السنة الثامنة / العدد الواحد والعشرون/ حزيران  :  2012م / رجب : 1433هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

حكم المشاعر والأمور الجديدة والمستحدثة

في الحج والعمرة

(الحلقة الثالثة والأخيرة)

الشيخ أحمد صمادي

 

 

تناولنا في حلقتين سابقتين: (رمي الجدار المستحدث في الجمرات وفي الطوابق العلوية)، و(السعي في المسعى الجديد) .. ونتناول في هذه الحلقة -الثالثة- :

حكم بعض الأمور المستجدة في مكة

هناك أمور يبتلي بها الحاج والمعتمر ترتبط بمكة المكرمة، تلك المدينة المقدسة التي توجد فيها الكعبة الشريفة، التي تُعدّ قبلة المسلمين في صلاتهم. وقد كانت في بدايتها عبارة عن قرية صغيرة تقع في وادٍ غير ذي زرع، تحيط بها الجبال من كل جانب، بدأ الناس في التوافد عليها والاستقرار بها في عصر النبي إبراهيم والنبي إسماعيل ‘، وذلك بعدما ترك النبي إبراهيم زوجته هاجر وابنه إسماعيل في ذلك الوادي امتثالاً لأمر الله كما جاء في القرآن الكريم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}([1]).

فبقيا في الوادي حتى تفجّر بئر زمزم، ثم وفدت بعد ذلك أولى القبائل التي سكنت مكة ، وهي قبيلة جرهم إحدى القبائل اليمنية الرحّالة، وقد بدأ خلال تلك الفترة رفع قواعد الكعبة على يد النبي إبراهيم وابنه إسماعيل ‘.

ولمكة أسماء كثيرة، وقد ذكرت في القرآن في أكثر من موضع وبأكثر من اسم، فذكرت باسم مكة في سورة الفتح {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}([2]).

وأطلق عليها بكة في سورة آل عمران {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}([3]).

وسميت بأم القرى في سورة الأنعام {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}([4]).

وسميت بالبلد الأمين في سورة التين {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}([5]).

هذا، وذكر أن من أسماء مكة البيت العتيق، ولكن القرآن أطلقه على البيت والكعبة كما في سورة الحج {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}([6])، وفي موضع آخر {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}([7]).

وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) أشار لها القمي في تفسيره عن سبب تسمية الكعبة بذلك قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فدارت السفينة وضربتها الأمواج حتى وافت مكة وطافت بالبيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت، إنما سمي البيت العتيق لأنه أُعتق من الغرق ([8]).

ومنها: البلد بشكل مطلق، وردت هذه التسمية في قوله تعالى : {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الاَْصْنَامَ}([9])، وفي قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}([10]).

وذكر لها الكثير من الأسماء غير ما جاء في القرآن، منها:

"الحاطمة" : لأنها تحطم من استخفَّ بها .

"الرأس" : لأنها مثل رأس الإنسان .

"القادس" : لأنها تَقْدُس من الذنوب أي تطهر .

"المقدسة" .. وغيرها من الأسماء ([11]).

ومن المعلوم أنه قد استحدثت في مكة أحياء جديدة وكبرت عما كانت عليه في السابق، فهل يقتصر ترتب بعض الأحكام المرتبطة بمكة على مكة القديمة التي كانت في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ([12])، أم تشمل الأحياء الجديدة والمستحدثة بعد زمن النبي صلى الله عليه وآله؟

من تلك الأحكام:

1- جواز التظليل في مكة المكرمة

2- الإحرام لحج التمتع من مكة المكرمة

3- تخيير الصلاة بين القصر والتمام (وهذا الحكم يشمل المدينة المنورة أيضًا)، وغيرها من الأحكام التي لا يسع البحث لذكرها ([13]).

أ - حكم التظليل في الأحياء المستحدثة من مكة المكرمة

المعروف حرمة التظليل على الرجل في الجملة حال مسيره بمظلة أو غيرها، ولو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها، ولا يحرم على النساء، فقد روى الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما ‘ قال: سألته عن المحرم يركب القبة؟ فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم([14]).

وبإسناد الشيخ عن العباس، عن عبد الله بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): أُظلل وأنا محرم؟ قال: لا، قلت: اُفأظلل وأكفر؟ قال: لا، قلت فإن مرضت؟ قال: ظلّل وكفر، ثم قال: أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من حاج يُضْحِي ملبيًا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها([15]).

وبإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان، عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يركب في الكنيسة ([16])؟ فقال: لا، وهو للنساء جائز ([17]).

والسؤال الذي يطرح نفسه في المقام: هل أن حرمة التظليل تختص بمكة القديمة أم تشمل حتى مكة الجديدة في عصرنا؟

اختلفت كلمات الأعلام في ذلك، بل بعضهم لم يجوّز التظليل حتى في مكة القديمة على الأحوط([18]).

رأي السيد الخوئي (قده)

احتاط السيد الخوئي (قده) وجوبًا بعدم التظليل في الأحياء المستحدثة من مكة المكرمة، وخصّ الجواز بمكة القديمة المتيقنة.

س: لو وصل الحاج إلى منزله في مكة الجديدة (كالعزيزية مثلاً) هل يجوز له التظليل إلى المسجد الحرام؟

ج: لا يجوز له التظليل من حدود العزيزية إلى حدود مكة القديمة([19]).

 س: إذا كان الحاج نازلاً في أحد أحياء مكة الجديدة كالعزيزية مثلاً، وأراد الذهاب محرمًا إلى مكة القديمة، فهل يجوز له الركوب في سيارة مسقفة؟ أم أن جواز ذلك مخصوص لمكان نزوله وهو العزيزية كما فرضناه في السؤال؟

ج: لا يجوز له التظليل إلا بعد وصوله مكة القديمة، ولا يجوز بين مكان نزوله وبين مكة القديمة إذا قصد بسيره هذا الذهاب إلى المسجد للأعمال([20])، والمسألة احتياطية([21]).

س: إن مسجد التنعيم أصبح داخل بيوت مكة حاليًا، وقد تجاوزته بيوت مكة، فإذا كان المكلف في مكة وأراد أن يأتي بالعمرة المفردة، و أحرم من هذا المسجد فهل يجوز له أن يتظلل بالسيارة المسقوفة، لأنكم تقولون بجواز التظليل في داخل مكة للمحرم؟

ج: لا يجوز التظليل إلا بالوصول إلى مكة المتيقنة([22]).

س: مسجد التنعيم أصبح داخل مكة، بحيث إن بيوت مكة تجاوزته، فهل يجوز للمحرم منه التظليل والركوب داخل السيارة، لأن التظليل للمحرم داخل مكة جائز فيما لو أحرم منه أم لا؟

ج: ليس التنعيم داخل مسمى مكة، ولا يجوز التظليل منه إلى مكة المتيقنة، والله العالم([23]).

السيد السيستاني دام ظله

احتاط سماحة السيد السيستاني دام ظله وجوبًا بعدم التظليل في كل مكة حتى القديمة، فلذا يمكن لمن يقلد سماحة السيد السيستاني أن يرجع إلى من يجوّز له ذلك الأعلم فالأعلم.

س5: يرى السيد الخوئي (قده) جواز التظليل في أثناء تردد المحرم في المنزل، ولكنه يحتاط بعدم إلحاق المناطق المستحدثة في مكة بالمناطق القديمة، وأنتم -دام ظلكم- ترونها مكانًا واحدًا وتحتاطون في التظليل بعد النزول في حال الذهاب والإياب، فهل يجوز لمقلدي السيد الخوئي (قده) أن يرجعوا إليكم في تحديد الموضوع ويبقون في الحكم وهو جواز الاستظلال بعد النزول على رأي السيد الخوئي (قده) ؟

ج: لا يجوز لهم ذلك([24]).

السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله

س: هل يجوز للمحرم التظلل في المنزل خلال تنقلاته الداخلية كمكة ومنى مثلاً، سواء كان التنقل ماشيًا أو راكبًا في السيارة مثلاً؟ وهل يفرق بين مكة القديمة والجديدة؟

ج: لا يجوز للمحرم التظليل بالظل المتحرك كالمظلة (الشمسية) أو سقف السيارة مثلاً، ويجوز المشي تحت الظلال الثابتة كالمباني والجسور وغيرها ، من دون فرق بين مكة القديمة وغيرها([25]).

رأي الميرزا التبريزي (قده)

س: هل يجوز للمحرم التظليل حال المشي بمظلة، أو راكبًا بسيارة مسقوفة في مكة المكرمة وعرفات ومزدلفة ومنى؟

الخوئي: نعم في كل محل نزل فيه لأداء نسك، أو لمحض الراحة أو لقضاء حاجة أخرى ولا يعمل سيرًا سفريًا.

التبريزي: بل الأحوط ترك التظليل عند السير، ولو لم يكن سيرًا سفريًا([26]).

س: إذا كان الحاج نازلاً في أحد أحياء مكة الجديدة كالعزيزية مثلاً، وأراد الذهاب محرمًا إلى مكة القديمة، فهل يجوز له الركوب في سيارة مسقفة؟ أم أن جواز ذلك مخصوص لمكان نزوله وهو العزيزية كما فرضناه في السؤال؟

الخوئي: لا يجوز له التظليل إلا بعد وصوله مكة القديمة، ولا يجوز بين مكان نزوله وبين مكة القديمة إذا قصد بسيره هذا الذهاب إلى المسجد للأعمال، والمسألة احتياطية .

التبريزي: بل الاحتياط يجري في الانتقال في مكة القديمة أيضًا كما تقدم ([27]).

س: ما هي حدود مكة لديكم؟ وهل المناطق الجديدة مثل العزيزية وتوسعها تعدّ حرمًا يجوز للحاج التظليل خلال تنقله في تلك المناطق الجديدة حال إحرامه؟ وكيف يتصرف الحاج الساكن خارج حدود الحرم بالنسبة للتنقل؟

ج: لا فرق في عدم جواز التظليل بين مكة وخارج مكة على الأحوط، ومع الاضطرار يجوز للمحرم التظليل، ولكن يكفّر حتى إذا كان التظليل في مكة على الأحوط، والله العالم([28]).

ب - الإحرام لحج التمتع من مكة المكرمة

مكة هي ميقات حج التمتّع([29])، ولا خلاف بين الأصحاب في ذلك وقد ادّعي عليه الإجماع، ويدل عليه جملة من الروايات، وهي مطبّقة على كفاية الإحرام من بلدة مكة المكرمة من أي موضع شاء. وأفضله المسجد، وأفضله عند المقام أو تحت الميزاب.

روي في صحيح أبي أحمد عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق) ([30]).

 وروي عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان يوم التروية، إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد -إلى أن قال- ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو في الحجر ثم أحرم بالحج... الحديث([31]). وهناك روايات أخرى موجودة في الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.

لكن يَرِد في المقام سؤال وهو: هل يجب الإحرام من مكة القديمة([32])، أم يصح حتى من الأحياء الجديدة والمستحدثة؟

اختلاف الأعلام في ذلك

رأي السيد الخوئي (قده)

يجب الإحرام عنده (قده) من مكة القديمة في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والتي حدّها من عقبة المدنيين إلى ذي طوى، وهي ميقات حج التمتع([33]).

وقد احتاط (رحمه الله) وجوبًا بالإحرام من مكة القديمة ([34])، وقد ذكر سماحته ذلك في البحث العلمي في المعتمد في مناسك الحج . قال (رحمه الله): ولكن الأحوط وجوبًا أن يحرم من مكة القديمة، ولا يكتفي بالإحرام من المحلات المستحدثة المتصلة بمكة المكرمة، وذلك لما يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار الواردة في قطع التلبية أن العبرة فيما يترتب على مكة من الأحكام بمكة القديمة ولا عبرة بما أحدث الناس بمكة وبما ألحقوا بها ([35]).

رأي الميرزا (قده)

أفتى الميرزا بوجوب الإحرام من مكة القديمة حيث قال: مكة القديمة في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) والتي حدّها من عقبة المدنيين إلى ذي طوى وهي ميقات حج التمتع([36]).

وقال في مكان آخر: للمكلف أن يُحرم للحج من مكة القديمة من أي موضع شاء ويستحب له الإحرام من المسجد الحرام في مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل([37]).

ورجع واحتاط وجوبًا بالإحرام لحج التمتع من مكة القديمة.

س: هل يجوز للمتمتع الإحرام للحج من بيته إذا كان يسكن في بيت بعيد من الحرم يقال أنه خارج حدود مكة الأصلية؟

ج: نعم يجوز له الإحرام من بيته لعمرة التمتع، وأمّا حج التمتع فيجب الإحرام له من مكة القديمة على الأحوط .

س: هل يجوز الإحرام لحج التمتع من مكة الجديدة، وعلى القول بالمنع وأنها ليست تابعة لمكة القديمة فهل يجوز الإحرام منها للعمرة المفردة باعتبارها خارج الحرم (بالنسبة للمتواجد في مكة)؟

ج: الأحوط أن يحرم لحج التمتع من مكة القديمة مع التمكن، وأمّا الإحرام للعمرة المفردة فيكفي أن يذهب إلى مسجد التنعيم فيحرم من هناك، والله العالم.

س: شخص حجّ بيت الله الحرام وبعد عدّة سنوات شك في صحة حجّه من الجهات التالية:

أ- أنّه أحرم من قرن المنازل ثمّ شك بعد ذلك في كون المنطقة التي أحرم منها هي قرن المنازل؟

ب- أحرم للحج من منطقة العزيزية في مكة المكرمة؟

ج: أ - أمّا إحرام عمرته فيفحص ويسأل أهل الخبرة عن أن المكان الذي أحرم منه هل هو قرن المنازل أو لا؟ فإن ثبت أنّه هو، فهو وإلاّ فالأحوط إعادة الحج.

   ب - وأمّا إحرام حجته من مكة الجديدة جهلاً فلا بأس عليه من هذه الجهة، والله العالم([38]).

وممن جوّز الإحرام من الأحياء المستحدثة

السيد السيستاني دام ظله: حيث ذهب سماحته إلى جواز الإحرام من الأحياء الجديدة إذا عُدَّت من المدينة المقدسة، لكن يستحب الإحرام من القديمة التي كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بشرط أن لا تكون تلك الأحياء خارجة من حدود الحرم. (وللحرم المكي حدود مضروبة المنار قديمة، ولها نُصُب معلومة مأخوذة يدًا بيد، ويحدّه من الشمال (التنعيم) ومن الشمال الغربي (الحديبية «الشميسي») ومن الشمال الشرقي (ثنية جبل المقطع) ومن الشرق (طرف عرفة من بطن نمرة) ومن الجنوب الشرقي (الجعرانة)([39]).

والأحوط الأولى الإحرام من مكة القديمة التي كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإن كان الأظهر جواز الإحرام من المحلات المستحدثة بها أيضا إلا ما كان خارجا من الحرم([40]).

س: هل يصح الإحرام من المحلات المستحدثة في مكة المكرمة كالشيشة والعزيزية وشارع الستين ونحوها علمًا أن بعض هذه المحلات تبعد عن مركز المدينة بما يقارب من عشرين كيلو مترًا؟

ج: المحلات المستحدثة إذا عُدّت جزءً من المدينة المقدسة في العصر الحاضر جاز الإحرام منها على الأظهر إلا ما كان خارجًا منها من الحرم([41]).

والشيخ وحيد الخراساني دام ظله

حيث قال: جواز الإحرام من مكة الجديدة والأحياء المستحدثة : للمكلف أن يُحرم للحج من مكة من أي موضع شاء، والظاهر عدم الاقتصار على مكة القديمة المحدودة في النص بذي طوى وعقبة المدنيين وإن كان أحوط، والأفضل الإحرام من مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل([42]).

ج - التخيير بين القصر والتمام في مكة المكرمة

من الأمور المختصة بمكة المكرمة تخيير الصلاة وهي من الأماكن الأربعة التي يخيّر فيها المصلي بين القصر والتمام، وهي مكة المعظمة والمدينة المنورة، والكوفة، وحرم الحسين (عليه السلام)، فللمسافر أن يتم صلاته في هذه المواضع بل هو أفضل وإن كان التقصير أحوط كما جاء في العديد من الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) منها صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن التقصير بمكة؟ فقال: أتم وليس بواجب، إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي([43]).

وصحيحة الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قلت له إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟ قال: إن قصّرت فذلك، وإن أتممت فهو خير يزداد([44]).

وصحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) (والمراد بحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أو مسجدها كما في النصوص الأخر)، وحرم الحسين بن علي (عليه السلام) ([45]).

وقد اختلف الأعلام في شمول التخيير للمدن الثلاث أم لخصوص مساجدها ، بعد اتفاق أكثرهم على اختصاص الحكم بحرم الحسين (عليه السلام) في الجملة، فممن عمّم الحكم للمدن الثلاث كل من السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ وحيد الخراساني أدام الله ظلهم([46])، وذهب جماعة إلى اختصاص التخيير في البلاد الثلاثة بمساجدها كالميرزا حسين النائيني والشيخ علي الجواهري حفيد صاحب الجواهر رحمهما الله تعالى([47])، وذهب بعضهم إلى التخيير في مكة والمدينة وخص التخيير بمسجد الكوفة وحرم الحسين (عليه السلام) ([48]).

وقد أنشئ في مكة المكرمة والمدينة المنورة بعد عهد النبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين العديد من الأحياء الجديدة فهل التخيير يشمل الأحياء الجديدة أم يختص بمكة القديمة؟

اختلفت آراء المراجع في ذلك

فالسيد الخوئي (قده)

خص التخيير بمكة القديمة فقط :

س : هل أن التخيير بين التمام والتقصير يجري حتى في مكة الجديدة وكذلك المدينة المنورة الجديدة مع اتساع مساحتهما وامتداد عمرانهما، أم أن ذلك خاص بالمدينة المنورة ومكة المكرمة القديمتين، وإذا كان ذلك خاصًا بالقديمة فقط فما هي حدود مكة القديمة وكذا المدينة؟

ج: يخص القديمتين، أما حدود المدينة القديمة فيراجع في تعيينها إلى أهل خبرة المحل، وأما حدود مكة القديمة فبين عقبة المدنيين وذي طوى ([49]).

والسيد السيستاني دام ظله

عمّم التخيير إلى المناطق الجديدة والمستحدثة من مكة والمدينة المنورة :

س: التخيير بين القصر والتمام للمسافر هل يختص بالمدينة القديمة أم يشمل الأحياء المستحدثة فيها؟ وعلى تقدير الاختصاص فلو اختلف أهل المنطقة في تحديد حدود المدينة القديمة سعة وضيقًا فما هو الواجب؟

ج: - يعم الأحياء المستحدثة أيضًا، وعلى القول بالاختصاص يقتصر في التمام على القدر المتيقن([50]).

 - يتخير المسافر بين القصر والتمام في مكة المكرمة والمدينة المنورة بما في ذلك امتداداتها الجديدة الآن([51]).

والشيخ وحيد الخراساني دام ظله

خص الحكم بمكة والمدينة القديمتين ([52]).

والسيد محمد سعيد الحكيم دام ظله

خص التخيير بما كان منهما في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة إلى أيام الجواد (عليهم السلام).

س: هل التخيير بين القصر والتمام للمسافر يختص بمكة المكرمة والمدينة المنورة القديمتين أو يشمل المناطق الحديثة منهما؟

ج ـ يختص بما كان منهما أيام النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) إلى أيام الجواد (عليه السلام) ([53]).

الميرزا التبريزي (قده)

خص التخيير بالمسمى القديم بمكة المشهود به من أهل الخبرة واحتاط بعدم شمول التخيير للمستحدث:

س: ازدادت حدود مكة المكرمة والمدينة المنورة واتسع عمرانها فهل يبقى التخيير في الصلاة قائمًا في ذلك الموسع؟ وهل يجوز للمعتمر الخروج إليها؟

 ج: لا يسع التخيير لمثل ذلك التوسع على الأحوط بل يقتصر على المسمى القديم بها المشهود به من أهل الخبرة ولا بأس بالخروج إلى ذلك للمعتمر المتمتع، والله العالم([54]).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة إبراهيم آية 37 .

([2]) سورة الفتح 24.

([3]) سورة آل عمران 96.

([4]) سورة الأنعام 92.

([5]) سورة التين 3.

([6]) سورة الحج آية 29

([7]) سورة الحج 33.

([8]) تفسير القمي ، علي بن إبراهيم القمي ، ج1 ص328.

([9]) سورة إبراهيم آية 35.

([10]) سورة البلد آية 1-2 .

([11]) كتاب المجموع في شرح المهذب لمحيى الدين النووي ط دار الفكر ج8 ص3 .

([12]) والمحددة حسب بعض النصوص المعتبرة: بعقبة المدنيين لمن دخل من أعلى مكة كما في بعض النصوص، وعقبة ذي طوى لمن دخل من أسفلها وهي قريبة من عقبة المدنيين، وهما يسميان الموضعين ثنية المدنيين وثنية ذي طوى ، ويقول محقق كتاب أخبار مكة للأزرقي : إن ثنية المدنيين هي التي تسمى اليوم ثنية الحجون، وأن وادي ذي طوى بين مقبرة الحجون بالمعلاة وربع الكحل المسمى بالثنية الخضراء، وكان واد حي طوى يُسمى وادي ضبع، أما اليوم فيعرف ببير الهندي. انظر : كلمة التقوى ، للشيخ محمد أمين زين الدين ، ج3 ص291.

([13]) كالإحرام لدخول مكة، وعدم الخروج من مكة بعد أداء عمرة التمتع، وقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في إحرام عمرة التمتع وإن اتفق جلّهم على قطعها عند مشاهدة بيوت مكة القديمة لدلالة الروايات على ذلك، وهناك أمور لا ترتبط بمكة تغيرت عن السابق، كتغيير مكان المسلخ وغيرها من الأمور المستحدثة.

([14]) وسائل الشيعة ، آل البيت ، باب64 ، باب تحريم تظليل الرجل المحرم على نفسه سائرًا وجوازه في الضرورة خاصة ويلزمه الفداء- ح (16953) 1 .

([15]) المصدر السابق ح (16955)3 .

([16]) وفي الحديث : لا يركب المحرم في الكنيسة وهي للنساء جائز و هي شيء يغرز في المحمل أو الرحل ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر. والجمع كنائس مثل كريمة وكرائم (مجمع البحرين مادة كنس) .

([17]) المصدر السابق ح (16956)4.

([18]) هو رأي سماحة السيد السيستاني كما سيأتي .

([19]) صراط النجاة قديم ، دار الاعتصام للطباعة والنشر ، ج3 ص160 سؤال481 ؛  صراط جديد ، دار المحجة البيضاء ودار الرسول ، ج1 ص510 مسالة 1790 .

([20]) والظاهر أن هذا القيد في قبال ما إذا قصد بخروجه من المناطق الجديدة الخروج لمنطقة أخرى كالذهاب إلى عرفات مثلاً فلا يكون حرمة التظليل احتياطية بل فتوى (تحرير المناسك ، دار الولاء ط1 ص125 مسألة 322) .

([21]) المسائل الشرعية ج1 العبادات أحكام التضليل ص337 مسألة 11 ؛ صراط النجاة ج2 ص227 مسألة 713 قديم ؛ صراط جديد ج1 ص516 مسألة 1814 .

([22]) صراط النجاة جديد ج1 ص517 ، مسألة 1820 .

([23]) صراط النجاة جديد ج1 ص509  مسألة 1787 .

([24]) ملحق مناسك الحج ، السيستاني، دار المؤرخ العربي ، لبنان ، ص199-200 مسألة 5.

([25]) لجنة الاستفتاء في مكتب السيد محمد سعيد الحكيم ، 19 شعبان 1428 هـ.

([26]) صراط النجاة ج1 قديم ، ط1 ، جمادى1 ، 1417 ، سؤال 704 .

([27]) صراط النجاة ، الميرزا جواد التبريزي ، ج2 ص224-229 سؤال 713 .

([28]) صراط النجاة ، الميرزا التبريزي ، ج4 .

([29]) كذا هي ميقات حج القران والإفراد لأهل مكة والمجاورين لها ولا يلزمهم الرجوع إلى سائر المواقيت . مناسك الحج ، السيد السيستاني ، دار المؤرخ ص82 ، مواقيت الاحرام7.

([30]) المعتمد في مناسك الحج ، ط1 ، المطبعة العلمية قم ص 296-297 .

([31]) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي ، ج11 الباب21 من أبواب المواقيت ح14963/1 .

([32]) والتي هي بين عقبة المدنيين وذي طوى ؛ صراط النجاة جديد ، ج1 ، ص266 مسالة 940 .

([33]) مناسك الحج ، السيد الخوئي ، نسخة جديدة، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، مواقيت الاحرام ، مسألة 163 الميقات السادس.

([34]) تحرير المناسك ، مصدر سابق، ص204 الإحرام مسألة 6 .

([35]) المعتمد في مناسك الحج ، مصدر سابق، قم ، ص 297 .

([36]) مناسك الحج ، الشيخ جواد التبريزي، مطبعة مهر ، قم ، ط1 ، مواقيت الإحرام ، الميقات السادس ، ص82 .

([37]) المصدر السابق ، واجبات الإحرام ص174 مسألة 361 .

([38]) الميرزا ، صراط النجاة ، فى أجوبة استفتاءات الحج والعمرة ج4 .

([39]) مناسك الحج ، السيد السيستاني ، ص142، حدود الحرم.

([40]) المصدر السابق ، ص83، مواقيت الإحرام ،7 .

([41]) السيد السيستاني ، ملحق مناسك الحج ، مصدر سابق، ص133 مسألة 1 .

([42]) مناسك الحج ، الشيخ وحيد الخراسان، مسألة 358 .

([43]) الكافي ، الشيخ الكليني ، مصدر سابق ، ج4 ، باب إتمام الصلاة في الحرمين ح 3 .

([44]) المصدر السابق ح6 .

([45]) الاستبصار للشيخ الطوسي ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ج2 ح 1191 -1 .

([46]) السيد السيستاني : منهاج الصالحين ، ج1 ، مسألة 952 ؛ والسيد محمد سعيد الحكيم : منهاج الصالحين ، ج1 مسألة587 ؛ والشيخ وحيد الخراساني : منهاج الصالحين ج1 مسألة 952 .

([47]) تعليقة العروة ج3 ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، مسألة 11 .

([48]) السيد الخوئي ، منهاج الصالحين ،ج1 مسالة 952 ، وتبعه السيد محمد صادق الروحاني منهاج الصالحين ، ج1 مسألة 952 .

([49]) صراط النجاة جديد ، ج1 ، ص266 مسألة 940 .

([50]) ملحق مناسك الحج ، السيد السيستاني ، مصدر سابق،  ص460-461- سؤال 2 .

([51]) الميسر في الحج والعمرة ، أحكام العمرة المفردة متفرقات ص47 .

([52]) منهاج الصالحين، الشيخ وحيد الخرسان ، ج1 مسألة 952 .

([53]) الفتاوى أسئلة وأجوبة ، السيد محمد سعيد الحكيم س 311 .

([54]) الميرزا صراط النجاة فى أجوبة استفتاءات الحج والعمرة ج4

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الواحد والعشرون