السنة التاسعة / العدد الثالث والعشرون / حزيران  2013م / رمضان  1434هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

خطاب

سماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني-دام ظلّه-([1])

 

 

خطاب سماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني-دام ظلّه- في يوم 23 ربيع الثاني 1434هـ، حول مجازر الإبادة ، ومظلومية الشيعة في باكستان والبحرين. حيث إن سماحته قطع ما كان يبحثه ويبثّه من دروس في تفسير سورة يس، وأفاد قائلاً :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطّاهرين، لا سيما بقيّة الله في الأرضين، واللّعن على أعدائهم إلى يوم الدّين.

ما هي وظيفة الحوزة العلمية -ولا سيما الحوزة العلمية في قم، التي هي ملاذ ومرجع لجميع أبناء الشيعة في أنحاء العالم-، ما هي وظيفتها تجاه أحداث الإبادة والمظلومية لشيعة باكستان والبحرين؟

وظيفتها كلمة واحدة فقط، ولكنها كلمة لا تحتويها إلا كتب.

إن وظيفة الحوزة العلمية كلمة واحدة، ألا وهي: كفالة أيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله).

فما هي هذه الكفالة؟ وما هي حدود لفظة الأيتام في هذه الجملة؟ ومن هو طرف الإضافة بالنسبة لهؤلاء الأيتام؟

وهل عرفنا حقيقة هذه الوظيفة؟ وهل قمنا بها وأديّناها على وجهها؟ {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّموا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمامٍ مُبين}([2]).

إن أيتام آل محمد يُقتَّلون في باكستان قتلاً ذريعًا، رجالاً ونساءً، وصغارًا وكبارًا، بلا جُرْمٍ أتوهُ، ولا ذنبٍ اقترفوه سوى انتسابهم إلى ذلك المقام([3])، فَيَرَوْن ما يهول!!

وماذا يجري في البحرين على هؤلاء الأيتام؟

فماذا صنعنا في مقابل ذلك؟ وما هي ردود فعلنا تجاه هذه الأحداث؟ إنها لمسؤوليّةٌ عظيمةٌ، ولا يمكن دركها إلا بالرجوع إلى الأحاديث الشريفة، التي فيها ما يحيِّر العقول والألباب:

ففيها أن ما مِن مؤمنٍ مَسحَ يده على رأس يتيمٍ إلا كتب الله له بكل شعرةٍ مرّتْ عليها يده حسنةٌ. وأعطاه الله بكل شعرةٍ نورًا يَطْوي بها ظلمات يوم القيامة.

هذا في اليتيم الذي انقطع عن أحد أبويه، فكيف لو انقطع عن إمامه؟

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما ضُرِبَ على رأسه تلك الضربة التي جعلت جبرئيل ينادي في السماء: (تهدمت واللهِ أركان الهدى)، في تلك اللحظة أوصى (عليه السلام) بالأيتام قائلاً : (الله، الله، في الأيتام، ولا يَضيعوا بحضرتكم). أوصى بهم بعد أن أوصى بالقرآن: ( الله، الله، في القرآن ) .

واليتيم في كلامه (عليه السلام) لا ينحصر باليتم الجسماني، بل يتسع فيشمل اليتيم الرّوحي أيضًا.

وإن هذا لممَا أكّد عليه النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (أنا وكافل اليتيم كهاتين) [وقرن بين إصبعيه] .

وهو الذي قال أيضًا (صلى الله عليه وآله) : (أشدّ من يتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه، يُتْمُ يتيمٍ انقطع عن إمامه...) .

إن أيتامه (صلى الله عليه وآله) يُقَتّلون تقتيلاً فظيعًا، ويبادون إبادةً عامة!! فماذا على الحوزة العلمية أن تصنع تجاه هذه الأحداث؟

إن أول ما يمكن إتيانه الآن فعلاً، أنْ تُعطّل الحوزة العلمية في يوم السبت القادم احترامًا لدماء الشهداء في باكستان والمظلومين في البحرين.

كما يلزم على الحوزة العلمية أن تلبس لباس العزاء، فلو كان المقتول إبننا فكيف يكون حالنا؟

إن أولئك الأيتام الذين فقدوا آباءَهم وأمهاتهم هم الآن بلا ملجأ وملاذ.

هنيئًا لأولئك الآباء والأمهات...

بَلّغوا سلامنا إلى جميع أهل العزاء في باكستان.

فأما الرجال فهم في أحضان أمير المؤمنين (عليه السلام)...

وأما النساء فهم في أحضان الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)...

ولكن المصيبة الباقية، إنما هي بالنسبة للأطفال الذين حرموا عطف ورعاية آبائهم وأمهاتهم.

وإن ممّا لا يخفى أنّ هيئة الأمم المتحدة قد اجتمعت بعد الحرب العالميّة الثانيّة في باريس، وانعقدت بمفكّريها، وحقوقييّها، ورؤساء دولها، فكتبوا وأصدروا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ثلاثين مادة وبندًا.

وينصُّ هذا المنشور على أن جميع زعماء الدّول مكلّفون بإجراء وتنفيذ هذه المواد، وعدم التّخطي والتجاوز عن مواد هذا المنشور.

وفي المادة الأولى من ذلك المنشور: أن جميع أفراد بني نوع الإنسان يولدون أحرارًا، وجميعهم متساوون في الحرمة والحقوق. يعني سواء أكان هذا الفرد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أم كان تلك المرأة التي تعيش في زاويةٍ من أطراف قرى باكستان، هم جميعًا متساوون في الحرمه والحقوق.

وهكذا تنصّ هذه المادة على أن الجميع يلزم أن يتعايشوا معًا بأخوّة.

هذا هو القانون الذي نظمّهُ وتعهد به جميع رُؤساء دول أمريكا وأوربا وإنجلترا. فهل التزموا بهذه المساواة مع رعايا وشعوب تلك الدول التي تحت سيطرتهم عَبْرَ أيادي الأمراء والحكّام العملاء لهم، أم أنّهم محرومون من أدنى حقوق الإنسانية؟

وفي المادة الثّالثة: أن كل فردٍ من أفراد كل أمّة وملّة له حق الحياة أولاً، أن يكون حُرًا ثانيًا، وأن يوفر له الأمن الفردي والإجتماعي والوطني.

فهل يتوفّر لشيعة باكستان والبحرين ممّن يعيش تحت أيادي عمّالكم أدنى شيءٍ من ذلك الأمن و من تلك الحقوق؟

وهل التزمت هيئة الأمم بما تعهّدت به؟ وماذا صنعت تجاه تلك القضايا والأحداث؟

ومن العجيب والمضحك أنّه في نفس الوقت الذي يُلغي هؤلاء الرِّق والعبودية، نرى أن كل ثروةِ تلك البلاد تقع تحت اختيار وتصرف عائلة واحدة تَأْتَمِر بأوامر الولايات المتحدة وأوربا وإنجلترا، وكأن أهل تلك البلاد عبيد لتلك العائلة -عملاء تلك الدّول-!!

وكل هذا في مرأى ومنظر هيئة الأمم والعالم.

ومع عدم التزام هؤلاء ببنود منشور حقوق الإنسان، فبأيّ منطقٍ يكون لهم كرسيٌّ وتمثيل في هيئة الأمم؟

ألا يوجد مَنْ يقول لِمَنْ يدّعي أنّه الأمين العام لهيئة الأمم فيسأله: كيف يكون لهؤلاء كراسي في المنظّمة الدوليّة مع تسلّطهم على ثروات بلادهم، وصبّها في حسابهم الخاص، ومصادرتهم لأمنِ وحريّةِ شعوبهم، واستعبادهم، وزجّهم في السّجون لأفرادٍ سنين متمادية بلا محاكمةٍ وحرمانهم من جميع الحقوق الإنسانية؟

هل هذا تطبيق لمواد منشور حقوق الإنسان؟

هذا وضع عالمنا اليوم!!

وأمّا المادة الثانية من ذلك المنشور ففيها: أن الحريّة المكفولة للإنسان في هذا المنشور يلزم أن يتمتّع بها الجميع بلا فرقٍ وامتيازٍ للّون أو العِرْقِ أو القوميةِ أو المذهب أو العقيدةِ دينيةً كانت أو سياسيّة.

ومع أنّهم ينادون بهذه الحريّة، تجدهم يمدّون بالأسلحةِ، ويرسلون بالأموال، حتى يُقَتّل الأطفال والنّساء بلا هوادةٍ وبهذه النيّة.

هذا وضع هيئة الأمم اليوم، والتي أساءت إلى اعتبارها، وشوّهت صورتها أكثر من ذي قبل.

إن الأمين العام لهذه الهيئة ورئيسها يحمل منشور حقوق الإنسان في يدٍ، ويعطي حقّ الفيتو لبعض تلك الدّول في اليد الأخرى فهو يُديرُ الأمرين!!

ويعطي كرسيًّا للّذي يرسل الأسلحةَ والأموالَ لقتل الشّعوب مع تعهّده بذلك المنشور!!

كما يعطي كرسيًّا آخر لرئيس تلك البلاد التي أرسلت الأموال والأسلحة لقتل شعوبها!!

وجميعهم متعهّدون بالمواد الثّلاثين لمنشور حقوق الإنسان!!

والعجيب أنّهم يدّعون بأنّ هذا المنشور دُوِّنَ وكتب في باريس لأول مرّة في العالم، ثمّ إنّهم كيف يخترقون بنوده بكلِّ وَقاحةٍ وبلا خجلٍ أو حياء؟!

ولكن قبل أكثر من ألف عام من كتابةِ هذا المنشور قد ظهر من أحيا حقوق الإنسان وطبّقها... ظهر رجلُ كان يملك كنوز قيصر وكسرى، وخزائن البلاد، ولكنه عندما يفطر، كان يفطر على خبز شعيرٍ و ملحٍ ويقول: (لعلّ في الحجاز أو اليمامةِ من لا طمع له بالقرص...) ، يأكل ذلك حتى لا يكون قد أكل أكثر ممّا عند أحدٍ من رعيّته.

فهذا هو الذي أحيا حقوق الإنسان.

الدّنيا كانت تحت قبضته، ولكن تراه يطلب سبط النبي الأكبر (صلى الله عليه وآله) فيعطيه ثلاثة دنانير، ثمّ يطلب الحبشيّ الأسود فيعطيه ثلاثة دنانير كعطائه للسّبط الأكبر.

أليس هذا محيي حقوق البشر، أم ما جاءت به هيئة الأمم؟

ذلك الذي كانت إمبراطوريّتَي فارس والرّوم تحت يده وقبضته، يأتي مع خادمه إلى السّوق فيشتري ثوبين أحدهما بأربعة دراهم والآخر بدرهمين، فأعطى الأول لخادمه، وأخذ بذي الدّرهمين. فقال له خادمه: أنت أولى يا أمير المؤمنين بما أعطيتنيه، فأنت تصعد المنبر وتخطب في النّاس. ولكن أمير المؤمنين أجابه: (أنت شابٌّ ولك شره [شرخ] الشباب، فأنت أولى به منّي).

أليس هذا محيي حقوق البشر أم ما جاءت به هيئة الأمم؟

ومرّ به ذات مّرة من يتسول فتعجب من ذلك (عليه السلام) وقال: ما هذا؟ فكيف يوجد فقيرٌ في دولته (عليه السلام)؟ فقالوا معتذرين: يا أمير المؤمنين! إن هذا المتسوّل نصراني. فقال (عليه السلام): (استعملتموه حتى إذا كَبُرَ، وعَجِزَ منعتموه ! أنفِقوا عليه من بيت المال)!

فسجّلوا إسمه في ديوان بيت المال إلى جوار إسم إبنه وسبط النّبي (صلى الله عليه وآله).

أليس هذا محيي حقوق البشر أم ما جاءت به هيئة الأمم؟

هل إرساءُ حقوق البشر بالقتل، والتعذيب، وآهات الأيتام، في باكستان وغيرها، أم الحقوق عند مَنْ سمع بنزْعِ خلخال امرأة يهودية فقال: (فلو أنّ مؤمنًا مات من دون هذا أسفًا ما كان عندي ملومًا).

أليس هذا محيي حقوق البشر أم ما جاءت به هيئة الأمم؟    

يا للحسرة!! لم يُعرف قَدْرُكَ يا أول المظلومين!!

في ذلك اليوم الذي كانت الدّنيا في قبضته، وكانت ذخائر العالم وحمائل قوافل الإبل تُفرغ في بيت المال، كان يستقي بيده النّخل في مقابل أجرةٍ، يتقوّت بها ويتصدّق بالباقي.

فكان ينفِقُ ماله ويتصدّق به ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، فترجمَ (عليه السلام) عمليًا قوله تعالى: {الّذينَ يُنْفِقونَ أَمْوَالَهُم باللّيْلِ وَالنّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيّةً}([4]) التي كانت قد نزلت في شأنه من قبل.

أليس هذا محيي حقوق البشر أم ما جاءت به هيئة الأمم؟!!


 

([1]) وردنا هذا الخطاب من مكتب المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني في قم.

([2]) يس من الآية يس12.

([3]) أي اتّباعهم لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).

([4]) البقرة : من الآية 274 .

 

 

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثالث والعشرون