العدد الثاني / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

المواقيت والأهلة

ومدى تأثّرها بالظروف الجويّة وبالارتفاع عن سطح البحر 

المهندس محمد علي صائغ*

 

الشروق والغروب

تعتمد مواقيت الصلاة على موقع الشمس في الفضاء بالنسبة للراصد على الأرض، فأوقات الشروق والغروب والظهر (زوال الشمس) مرتبطة بشكل مباشر بالموقع الظاهري للشمس.

كما وأن تحديد أول وقت الفجر وأول وقت العشاء يعتمد على حركة الشمس وموقعها بشكل غير مباشر.

ومن الناحية العلمية يمكن تحديد الموقع الحقيقي للشمس بغاية الدقة في أي وقت من اليوم، ولكن هذا شيء والموقع الظاهري شيء آخر.

والمقصود بالموقع الظاهري: الموقع المرئي (وهو الذي نشاهده وعليه المناط في تحديد الشروق والغروب)، إذ يوجد فرق طفيف بينهما نتيجة لبعض المؤثرات التي تدخل في الحسابات، ومن أهم هذه المؤثرات الانكسار الضوئي، والذي يعتمد بدوره على المتغيرات الجوية، مثل حرارة الهواء وكثافته وضغطه ونسبة الرطوبة وارتفاع المكان، كما يتأثر الانكسار الضوئي بالأحوال النسبية من حيث نوعية الهواء ودرجة تلوثه، وقد وُجد في مدن معينة من الهند أن الانكسار الضوئي الأفقي أقل بمقدار ثلاثة دقائق قوسية من متوسط القيمة المعمول بها، وهي أربعة وثلاثين دقيقة قوسية، وهكذا فمن المتوقع حدوث تغيرات من موقع لآخر، وهذا ما يؤدي إلى تغيير محلي في المواقيت كما سيأتي.

ولكن ما هي العوامل المؤثرة على الانكسار؟ وهل توجد عوامل أخرى تؤثر على التبكير في رؤية حافة قرص الشمس العليا صباحًا إيذانًا بشروق الشمس، أو التأخير في غروبه إيذانًا بغروب الشمس المرئي؟.

نقول: يدخل في حساب المواقيت عاملان مهمان إضافيان هما:

1- أثر الغلاف الجوي .

2-أثر الارتفاع عن سطح المكان.

ولهذين العاملين دور في تحديد المواقيت حسابيًا لأي موقع تتضح فيه العلامات، وهو ما يلاحظ عند المقارنة بين المواقيت المنشورة في التقاويم الدقيقة وموقع الشمس المرئي.

والدراسة التالية توضح سبب عدم المطابقة في مكان ما في أيام عديدة من السنة، وقد كُتبت نتيجة لاعتراض سماحة آية الله الأستاذ الشيخ مفيد الفقيه حفظه الله على بعض المواقيت، والتي لسماحته رأي فقهي فيها وخصوصًا وقت الغروب، والذي يبدو أن سماحته لشدة اهتمامه بالمواقيت يراقبه ويقارنه مع التقويم بشكل دائم، وذلك لأنه الظاهرة الوحيدة التي يمكنه مراقبتها باستمرار، يساعده على ذلك إطلالة مدرسته العامرة على مغرب الشمس.

 

الغلاف الجوي

يحيط بالكرة الأرضية غلاف جوّي مكوَّن من عدة غازات، تمتد لمسافات عالية، وتنخفض درجة حرارة الهواء خلال الأميال القريبة من الأرض، وهي المنطقة التي تتكون فيها السحب، وتسمى منطقة التروبوسفير (المنطقة المناخية)، وهي تمتد من ثمانية كيلومترات فوق المنطقة القطبية إلى ستة عشر كيلومترًا فوق المنطقة الاستوائية، وتضم ثمانين بالمائة من كتلة الغلاف الغازي المحيط بالأرض، وتصل نسبة الرطوبة فيها إلى أربعة بالمائة، والحرارة تتناقص كلما ارتفعنا بمقدار درجة مئوية لكل مائة وخمسين مترًا، ويكون الهواء في هذه المنطقة متقلبًا، إذ يحتوي على تيارات صاعدة وأخرى هابطة، وتنقص كثافة الهواء كلما صعدنا إلى أعلى، وتنقص كمية الهواء في الغلاف الجوي إلى نصف قيمتها إذا صعدنا ثلاثة أميال ونصف الميل عن سطح الأرض، ثم تنقص بقدر نصف المتبقي أي إلى الربع إذا ارتفعنا إلى سبعة أميال عن سطح الأرض، وهكذا تصل كثافة الهواء إلى جزء من مليون جزء من قيمتها على ارتفاع ستين ميلاً عن سطح الأرض. هذا هو السبب في امتداد الغلاف الجوي لارتفاعات عالية جدًا.

 

ضوء الشمس

 تتميز الشمس بحرارتها العالية التي تصل إلى خمسة آلاف درجة على السطح، وتندفع ألسنة الّلهب منها في الفضاء بسرعة تزيد عن أربعمائة كيلومتر في الثانية مشعة الحرارة في جميع الاتجاهات، ولا يصل من هذه الحرارة إلا جزء ضئيل إلى الأرض، أما الباقي فيجري امتصاصه من قِبل غازات الجو العليا.

يتألف ضوء الشمس من سبعة ألوان تختلف في أطوالها الموجية، وأقصرها البنفسجي، فالنِّيلي، فالأزرق، فالأخضر، فالأصفر، فالبرتقالي، ثم الأحمر وهو أطولها موجة.

والهواء مرشِّح عظيم لمركبات الضوء التي تستقبلها العين البشرية، وإلى هذه الخاصية تُعزى ظاهرة الشفق بلونيها الأحمر والأزرق، وزرقة السماء، واصفرار الشمس، والقمر عند الغروب والشروق، ولو لم يكن الغلاف الجوي محيطًا بالأرض لأعقب الظلام الغروب مباشرة.

 

خداع البصر

إذا وصلت حزمة ضوء صادرة من الشمس إلى العين لأثَّرت عليها بما نسميه الضوء الأبيض، هذا الضوء يتكون من سبعة ألوان كما مرَّ معنا، وهي ألوان الطيف، ابتداء من البنفسجي وانتهاء بالأحمر وهو أطولها موجة.

تتوقف الألوان على طولها الموجي، ولكنها بالنسبة للعين تتوقف على الإحساس الذي تسببه الموجات الضوئية، فقد تختلط الألوان فتنتج في العين ألوانًا أخرى، فمثلاً اختلاط الأزرق مع الأصفر ينتج لونًا اخضر، وهذا الإحساس يفسِّر ما نراه في السماء من مناظر. فمثلاً السحاب الذي تسطع عليه أشعة الشمس يظهر ناصع البياض إذا كانت الشمس خلف المشاهد، ونفس السحاب بمكوناته ولونه الأصلي إذا ما وقع في ظل سحاب مظلم يُرى مظلمًا، وقد تبلغ ظلمته درجة تدعونا لوصفه بالسواد، كما أن السحب الرقيقة تسمح بمرور كمية من الضوء يكفي لإضاءة السحب التي تقع في ظلها، في حين أن السحب التي لا يسمح سمكها إلا بمرور قدر ضئيل من ضوء الشمس والنفاد إلى السطح الأسفل تبدو في ظلام الليل الدامس.

كما أن الدخان الذي تعوَّدنا على أن نسميه أسود، قد يبدو للعين ابيض إذا كان وراءه ستار مظلم، وعادة ما يظهر الدخان باللون الأزرق إذا نظرنا إليه عبر أشعة الشمس، حيث أن الدخان يعيد توزيع ضوء الشمس الساقط عليه، في حين أن الشمس تظهر حمراء لمن ينظر إليها خلال الدخان نفسه.

وهذه الظاهرة يجب أخذها بالاعتبار وبجدية، وخصوصًا عند رصد هلال أول الشهر في سواحل بلاد الشام (حيث أنها مطلَّة على الغرب) إذ إن بقايا دخان الطائرات المتقطع القريب من الأفق قد يبدو على شكل هلال، فيشتبه الرائي غير الخبير، ويختلط الأمر عليه فيشهد برؤية الهلال.

يتبع= 


ـــــــــــــــــــــــــــ

*  باحث في الهيئة والمواقيت والأهلة.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية