العدد السادس / 2006م  /1427هـ

     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال - الزيارة الجامعة

الرابع

صحة سند الزيارة إليه

إن سند الزيارة الجامعة الكبيرة صحيح إلى موسى بن عمران، قال الصدوق (رحمه الله): حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ومحمد بن أحمد السناني وعلي بن عبد الله الورّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي وأبو الحسين الأسدي قالوا: حدثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي..

الخامس

سؤاله للإمام الهادي (ع) وبيان الإمام له:

سؤاله للإمام الهادي (عليه السلام) بقوله: [علّمني يا بن رسول الله (ص) قولاً بليغًا كاملاً إذا زرت واحدًا منكم]، وجواب الإمام (عليه السلام) له ببيان هذا المتن الجليل، هو نفسه دليل على مكانته في معرفة مقامات الأئمة وأسرارهم، وبأن لهم شؤونًا متحدةً، ومقاماتٍ متبعةً، وأن نور الإمامة ومقام الخلافة شيء واحد، وذلك شبيه بمقالة العلماء في رواية عمر بن حنظلة.

السادس

توثيق الأعلام للنخعي واعتمادهم على الزيارة

قال المامقاني (قده) (المتوفى سنة 1351 هـ) فيه: [وفي روايته لها دلالة واضحة على كونه إماميًا صحيح الاعتقاد، بل في تلقين مولانا الهادي (عليه السلام) له مثل هذه الزيارة المفصّلة المتضمّنة لبيان مراتب الأئمة (عليهم السلام)، شهادة على كون الرجل من أهل العلم والفضل، فالرجل من الحسان مقبول الرواية وإهمالهم ذكره في كتب الرجال غير قادح فيه] ([1]).

ووثّقه السيد الخوئي (قده) (المتوفى سنة 1413 هـ) لروايته عن تفسير القمي([2]).

أقوال العلماء في سند ومتن الزيارة:

يقول المولى محمد تقي المجلسي (قده) في شرح الفقيه (المتوفى سنة 1070هـ): [والزيارات لأمير المؤمنين ولباقي الأئمة كثيرة... أحسنها الزيارة الجامعة التي سنذكرها مشروحة].([3])

وقال أيضًا: [وأنها أكمل الزيارات وأحسنها، بل بعد تلك الرؤيا أكثر الأوقات أزور الأئمة (عليهم السلام) بهذه الزيارة وفي العتبات العاليات ما زرتهم إلا بهذه الزيارة]([4]). وذلك بعد مكاشفته اللطيفة التي سنأتي على ذكرها في ختام البحث.

ويقول العلامة المجلسي (قده) (المتوفى سنة 1111 هـ): [إنّما هي أرقى الزّيارات الجامعة متنًا وسندًا وهي أفصحها وأبلغها].([5])

ويقول السيد عبد الله شبر (قده) (المتوفى سنة 1220هـ): [لا يخفى على أولي البصاير النقّادة، وأرباب الأذهان الوقّادة، وذوي العقول السليمة، وأصحاب الأفهام المستقيمة، أن الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأنًا، وأعلاها مكانة ومكانًا، وأن فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها، تنادي بصدورها من عين صافية نبعت عن (ينابيع الوحي) والإلهام، وتدعو إلى أنها خرجت من ألسنة نواميس الدين ومعاقل الأنام، فإنها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلام، قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلة والبراهين المتعلقة بمعارف (أصول الدين) وأسرار الأئمة الطاهرين ومظاهر صفات (رب العالمين)، وقد احتوت على رياض نضرة وحدائق خضرة، مزينة بأزهار المعارف والحكمة، محفوفة بثمار أسرار أهل بيت العصمة، وقد تضمنت شطرًا وافرًا من حقوق أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، وأهل البيت الذين حثّ الله على متابعتهم، وذوي القربى الذين أمر الله بمودتهم، وأهل الذكر الذين أمر الله بمسألتهم، مع الإشارة إلى آيات فرقانية، وروايات نبوية، وأسرار إلهية، وعلوم غيبية، ومكاشفات حقية، وحكم ربانية...] إلى أن قال:[ إعلم أن هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الدين، وحملة علوم الأئمة الطاهرين، وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حق وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربانية، وأرباب الأسرار الفرقانية، المخلوقين من الأنوار الإلهية، فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده، كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وأكثر الدعوات والمناجات].([6])

استدلال العلماء بالزيارة واستشهادهم بها:

ما فتئ العلماء يعتمدون على الاستشهاد بالزيارة الجامعة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر:

قال السيد شرف الدين الحسيني (قده) (المتوفى نحو سنة 965 هـ) في تأويل الآيات الواردة في سورة الغاشية {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}([7]).

[عن جميل بن دراج قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أحدِّثهم بتفسير جابر؟

قال: لا تحدِّث به السفلة فيذيعوه، أما تقرأ {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}؟

قلت: بلى.

قال: إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين، ولاّنا حساب شيعتنا، فما كان بينهم وبين الله حكمنا على الله فيه فأجاز حكومتنا، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه فوهبوه لنا، وما كان بيننا وبينهم فنحن أحق من عفا وصفح.

ويؤيد ذلك ما جاء في الزيارة الجامعة المروية عن الهادي (عليه السلام) وهو قوله: وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم.

ومعنى هذا التأويل: الظاهر: أن الضمير في إلينا وعلينا راجع إلى الله تعالى.

وأما الباطن: فإنه راجع إليهم (صلوات الله عليهم)، وذلك لأنهم ولاة أمره ونهيه في الدنيا والآخرة، والأمر كله لله، فلمن شاء من خلقه جعله إليه، ولا شك أن رجوع الخلق يوم القيامة إليهم، وحسابهم عليهم، فيُدخلون وليَّهم الجنة، وعدوهم النار، كما ورد في كثير من الأخبار أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قسيم الجنة والنار]([8]).

وقال السيد صدر الدين الطباطبائي (قده) (المتوفى سنة 1154هـ): [وقال (صلى الله عليه وآله): (أنا وعلي من شجرة واحدة، وسائر الناس من شجر شتى)... ولعل المعنى بالواحدة ليس المعنى الذي تفيده التاء بمعنى الوحدة الظاهرية التي مناطها التشخيص الوحداني بحسب الوجود العيني، بل الواحدة الذاتية الواقعية المعنوية، التي تشبه أن يكون مضمونه ما في الزيارة الجامعة عطفًا على ما عامله (أشهد) (وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض) وعلى هذا قوله (عليه السلام): (شتى) وصف لشجرة باعتبار الكثرة المقابلة لهذا الوحدة فلا يضادّه التاء]([9]).

ويقول الشيخ الأنصاري (قده) (المتوفى سنة 1280هـ): [والكلام في الخوارج يظهر مما ذكرنا في الناصب فإنهم أشد النواصب، مضافا إلى إطلاق المشرك عليهم في بعض الأخبار، كما في قوله (عليه السلام) في خارجي دخل عليه (إنه مشرك والله)، وقوله (عليه السلام) في الزيارة الجامعة (ومن حاربكم مشرك) مع أن نجاستهم إجماعية]([10]).

وقال الملا هادي السبزواري (قده) (المتوفى سنة 1300هـ): [وقال (صلى الله عليه وآله): (أول ما خلق الله روحي أو عقلي أو نوري)، وقال (كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين)، والمراد بالأبرار أصحاب اليمين، وبالأخيار المقربون، لكنهما كالظرف والمجرور، وكالفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فمن موارد الاجتماع مثل ما ههنا ما في الزيارة الجامعة الكبيرة (وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار)، وبمعناه أيضًا قولهم (حسنات الأبرار سيئات المقربين)...] ([11])

قال المولى محمد التبريزي الأنصاري (قده) (المتوفى سنة 1310هـ) في معنى تسمية الزهراء (عليها السلام) بالمشكاة، في تفسيره لآية النور: [.. والمشكاة هي فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهذا المصباح يوقد من شجرة الحقيقة المحمدية، وهي الزيتونة المباركة لبركة آثارها وعدم تناهي أطوارها، وفي الزيارة الجامعة: (السلام على محالّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله... إلخ). فهي مباركة لإفاضة جميع الفيوضات التشريعية والتكوينية منها، وهي الشجرة الكليّة النابتة في مقام (أو أدنى)، وبيداء الإبداع والاختراع، وصحراء المشيئة والإرادة، لتشعب وجوه تعلّقاتها بذرّات الوجود التي لا تتناهى في مراتب الإمكان شعوبًا وقبائل وهي أصل البركة وفرعها: (إن ذكر الخير كنتم أوله وآخره وأصله وفرعه)... إلخ]([12]).

ويقول المحقق الأصفهاني (قده) (المتوفى سنة 1360هـ): [إن إطاعتهم (عليهم السلام) في أوامرهم الشرعية إطاعة بالذات للآمر، وإطاعة بالعرض لمن جرى على لسانه أمره تعالى، والإطاعة التي تكون إطاعة لهم بالذات وتكون إطاعة له تعالى بالعرض - من حيث إنهم منسوبون إليه المدلول عليها بقوله (عليه السلام): (من أطاعكم فقد أطاع الله) - هي إطاعتهم في أوامرهم الشخصية، فالنبوة والإمامة حيثية تعليلية لوجوب إطاعة أوامرهم الشخصية، وما ورد في باب إطاعتهم (عليهم السلام) أولى بالشمول لمثل هذه الإطاعة من إطاعة أوامرهم الشرعية، فإنها إطاعة الأمر الإلهي بالحقيقة، ولزومها بديهي لا يحتاج إلى المبالغة في الإلزام بها كما لا يخفى]([13]).

وقال السيد الخوئي (قده) في معرض استدلاله على أن حرمة الغيبة مشروطة بالإيمان: [... ويدل عليه أيضًا قوله (عليه السلام) في الزيارة الجامعة: (ومن جحدكم كافر). وقوله (عليه السلام) فيها أيضًا: (ومن وحّده قَبِل عنكم). فإنه ينتج بعكس النقيض، أن من لم يقبل عنكم لم يوحّده بل هو مشرك بالله العظيم...]([14]).

و يقول (قده) أيضًا: [وقد ورد في الزيارة الجامعة: (ومن وحّده قبل عنكم) فإنه ينتج بعكس النقيض، أن من لم يقبل منهم فهو غير موحد لله سبحانه... والأخبار الواردة بهذا المضمون وإن كانت من الكثرة بمكان، إلا أنه لا دلالة لها على نجاسة المخالفين، إذ المراد فيها بالكفر ليس هو الكفر في مقابل الإسلام، وإنما هو في مقابل الإيمان كما أشرنا إليه سابقًا]([15]).

ويقول السيد الكلبايكاني (المتوفى سنة 1414 هـ): [وظاهرها كفرهم مطلقًا سواء كان عن علم أو عن جهل مركب. ومنها رواية الفضل قال: (دخل على أبي جعفر (عليه السلام) رجل محصور عظيم البطن، فجلس معه على سريره فحيّاه ورحب به، فلما قام قال: هذا من الخوارج كما هو، قال: قلت: مشرك؟ فقال: مشرك والله مشرك). والمراد من المشرك هو الكافر وقد مر ذلك الخبر في أوائل الكتاب. وفى الزيارة الجامعة: ومن حاربكم مشرك]([16]).

يتبع =

____________________


[1]- تنقيح المقال ج3 ص 257 ؛ ولاحظ أيضًا مستدركات علم الرجال للشيخ علي النمازي الشاهرودي، ط1، 1412هـ، مطبعة شفق، طهران، ج1 ص8..

[2]- معجم رجال الحديث ج 20 ص 66.

[3]- روضة المتقين ج5 ص424.

[4]- مفاتيح الجنان ص 626، روضة المتقين ج5 ص452

[5]- مفاتيح الجنان ص 626

[6]- الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة ص 29 ـ 31.

[7] - سورة الغاشية آية 25-26

[8]- تأويل الآيات ج 2ص 788 ـ 789.

[9]- شرح دعاء الندبة ص 129.

[10]- كتاب الطهارة ج 2 ص 358.

[11]- شرح الأسماء الحسنى ج 1ص 203.

[12]- اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء ÷ ص 151 ـ 152، و كذلك استشهد بها ص 522.

[13]- حاشية المكاسب ج 2 ص 382.

[14]- مصباح الفقاهة ج 1 ص 504.

[15]- كتاب الطهارة ج 2 ص 84.

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس    أرشيف المجلة     الرئيسية