السنة الثانية عشرة / العدد التاسع والعشرون / كانون ثاني  2017م / ربيع ثاني  1438هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

نص وقفية

حوزة "جامعة النجف الأشرف / حاريص"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الواقف على الضمائر، المطلع على مكنونات السرائر، شاهد كل نجوى، وسامع كل شكوى، وعالم كل خفية، ودافع كل بليّة، ونعوذ به من شر الدنيا ونكال الآخرة، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين المعصومين، سادات البريّة، وخير خلق الله أجمعين.

ثم إنني بعد أن أكملت بناء هذه المؤسسة على قطعة الأرض التي كنت أملكها، وأملك ما أقيمَ عليها من الطوابق الخمسة، وبعد أن دُفِعَت كامل نفقاتها من قِبل ابن عمتنا الحاج سعيد علي أحمد وأولاده، وفَّقهم الله لكل خير، فقد أوقفتُ هذا المبنى مع الأرض التي قام عليها وقفًا دائميًا مؤبدًا، لا يُباع ولا يُشترى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بظهور شمس الهداية وبقية الله في الأرض، الولي الحقيقي الحجة ابن الحسن المنتظر عجل الله تعالى بالحق فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين في سبيل دعوته، ولا حرمنا الله من عطفه وبركته ودعائه، متوكلاً على الله، متمسكًا بقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا} وهو حسبي ونعم الوكيل .

لقد أنشأنا هذه المؤسسة [جامعة النجف الأشرف للعلوم الدينية] طلبًا لرضى الله وخدمة لدينه، لا نريد أجرًا إلا من الله تعالى، ومن أجل أن تكون نافعة في العلم والعمل، وتسهيلاً على العالِم والمتعلم والمستفيد من المؤمنين الذين يأخذون منهم معالم دينهم ويستفيدون بمواعظهم، فقد أوقفناها على أن تكون مؤسسة دينية جامعة للدارس والمدرس، والواعظ والمتعظ، ولمن يريد السكن من طلاب العلوم الدينية ولسائر المناسبات الدينية التي تنفع المؤمنين وتروّج الشّرع المقدّس.

وقد جعلتُ الولاية الشرعية على الوقف المذكور لنفسي ما دمت حيًا، ومن بعدي تكون الولاية على النحو المثبَت في وصيتي المتعلق بخصوص الوقف المذكور.

والهدف من إنشاء هذه الجامعة -التي كانت تراود فكر سيدي الوالد الشيخ علي الفقيه (قدس سره) بتأييد ومباركة المراجع المعاصرين العظام (قدّس الله أسرارهم) وكان يسعى ويشجعني على إنشائها قبل وفاته- أن تكون استمرارًا لتدريس ودراسة العلوم الدينية، على النهج المتصل بعشرة قرون من الزمن، حوزة علمية دينية على غرار المدارس التي أُسست في النجف الأشرف وقم المقدسة وجبل عامل والمناطق الأخرى في لبنان من قِبل الفقهاء السابقين، قدّس الله أسرارهم ونفعنا بعلومهم وهَديهم، لصيانة الشريعة الإسلامية التي أسسها وأرسى قواعدها رسول الله والأئمة الأطهار من أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، وسلّموها من بعدهم للفقهاء من أصحابهم ومواليهم، الأمناء على الدين والدنيا، وتناولها العلماء الأبرار والفقهاء الأخيار، جيلاً بعد جيل إلى أن وصلت إلى عصرنا الحاضر، حيث بدأت في هذا العصر، وتحديدًا قبل بداية القرن الخامس عشر الهجري، وفي النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي.

نقول: حيث بدأت تظهر آثار الرصد والترقب من قِبل أعداء الإسلام والمسلمين مباشرة، أو على أيدي المسلمين الذين آثروا النعيم العاجل الزائل في هذه الدنيا على رضوان الله ونعيم الآخرة الذي لا يزول، فصار المسلمون بين مفرِط يقول: [ لقد انتهى عمر الدنيا وقَرُب الفرج]، ومفرّط يرى بأن الله قد أوكل لفقهاء هذا العصر أن يتصرفوا بأحكامه حسب مصالحهم في معاشهم وتعاملهم، ولم ينسَ هؤلاء جميعًا، ولكنهم غفلوا أو تناسوا قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ.. الْكَافِرُونَ.. الظَّالِمُونَ}. وقوله تبارك وتعالى: { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} ، {قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}. فلا بد من الاستمرار في دراسة وتدريس نهجهم وسلوكهم لصيانة هذه الشريعة من الانحراف والتحريف، حتى لا نقف عندما يقول الله تبارك وتعالى يوم الحشر: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}. عندما يسأل الله تعالى: ماذا قدمتم لهذا الدين، بما فيه ولاية أهل النبي  (صلى الله عليه وآله) يسأل عن صيانته كمبدأ وشريعة، العلماءَ المسؤولين عن تبليغ أحكام الله تعالى، ويسأل جميع الخلق عن الطاعة والعصيان.

وإنني أوصي أولادي وإخوتي وأرحامي وإخواني المؤمنين والقيّمين من بعدي، برعاية هذه المؤسسة، والعمل على إفادتها والاستفادة منها، فإن العلم الديني عند الله تعالى هو أشرف العلوم على الإطلاق، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.

وروى الكليني (قدس سره) عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً به، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظٍ وافر).

وأسأل الله تعالى وأدعوه متوسلاً إليه بمحمد وآله الطاهرين أن يصلي على محمد وآله، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ويعصمنا من الخطأ والزلل، ويعيذنا من شرور الشياطين وشهوات النفوس المهلكة، وأن يدفع عنا المكر والمكروه، ويرعانا بعينه التي لا تنام، ويكنفنا بركنه الذي لا يرام، وأن يشملنا برحمته الواسعة في عباده الصالحين يوم لا ظل إلا ظله بشفاعة محمد وآله الطاهرين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والحمد لله رب العالمين وبه الثقة وهو المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

تم إنشاء هذه الوقفية في شهر شعبان المعظم -مولد سيد الشهداء الإمام الحسين  (عليه السلام) ومولد سلطان الدنيا وإمام العصر الحجة ابن الحسن المنتظر (جل الله فرجه الشريف) الذي يملأ الدنيا قسطًا وعدلاً بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، عجّل الله تعالى بالحق فرجه وسهل مخرجه-. الواقع في سنة 1418 هجرية، الموافق 1997 ميلادية.

(توقيع وختم الشيخ مفيد الفقيه) 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد التاسع والعشرون