الموضع الثاني - من جملة الموارد التي وقع الكلام فيها- : (الشعر)

فعن القاضي وغيره عدم وجوب ستره، بل عن المدارك أنّه قلّ من تعرّض له، بل ربّما يظهر من عباراتهم عدم وجوب ستره.

إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك، بل الظاهر أنّه يجب ستره ويدلّ عليه ما دلّ على وجوب ستر الرأس، لا لأجل التبعيّة ليشكل بالشعر الطويل الذي ليس تابعاً، بل باعتبار أنّ نفس الروايات الدالة على وجوب ستر  الرأس لا يُراد بها ستر بشرة الرأس، لأنّها مستورة بالشعر غالباً، بل يُراد منها شعر الرأس، وتركوا التعرّض لهذا الأمر لأنّ الشعر داخل في البدن الذي هو عورة كلّه بالإضافة إلى وضوح المطلب.

وأمّا رواية الفضيل المتقدّمة المُستدلّ بها على وجوب ستر الشعر، فالكلام تارةً في سندها وأخرى في دلالتها.

أما سندها: فالظاهر أنّه تام، فإنّ في طريق الصدوق إلى الفضيل، محمد بن موسى المتوكّل وعلي بن الحسين السعد آبادي، والظاهر أنّهما ثقتان.

أمّا محمد بن موسى فقد وثّقه العلاّمة صريحاً، والظاهر أنّه أخذه من السيّد ابن طاووس في كتاب فلاح السائل، حيث ذكر في رواية عنه أنّ رواة هذا الحديث ثقاة بالاتفاق، ودعوى الاتفاق من مثل ابن طاووس يؤخذ بها لأنّه يستكشف منها أنّ وثاقته كانت معروفة.

وأمّا علي بن الحسين، فهو شيخ للكليني ولابن قولويه، وقد وثّق ابن قولويه مشايخه، فالرواية معتبرة.

وأمّا دلالتها: فالظاهر أنّها لا تتمّ، لأنّ فيها قضيّة سلبيّة، وهي أنّها لم تستر أزيد من ذلك، أي سترت أذنيها وشعرها ولم تستر رأسها، وهذا يدلّ على عدم الوجوب، لأنّ الزهراء (عليه السلام) لعصمتها لا يحتمل أن تتركه مع وجوبه.  

وفي الرواية قضيّة إيجابيّة، وهي أنّها ستّرت أذنيها وشعرها وهذا لا يدلّ على الوجوب، بل غايته محبوبيّة ذلك، وهذا فعل لا يدلّ، إذ لعلّه في مقام بيان عدم الزيادة على الدرع والخمار، ولم يعلم أنّ الإمام (عليه السلام) في مقام البيان من هذه الجهة عندما نقل الفعل عنها.

وقد ناقش صاحب الحدائق في هذه الرواية، وحملها على الضرورة، واستظهر منها لذلك وجوب ستر الشعر.

ثم إنّ الفضيل الراوي عن الباقر (عليه السلام)، الظاهر أنّ المراد به ابن يسار لا ابن عثمان، وإن كان كل منهما ثقة، لأنّ ابن عثمان من أصحاب الصادق  (عليه السلام) ولم يذكر أنّه روى عن الباقر (عليه السلام)، بل ذكر الشيخ في رجال الباقر (عليه السلام) أنّه روى عنه فكل منهما محتمل والرواية معتبرة على كل حال.

والحاصل: أنّه لا إشكال في وجوب ستر الشعر من مجموع روايات الخمار والمقنعة والدرع، لأنّ الملحفة بعد التقنّع بها تلفّها على بدنها، وهذا يستدعي ستر العورة وكذا الخمار فإنّه عادةً ينحدر عن العنق وزيادة.

الموضع الثالث: (العنق)

وأمّا العنق: فلا إشكال في وجوب ستره، لأنّ المذكورات كالمقنعة والدرع والخمار والملحفة كلّها تستر العنق كما تستر الرأس، بل في الجواهر أنّه لا خلاف فيه فيما أجده، والاستدلال على عدم الوجوب كما عن الشهيد لصحيحة الفضيل المتقدّمة غير تام، لما عرفت من أنّ الخمار ينحدر عن العنق وزيادة، على أنّه لم يحرز منها كون المراد أنّه لم يكن على رأسها من الخمار إلاّ قدر قليل تستر به الشعر والأذنين، بل يحتمل أن يراد منها بيان عدم الزيادة على الدرع والخمار من الإزار والملحفة، وما ذكر فيها يستر العنق.

وأمّا ما عنه أيضاً، من أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة (عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة إلخ..) فيه إشعار بذلك.

فيرد عليه: أنّ التجلل بالملحفة المنشورة على رأسها ساتر للعنق، إذ المراد الالتفاف بها أو نحوه، فهي على الوجوب أدلّ.

والحاصل: أنّ نصوص القناع والخمار ونحوها تدلّ على وجوب ستره، لأنّ هذه الأشياء تستر العنق عادةً، بل إنّ التجلّل في الصحيحة يدلّ على ذلك من جلّل المطر الأرض أي غطّاها، وهنا كذلك، تجلّل نفسها أي لا يبقى شيء إلاّ غطّته ممّا يغطّى بالملحفة.

الموضع الرابع: (الوجه)

وأمّا الوجه: فالمعروف وادّعي عليه الإجماع أنّه لا يجب ستره، وإن نسب إلى جماعة كابن حمزة وغيره وجوب ستره، والظاهر أنّهم لا يريدون بستر تمام البدن الوجه، لأنّهم قد استثنوه من معاقد اجماعاتهم، وللسيرة القطعيّة على عدم ستره.

ويدلّ على عدم وجوب ستره عدّة روايات:

منها: صحيحة الفضيل المتقدّمة،حيث لم تستر وجهها، وقلنا بأن هذا يدلّ على عدم الوجوب.

ويدلّ عليه أيضاً جميع روايات المقنّعة والدرع والخمار والملحفة التي يجب الصلاة فيها، فإنّها كلّها لا تستر الوجه عادةً.

ويدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة قال: (سألته عن المرأة تصلّي متنقّبة ؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود، فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل)[[1]].

وهذه صريحة في جواز الكشف بل أفضليّته، وعلى هذا تحمل صلاة فاطمة (عليه السلام) في الرواية المتقدّمة.

إنّما الكلام في تحديد الوجه:

فقد حدّوه بالمقدار الذي يجب غسله في الوضوء، بدعوى أنّه تحديدٌ للموضوع العرفي للوجه لا لخصوص ما يجب غسله في الوضوء حتى يقتصر عليه.

وهذا المعنى وإن كان قدراً متيقناً فيما يجوز كشفه، إلاّ أنّه لا دليل على أنّه هو المقدار الجائز فقط، بل الظاهر جواز عدم سترها الأزيد منه، وهو ما يصدق عليه الوجه عرفاً، وهو أوسع من وجه الوضوء.

فالروايات الدالّة على عدم وجوب ستر الوجه، دالّة على عدم وجوب ستر المقدار الزائد عن حدّ الوضوء قطعاً، لأنّ حدّه ما دارت عليه الإبهام والوسطى، فيبقى شيء إلى الأذنين بمقدار إصبع من كل طرف، وهذا لا يجب غسله في الوضوء، وظاهر الرواية ما عدا الشعر والأذنين، وهذا لم تستره فاطمة  (عليه السلام).

والحاصل: أنّ الروايات ما بين ما اكتفي فيها بستر الشعر والأذنين، وبين ما اكتفت بما يكون تحت الخمار أو المقنعة إذا استعملا على النحو المتعارف، والوجه الذي لا يستر في هذه الموارد أزيد من وجه الوضوء، هذا من حيث العرض.

وأمّا من حيث الطول، فالواجب غسله من قصاص الشعر بلا إشكال، وأمّا منتهاه ففي الوضوء إلى طرف الذقن، وأمّا هنا فإلى الذقن، لأنّ الدرع والخمار يستر العنق، وأمّا تحت الذقن فلا يستره، فهو أيضاً لا يجب ستره، فالتحديد بأنّ المقدار المستثنى هو الذي يجب غسله لا دليل عليه، بل الوجه المستثنى أوسع من الوجه الذي يغسل.


 

[[1]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب 33 لباس المصلّي ح1 .

 

رجوع