السنة السادسة / العدد السابع عشر/ حزيران 2010 - رجب 1431هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الصحاح عند الشيعة أم عند السنّة؟

الشيخ إبراهيم الأنصاري

مقدمة في الكلام العقلي والنقلي

قد شاع بين المعاصرين من الذين نصّبوا أنفسهم للدفاع عن التشيع الاعتراف بأن [أهل السنة عندهم صحاح وليس عند الشيعة صحاح]، وقد صرّح بذلك العلامة العسكري (قده) في أحد المؤتمرات الكبيرة ولم يكن هذا الاعتراف موجودًا عند المتقدمين من علمائنا، والسبب يعود إلى تضلّع المتقدمين في الكلام العقلي ورواج الكلام النقلي عند المتأخرين خصوصًا بعد شيوع استعمال الكمبيوتر، حيث إنهم يعتمدون على الجمع والنقل وترك الكلام العقلي والتفقه في المسائل الاعتقادية، مما أدّى إلى اعتمادهم في المناظرات مع المخالفين على سرد الروايات وعدم تركيزهم على التحليل والتفقه في مقام الاحتجاج والجواب.

أما القدماء فحيث إنهم كانوا أكثر اهتمامًا بعلم الكلام العقلي، حتى سمّوه [الفقه الأكبر] لغلبة جانب الدراية فيه على جانب الرواية، فكان موقفهم في المناظرات كما مرّ يعتمد على التفقه والتحليل وعدم الانخداع في مقابل الشعارات، ولهذا لم يُسمع منهم التنازل في مسألة الصحاح كغيرها من المسائل.

والعجيب في الأمر أنه لم يُنقل عن علماء العامة قديمًُا -مع كونهم أقدر من المتأخرين على المناظرات وعلم الكلام وتشبثهم بكل قشة- التشنيع على الشيعة بأن للسنة صحاحًا وليس للشيعة صحاح، وليس هذا لأجل كشف المتأخرين أمرًَا وتوصلهم إلى حقيقة كانت قد خفيت على القدماء إلى قرننا الحاضر، بحيث لم يُقدم أحد من علماء السنة -حتى ابن تيمية والمتشددين من السلفية حسب اطلاعي- على التشنيع على الشيعة علنيًا بما ذكر، كما أنه لم يُسمع تنازل أحد من صغار علماء الشيعة فضلاً عن كبارهم بأن يعترف بما ذكر.

والتحقيق أن صدور هذا التشنيع منهم دون علمائهم المتقدمين، وحدوث هذا التنازل من بعض المتأخرين منا كلاهما يستند إلى سبب وحيد هو قوة علم الكلام العقلي عند السابقين منا ومنهم، وضعف علم الكلام العقلي -إن لم أقل انقراضه- عند المعاصرين منا ومنهم.

الخلط بين البحث اللفظي والمعنوي

بيان ذلك أن البحث عن إثبات الصحيح ونفيه قد يكون لمجرد التسمية والاصطلاح من دون إرادة معنى أو تطبيقه على الواقع، مثل تسمية شخص لابنه [قصير] وهو طويل في الواقع، أو يكون اسم شخص [جميل] وهو قبيح، أو يُسمّى [أسدًا وفهدًا] وما شابه وهو جبان.. وهكذا، فلا يليق بشأننا أن نناقش فيه، فليسمّوا كتبهم بما يريدون ولكنهم أيضًا لا يرضون بهذا يقينًا، لأنه مثل إنسان جبان يكون اسمه أسد فيتفاخر على شجاع ليس اسمه أسد بأنه أسد دون الآخر.

وقد يكون البحث معنويًا وفي التوصيف المقارن، للإخبار [بأن روايات الصحاح الستة كلها صحيحة صادرة من النبي (صلى الله عليه وآله) وأريد منها ظواهرها، وروايات الكتب الأربعة إما لم تصدر من المعصوم أو ليست ظواهرها مرادة].

ففي هذا النوع من البحث الواقعي المعنوي لا يمكن للمخالف دعوى الأصح، بل للشيعي أن يدّعي مثله بل أشد، ولكن بشرط تحليل معنى الصحيح المراد إثباته أو نفيه.

المحتملات في معنى الصحيح

قد تبيّن أن محل النفي والإثبات بين الطرفين يجب أن يكون معنىً واحدًا حتى حسب رأي صاحبه، بمعنى أن في المقام ثلاث احتمالات لأنه:

- إما أن يراد من الصحيح ما هو صحيح عند كل طرف بأن يكون كتاب صحيح البخاري صحيحًا عند السنّي والكافي صحيحًا عند الشيعي.

- أو يكون صحيح البخاري صحيحًا عند الشيعي وكتاب الكافي صحيحًا عند السنّي.

- أو يكون كل من صحيح البخاري وكتاب الكافي صحيحًا عند كل منهما.

وهذان الاحتمالان الأخيران لا يمكن وقوع البحث فيهما، لعدم إمكان صحة كتاب البخاري عند الشيعي، ولا صحة كتاب الكافي عند السني مع بقاء كل منهما على مذهبه، فيبقى الاحتمال الأول.

هل السنّة متعبدون بجميع ظواهر الصحاح بدون تأويل؟

أما الاحتمال الأول وهو صحة كتاب صحيح البخاري عند السنّي وكتاب الكافي عند الشيعي، فننظر في مرادهم من الصحة، ونسأل هل يريدون صحة ظواهر روايات البخاري من دون تأويلها بإجماع أو عقل أو آية أو سيرة السلف، أو مع تعديل ظواهرها وتبديل معانيها إلى معانٍ غير ظاهرة منها، أو الأخذ بما ذكر من الأمور، وحتى التسليم بها، وردّ علمها إلى قائلها من دون فهم معانيها أحيانًا؟

فإن أرادوا من الصحيح المعنى الأول بمعنى التعبّد بظواهر روايات البخاري ولو خالف الإجماع والعقل والقرآن والسلف، فحينئذ نقول هذا المعنى لا نعترف به ولا ندّعيه بالنسبة إلى الكافي وغيره من المجاميع الحديثية، بل نرفع اليد عن ظواهرها إذا خالفت العقل أو الإجماع أو ما شابه ونترك علمها لأهلها.

إن أهل السنة لا يتعبدون بجميع روايات الصحاح بل يأولونها أو يتعبّدون بالمراد الواقعي بدون فهمها ويتوقفون عن تفسيرها، ومن هنا نرى أنه لا يؤمن أكثرهم بنزوله سبحانه وتعالى وجلوسه على العرش، وضحكه ورجله وعينه ويده وجنبه وغير ذلك، بل إما يأولونها على خلاف ظواهرها كما عن المعتزلة بل أكثرية الأشاعرة، أو يتعبدون بمعنى الجلوس أو الضحك أو الهرولة أو اليد والرجل وغيرها على وجه الإجمال والابهام من دون فهم، ويتوقفون عن تفسيرها بل يحرّمونه، ولا يعدّ هذا النوع من التعبّد مقبولاً وصحيحًا لأنه تصحيح للمجهول.

حتى المجسّمة وابن تيمية لا يؤمنون بالصحاح

من يتتبع رأي ابن تيمية وأتباعه المجسمة والوهابيين يجد أنهم لا يؤمنون بكل ما في الصحاح، وذلك لأنهم وإن قبلوا بروايات التجسيم كما صرّح به ابن تيمية وابن باز والإرهابيون ولكنهم لا يقبلون أنواعًا أخرى من روايات الصحاح مثل ارتداد الصحابة، وأن أكثرهم يدخلون جهنم إلا أقل القليل منهم مثل همل النعم، وكذلك لا يقبلون أو لا يصرّحون بالاعتراف بسقوط مئات الآيات من القرآن بل عدة سور منه، كما ينسب في الصحاح إلى عمر وعائشة وغيرهما من الصحابة.

لا صحيح عند السنة

من هنا نقول إنهم إن قبلوا التحريف بهذه الكثرة، بأن آمنوا بارتداد أكثرية الصحابة منذ فراقهم النبي (صلى الله عليه وآله) -من الذين يعرفهم ويعرفونه- ودخولهم جهنم، وتحريف القرآن وعقيدة التجسيم، فحينئذ يخرجون من مذهبهم وينكرون ضرورياته بل ضروريات الإسلام، وإن لم يقبلوا به كما هو ظاهر شعاراتهم بل بدأوا بتأويل روايات التجسيم، وروايات ارتداد الصحابة ودخولهم جهنم، وروايات تحريف القرآن، فيكون معنى الصحيح عندهم هو ما نعتقده نحن بالنسبة إلى الكتب الأربعة بل أدون، ويكون البخاري صحيحًا عندهم بهذا المعنى والكافي عندنا أصح.

الكتب الأربعة عندنا أصح من الصحاح الستة عندهم

نعم إن الكتب الأربعة عندنا أصح من الصحاح الستة عند أهل السنة وذلك لأن البخاري يثبت أمورًا يكفّرون قائلها، مثل ارتداد الصحابة ودخول أكثرهم جهنم، وتحريف القرآن بمقدار فاحش، مثل سقوط ما هو أكثر من الباقي منه، وأن أكثر الصحابة خاضوا في قذف عائشة حسب دعواها، بينما لا يوجد في الكتب الأربعة عندنا ما يكون كفرًا عند الشيعة.

وحاصل الجواب: إن أهل السنة يكتفون أو يحتالون بذكر لفظ الصحيح ولا يلتزمون بواقعه ومعناه بل يكذبونه عملاً ولفظًا، فإن أرادوا صحة روايات الصحاح بدون تأويل فلازمه التزامهم بالتجسيم وإثبات اليد والرجل والعين والجنب والصعود والنزول والهرولة والضحك والجلوس لله تعالى، وكذلك الالتزام بسقوط أكثر القرآن وارتداد الصحابة ودخولهم جهنم وخوضهم في قذف عائشة وهم لا يلتزمون بشيء مما ذكر، ونتيجته أنهم لا يعتقدون بأن الكتب الستة صحاح بل يكذبون توصيفها بالصحاح.

وإن أرادوا من الصحيح قبول كل ما ذكر مع تأويل وترك ظواهرها المخالفة للقرآن والإجماع والعقل وسيرة السلف، أو التوقف عن فهمها والإيمان بها ورد علمها إلى أهلها، فالصحة بهذا المعنى ثابتة عندنا بالنسبة إلى الكتب الأربعة أكثر من صحة الستة عندهم، بل الأربعة عندنا أصح وأصح.

عدم صحة ظاهر المضمون لا يلازم اليقين بالكذب

إن قلت فإنهم يلتزمون بصدور كل ما في الصحاح عن النبي (صلى الله عليه وآله) مع قطع النظر عن قبولها مع تأويل أو بدونه ولا نلتزم نحن بذلك لعدم قبولنا ما يخالف الإجماع والعقل والقرآن.

فالجواب: إن هذا المعنى من الصحة ثابت عندنا أيضًا بالنسبة إلى الكتب الأربعة، بمعنى أننا نصحح ما فيها ونقبلها، فيكون قبولنا لها أعم من التعبد بمضامينها وظواهرها بلا تأويل، أو مع تأويلها وتفسيرها بالأدلة الأخرى من قرآن وسنة وإجماع وعقل.

وذلك لأننا نقطع بوجود بعض الأخبار المردودة عندنا -مثل ما ورد من [أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يُصبح جنبًا في شهر رمضان]- فإننا لا نقبل صدور مضمونها ومعناها عن الإمام، بمعنى أننا لا نقبل بأن يخبر الإمام الصادق (عليه السلام) عن إصباح النبي (صلى الله عليه وآله) جنبًا في شهر رمضان إخبارًا واقعيًا، ولازم عدم القبول تكذيب مشروط وهو [أن هذه الرواية إن أريد منها ظاهرها بأن يخبر الإمام الصادق (عليه السلام) عن إصباح النبي (صلى الله عليه وآله) جنبًا في شهر رمضان إخبارًا جديًا حتى تعتقده الشيعة واقعًا]، فهذا كذب لم يصدر منه (عليه السلام)، ولازم ذلك إمكان صدوره وعدم إرادة ظاهره، إما تماشيًا مع السنة المثبتين لهذا المضمون في صحاحهم أو لأمر آخر، كما أشار إليه أستاذنا الخوئي (قده).

وحاصل الجواب أنه لا يجوز لعالم شيعي أن يحكم حكمًا قطعيًا بعدم صدور رواية من روايات الكتب الأربعة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو عن الأئمة بنحو مطلق، بل غاية ما يتجرأ عليه أن يقول: إن هذه الرواية بهذا المعنى لا يمكن أن تصدر عن المعصوم مريدًا بها ظاهرها، فإما لم تصدر أو صدرت ولم يرد الإمام ظاهرها.

صدور كلام لا يراد ظاهره أمر ثابت عند العقلاء

إن قلت كيف يمكن أن يصدر من المعصوم كلام لا يريد ظاهره.

الجواب: إن المعصوم كغيره من العقلاء بل من الأنبياء، إذ كيف أمكن لإبراهيم (عليه السلام) -وهو معصوم ومن جملة أولي العزم- أن ينسب كسر الأصنام إلى كبيرهم فيقول {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}([1])، فإن جملة {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} شرط للسؤال {فَاسْأَلُوهُمْ}، وكيف أمر يوسف (عليه السلام) مناديَه بمخاطبة إخوته بقوله {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}([2])، مع أنهم لم يسرقوا فعلاً صواع الملك، وغير ذلك.

والحاصل: إن عدم إرادة الظاهر أحيانًا يكون لمصالح راجحة، وهذا أمر ثابت عند العقلاء ومبحوث عنه مفصلاً في علمَي الأصول والبلاغة، ولم ينكره أحد من الأدباء ولا من علماء أصول الفقه، فعدم قبول ظاهر الرواية لا يسمح بالحكم بكذبها والجزم بعدم صدورها من المعصوم كما هو واضح، وعليه فلا حقّ لأحد أن يحكم بكذب واحدة من روايات الكتب الأربعة وعدم صدورها من المعصومين (عليهم السلام) كما صرحت روايات كثيرة بذلك وأمرت بالسكوت والتسليم ورد علمها إلى أهلها.

ولو كان وجود المتشابهات سببًا للحكم بكذبها وعدم صدورها من الحكيم، لصحّ ذلك في القرآن لكثرة الآيات التي لا يمكن الأخذ بظاهرها اللغوي، ولكن القرآن الكريم أشار إلى أن الراسخين في العلم يؤمنون بكل من المحكم والمتشابه على حد سواء بقوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}([3]).

سيرة جمهور الفقهاء الاعتماد على الخبر الموثوق لا خبر الثقة

إن قلت إن الفقهاء قد اشترطوا الوثاقة في صفات الراوي لقبول روايته.

الجواب إن اشتراط الوثاقة بمعنى عدم التعبد بقول الفاسق صريح في القرآن الكريم في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}([4])، ولكن معناه لا يدل على عدم التعبد بخبر الثقة مطلقًا، كما أنه لم يأمر بطرح خبر غير الثقة مطلقًا، بل حتى خبر الراوي الذي شهد القرآن بكونه فاسقًا لم يأمر بطرحه وتركه بل أمر بالرجوع إلى سائر المعايير المرتبطة بمتن الرواية ومضمونها لأجل قبولها أو ردها بقوله تعالى {فَتَبَيَّنُوا}.

كما أن هذا رأي جمهور الفقهاء في طول التاريخ، حيث نرى أن الشيخ الطوسي يضعّف رجلاً في كتاب رجاله ثم يعمل برواياته في فقهه، وكذلك العلامة وغيرهما من الفقهاء، فلا تجد فقيهًا من القدماء والمتأخرين -غير السيد الخوئي (قده) في كتاب عجم رجال الحديث والسيد صاحب المدارك (قده)- إلا وعمل بالروايات الضعيفة والمرسلة والمجهولة في موارد كثيرة للمرجحات غير السندية، كما أنهم رفضوا روايات صحيحة وموثقة لأجل المعايير المتنية وما يرتبط بالمضمون، وهذا يكشف عن أن وثاقة الراوي لا تلازم جواز نسبة المضمون إلى المعصوم دائمًا، كما أن ضعف السند وجهالته أو إرساله لا تلازم تكذيب الرواية وطرحها، وحتى أن سيدنا الأستاذ الخوئي (قده) وصاحب المدارك (قده) -مع انفرادهما بين الفقهاء في إعطاء وثاقة السند وضعفه أكثر مما تستحقه- لم يلتزما بذلك كثيرًا في فقههما، خصوصًا السيد الخوئي (قده) في أواخر عمره الشريف.

المباني الأصولية تردّ تسمية كتبهم بالصحاح

إلى هنا وصلنا إلى نقطتين مهمتين:

النقطة الأولى: إن حجية الخبر غير القطعي على مبناهم هي بمعنى التعبد بمضمونه، فكيف يمكن لأهل السنة التعبّد بالمضامين التي لا يرونها حقًا، بل يحكمون بكذبها بنحو الجزم، مثل ما مرّ من التجسيم وارتداد الصحابة وتحريف القرآن؟ حيث إن المفروض أن اليقين الوجداني غير موجود في غير المتواتر، واليقين التعبدي لا يمكن حصوله بالنسبة إلى المضمون الباطل، فيبقى الحكم أو دعوى صحة كل ما في الصحاح وخصوصًا صحيح البخاري تصديقًا بلا تصور، وهي دعوى واضحة الفساد أصوليًا.

ونتيجة هذا البيان عدم وجوب الإيمان بصدور كل ما فيها، وهذا ينافي فرض روايات الكتب الستة صحاحًا.

النقطة الثانية: نلاحظ عند التدقيق في نسخ الصحاح كلها الموجودة بين أيدينا، وما نقل عنها في كتب علماء المخالفين والبخاري بخصوصه، أن هناك اختلافًا كبيرًا، حيث أن النسخة المقروءة في الهند قبل مائتي سنة تقريبًا تختلف عن النسخ الموجودة حاليًا.

وقد روى ذلك الحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيره من علماء العامة، حتى ابن تيمية روى في كتبه روايات عن البخاري لا توجد في النسخ الموجودة أو تختلف عنها، وهذا الأمر يُحدث الشك في نسبة الصحة إلى صحيح البخاري، ويمنع من توصيفه بالصحيح لكثرة غربلتهم لكتبهم في طول التاريخ إلى يومنا الحاضر.

مضافًا إلى كون المؤلفين أنفسهم متهمين -بشهادة موارد كثيرة- بتحريف الكلم عن بعض مواضعه، حيث نقلوا الرواية الواحدة بعبارتين مختلفتين كما يظهر لمن راجع كتاب (أضواء على الصحيحين) للشيخ النجمي([5]) وغيره.


الهوامش

([1]) الأنبياء: من الآية63.

([2]) يوسف: من الآية70.

([3]) آل عمران: 7.

([4]) الحجرات:6.

([5]) قال الشيخ صادق النجمي في كتابه [أضواء على الصحيحين] ص125 :[ ونقل الخطيب البغدادي عن البخاري نفسه يقول: رُبّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورُبّ حديث سمعته بالشام وكتبته بمصر، قيل له: يا أبا عبد الله بكماله؟ قال: فسكت. قال ابن حجر: وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تامًا بإسناد واحد بلفظين -كما في حديث سِحر النبي (صلى الله عليه وآله)-، فلو تتبعنا وفحصنا في الأحاديث التي رواها البخاري في صحيحه لوجدنا أن البخاري اتبع أسلوب النقل بالمعنى في كثير منها..](التحرير).

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السابع عشر