فتابعوا القوم خوفًا من غوائلهم
وقد أتاكم زمان الأمن فانقشعت
فحكّموا العقل والبرهان فارتجعوا
فالحقّ كالشّمس لا يخفى على نظر
قلّدتم في أمور الدين قادتكم
أنّى يقاد أخو عقل وقائده
إن كان ما أسّس الآباءُ يمنعكم
فذاك ضد لما تهوى نفوسكم
فما قنعتم من الدنيا بما لبسوا
سمّيتم العصر عصر النور تسمية
إن كان ذا العصرُ نورًًا يستضاء به
إنّ الجنون فنون في الورى كثرت
فكم ترى في عباد الله من بِدع
قوم يقولون إنّ الكون ذو قدم
وهذه الشمس تُبدي عكس ما زعموا
تبدو الغزالة
([1]) في صبح فإن غربت
إنّ الحدوث بجزء الشيء ينبئنا
فالكون كُلٌّ من الأجزاء مجتمع
وذا يقول بأنّ الكون موجده
إنّ الطبيعة بنت الكون تتبعه
ألا ترون بأنّ الطبع مكتسب
وذاك ينحت من أحجاره صنمًا
وذا يقول بأنّ الخير موجده
وذا يقول بأن الروح قد خرجت
وأعجبُ الكلّ من قالوا له ولد
وذلك الابن عين الأبِّ متصل
والفصل للوصل ضدٌ ليس يقبله
إنّي لأعجب من قوم عقولهم
لم لا يميل إلى التحقيق عاقلهم
قد قلّدوا الأهل والآباء واعتمدوا
وأثبتوا الصلب للباري بزعمهم
 تنزّه الله عن هذا المقال فما
أيُصلب الربّ للأوزار يحملها
فكلّ ذنب جناه العبد يحمله
ولست أدري أهذا الربّ خصّصهم
أم عمّم الخلق فاديهم برحمته
فإن يكن خصّص الأتباع حاف به
وإن يكن عمّم الخاطين قاطبة
 

 

ووالد الكلّ يا إخواننا رجل
والكلُّ منّا على جدواه يتّكل
نبغي التّفرق في الدنيا ونقتتل
سبُلَ الضلال كأنّا خلفهم هَمَل
على الضلال وقد ضاءت لنا السبل
أهلُ السيوف ومن كانت لهم دول
والأمر يحدث والأيام تنتقل
تلك الغيوم وزالت عنكم العلل
إلى الصواب فنهج الحقّ معتدل
فكيف يخفى إذا لم تمرض المقل
قد ضلّ طير على الغربان يتكل
من الخيانة والإضلال محتمل
من القبول لما عنه قد اعتزلوا
من التباعد عمّا أهلُكم قبلوا
ولا قنعتم من الدنيا بما أكلوا
تُدمي العيون ومنها القلب يشتعل
فوحّدوا الدين دين الله واعتدلوا
عنه المذاهب والأديان والملل
ولم يكن في ذراري آدمٍٍٍ نحل
لا بدء فيه و لا ينتابه حول
كآية الليل تعطي ضد ما نقلوا
جاء الظلام وثوب الليل منسدل
إنّ الحدوث على ذا الكلّ مشتمل
وكلّ جزء به التغيير متصل
طبيعة فيه ليست عنه تنفصل
والبنت لا تنتج الآباء لو عقلوا
من ذي الطبيعة يا من مسّهم خبل
ينحو إليه فيدعوه ويبتهل
ربّ عن الشرّ ممنوع ومنعزل
من الفقيد إلى ذيّاك تنتقل
يفدي الأنام ويعطيهم إذا سألوا
في ذاته من طريق وهو منفصل
صافي العقول فكيف القوم قد قبلوا
أرقى العقول بدنياهم إذا اشتغلوا
فيعرف الحق كي يعطيه من جهلوا
على الرجال وحكم العقل قد عزلوا
ليغفر الذنب ممن قبلهم فعلوا
هذي العقيدة إلا العار والدخل
عن العباد إذًا فليكثر الزلل
ربّ العباد فلا خوف ولا وجل
بحمله الذنب عنهم وانقضى الأجل
ففاز فيها أَخِيرُ الناس والأُوَل
وصف البخيل وما من شأنه البخل
تشاكل الناس من جاروا ومن عدلوا
 

 

 

 

يا أمّة الصلب إنّي جئت أسألكم
هل نال بالصلب ذاك الربّ راحته
فإن يكن أحرز المصلوب راحته
وإن يكن ضامه صلب اليهود له
فاخشوا عليه غداة الحشر كيدهم
أو راجعوا العقل: ربًّا غير مقتدر
أخالق الخلق يرضى جوف إمرأة
والله ربٌّ له الأكوان شاهدة
وأنّه السيد الأعلى فلا فلك
منزّه عن شبيه من خلائقه
وهو الغني فلا زوج ولا ولد
قد أوجد الكون ربُّ الكون من عد
فكيف يرضى بأن يلقيه ذو سفه

 

 

فجاوبوني بحقّ الحقّ وامتثلوا
أم مسّه الضيم والآلام والعلل
فاز اليهود وفي مرضاته دخلوا
توجّه العار للمصلوب والفشل
إنّ اليهود أناس عندهم دغل
أن يغفر الذنب إلا وهو معتقل
يحلّ فيه وفيه الدمّ والزغل
بأنّه الفرد لا شبه ولا مثل
يحوي علاه ولا سهل ولا جبل
فليس تشبهه أنثى ولا رجل
و لا شريك ولا جسم فينتقل
م ولا اعتراه لدى إيجاده ملل
على الصليب ويعلو مجده الفشل

 

 

 

يا أمّة الصلب إنّي عدت ثانية
لكنما الحبًُ يدعوني ويدفعني
فإنّما الناس إخوان جميعهم
جوّزتُم أن يكون الربُّ متحدًا
 أبٌ وإبنٌ وروح القدس أجمعهم
هل القديم حديثًا صار عندكم
هل أدرك الصلبُ ذاك الربَّ أجمَعه
فإن يكن أدرك الجبار أجمعه
وإن يكن أدرك الناسوت منفردًا
لأنه منهمُ والذنب دنّسهم
لئن رضينا بهذا منكم فلنا
جوّزتُم الصلب كي تمحى ذنوبكم
لم لا يعود ليلقى الصلب ثانية
ولست أدري أقتل الرب معصية
فإن تكن زلة منهم ومعصية
وإن يكن طاعة منهم فقد سعدوا
إني لأقسم بالله العظيم وما
ما منكم اليوم ذو لبٍّ يقول به
والعارفون يقينًا كلّهم عدلوا
وإنّما خطة التقليد مانعة
أعاذنا الله من شرّ الضلال فلا
إنّ الضلال كثير في الورى وله
انظر بعينك في قوم الأولى ذهبوا
 

 

إلى السؤال وما من قصدي الجدل
إلى النصيحة إذ تُُُُجلى بها السبل
سيّان أعرضوا عن ذاك أو قبلوا
ثلث الأقانيم وهو المشكل الجلل
ربٌّ عظيم ولكن قومه قتلوا
أم الحديث قديمًا حينما جبلوا
أم أدرك البعضَ فيه وهو منفصل
فمن إليه عباد الله قد وكلوا
عن الإله فلا تفدى به الجمل
فكيف يفدي البرايا منهم رجل
أهلَ العقول سؤال نحوكم يصل
ونحن خلق وفينا الذنب والزلل
كيما نفوز كما فزتم ونتصل
أم طاعة نالها مَن ربهم قتلوا
فهو المسبّب لا تأسوا لما عملوا
فيما جنوه ونعم الفعل ما فعلوا
جاءت به الكُتْبُ والآيات والرسل
إلا الأصاغر أهل الجهل والخبل
عن الصليب إلى التنزيه واعتدلوا
من الظهور إلى أن يحضر الأجل
مولى عليه سوى الرحمن نتكل
في كل قوم مصاب فادح جلل
ضد الحجى لمقال قبحه جهلوا
 

 

ــــــــــ

هامش

[1] أي الشمس .

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الرابع عشر