علامات القبلة : الجدي الشمس - قبر المعصوم

علامية الجدي

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 (مسألة 1): الأمارات المحصّلة للظنّ التي يجب الرجوع إليها عند عدم إمكان العلم -كما هو الغالب بالنسبة للبعيد-  كثيرة:

منها: الجدي الذي هو منصوص في الجملة، بجعله في أواسط العراق(1) -كالكوفة والنجف وبغداد ونحوها- خلف المنكب الأيمن، والأحوط أن يكون ذلك في غاية ارتفاعه وانخفاضه، والمنكب ما بين الكتف والعنق، والأولى وضعه خلف الأذن.

وفي البصرة وغيرها من البلاد الشرقيّة في الأذن اليمنى، وفي الموصل ونحوها من البلاد الغربيّة بين الكتفين، وفي الشاف خلف الكتف الأيسر، وفي عدن بين العينين، وفي صنعاء على الأذن اليمنى، وفي الحبشة والنوبة صفحة الخدّ الأيسر.

ومنها: سهيل وهو عكس الجدي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1)   لما كان تحصيل القبلة لأهل البلاد النائية لم يرد في تعيينه سوى ما ورد في الجدي، فهو موقوف على معرفة بعد البلد الذي فيه المصلي عن مكة المكرمة، فلا بأس بالإشارة إلى شيء مما ذكره مَهَرَةُ الفن من علماء الهيئة فنقول:

قد صرحوا كما في الحدائق بأن الأقاليم السبعة المسكونة وما فيها من البلدان، كلها في النصف الشمالي من الأرض بعد خط الاستواء القاسم للأفق نصفين شمالي وجنوبي، والنصف الجنوبي غير مسكون لاستيلاء الماء والحرارة عليه  وهذا قبل اكتشاف الجهة الأخرى.

وقد أثبتوا لهذه الأقاليم طولاً وعرضاً، فالطول عبارة عن طرف العمارة من جانب المغرب، وهو ساحل البحر إلى منتهاها مـن الجانب الشرقي وهي كذلك، وجملة ذلك:

من الجزائر مائة وثمانون جزء نصف دائرة عظمى من دوائر الفلك، لأن كل دائرة منها مقسومة ثلاثمائة وستين جزءً، وتسمى هذه الأجزاء درجات، والعرض من خط الاستواء في جهة الجنوب إلى منتهى الربع المعمور في جهة الشمال، وذلك تسعون جزء ربع دائرة عظمى، وحينئذٍ فطول البلد عبارة عن بعدها عن منتهى العمارة من الجانب الغربي، وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط الاستواء.

وبعد ذلك نقول: إن تساوت البلد ومكة طولاً بأن يكون الخط الواقع بين الشمال والجنوب المارّ بأحدهما ماراً بالآخر، فلا يخلو إما أن تزيد عليها عرضاً فالقبلة نقطة الجنوب، وإما أن تنقص عنها عرضاً فالقبلة نقطة الشمال.

وأما إن تساوت معها عرضاً بأن يكون خط المشرق والمغرب المارّ بأحدهما ماراً بالآخر، فإن نقص البلد طولاً فقبلته نقطة المشرق وإن زاد طولاً فقبلته نقطة المغرب وإن اختلفت معها طولاً وعرضاً فبعد تسوية الأرض ورسم دائرة عليها وتقسيم الدائرة أقواساً أربعة متساوية بإخراج خطين متقاطعين على زوايا قوائم أربع، أحدها من نقطة المشـرق إلـى نقطة المغرب، والآخر من نقطة الجنوب إلى نقطة الشمال، يسمى الأول خط المشرق والمغرب والآخر خط نصف النهار، ثم تقسم كلاً من تلك الأقواس الأربعة إلى تسعين قسماً متساوية، يسمى كل منها درجة، ليكون مجموع الدائرة ثلاثمائة وستين درجة "360" ثم ينظر، فإن زاد البلد عن مكة طولاً وعرضاً يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المغرب بقدر التفاوت بين الطولين، ويوصل بين النهايتين بخط، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الجنـوب بقـدر التفاوت بيـن العرضين، ويوصل بين النهايتين بخط، ثم يخرج خط مستقيم من مركز الدائرة إلى محيطها ماراً بنقطة التقاطع بين الخطين.

فما بين نقطة تقاطع الخط المذكور والمحيط وبين نقطة الجنوب هو مقدار انحراف قبلة البلد عن نقطة الجنوب إلى المغرب، وإن نقص طولاً وعرضاً، يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال، وهكذا إلى نهاية العمل السابق.

فمقدار انحراف قبلة البلد عن نقطة الشمال هو مقدار ما بين نقطة التقاطع ونقطة الشمال، وإن نقص طولاً وزاد عرضاً، يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الجنوب، إلى آخر ما تقدم.

 وإن زاد طولاً ونقص عرضاً يحسب من نقطتي الشمال والجنوب إلى المغرب، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال وهكذا إلى آخر العمل.

وهناك طريق آخر، فلا بد من الرجوع إلى أهل الفن، والأمر سهل بعدما عرفنا سابقاً الاكتفاء بالاستقبال إلى سبع دائرة الأفق، إذ لم يرد في تعيين القبلة خبر إلا ما ورد في الجدي، وهو خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (سألته عن القبلة، فقال: ضع الجدي في قفاك وصله)[1].

ومرسلة الفقيه قـال: (قـال رجل للصادق  (عليه السلام): إني أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل فقال: أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك)[2].

ومنها: ما عن تفسير العياشي عن إسماعيل ابن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالنجم هم يهتدون، قال: الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه  يهتدي أهل البر والبحر)[3].

وهذه الروايات لا يمكن الاستدلال بها لضعفها، حتى رواية محمد بن مسلم، لأن في سند الشيخ إلى الطاطري من لم يوثق وهو القرشي، وكذلك لا تتم دلالتها، لأنه لا يمكن الأخذ بإطلاقها، وحملها على صقع معين لا قرينة عليه، ومجرّد كون السائل من أهل الكوفة غير كافٍ في القرينية، على أن الكوفة مرادة بالخصوص، وإن كان ربما يقال بأن الكوفة وما والاها قدرٌ متيقّن.

ويناقش فيها أيضاً: بأنه لا يمكن جعله علامة حتى لأهل الكوفة لما ذكره المحققون من انحراف قبلة العراق عن نقطة الجنوب إلى المغرب بين اثني عشر درجة إلى نيّف وعشرين.

ويُرَدّ هذا الإشكال: بأن الانحراف القليل لا يضر، لأن اللازم مواجهة سبع الدائرة، وهو حاصل.

ونوقش ثالثاً: باستبعاد كون السؤال عن الكوفة التي هي من أعظم الأمصار الإسلاميّة وفيها المساجد والمسجد الأعظم، فيبعد أن لا يعلم محمد بن مسلم بقبلتها ـ لو صحت الرواية ـ.

ويرد عليه: بأنه لا مانع من السؤال عنها في مكان غير المساجد كالبريّة ليلاً.

فالروايات المذكورة لا يمكن الاستدلال بها.

علامية الشمس

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ومنها: الشمس لأهل العراق(1) إذا زالت عن الأنف إلى الحاجب الأيمن عند مواجهتهم نقطة الجنوب.

ومنها: جعل المغرب علـى اليمين والمشرق على الشمــال لأهل العـراق أيضــاً(1) في مواضع يوضع الجدي بين الكتفين كالموصل.

ومنها: الثريّا والعيّوق لأهل المغرب يضعوه الأولى عند طلوعها على الأيمن والثاني على الأيسر.

ومنها: محراب صلّى فيه معصوم، فإن علم أنّه صلّى فيه من غير تيامن ولا تياسر كان مفيداً للعلم، وإلا فيفيد الظنّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1)   هذا يتوقف على أن تكون الشمس في خط الاعتدال الشرقي الذي هو أول السنة، أوّل برج الحمل إلى جهة الشمال حتى تبلغ تسعين درجة في دائرة البروج وهي برج الربيع، وبما أن مكة بين البعد الأعظم الذي هو 23 درجة وبين خط الاستواء، ففي كل سنة تكون الشمس مسامتة لأهل مكة وينعدم فيها الظل كلية مرتين، مرّة عند الذهاب ومرّة عند الرجوع، فإذا تمكنا من تعيين زوال الشمس في هذا الحال فهو سهل، فإذا توجهنا إلى الشمس فقد توجهنا إلى القبلة تحقيقاً.

وكذا الحال في علامية القمر وسهيل عكس الجدي، حيث ذكروا أن القمر ليلة السابع عند الغروب، وليلة إحدى وعشرين عند الفجر، وسهيل عند طلوعه، يوضع مقابل المنكب الأيسر.

ومن أراد تفصيل العلامات المذكورة وغيرها فليراجع المطوّلات مثل ما ذكره في الجواهر.

ونحن لا نحتاج إلى ذلك بعد التوسعة التي ذكرناها من التوجه إلى سبع الدائرة.

(2)   هذا من سهو القلم جزماً، لأن الأمر بالعكس بأن يجعل المغرب على الشمال والمشرق على اليمين حتى يكون متوجهاً للجنوب.

علامية محراب صلى فيه المعصوم (ع) وعلامية قبره (ع)

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ومنها: قبر المعصوم، فإذا علم عدم تغيّره وأنّ ظاهره مطابق لوضع الجسد أفاد العلم، وإلا فيفيد الظنّ.

ومنها: قبلة بلد المسلمين في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم بناؤها على الغلط.

إلى غير ذلك كقواعد الهيئة وقول أهل خبرتها(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 (2)   هذه العلامات تفيد القطع، بناءً على ما تقدّم من لزوم التوجه إلى سبع الدائرة، والانحراف القليل لا يخرج المصلّي عن التوجه إلى القبلة، نعم بناءً على أن الخطوط تخرج متوازية، فلا يمكن إحراز إصابة القبلة للبعيد ولا في مورد واحد، وإن صلّى في محراب المعصوم وعلمنا بعدم تياسر المعصوم ولا تيامنه، فمع ذلك لا يمكن الجزم بالتوجه إلى القبلة في الفرض المذكور، وذلك لأمرين:

الأمر الأوّل: أنه لو وقف في محراب المعصوم وانحرف انحرافاً لا يدرك بالحس، حتى على أصغر تقدير كجزء من مليون، فإنه لأجل البعد لو خرجت الخطوط متوازية، فهذه الخطوط لا تقع على مكّة قطعاً، بل تبعد عنها بفراسخ فضلاً عن نفس الكعبة، لأنه كلما بعدت المسافة يزداد البعد.

والأمر الثاني: أنه لعل المعصوم قد صلّى كما يصلّي الناس في هذا المحراب، إما لعدم اعتبار عين القبلة بل لأن المعتبر هو الجهة، أو للتقية أو نحو ذلك.

وأما قبلة بلد المسلمين إذا لم يعلم بناؤها على الغلط، وادعي عليه الإجماع لبعد اجتماع الخلق الكثير في المدد المتطاولة على الخطأ، وتدل عليه السيرة القطعيّة في جميع الأعصار والأمصار كما في الجواهر، وإطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين مـا يفيد العلم أو الظن، ولا بين أن يكون المصلي متمكناً من معرفة القبلة بالعلامات المفيدة للعلم أو الاجتهاد المفيد للظن أو لا.

وفي هذا الإطلاق إشكال، لعدم الدليل عليه في صورة التمكن من العلم، بعد عدم وجود إطلاق لا في الإجماع لو قلنا به ولا في السيرة، لأنهما لُبِّيَان، والقدر المتيقن هي صورة عدم التمكن من تحصيل الظن الأقوى، الذي لو حصل له على خلاف قبلة البلد يتعين عليه العمل به، لإطلاق ما دل على وجوب التحري.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الظن الأقوى على الخلاف في أصل الجهة أو في التيامن أو التياسر، خلافاً لمن قال بأنه لا يجوز الاجتهاد في القبلة لعدم العبرة بظنه في مقابل فعل المسلمين.

وظاهر الكلمات أن النـزاع في الموضوع، وأنه كيف يمكن للمكلف تحصيل ظن أقوى مما عليه قبلة المسلمين.

 


 


[1] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب5 القبلة ح1 .

[2]  الوسائل م3 كتاب الصلاة ب5 القبلة ح2 .

[3] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب5 القبلة ح3 .

رجوع