مناقشة السيد الأستاذ

ثمّ إنّ السيّد الأستاذ: بعدما ناقش في أدلّة التحريم واستدلّ على الجواز بهذه الرواية والروايات المتقدّمة، ذكر أنّه لا يمكن موافقة الشيخ الأنصاري على القول بالجواز، لأننا علمنا من الخارج ومن تتبُّع الآثار والنواهي الواردة في عدّة موارد ولو نهياً تنزيهيّاً، أنّ من مذاق الشارع الاهتمام بالأعراض والمحافظة عليها محافظة شديدة، والاهتمام بقلع مادة الفساد حتى في المقدّمات البعيدة[[1]].

فقد ورد النهي عن التكلّم معهنّ وتكلّمهنّ مع غير أزواجهنّ إلا لضرورة[[2]]، والنهي عن ابتدائهنّ بالسلام، فقد روي أنّه كان أمير المؤمنين لا يسلّم على المرأة الشابة وكان يقول إنّي أتخوّف أن يعجبني صوتها[[3]]، كما ورد النهي عن خروجهنّ للجمعة والعيدين مع أنّ الصلاة من الفرائض الإلهية[[4]]، والنهي عن تقبيل الصبيّة إذا بلغت ست سنين[[5]] إلى غير ذلك من الموارد التي يعلم منها شدّة محافظة الشارع على هذا الأمر واهتمامه به.

ثمّ ذكر أنّه لو كان هذا الأمر جائزاً لكان معروفاً عند المسلمين كما هو معروف عند غيرهم من سائر المِلل، مع أنّه لم ينسب الجواز والخلاف في الحرمة إلى أحد من المتقدّمين إلا للشيخ الطوسي.

 فإنّه وإن لم يكن الاستدلال على الحرمة بآية وبرواية خاصة إلا أنّه لا يمكن الالتزام بالجواز أيضاً مع هذا التسالم بين عامة المسلمين لا خصوص الشيعة، وعليه فلا مناص عن القول بوجوب الاحتياط في ترك النظر كما فعله صاحب العروة (قده).   

الرد على السيد الأستاذ

وهذا الذي ذكره السيّد الأستاذ لا نوافق عليه:

فإنّ قوله (لو كان جائزاً لكان معروفاً)، يرد عليه: أنّه كان معروفاً عند جماعة، والحرمة نشأت في العصور المتأخّرة من فتاوى الفقهاء، وليست العبرة بالمعروفيّة عند الفقهاء فإنّه ليس بأيديهم إلا الآيات والروايات التي بأيدينا، فالمدار في المعروفيّة على أذهان العامة، وما كان معروفاً عندهم هو النظر وعدم الحجاب بالنحو المعمول به في الوقت الحاضر، بل قد ردّ هو على السيرة بأنّ السيرة على الجواز ولا يحتمل أن تكون كلّها ناشئة عن قلّة المبالاة بالدين إلا عند الأجلاّء والأشراف، بل إنّ المتعارف حتى عند المتديّنين مشاركة النساء في الأعمال خارج البيت كالزراعة ونحوها.

والحاصل: أنّه لا دليل على الحرمة، والدليل على الجواز موجود كما تقدّم، والاحتياط في مقدّمات الحرام فيما يعلم أنّ الشارع لا يريد وجوده ولو من غير المكلّفين حسن.

وقد ذهب إلى الجواز وأصرّ عليه صاحب الحدائق، وعلّق على ما ذهب إليه  العلاّمة من الحرمة بأنّ هذه الروايات لا تدلّ، وكأنّ العلاّمة لم يرَ روايات الجواز.

والإنصاف: أنّ ما ذكره صاحب الحدائق صحيح، لأنّ روايات المنع مطلقة لم ترد في خصوص الوجه والكفّين، فتحمل على غير الوجه والكفّين بمقتضى روايات الجواز في الوجه والكفّين لأنّها تكون مقيّدة لتلك الروايات.


 

[[1]] الوسائل م14 كتاب النكاح ب145 مقدمات النكاح (كراهة الجلوس في مجلس المرأة حتى يبرد) .

[[2]] الوسائل م14 كتاب النكاح ب106 مقدمات النكاح وآدابه .

[[3]] الوسائل م14 كتاب النكاح ب131 مقدمات النكاح وآدابه .

[[4]] الوسائل م14 كتاب النكاح ب117 مقدمات النكاح وآدابه .

[[5]] الوسائل م14 كتاب النكاح ب127 مقدمات النكاح وآدابه .

 

رجوع