السنة الثامنة / العدد الثاني والعشرون/ كانون أول:  2012م / محرم: 1434هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

 

الفاتحةُ الخاتمة!

باسم الذي فَطَرَ الأكوانَ عن عدَمِ                    
                    ربِّ البرايا وربِّ اللوحِ والقلَمِ
ثمَّ الصَّلاةُ على الهادي وعترتِهِ                    
                    خيرِ البريَّةِ مِن عُربٍ ومن عجَمِ
المصطَفَينَ على كل الخلائق لم                    
                    يلحقهُمُ أحدٌ في العلمِ والحِكَمِ
قد خصَّهُم ربُّهم من بَدءِ نشأتِهم                    
                    من نورِهِ نورُهُم يُشتقُّ في القِدَمِ
واشتقَّ أسماءَهم ربُّ الخلائقِ من                    
                    أسمائِهِ فَسَمَت في عالَمِ الكَلِمِ
أسماؤُهُم وُجِدت من قبلِ آدمِنا                    
                    بها رجا توبةً من بارئِ النَّسَمِ
لا سيِّما فاطمٌ من فاطرٍ شَقَّهُ الـ                    
                    ـلَّهُ اعتناءً بها سبحانَ ذي الكرمِ
ففاطرٌ لجميع الخلقِ وهي غدًا                    
                    في الحشرِ فاطمةٌ للعفو والنَّقَمِ
طوبى لشيعتِها دنيا وآخرةً                    
                    ثمَّ الصَّلاةُ ختامًا خيرَ مختَتَمِ

 

تقديم

[قول: "لا أعلم" نصفُ العلم]([1])، فلا يقدح في المعرفة الجهلُ بمسائل معدودة، وإنما يُستدَلُّ بقول العالِمِ: "لا أدري" على تقواه، وأنَّه لا يُجازِفُ في أحكامه وفتاواه؛ ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): [لا يَسْتَحْيِي العالمُ إذا سُئِل عمَّا لا يَعلمُ، أن يقولَ: لا عِلمَ لي بِهِ]([2]).

(وإنَّما يمتنعُ مِن "لا أدري" مَن قلَّ علمُهُ، وعُدمت تقواه وديانتُهُ، لأنه يخافُ -لِقُصوره- أن يسقطَ من أعين النَّاس، وهذه جَهَالةٌ أخرى منه؛ فإنَّه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمُ، يبوءُ بالإثم العظيم، ولا يصرِفُهُ عمَّا عُرِف به من القُصُور، بل يُستَدَلُّ به على قصوره.

ومن المعلوم أنَّه إذا رُئِيَ المحقِّقون يقولون في كثيرٍ من الأوقات: "لا أدري"، وهذا المسكين لا يقولُها أبدًا، يُعلم أنَّهم يتورَّعون لِدِينهم وتقواهم، وأنَّه يجازفُ لِجهلِهِ وقِلَّةِ دِينه، فيقعُ فيما فرَّ منه، ويتَّصف بما احترز عنه، لفساد نيَّتِهِ وسوءِ طويَّتِه)([3]).

ومن سجايا الحكماء، وسِمات العقلاء، [أنْ يَقولوا ما يَعْلمونَ، وَيَقِفوا عِندَ ما لا يَعلَمُونَ]، وهو حقُّ الله على العباد، كما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) ([4]).

فإذا رأيتَ أحدَ المتطفِّلين على موائد أهل العلم -وقد أعوزَهُ الفَهمُ لِدَرْك مسألةٍ من المسائل المتعلِّقَةِ بالدِّين، ولا سيَّما المتعلِّقة بالصفوة المعصومين (عليهم السلام)- وقد تَركَ لِذوقيَّاتِهِ وافتراضاتِهِ الزِّمامَ في إصدارِ الأحكام، وراحَ ينفي ما أثبَتَهُ الدَّليلُ، ويُثبتُ رأيَهُ بالأباطيل، غيرَ مُكتَرِثٍ لتحذيرِ مُحَذِّر، ولا آبهٍ لإنذارِ مُنذِر؛ فاعلَمْ أنَّ لسانَهُ كاشفٌ عن هويَّتِهِ، مُظهِرٌ لمُضمَرَات طَويَّته.

ولقد قال أميرُ الكلام (عليه السلام): [ما أضمَرَ أحدٌ شيئًا إلا ظَهَرَ في فَلَتَات لسانه، وصَفَحَاتِ وَجهِهِ]([5])، و[المرءُ مخبوءٌ تحتَ لسانِهِ]([6])، و[الألسنُ تُتَرجِمُ عمَّا تُجِنُّه الضَّمائِرُ]([7]).

وظيفةُ العلماء تِجاهَ السُّفهاء

وعند مواجهة أمثالِ هؤلاءِ، لا بدَّ لنا من اتخاذ الموقف المناسب في التَّعامُلِ معهم، ومع ما يصدرُ عنهم، مستضيئين بهدي الثقلين، القرآن والعترة المعصومة (عليهم السلام).

روى المُحَدِّث الفقيه ابن إدريس الحلِّي (ره)، بإسناده عن المحدِّث العارف الجليل الحارث بن المغيرة، قال: لقيني أبو عبد الله (عليه السلام) في بعضِ طُرُق المدينة ليلاً، فقال لي: [يا حارثُ]. قلت: نعم. قال: [أما لأحمِلَنَّ ذنوبَ سُفهائِكُم على عُلَمائِكم]. ثمَّ مضى.

قال: ثمَّ أتيتُهُ، فاستأذنتُ عليه، فقلتُ: لِمَ قلتَ: [لأحمِلَنَّ ذنوبَ سُفهائِكُم على عُلَمائِكم]، فَقد دَخَلَني من ذلكَ أمرٌ عظيم؟!

قال: [نعم! ما يَمنَعُكُم -إذا بَلَغَكم عن الرَّجُلِ مِنكُم ما تكرهونَهُ، من ما يُدخِلُ علينا به الأذى والعيبَ عندَ النَّاس- أنْ تأتوهُ، فتؤنِّبوهُ، وتعظوهُ، وتقولوا له قولاً بليغًا]؟. فقلت له: جُعِلتُ فداك! إذًا لا يَقبَلُ مِنَّا ولا يُطيعُنا؟!

فقال: [فإذن اهجُرُوهُ عند ذلك، واجتَنِبوا مُجَالَسَتَه]([8]).

ولا يخفى أنَّ الأمر بالهجران واجتناب مُجالَسَتِهم ومَجَالِسِهم إنَّما هو وظيفةُ العلماء تِجاه سفهائهم، وأمَّا وظيفتُهُم تِجاه الناس -الذين قد يقعُ الضَّعيفُ منهم في شباك أولئك السفهاء- فهي إظهار العلم عند ظهور البِدَع، [فَمَنْ لَم يَفْعَل فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله] كما قال رسولُ الله (صلى لله عليه وآله) ([9]).

هويَّةُ البحث والداعي إليه

من المسائلِ المسلَّمَةِ عند كافَّة علماء الشِّيعة الإثني عشريَّة (أعزَّ الله كلمتهم)، مسألةُ اشتقاقِ أسماء الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام) من أسماء الله تعالى.

ولم أعثُر على واحدٍ من علمائنا ناقش في ثبوت ذلك الاشتقاق، رغم البحث الواسع الذي قُمنا به، واستقصينا جميع أطرافه، بحسب الطُّرُق المتاحة، من سؤال أهل الاختصاص، واستقراء المصادر الحديثية وغيرها، بما يتعيَّنُ معه الجزمُ بكون المسألة من المتسالَمِ عليه.

وسترى في فصول البحث الأدلَّةَ والبراهين على ما ذهبنا إليه، وَبَنَيْنا عليه، من رواياتٍ نرويها، وكلماتٍ عن أكابر علمائنا نحكيها، وتحقيقاتٍ نهذِّبُها ونشيِّدُ مبانيها.

غير أنَّ اسمًا من هذه الأسماء الخمسة الشريفة يثير التَّساؤلَ -عند العوام والمبتدئين- حول كيفيَّة اشتقاقه، ووجه الارتباط بينه وبين ما اشتُقَّ منه، وهو اسم (فاطمة) المشتقُّ من اسم (فاطر).

فالنَّاس اعتادوا على الاشتقاق الصغير، وهو ما اشترك فيه المشتقُّ والمشتقُّ منه، في أصل المعنى مضافًا إلى الحروف الأصول، نحو: علم وعالم.

لكن في اشتقاق (فاطمة) من (فاطر) اختلف الأمر، فلا الاشتراك في أصل المعنى واضحٌ، ولا الاشتراكُ في الحروف الأصول متحقِّق، ممَّا يدعو إلى البحث عن حقيقة هذا الاشتقاق، الذي لا ريب في ثبوته، كما أسلفنا.

وقبل سبع سنين -تقريبًا- جمعنا مجلسٌ من مجالس قم المقدسَّة بأحد الفضلاء، فجرى بيني وبينه حوارٌ حول حقيقة هذا الاشتقاق، كان الباعث لي على البحث والتحقيق في هذه المسألة، نشرًا لفضيلةٍ من فضائل سيِّدة الفضائل فاطمة ÷، وتشديدًا لها في قلوب المؤمنين، وإرغامًا لأنوف أهل الشك والريبة، بعد أن كثَرَ الدُّخلاءُ على علوم العربيَّة والموائد المعرفيَّة، القائلون بغير علم، والمتقوِّلون على الله وأوليائه بغير الحق، والمتحيِّنونَ الفُرَصَ للنيل من عقيدة بسطاء المؤمنين، بُغيةَ إضلالهم {وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}([10])، و{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}([11]).

وقد قسَّمت البحث إلى فصول ثلاثة:

الفصل الأول: اشتقاق (فاطمة) من (فاطر) في الإرث الحديثي

الفصل الثاني: وجوه الاشتقاق المحتَمَلَةُ في المقام

الفصل الثالث: الاشتقاق الأكبر في الميزان اللُّغوي

والحمد لله أولاً وآخرًا على نعمةِ الانقياد لمحمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

الفصل الأول

اشتقاق (فاطمة) من (فاطر) في الإرث الحديثي

لمَّا كانَ محورُ البحثِ، وقطبُ رحاه اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر)، ولا يحسنُ الخوض فيه قبل إثبات وقوعه، ولا طريق إلى إثبات وقوعه إلا من خلال تراجمة وحي الله آلِ محمَّد (صلوات الله عليهم)؛ كان لا بدَّ من الرجوع إلى الرِّوايات الشَّريفة الدالَّة على ذلك، ليُعلمَ أنَّ البحثَ ليس في ثبوت الاشتقاق -إذ هو أمرٌ مفروغٌ منه- وإنَّما في بيان كيفيَّته وفهمِ حقيقته.

وقد  قمنا بالتقاط ما أمكننا من دُرَرِ الروايات التي تعرَّضت لذكر اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر) -ولا ندِّعي الاستقصاء التَّام، فقد يكون ما خفي عنَّا أكثرَ ممَّا جمعناه- وأثبتنا أسانيدها على كثرتِها؛ ليتضح تحقق التَّضافر الموجب لاطمئنان النفس بصدور المضمون عن الحجَّة المعصوم (عليه السلام).

رواةُ أحاديث الاشتقاق

ورواياتُ الاشتقاق التي عثرنا عليها من الكثرةِ بمكان، اخترنا منها اثنتي عشرَ روايةً، مأخوذةً من أمَّهات المصادر الرِّوائيَّة، وقد انتهت أسانيدُها إلى سبعة أشخاص، عن رسول الله (صلى لله عليه وآله)، وهم على التَّرتيب: ثلاثةٌ من المعصومين (عليهم السلام)، وأربعةٌ من الصَّحابة:

الأول: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

الثاني: الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).

الثالث: الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام).

الرابع: سلمان المحمَّدي (رضوان الله عليه).

الخامس: عبد الله بن عباس.

السادس: أنس بن مالك.

السابع: أبو هريرة.

ومُعظمُ هذه الروايات وإنْ رُويَت في مصادرنا، إلا أنَّ جملةً من أسانيدِها عاميَّةٌ، مضافًا إلى أنَّ لها شواهد كثيرة في مصنَّفاتنا ومُصنَّفات المخالفين، كما سنُشيرُ إليه في نهاية هذا الفصل.

وها نحنُ نتبرَّكُ بِذِكرِ الرِّوايات الشَّريفة مع أسانيدها -كما أشرنا- على حسب التَّرتيب الزَّمنيِّ للمصادر، مُبتدئينَ بالأقدمِ فما يليه.

علمًا بأنَّ جميعَ هذه الروايات إنَّما نرويها بسند متَّصلٍ إلى مصادرها، وِفْق أسانيد كتاب [ثَبْت الأسانيد العوالي] لخاتمة الرِّجاليِّين  سيِّدنا ومولانا العلامةِ المحقق، والرجاليِّ المدقِّق، السيد محمد رضا الحسيني الجلالي (رعاه الله وسدَّد خطاه)، بإجازةٍ خطيَّةٍ من يده الشَّريفة.

* الرِّوايةُ الأولى: كتاب التَّفسير، للإمام العسكري (عليه السلام) (260هـ).

بالإسناد عن الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: [وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): [حدَّثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله (صلى لله عليه وآله)، قال: يا عبادَ الله! إنَّ آدم لمَّا رأى النُّورَ ساطعًا من صُلبِهِ، إذْ كانَ اللهُ قد نَقَل أشباحَنَا مِن ذِروة العَرْشِ إلى ظَهْرِهِ، رأى النُّورَ وَلَمْ يتبيَّن الأشباحَ -إلى أن قال- فقال: يا ربِّ! ما هَذِهِ الأشباحُ؟

قال الله تعالى: يا آدمُ! هذه أشباحُ أفضلِ خلائقي وبريَّاتي، هذا محمَّدٌ، وأنا المحمودُ الحميدُ في أفعالي، شَقَقْتُ له اسمًا من اسمي. وهذا عليٌّ، وأنا العليُّ العظيمُ، شَقَقتُ له اسمًا من اسمي. وهذه فاطمةُ، وأنا فاطرُ السَّماواتِ والأرض، فاطمُ أعدائي عن رحمتي يوم فصلِ قضائي، وفاطمُ أوليائي عمَّا يَعْتَريهم ويُسيئُهُم، فَشَقَقتُ لها اسمًا من اسمي...]([12]).

* الرِّوايةُ الثَّانية: شَرْحُ الأخبار، للقاضي النُّعمان (363هـ).

بإسناده، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله (صلى لله عليه وآله) يقول: [لمَّا خلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ آدمَ (عليه السلام)، وَنَفَخ فيهِ مِن رُوْحه، نَظَرَ آدمُ (عليه السلام) يُمنَةَ العرش، فإذا من النُّورِ خمسةُ أشباحٍ على صُورَتِهِ، ركَّعًا سُجَّدا.

فقال: يا ربَِّ هل خَلَقتَ أحدًا منَ البَشَرِ قَبلي؟

قال: لا. قال: فَمَن هؤلاءِ الَّذين أراهُم على هَيئَتي وعلى صورتي؟

قال: هؤلاءِ خمسةٌ من وُلدِكَ، لولاهم ما خَلَقْتكَ، ولا خلقتُ الجنَّةَ ولا النَّار، ولا العرشَ ولا الكرسيَّ، ولا السَّماءَ ولا الأرضَ، ولا الملائكةَ ولا الإنسَ ولا الجنَّ.

هؤلاءِ خمسةٌ، اشتَقَقتُ لهم أسماءً من أسمائي.

فأنا المحمودُ وهذا مُحمَّدٌ، وأنا الأعلى وهذا عليٌّ، وأنا الفاطرُ وهَذِهِ فاطمةُ، وأنا الإحسانُ وهذا الحسنُ، وأنا المُحسِنُ وهذا الحُسينُ.

آليتُ بِعِزَّتي! أنْ لا يأتيَنِي أحدٌ بِمِثقالِ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ -مِن حُبِّ أحدٍ منهم- إلا أدخلتُهُ جَنَّتي.

وآليتُ بِعِزَّتي! أنْ لا يأتِيَني أحدٌ بِمِثقالِ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن بُغضِ أحدٍ منهم إلا أدخَلْتُهُ ناري، ولا أبالي.

يا آدمُ! وهؤلاءِ صَفْوَتي مِن خلقي، بِهِم أُنجي، وَبِهِم أُهلِكُ]([13]).

*الرِّوايةُ الثَّالثة: أيضًا، شَرحُ الأخبار.

قال القاضي: صفوان الجمَّال، قال: دخلتُ على أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، وهو يقرأُ هذه الآية: {فَتلقَّى آدمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، ثمَّ التفتَ إليَّ، فقال: [يا صفوان!.. -إلى أن قال (عليه السلام):- فَلمَّا أنْ وَقعَ آدمُ في الخطيَّة، قال: يا ربِّ! بحقِّ هؤلاءِ الأشباحِ اغفرْ لي؟

فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: إنَّك توسَّلتَ إليَّ بِصَفْوَتي، وقد غَفَرتُ لكَ.

قال آدمُ: يا ربِّ! بالمغفرةِ الَّتي غفرتَ إلَّا أخبرتني مَنْ هُم؟

فأوحى اللهُ إليه: يا آدمُ! هؤلاءِ خمسةٌ مِن وُلدِكَ، لِعَظيم حَقِّهم عندي اشتَقَقْتُ لهم خمسةَ أسماءٍ من أسمائي، فأنا المحمودُ وهذا مُحمَّدٌ، وأنا العليُّ وهذا عليٌّ، وأنا الفاطرُ وهذِهِ فاطمةُ، وأنا المُحسنُ وهذا الحسنُ، وأنا الإحسانُ وهذا الحسينُ]([14]).

*الرِّوايةُ الرَّابعة: معاني الأخبار، للشَّيخِ الصَّدوق (ره) (381هـ).

بإسناده، عن طاووس، عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول الله (صلى لله عليه وآله) لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): [لمَّا خَلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذِكْرُهُ آدمَ، ونَفَخ فيه من رُوحِهِ، وأسجدَ له ملائكتَهُ، وأسكَنَه جنَّتَه، وزوَّجَهُ حَوَّاءَ أمَتَه، فَرَفَع طرْفَهُ نحو العرش، فإذا هو بِخَمسةِ سُطورٍ مكتوباتٍ، قال آدمُ: يا ربِّ! ما هؤلاءِ؟

قال تعالى: هؤلاءِ الَّذين إذا تَشَفَّعَ بهم إليَّ خَلْقي شفَّعْتُهم.

فقال آدمُ: يا ربِّ! بِقَدرِهِم عندكَ، ما اسمُهُم؟

فقال: أمَّا الأوَّلُ فأنا المحمود وهو محمَّدٌ، والثَّاني فأنا العالي وهو عليٌّ، والثالثُ فأنا الفاطرُ وهي فاطمةُ، والرَّابعُ فأنا المحسِنُ وهو الحسَنُ، والخامِسُ فأنا ذو الإحسانِ وهو الحسَينُ، كلٌّ يحَمَدُ اللهَ تعالى]([15]).

*الرواية الخامسة: أيضًا، معاني الأخبار.

بإسناده، عن عبدِ اللهِ بنِ الفضلِ الهاشميِّ، عن جعفرَ بنِ محمَّدٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ (عليهم السلام)، قال: [كانَ رسولُ الله (صلى لله عليه وآله) ذاتَ يومٍ جالسًا، وعندَهُ عليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ (عليهم السلام)، فقال: والَّذي بَعَثَني بالحقِّ بشيرًا، ما على وَجْهِ الأرضِ خَلْقٌ أحبَّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ولا أكرمَ عليه مِنَّا.

إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى شَقَّ لي اسمًا من أسمائِهِ، فهو محمودٌ وأنا محمَّدٌ، وشَقَّ لكَ يا عليُّ اسمًا من أسمائِهِ، فهو العليُّ الأعلى وأنت عليٌّ، وشَقَّ لكَ يا حسَنُ اسمًا من أسمائِهِ، فهو المُحسنُ وأنتَ حَسَنٌ، وشَقَّ لكَ يا حسينُ اسمًا من أسمائِهِ، فهو ذُو الإحسانِ وأنتَ حسينٌ، وشَقَّ لكِ يا فاطِمَةُ اسمًا من أسمائِهِ، فهو الفاطرُ وأنت فاطمة...]([16]).

*الرِّوايةُ السَّادِسة: مُقتَضَبُ الأثَر، لأحمد بن عياش الجوهري (401هـ).

بإسناده، عن الأعمشُ، عن محمَّدٍ بنِ خَلَفٍ الطَّاطَري، عن زَاذانَ، عن سَلمان، قال: دَخَلتُ على رسول الله (صلى لله عليه وآله) يَومًا، فلمَّا نَظَر إليَّ قال: [...يا سَلمانُ! خَلَقَني اللهُ مِن صَفْوَةِ نُورِهِ، وَدَعاني فأطعْتُهُ، وَخَلَق مِن نُوري نُورَ عليٍّ (عليه السلام)، فَدَعَاهُ إلى طاعتِهِ فأطاعَهُ، وخَلَقَ مِن نُوري ونُورِ عليٍّ فاطمةَ، فَدَعاها فأطاعتْهُ، وَخَلَق مِنِّي ومِن عليٍّ وفاطمةَ الحسنَ والحسينَ، فَدَعَاهُما فأطاعاهُ، فَسَمَّانا اللهُ عزَّ وجلَّ بِخَمسةِ أسماءٍ من أسمائِهِ.

فاللهُ محمودٌ وأنا محمَّدٌ، واللهُ العليُّ وهذا عليٌّ، واللهُ فاطرٌ وهذه فاطمةُ.. الحديث]([17]).

*الرِّوايةُ السَّابعة: دَلائلُ الإمامة، لابن جرير الطبري الشِّيعي (ق 4هـ).

بإسناده، عن سليمانَ الأعمشَ، عن محمَّد بن خلفٍ الطَّاطري، عن زاذانَ، عن سلمانَ (رضي الله عنه)، قال: قال لي رسولُ الله (صلى لله عليه وآله): [إنَّ الله تباركَ وتعالى لم يَبْعَثْ نبيَّا ولا رَسُولاً إلا جَعَلَ لهُ اثني عَشَرَ نقيبًا...]([18])، وساق الحديث كما في مُقتَضَب الأثر.

تنبيه: إنَّما نقلنا روايةَ دلائل الإمامة -مع كونِها متَّحدَةً مع روايةِ المقتَضَب متنًا- لاختلافِهِما في الإسنادِ إلى الأعمش، من جهة، وَلِكونِ الأعمش وَمَن بعدَهُ لا ضَعْفَ فيهم، من جهةٍ أُخرى.

وَمِثلُ هَذينِ الاسنادين يَعضُدُ أحدُهُما الآخرَ كما لا يخفى.

*الرِّوايةُ الثَّامنة: تَنبيهُ الغافِلِين، لِلمُحسن بنِ كرامة (494هـ).

قال: روى السَّيِّدُ الإمامُ أبو طالب يحيى بنُ الحسينِ (أجزَلَ اللهُ ثوابَهُ)، بإسنادِهِ عن جُوَيبر، عن الضَّحاك، عن ابن عبَّاس، قال: [لمَّا أمَرَ اللهُ تعالى آدمَ بالخروجِ من الجَنَّة، رَفَعَ طَرْفَهُ نحوَ السَّماء، فَرَأى خمسةَ أشباحٍ عن يمينِ العَرْش، فقال: إلهي! هل خَلَقْتَ خَلْقَا قبلي؟

فأوحى اللهُ تعالى إليه: أمَا تَنْظُرُ إلى هذه الأشباح؟ قال: بلى.

قال تعالى: هؤلاءِ الصَّفوةُ مِن نُوري، اشْتَقَقْتُ أسماءَهُم مِن اسمي، فأنا اللهُ المحمودُ وهذا محمَّدٌ، وأنا العليُّ وهذا عليٌّ، وأنا الفاطرُ وهذه فاطمةُ، وأنا المحسِنُ وهذا الحسَنُ، ولِيَ الأسماءُ الحسنى وهذا الحسينُ.

فقال آدمُ: فَبِحَقِّهم اغفرْ لي!

فأوحى اللهُ تعالى إليه: قَدْ غَفَرْتُ لكَ]([19]).

*الرِّواية التاسعة: الدُّرُّ النَّظيم، لابن حاتم العاملي (664هـ).

قال: حدَّثَ أبان([20])، عن أَنَس، أنَّهُ قال: قال رسولُ الله (صلى لله عليه وآله): [لمَّا خَلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ آدمَ (عليه السلام)، نَظَرَ إلى سُرَادقِ العرش، فَرَأى عليهِ مكتوبًا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُحمدٌ رسولُ الله، وأسماءً أربعة... -إلى أن قال (صلى لله عليه وآله):- قال: يا آدمُ! هؤلاءِ الخمسَةُ، شَقَقْتُ لهم خمسةَ أسماءٍ من أسمائي العِظَام، فأنا المحمودُ وهذا أحمدُ، وأنا العالي وهذا عليٌّ، وأنا الفاطرُ وهذه فاطمةُ، وأنا المحسنُ وهذا الحَسَنُ، وأنا الإحسانُ وهذا الحُسَيْنُ]([21]).

*الرواية العاشرة: تأويلُ الآيات، للسَّيِّد شَرَف الدِّين الحُسيني (ق10هـ).

بإسناده، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: [ليلةَ أُسري بي إلى السماء، صرت إلى سدرة المنتهى، فقال لي جبرائيل: تقدَّم يا محمد! فدنوت دنوةً -والدَّنوةُ: مدُّ البصر-، فرأيت نورًا ساطعًا، فخررت لله ساجدًا.

فقال لي: يا محمد! مَن خَلَّفت في الأرض؟

قلت: يا ربِّ! أعدلَها وأصدقَها وأبرَّها وأسنَمَها، عليَّ بن أبي طالب، وصيي، ووارثي، وخليفتي في أهلي. فقال لي: أقرئه منِّي السَّلام، وقل له: إنَّ غَضَبَه عِزٌّ، ورضاهُ حُكْم.

يا محمد! إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا العلي الأعلى، وهبتُ لأخيك اسمًا من أسمائي، فسمَّيتُهُ عليَّا، وأنا العلي الأعلى.

يا محمد! إني أنا الله لا إله إلا أنا فاطر السماوات والأرض، وهبتُ لابنتك اسمًا من أسمائي، فسمَّيتها فاطمة، وأنا فاطر كل شيء...]([22])، الحديث.

*الرواية الحادية عشرة: الخصائِصُ العَلَويَّة، لأبي الفتح النَّطَنزي (550هـ).

بإسناده عن أبي عثمان الرَّازي، عن سلمان الفارسي، قال: سمعتُ رسولَ الله (صلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآلِهِ] وسَلَّمَ) يقول: [خُلِقْتُ أنا وعليٌّ بنُ أبي طالبٍ مِنْ نُورٍ عن يَمينِ العَرْش، نُسَبِّحُ اللهَ، ونُقَدِّسُهُ مِن قَبْلِ أن يَخْلُقَ اللهُ عزَّ وجلَّ آدمَ بأربعَةَ عَشَرَ ألف سَنَة...، واشتَقَّ الله لنا من أسمائِهِ اسمًا، فاللهُ محمودٌ وأنا محمَّدٌ، واللهُ الأعلى وأخي عليٌّ، واللهُ فاطرٌ وابنتي فاطمةُ...]([23])، الحديث.

*الرواية الثانية عشرة: الدُّرِّ الثَّمين، لابنِ الجَوزيِّ (597هـ).

قال في بحار الأنوار: وروى صاحب الدُّرِّ الثَّمين([24])، في تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} أنَّه [آدمُ (عليه السلام)] رأى ساقَ العرش، وأسماءَ النَّبيِّ والأئمةِ (عليهم السلام)، فلَقَّنَهُ جَبرئيلُ قل: [يا حَمِيدُ بِحَقِّ محمِّدٍ، يا عالي بِحَقِّ عليٍّ، يا فَاطِرُ بِحَقِّ فاطِمَةَ، يا مُحسِنُ بحَقِّ الحسنِ والحسينِ، ومنكَ الإحسانُ...]([25])، الحديث.

أقول: هذه الرواية -وإن لم تتعرض لذكر الاشتقاق- إلا أنَّها شاهدٌ صريحٌ واضحٌ عليه، كما لا يخفى على من لديه معرفةٌ بالحديث وعِلْمِه.

حَصيلَةُ الفصل الأوَّل

بعد أن نَقَلنا هذه الباقةَ العطِرةَ من رياض العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وأثبتنا أسانيدَها، بات ثبوتُ اشتقاقِ اسمِ (فاطمةَ) من (فاطر) واضِحًا جليَّا، فَتَضَافُرُ الطُّرُق، وأهميَّةُ مصادِرِها، ورِوَاَيُة المؤالفِ والمخالفِ لها، لا يَتركُ للشكِّ -فضلاً عن الإنكار- بابًا إلا سَدَّهُ، ولا طريقًا إلا قطَعَهُ، و[قدْ أضاءَ الصُّبحُ لِذي عَينين]([26]).

الفصل الثاني

وجوه الاشتقاق المحتملة في المقام

قبل الدخول في بحث الاشتقاق الأكبر، وإرساءِ أركانه، لا بد من وقفة تدبُّريَّة في استنطاق المتون الروائيَّة الشريفة التي نصَّت على اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر).

حيثُ إنَّ سؤالاً يطرحُ نفسه، لا بدَّ منه ومن الجواب عنه -قبلَ أن تصلَ النَّوبةُ لبحث الاشتقاق الأكبر- وهو:

ما المرادُ من قول الله تعالى: [اشتقَقْتُ] في أحاديث الاشتقاق؟

والأجوبة المحتملةُ على هذا السؤال اثنان لا ثالث لهما:

الأول: أن يكون المراد هو الاشتقاق اللُّغَوي

الثاني: أنْ يكونَ المرادُ هو الاشتقاق الاصطلاحي، وهذا يتصوَّرُ على نحوين:

     أ - بناءً على أنَّ الله تعالى هو الواضع للّغة.

     ب - من جهة كونه مستعملاً لا واضعًا.

وتفصيلُ الكلام حسبما يقتضيه المقام:

الاحتمال الأول: الاشتقاق بمعناه اللُّغَوي

لمَّا كان لفظُ الاشتقاق يحمل معنىً في أصل اللغة يغايرُ معناه الاصطلاحي، من جهة العموم والخصوص، حيثُ إنَّ كلَّ اشتقاقٍ اصطلاحيٍ هو اشتقاقٌ لُغَويٌّ، وليس العكس، احتُمِل كونُ المراد من الاشتقاق في كلام الوحي الاشتقاقَ لغةً لا اصطلاحًا.

والاشتِقاقُ لُغةً هو: مطلقُ الأخذِ من الشَّيء([27]).

ويقرِّبُ هذا الاحتمالَ -إنْ لم يعيِّنْهُ- قرائنُ أربع:

الأولى: نسبةُ الاشتقاق إليه تعالى، حيث قال: [اشتقَقتُ]، وهو ظاهرٌ في المعنى اللُغوي دون الاصطلاحي.

الثانية: اشتقاق خصوص الاسم من الاسم لا من مادَّته، والاشتقاق الاصطلاحي يقتضي اشتقاق اسم (فاطمة) من مصدره (فطم)، ثمَّ اشتقاق (فطم) من (فطر).

فيكون اشتقاق اسم (فاطمة) من اسم (فاطر) قرينةً ظاهرةً في أنَّ المراد هو الاشتقاق اللغَويِّ دون الاصطلاحي.

الثالثة: قوله جلَّ وعلا: [من اسمي]، ولم يقُل: من اسم فاطر! ممَّا يعني أنَّ الاشتقاق من خصوص اسم الله تعالى، وليس من مطلق اسم (فاطر)، فتنبَّه.

الرابعة: إخباره تعالى آدمَ (عليه السلام) بهذا الاشتقاق -يوم خلقِهِ- كان قبل وجود العرب فضلاً عن اصطلاحاتهم اللُّغَوية.

ونحنُ نُرجِّحُ هذا الاحتمال، بل هو الظَّاهرُ دون غيره، لشديد تناسبِهِ مع القرائن المقاميَّة لاشتقاق اسم (فاطمة) من اسم الله (فاطر).

حيثُ إنَّ المقامَ مقامُ بيان عَظَمَة هؤلاء الخمسة (عليهم السلام)، وتوقُّفِ الغايةِ من خَلْق الخلق على وجودهم، واشتقاق أنوارهم من نور الله تعالى، ومقابلة اشتقاق أنوارهم من نوره تعالى باشتقاق أسمائهم من أسمائه سبحانه، إلى غيرها من القرائن.

فالمناسبُ لهذا المقام هو أن تكون أسماؤهم (عليهم السلام) مأخوذةً من خصوص أسماء الله تعالى الدَّالَّة عليه، مشتقَّةً منها، دون الاشتقاق من مطلق مادة الاسم، كما لا يخفى.

الاحتمال الثَّاني: الاشتقاق بالمعنى الاصطلاحي

ربَّ قائلٍ يقول: قد يكونُ اللهُ تعالى استعمل الاشتقاق -في روايات اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر)- بمعناه الاصطلاحي، إمَّا من حيثُ كونه هو الواضعُ للُّغَة، وإمَّا من حيث كونِهِ استعملَ اللُّغةَ التي ستكونُ لاحقًا، وإن لم يكن هو واضعها.

فتكونُ مادة (فطم) مشتقَّةً من مادة (فطر)، ممَّا يستدعي إبرازَ الوجه الموافق لما هو معروف من المعنى الاصطلاحي للاشتقاق عند علماء العربيَّة!

وجهُ الاشتقاق بناءً على المعنى الاصطلاحي

ونحن لو غضَضنا الطَّرفَ عمَّا ذكرناه من قرائن دلَّت على إرادة الاشتقاق بمعناه اللُّغَوي، فالجوابُ عن هذا الاحتمال أسهلُ ما يكون، وأبسطُ ممَّا يُتَصوَّرُ في بادئ الحال.

الاشتقاقُ الاصطلاحي بما أنَّ الله واضع اللغة

إذ بناءً على أنَّ اللهَ تعالى هو الواضعُ للغة العربية([28]) -وأنَّ المراد هو الاشتقاق الاصطلاحي- فعلماءُ العربيَّة هم من يحتاجُ لإبراز الوجه الجامع بين ما اصطلحوا عليه من الاشتقاق وما ورد في روايات اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر)، لأنَّهم تبعٌ للُّغَةِ لا متبوعون، ومن ظاهرها استفادوا قواعدهم،  فإذا بان الاختلافُ بين ما قعَّدوه وما استعمله الواضع، كان استعمالُهُ حاكمًا على قاعدتهم بلا أدنى ارتياب.

وبناءً على ذلك تكونُ رواياتُ اشتقاق اسم (فاطمة) من اسم (فاطر) كاشفةً كشفًا إنيَّا عن نحو آخر من الاشتقاق، يوافق الاشتقاق المعروف بين أهل اللغة في الاشتراك من حيث المعنى، ويخالفُهُ في اشتراط اتحاد أصول المشتقِّ والمشتقِّ منه، سواءٌ ثبتَ الاشتقاقُ الأكبر -كما سيأتي- أم لم يثبت.

الاشتقاقُ الاصطلاحي إنْ لم يكن الله هو الواضع

والنتيجة نفسُها فيما لو لم نقُلْ بأنَّ الله هو الواضع للغة، بل كان أحد المستعملين لها على الوجهِ الذي ستُوضَعُ عليه لاحقًا.

ووجهُهُ الذي لا يكادُ يخفى: أنَّ اللُغة العربيةَ سُماعيَّةٌ، وقواعدَها مستفادةٌ من السُّماع، فإذا جازَ أن يكونَ كلامُ قبيلةِ حِمْيَر أو تميم أو طي أو غيرها كاشفًا عن صحة استعمال اللفظ في معناه الذي استعملوه فيه، ومصدرًا لاستفادة قواعد اللغة منه؛ أفلا يكون كلامُ الوحي -والفرضُ أنه استعمل الاشتقاق بمعناه الاصطلاحي- كاشفًا عن مثل ذلك، بل يكون أصدقَ الكواشف وأصحَّها على نحو القطع واليقين.

تذييل

وعلى هذين الاحتمالين تُحمَلُ جملةٌ من الرِّوايات، وهي التي تضمَّنت اشتقاق كلمةٍ من أخرى، لم تتَّفِقا في جميع الأصول، وإن اشتركتا في المعنى، ومن تلك الرِّوايات:

أ - اشتقاق (الشيعة) من (الشعاع)

قال الحافظُ البُرسي (ره): عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) -من كتاب الواحدة- قال: [إن الله سبحانه تفرَّد في وحدانيَّته، ثمَّ تكلَّم بكلمة فصارت نورًا، ثمَّ خلق من ذلك النُّور محمَّدًا وعليَّا وعترته، ثمَّ تكلَّم بكلمة فصارت روحًا، وأسكنها ذلك النُّّورَ وأسكنه في أبداننا، فنحنُ روحُ الله في ذلك، وكلمتُهُ، احتجب بِنا عن خلقه.

فما زلنا في ظلَّةٍ خضراء مسبِّحين، نسبِّحُهُ ونقدِّسُهُ حيث لا شمسَ ولا قمرَ، ولا عين تطرف، ثمَّ خلق شيعتنا، وإنَّما سُمُّوا شيعةً لأنَّهم خُلِقوا من شعاع نورنا]([29]).

ب - اشتقاق الروح من الريح

روى المحدِّثُ الجليلُ الشيخُ الكليني (ره) بإسناده، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: {وَنَفَخْتُ فيهِ مِن رُوحِي}، كيف هذا النَّفخُ؟

فقال: [إنَّ الرُّوحَ متحرِّكٌ كالرِّيح، وإنَّما سُمِّي روحًا لأنَّه اشتُقَّ اسمُهُ من الرِّيح.. الحديث]([30]).

ج - اشتقاق المروة من المرأة

فلقد روى ثِقةُ الإسلام الكليني (ره) بإسناده، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: [إنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا أصابَ آدمُ وزوجتُهُ الحنطةَ، أخرجهما من الجنَّة، وأهبطهما إلى الأرض، فأُهبِطَ آدمُ على الصَّفا، وأُهبِطَت حواءُ على المروة.

وإنَّما سمِّيَ صفا لأنَّه شُقَّ له من اسم آدم المصطفى، وذلك لقول الله عز وجل: {إنَّ اللهَ اصطفى آدمَ ونوحًا}، وسُمِّيت المروةُ مروة، لأنَّه شُقَّ لها من اسمِ المرأة... الحديث]([31]).

ونحوها من أحاديث الاشتقاق المماثلة.

الفصل الثالث

الاشتقاق الأكبر في الميزان اللُّغوي

قد يرى القارئ الكريمُ عدم الحاجة إلى عقد هذا الفصل من البحث، حيثُ إنَّ المطلب اكتمل والمعنى انتظم -بما أسلفناه في الفَصلَين السَّابقين- سواءٌ ثبت الاشتقاق الأكبر أم لم يثبت.

وما يراه نحن أيضًا نراه، لكنَّ شبهةً قد تعرضُ في أذهان بعض البسطاء، لا بدَّ من عرضها وردِّها.

تقريرُ الشُّبهة

إنْ كان الأمرُ كما قدَّمتم وأسلفتُم، فلماذا لم نسمع من علماء اللُّغة باشتقاقٍ من هذا النُّوع، إذ الاشتقاقُ المعروفُ عندهم هو ما اتحدت فيه أصول المشتق والمشتقِّ منه، مع اشتراكهما في المعنى.

أمَّا اشتقاق مثل (فطم) من (فطر)، فهذا ما لم نسمع به من قبل؛ ولا يصحُّ ادعاءُ أنَّه لم يلتفت إليه احدٌ من قَبْل، وجملةٌ من علماء اللغة هم من علماء الإسلام، ولا شكَّ في اطِّلاعهم على مثل هذه الرِّوايات؟!!

جوابُ الشُّبهة

إنَّ نفيَ العاقل لمسألةٍ من المسائل او أثباتَها لا يمكن أن يكون اعتباطيَّا، أو استحسانيَّا ذوقيَّا محضًا، بل لا بدَّ من ابتنائِهِ على الدليل والقرائن المفيدة للإطمئنان.

ومن المعيب عند العقلاء أن يُتمسَّك -للنفي- بعدم الدليل على الإثبات، إذ غايةُ ما يُثبِتُهُ عدمُ العثور على الدليل هو جعل المسألةِ في صقع الإمكان، تحتمل الثبوت كما تحتمل النَّفي، وفي مثلِهِ قال الشيخُ الرئيس: (فذره في بقعة الامكان، ما لم يذدك عنه قائمُ البرهان)([32]).

وقال المحقِّقُ الحلِّي (ره): (قد ثبتَ في العقلِ أنَّ عدم الوجدان لا يدلُّ على عدم الوجود)([33]).

فلا يليقُ بالعاقل -فضلاً عن طالب العلم- أن يبادرَ إلى نفي مسألةٍ من مسائل العلوم، وهو يقصُرُ عن فهم جوهر المسألة، فضلاً عن فهم ما يُستدلُ به لها أو عليها، فضلاً عن قيامه بقصد مظانِّ أدلَّة المسألة ولو على النحو الجزئي.

فليست الجرائدُ اليوميَّة، ولا المجلَّاتُ المعاصرة من مظانِّ البحث عن الاشتقاق، لتخوِّلَ القارئ لها أن ينفيَ الاشتقاق الأكبر حيث لم تتعرض لذكره!!

الاشتقاق: صغيرٌ وكبيرٌ وأكبر

يسهُلُ على الباحث -الخبير بمظانِّ بحثه- أن يُلِمَّ بأنواع الاشتقاق المنصوص عليها من قِبَلِ أكابرِ علماء العربيَّة، بدءًا بالاشتقاق الصَّغير، فالكبير، فالأكبر، وها نحنُ نقدِّمُ خلاصةَ بحثنا في هذا الباب، من دون تطويلٍ ولا إطناب.

الاشتقاق الصَّغير

 وهو ما في أيدي الناس وكتبهم، كأنْ تأخذَ أصلاً من الأصول، فتجمعَ بين معانيه وإن اختلفت صيغه ومبانيه.

وذلك كتركيب (س ل م) فإنَّك تأخذ منه معنى السلامة في تصرُّفِهِ، نحو: سَلِمَ، ويَسْلَمُ، وسالِمٌ، وسلمان، وسلمى، والسَّلامة.

وعلى ذلك بقيّة الباب، وبقيّة الأصول غيره، كتركيب (ض ر ب) و(ج ل س) و(ز ب ل) على ما في أيدي الناس من ذلك. ويُسمَّى أيضًا الاشتقاق الأصغر([34]).

الاشتقاق الكبير

لا يكادُ يُذكرُ الاشتقاقُ الكبيرُ إلا وتنصرفُ الأذهانُ إلى عَلَمٍ من أعلام القرن الرابع الهجري، صرحٍ من صروح اللغويِّين، إمامٍ من أئمَّتهم، خريِّتِ الصناعة، والمرجعِ فيها، أبي الفتح ابنِ جنِّي (ره).

فهو أوَّلُ من أرشدَ إليَّه، ونبَّه الآخرين عليه، فهذَّب معانيه، وشيَّد مبانيه، بعد أن كان أستاذهُ أبو علي الفارسي (ره) قد سبقه إلى التنبُّهِ له.

قال في الخصائص: (وأمّا الاشتقاق الأكبر([35]): فهو أن تأخذَ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدًا، تجتمعُ التراكيب الستة وما يتصرَّف من كل واحد منها عليه، وإنْ تباعدَ شيءٌ من ذلك عنه رُدَّ بلطفِ الصنعةِ والتأويل إليه، كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد.

[إلى أن قال]: فمن ذلك تقليب (ج ب ر)، فهي -أين وقعت- للقوّة والشدّة.

منها: (جبرت العظم والفقير)، إذا قوّيتهما وشددْت منهما، والجَبْر: الملِك لقوّته وتقويته لغيره.

ومنها: (رجلٌ مُجرَّب)، إذا جَرَستْه الأمور، ونجذَته، فقويت مُنَّته، واشتدَّت شكيِمته. ومنه: الجِرَاب، لأنه يحفظ ما فيه، وإذا حُفظ الشيء وروعي اشتدّ وقوي، وإذا أُغفل وأُهمل تساقط ورَذِيَ.

ومنها: (الأبجر والبُجْرة)، وهو القوي السُرَّة؛ ومنه: قول عليٍّ (صلوات الله عليه)([36]): [إلى الله أشكو عُجَرِي وبُجَرِي]، تأويله: همومي وأحزاني...)([37]).

أقول: ومن شواهد الاشتقاق الكبير في الروايات الشريفة، ما رواه الشيخُ الكليني (ره) بإسناده، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

[.. ولم يكن لآدمَ أُنسٌ غيرُها، ولذلك سُمِّينَ النِّساء، من أجلِ أنَّ حوَّاء كانت أنسًا لآدم..]([38]).

الاشتقاق الأكبر

وهو: (أن يَشْترك المشتقُّ والمشتقّ منه في أكثر تلك حروف الأصول، ويَتَناسبا في الباقي، مع الاتِّحاد أو التَّناسبِ في المعنى، كأَلَهَ ووَلَهَ، وكالفَلَق والفَلَج)([39]).

وها نحن نذكر جملةً منْ نصوص أصحاب الفنِّ، وأهل الخبرة، والتي نصَّت على الإشتقاق الأكبر، أو طبَّقته في بعض الموارد، وهي بحسب الترتيب الزَّمني:

- عبد الله بن قدامة (630 هـ)

قال في كتابه المعروف [المغني ج5 ص83] في باب الضمان: (ويفارق الضَّمانُ الحِوالةَ، فإنَّ الضَّمان مشتقٌّ من الضَّم)([40]).

ولا يخفى عليك أنَّ (نون) الضَّمان أصليَّةٌ فيه، ممَّا يعني أنَّ المشتقَّ (الضَّمان) فارَقَ المشتَقَّ منه (الضَّم) في ثالث أصوله، فثالثها في (الضمان) النون، وفي (الضمِّ) الميم، وهذا لا يصحُّ إلا على القول بالاشتقاق الأكبر، وهو ما عناه ابن قدامة.

- شمس الدين الزركشي (772 هـ)

قال في كتابه [شرح المختصر الخرقي ج2 ص140] -في جوابه على من استشكل في اشتقاق الضمان من الضم-: (وَيُجابُ بأنَّه من الإِشتقاق الأكبر، وهو المشاركةُ في أكثر الأصول، مع ملاحظةِ المعنى).

- الشَّريف الجرجاني (812 هـ)

قال في [الحاشية على الكشاف ص46] -شارحًا للاشتقاقين الكبير والأكبر-: (أما الكبير: فبأن يشترِكا في الحروفِ الأصول، من غير ترتيبٍ، مع اتِّحادٍ في المعنى، أو تناسبٍ فيه، كالجذب والجبذ، وكالحمد والمدح.

وأما الأكبر: فبأن يَشْتركا في أكثر تلك الحروف فقط، ويَتَناسبا في الباقي، مع الاتِّحاد أو التَّناسبِ في المعنى، كأَلَهَ ووَلَهَ، وكالفَلَق والفَلَج).

ومن وقف على هذا التَّصريح الصَّريح، علِمَ أن الاشتقاق الأكبر من المسلَّمات عندهم، حيثُ شرحه مرسلاً إيَّاه إرسال المسلَّمات، ولم يُشِر إلى ما يمكن أن يُشمَّ منه الخلاف في ذلك.

ويؤكِّدُ تسالُمَهم عليه أيضًا، قوله ص133: (قوله [أي قول الزمخشري عن أنفق وأنفذ]: أخوان؛ أي: بينهما الاشتقاق الأكبر، لاشتراكهما في أصل المعنى، وأكثر الحروف الأصول، مع التَّوافق في الباقي).

فنسَبَ إلى الزَّمخشري إرادة الاشتقاق الأكبر بدليل استعماله لفظ (أخوان)، على نحو الجزم، لا الاحتمال؛ والزَّمخشري عَلَمٌ من أعلام اللُّغة، ومرجعٌ من مراجعها.

- العَينيّ (855هـ)

قال في [عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ج1 ص317]: (وقال الزمخشري: انفق الشيء وأنفده، أخوان، وعن يعقوب: نفق الشيء ونفد، واحد، وكلُّ ما جاء ممَّا فاؤه نونٌ، وعينُهُ فاءٌ، فدالٌّ على معنى الخروج والذِّهاب، ونحو ذلك، إذا تأملت.

قلت: معنى قولِهِ: أخوان، هو أنَّ بينهما الاشتقاق الأكبر، فإنَّ بينهما تناسبًا في التَّركيب، وفي المعنى، لاشتمال كلٍّ منهما على معنى الخروج والذِّهاب).

والكلام فيه نفس الكلام في ما نقلناه عن الشَّريف الجرجاني قبل قليل؛ ونكتفي بمن ذكرناهم وما نقلناه من تصريحاتهم، إذ فيه الكفاية، بعد تحقُّق الغاية، وهي تأكيدُ ما بينَّاه فيما أسلفناه.

الاشتقاق الأكبر واشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر)

أما وقد ظهر الحقُّ وأسفرَ عن الاشتقاق الأكبر، بالبيان الذي بيَّناه، والبرهان الذي سُقناه،، فلم يبقَ -بعد ثبوت إمكانه وتحقُّقِ وقوعه- إلا بيانُ كيفية انطباقه على اشتقاق اسم (فاطمة) من (فاطر).

وبما أنَّ الاشتقاق الأكبر  هو: (اشتقاقُ لفظ من آخر، يشتركان في معظم الأصول، ويتَّحِدان في المعنى)، كان لا بدَّ من إثبات أمرين:

الأول: مشاركة اسم (فاطر) لاسم (فاطمة) في معظم الأصول، وهو كذلك، حيث اشتركا في أصلين وتخالفا في واحد، إذ هاء التأنيث ليست أصلاً كما لا يخفى على المحصِّلين!!

والثاني: اتحاد المعنى فيهما، وهو ما يحتاج لشيءٍ من البيان، فنقول:

إنَّ الوقوف على اتحاد المعنى بين ألفاظ الاشتقاق الصغير لا صعوبة فيه ولا مشقَّة، لاتِّحاد أصوله وترتيبها، فمن عرف معنى واحدٍ منها عرفَ معنى الجميع، وهذا واضحٌ.

صعوبةُ معرفةِ المعنى المشترك

لكن الصُّعوبة تكمن في الاشتقاقين الكبير والأكبر، حيث إنَّ الوصول إلى المعنى المشتركِ بين لفظيهما لا يكاد يوفَّقُ له إلا ذو الخبرة، ممَّا يدلُّ على أنَّ العجزَ البَدْوي عن إيجاد معنى جامعٍ بين اللفظين في الاشتقاق الكبير أو الأكبر، لا يعني عدم صحَّة الاشتقاق، فالأمر ليس بهذه السهولة .

وخفاء هذا المعنى على المتطفِّلين والمصطادين في الماء العكِرِ، هو أحد العوامل التي قد تدفعُهُم إلى إنكار صحَّة الاشتقاق، مضافًا إلى عوامل أُخَر!!

اتحادُ المعنى بين (فاطر) و(فاطمة)

اتَّفقت مصادر اللغة على أنَّ الفَطْر: هو الشَّقُّ، ومنه قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ}([41])، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ره): (وانفطر الثَّوبُ وتَفَطَّر، أي: انشقَّ. وتَفَطَّرت الجبال والأرض: انصدعت. وتَفَطَّرت يدُهُ، أي: تَشَقَّقت)([42]).

أمَّا الفَطْمُ، فلا خلاف بينهم أنَّ معناه: القَطْع؛ قال غوَّاصُ اللُّغة وقدوة اللغويِّين الخليل الفراهيدي (ره): (فَطَمَت الصَّبيَّ أمُّهُ، تفطمه، أي: تقطعُهُ عن الرِّضاع)([43]).

ولا يخفى أن الشقَّ فيه معنى القطع، وكذلك القطع فيه معنى الشقِّ، ويزيدُ الأمر وضوحًا، والمعنى جلاءً، قول الفراهيدي (ره) -في مادة [ع ق ق]-: (قال أبو عبد الله: أصل العَقِّ الشَّق. وإليه يرجعُ عقوقُ الوالدين، وهو قطعهما، لأنَّ الشقَّ والقطعَ واحدٌ)([44]).

وبهذا البيان بان اتحاد المعنى بين اسم (فاطر) و(فاطمة)، فإذا أضفناه إلى المشاركة في معظم أصولهما، اجتمعت فيهما أركان الاشتقاق الأكبر، وهو ما عقدنا هذا الفصل من أجله، فالحمد لله أولاً وآخرًا.

كلمةُ الختام

أسأل الله تعالى أن تكونَ هذه المقالة ترويجًا لفضيلة من فضائل سيدةِ النِّساء (سلام الله عليها)، ونفضًا لغبار التَّشكيك والتزييف الذي ينثرُهُ بعض المتطفِّلين بين الحين والآخر، وانتصارًا لحقِّها الذي لا ينفكُّ أعداؤها وبعضُ من تأثَّر بهم عاملين على طَمْس مَعَالمه، ولكنَّها ثمرةُ نور الله، ويأبى الله إلا إتمام نوره، ولو كره الحاسدون.

اللهمَّ صلِّ على فاطمةَ وأبيها وبعلِها وبنيها والسرِّ المستودَعِ فيها، والعن من آذى نبيَّكَ فيها، واجعلنا من شيعتِها وناصريها.

ـــــــــــــــــــــــــــ

 الهوامش

([1]) من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، انظر: عيون الحكم والمواعظ للواسطي ص372.

([2]) المحاسن للبرقي ج1 ص207 ح66.

([3]) من وصايا الشهيد الثاني (ره) في كتاب منية المريد 215-218.

([4]) الكافي للكليني ج1 ص43 ح7.

([5]) نهج البلاغة ج4 ص7 الكلمة 26.

([6]) المصدر نفسه ص 38 الكلمة 148.

([7]) عيون الحكم والمواعظ ص28.

([8]) مستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي (ره)  ص 598؛ وراجع: الكافي ج8 ص162 ح169.

([9]) أصول الكافي  ج1 ص54 ح2.

([10]) سورة آل عمران من الآية69.

([11]) سورة ص من الآية26.

([12]) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ص220 في تفسير قوله تعالى: {وإذْ قُلنا للملائِكَةِ اسجُدُوا}، وغيره عنه.

([13]) شرح الأخبار ج2 ص500 ح884.

([14]) نفس المصدر ج3 ص6 ح923.

([15]) معاني الأخبار ص56 ح5؛ وراجع: علل الشرائع ج1 ص135 ح2.

([16]) معاني الأخبار ص56 ح3.

([17]) مقتضب الأثر ص7.

([18]) دلائل الامامة ص448 ح424/28؛ وانظر: الهداية الكبرى للخصيبي ص376، ومختصر بصائر الدَّرجات للحلي ص266.

([19]) تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين ص23؛ وانظر: شرح إحقاق الحق ج9 ص104.

([20]) أقول: ذكر السيد هاشم البحراني (ره) سَنَده إلى أبان في هذا الحديث، قال:

الخامس عشر: صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال: حدث محمد بن علي بن سعد الجوهري، عن القاسم بن الحسن، عن أبيه الحسن، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي بن العباس، عن أبان...إلخ. انظر: غاية المرام ج1 ص32.

([21]) الدُّرَّ النَّظيم ص763 .

([22]) تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج2 ص624 ح7.

([23]) الخصائص العلوية -مخطوط-، عنه: نفحات الأزهار للسيد الميلاني ج5 ص69، وروى الحمويني هذا الحديث، بإسناده عن النطنزي، في كتابه: فرائد السمطين، وعنه: غاية المرام ج1 ص27، وشرح إحقاق الحق ج5 ص3.

([24]) أقول: بعد البحث والتدقيق في تراجم المؤلِّفين ومؤلَّفاتهم، لم نعثُر على مؤَلَّفٍ بهذا الإسم -يحتملُ أن يكون هو المراد- سوى الدرِّ الثمين لابن الجوزي، المتوفى سنة 597 للهجرة؛ أنظر: هدية العارفين للبغدادي ج1 ص521، ترجمة ابن الجوزي.

والكتاب ليس في متناول الأيدي، لا مطبوعًا، ولا مخطوطًا، وقد ذكروا أن نسخته الوحيدة موجودة في خزانة الدولة/ برلين/ ألمانيا، رقمه: 2617-121، عدد أوراقه 103 ورقة، نسخ عام: 987 هـ، بخط: عبد الغني بن محمد العلوي؛ بناءً على ما في موقع أهل الحديث، على الشبكة العنكبوتية.

فالظَّاهر أنَّه صاحب الكتاب، خلافًا لما احتملهُ المحقق الكجوري (ره) في الخصائص الفاطمية ج1 ص50 قائلاً: (ولعلَّه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني).

حيثُ إنَّ أبا نعيم الاصفهاني لم يؤلِّف كتابًا بهذا الاسم، بناءً على ما ذكروه في تراجمه.

ملاحظة: يوجد كتاب بهذا الإسم لمؤلِّفٍ متقدِّمٍ على صاحب البحار (ره)، وهو: الدُّرُّ الثَّمين في ذِكْرِ خمسماية آية نَزَلَت مِن كلام ربِّ العالمين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، للمولى الحافظ رجب البرسي رحمه الله (ق9).

والكتاب موجود عندنا، وليست الرواية فيه، نعم فيه رواية تصلح أن تكون شاهدًا على هذه، ذكرت التَّوسُّل بالخمسة (عليهم السلام)، دون التعرُّض للكيفيَّة.

([25]) بحار الأنوار ج44 ص245 ح44، وله شواهد كثيرة في مصادرنا، من طُرُقنا وطرق غيرنا من المسلمين؛ راجع: روضة الكافي للشيخ الكليني ج8 ص304، ومعاني الأخبار للشيخ الصدوق ص125، ومناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للكوفي ج1 ص547، والعمدة لابن البطريق ص379، وغيرها.

([26]) نهج البلاغة ج4 ص42 رقم169.

([27]) راجع: كتاب العين ج5 ص8، والقاموس المحيط ج3 ص251، وغيرهما.

([28]) ويرشدُ إلى ذلك مجموعةٌ من الشواهد والمؤيِّدات، منها: رواياتُ الاشتقاق نفسها، حيثُ إنها أفصحت عن اشتقاق اسمٍ عربيٍّ من اسمٍ عربيٍّ آخر، وذلك قبل خلق آدمَ (عليه السلام)؛ ومنها:

ما رواه صدوقُ الطَّائفة (ره) بإسناده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (صلى لله عليه وآله)، قال: [ما أنزل اللهُ تعالى كتابًا ولا وحيَا إلا بالعربيَّة، فكان يَقَعُ في مسامِعِ الأنبياء (عليهم السلام) بألْسِنَةِ قومِهِم، وكان يَقَعُ في مسامعِ نبيِّنَا بالعربيَّة، فإذا كَلَّمَ بِهِ قومَهُ كلَّمَهُم بالعربيَّة، فَيَقَعُ في مسامِعِهِم بِلِسَانهم. وكان أحَدُنا لا يُخَاطِبُ رسول الله بأيِّ لسانٍ خاطبَهُ إلا وَقَع في مسامِعِهِ بالعَرَبيَّة، كلُّ ذلكَ يُتَرجِمُ جبرئيلُ (عليه السلام) عنه، تشريفًا من الله عزَّ وجَلَّ له]. انظر: علل الشرائع ج1 ص126 ح8.

([29]) مشارق أنوار اليقين ص62، وعنه: بحار الأنوار ج25 ص23 ح39 وج26 ص291 ح51 والأنوار النعمانية ج2 ص99.

([30]) الكافي ج1 ص134 ح3، وانظر: التوحيد للشيخ الصدوق ص171 ح3.

([31]) الكافي ج4 ص190 ح1.

([32]) شرح الإشارات ج3 ص418.

([33]) الرسائل التسع ص66.

([34]) انظر: الخصائص لابن جني ج1 ص490.

([35]) عبَّر ابن جني (ره) عن هذا الاشتقاق بالكبير تارة وبالأكبر أخرى، كما عبَّر عن الاشتقاق الصغير بالأصغر أحيانًا.

([36]) لقد التزم أبو الفتح ابنُ جني (ره) بهذه الصَّلوات عند ذِكره لأمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى عاب عليه محقِّقُ كتاب الخصائص أسلوبَه هذا، ونبَّه على أنَّها من مختصَّات الشيعة، وأنَّه ليس من عادة علماء العامة اتباع هذا الأسلوب، لِيُوهِمَ القارئَ عدَمَ تشيُّعِ ابن جني (ره)، فخاب وما أفلح.

([37]) الخصائص ج2 ص133-135.

([38]) الكافي ج4 ص190 ح1.

([39])  الحاشية على الكشاف ص46.

([40]) وقد التبس الأمر على بعضهم، فنسبوا الغلط إلى ابن قدامة، لقِصَرِ باعهم في اللغة العربية وخصائصها، وقَصْرِ معرفتهم على الاشتقاق الصغير دون غيره، غافلين عن الإشتقاق الأكبر، فكانوا بنسبة الغلط إليهم أحقَّ من نسبته إلى ابن قدامة.

([41]) الانفطار : 1 .

([42]) كتاب العين ج7 ص418، وتبعَهُ جميعُ اللُّغويِّين على ذلك، فراجع أمهات مصادرهم.

([43]) نفس المصدر ص442.

([44]) نفس المصدر ج1 ص63.

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني والعشرون