العدد الثاني / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

فصل الخطاب في الميزان

السيد جعفر مرتضى*

كثيرًا ما يتّهمنا بعض المخالفين بالقول بتحريف القرآن، ويحتجّون علينا بكتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب".

فما هو موقع هذا الكتابِ ومضمونِه في دائرة الفكر الشيعي؟

نقول: إن كتاب الله سبحانه هو ذلك الكتاب الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. وهو الذكر المصون الذي أخذ ربّ العزّة والجلال على نفسه أن يكون هو الحافظ له، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([1]).

ونحن وإن كنّا قد بحثنا هذا الأمر مفصّلاً في كتابنا "حقائق هامّة حول القرآن الكريم"([2])، والذي يبيّن بما لا يقبل الشك أن الشيعة لا تدانيهم فرقة من الفرق الإسلامية في تنزيه الكتاب العزيز عن التحريف، الا أننا وجدنا من المناسب وضع مقالة سهلة التناول، وذلك تعميمًا للفائدة.

ومن أراد التوسّع والتفصيل، فليرجع الى كتابنا "حقائق هامّة" وغيره من الكتب التي تصدّت للردّ على هذه النسبة.

ولسوف تذهب كلّ محاولات الحاقدين والموتورين الذين يريدون النيل من معجزة الإسلام الخالدة أدراج الرياح، وستكون حسرة عليهم، حين يرون كيف أن كل كيدهم ومكرهم {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}([3]).

غير أن ثمة أمرًا يحاول من خلاله بعض الحاقدين، والجهلة المتعصبين، الطعن به على شيعة أهل البيت «عليهم السلام»، وإثارة أجواء مسمومة حول اعتقادهم بالقرآن، متذرّعًا بما صدر عن أحد المحدِّثين المعروفين، وهو الشيخ حسين النوري([4])، الذي وقع تحت تأثير روايات ذات طابع معيَّن، روي بعضها في كتب الشيعة، وورد أكثرها من كتب غير الشيعة، وعلى رأسها الصحاح الستة وسواها من مجاميع حديثيّة، وكتب تفسير وقراءات، وعلوم قرآن لدى غير الشيعة.

وحين لم يستطع أن يعرف هذا المحدِّث وجه الحقّ فيها، ولم يتمكّن من أن يردّ ما يستحق الرد، ويقبل ما يكون فيه موجبات القبول، وعجز عن تحديد المراد فيما يحتاج إلى تفسير وتأويل.. بادر إلى تأليف كتاب ضعيف في مبناه، وفي معناه.. زعم أنه أثبت فيه -استنادًا إلى تلك الروايات والمنقولات- حدوث تحريف في كتاب الله سبحانه، وقد سماه بـ «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب»([5]).

ومن الواضح: أن شذوذ أحد المنتسبين إلى مذهب مَّا برأي غريب، لا يبرر نسبة ذلك الرأي إلى ذلك المذهب، ولا يصحح التشنيع عليهم به. ولو فتح هذا الباب لذرت قرون الأحقاد والفتن، ولاتَّسَع الخرق على الراقع.. وربما لم يسلم أحد.

ومهما يكن من أمر، فإن إلقاء نظرة متأملة على مضامين ذلك الكتاب تعطي أنه يفقد القيمة العلمية من الأساس.

ونحن هنا نشير باقتضاب شديد إلى بعض وجوه الخلل فيه، فنقول:

إنّ أدلة هذا الكتاب على ما ادَّعاه الكاتب هي اثنا عشر دليلاً، زعم أنّها تدلّ على وقوع التحريف في كتاب الله، ولعلّ دليلين منها، قد أخذهما من كتب الشيعة.. والعشرة الباقية -بكل ما حشده فيها من روايات- إنما أخذها من كتب غير الشيعة، ولربما يورد فيها النزر اليسير من كتب الشيعة أيضًا.

ونحن نورد أدلته هذه، ثم نشير إلى وجوه الخلل فيها، على سبيل الإجمال والاختصار، ليتضّح الأمر، وليسفر الصبح لذي عينين، مع تذكير الأخوة الأكارم بأن لا غنى عن مراجعة الكتب التي توضّح الإجابات على أقوال ذلك المحدِّث بصورة أتم، وتضع النقاط على الحروف في مختلف التفاصيل التي حاول أن يثيرها في سياق حديثه..

ولسوف يتضح: كيف أن أهل الفتنة والضغينة يمارسون عملاً ظالمًا ومجحفًا في حق أتباع أهل البيت «عليهم السلام»، وأن عملهم هذا يعتبر جريمة في حق الإسلام والقرآن، وأهله وحزبه، وأتباعه وأشياعه.

يتبع =

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:  (ملاحظة: الهوامش المرفقة أضافتها أسرة التحرير)

* إستاذ في الحوزة العلمية وعالم محقق .

([1]) الآية 9 من سورة الحجر.

([2]) تأليف السيد جعفر مرتضى، يعالج فيه موضوع تحريف القرآن وموضوعات أخرى من قبيل جمع القرآن، ونزول القرآن على سبعة أحرف، ونسخ التلاوة، وموضوع اختلاف اللهجات والقراءات، وغير ذلك من موضوعات لها مساس بموضوع تحريف الكتاب إثباتًا أو نفيًا، أصدرت طبعته الأولى في سنة 1409هـ - مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المشرّفة.

([3]) النور الآية39

([4]) هو الشيخ حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد بن تقي النوري الطبرسي، المعروف بالشيخ حسين النوري، وهو صاحب كتاب (مستدرك الوسائل).

ولد في 18 شوال 1254هـ في قرية "يالو" من قرى "نور" إحدى كور طبرستان، وتوفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الثانية 1320هـ.

وقد فرغ المؤلف من كتابه "فصل الخطاب" في النجف في 28 جمادى الثانية 1292هـ، وطبع في 1298هـ.

([5]) بعدما نشر الشيخ حسين النوري كتابه المذكور، كتب الشيخ محمود الطهراني الشهير بـ"معرّب" رسالة في الردّ عليه، وسمّاها "كشف الارتياب عن تحريف الكتاب"، وأورد فيها بعض الشبهات، وبعثها الى المجدّد الشيرازي، فأعطاها للشيخ النوري، وقد أجاب عنها برسالة فارسية مخصوصة.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية