عدم الفرق بين الحيوان محلل الأكل أو محرمه

ميتة ما لا نفس له سائلة

___________________________

سواءٌ كان حيوانه محلّل اللحم أو محرّمه (1)، بل لا فرق بين أن يكون ممّا ميتته نجسة أو لا كميتة السمك(2) ونحوه ممّا ليس له نفس سائلة على الأحوط.

___________________________

 (1) هذا الذي ذكره وإن كان لا إشكال فيه، إلاّ أنّ ذكره مستدرك ولا حاجة له، لأنّ ما لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة في أجزائه حتى حال الحياة كما سيأتي، فميتته لا تجوز الصلاة فيها، لا لخصوصيّة الميتة، بل لأنّ فيه مانعاً ذاتيّاً، فيستند المنع فيه إلى العنوان الذاتي ولا حاجة للعنوان العرضي وهو الميتة.

فالميتة لا تكون مانعاً إلاّ في موضوع قابل وهو ما كان محلّل الأكل، ولذا ذكر الإمام (عليه السلام) في موثّقة ابن بكير في عنوان التذكية إذا كان ممّا يؤكل لحمه وأمّا ما لا يؤكل فلا، سواء ذكّاه الذابح أو لم يذكّه لأنّ المانع فيه ذاتي كما عرفت.

(2) ومقتضى هذا التعميم أنّ المدار على عدم التذكية وإن لم يكن ميتته نجسة، ولكن هذا محلّ الكلام بينهم، فذكر بعضهم أنّه لا فرق كما عن البهائي، ونسب إلى المحقّق والعلاّمة اختصاص المنع بميتة ذي النفس السائلة وهو الذي اختاره صاحب المدارك وصاحب الجواهر والمحقّق الهمداني.

وذكر صاحب الجواهر: أنّ ميتة ذي النفس السائلة هو المنساق إلى الذهن خصوصاً مع ملاحظة ما في النصوص من الدبغ ونحوه ممّا لا يعتاد إلاّ في ذي النفس، بل هو ظاهر في مقابل العامة القائلين بطهارة الميتة بالدبغ، فبيّن (عليه السلام) أنّ الدبغ لا أثر له في الطهارة، وخصوصاً مع مقابلة الميتة بالمذكّى المنصرف إلى المذبوح، بل قد يدعى أنّ الذبح هو المعنى الحقيقي للتذكية، وأنّ غيره منزّل منزلته، لا أقلّ من الشكّ في شمول الإطلاقات فتبقى على إطلاقات الصلاة المقتضية للصحّة لعدم مانعيّة ما شكّ فيه (انتهى مع التوضيح ).

وذكر المحقّق الهمداني أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي اختصاص الحكم بذي النفس السائلة، لأنّ المرتكز في الأذهان أنّ النجاسة مانعة أو الطهارة شرط، والمرتكز أيضاً أنّ الميتة نجسة، فالنهي عن الصلاة في الميتة يختصّ بما إذا كانت نجسة، وميتة ما لا نفس له سائلة ليست نجسة.

إلاّ أنّ الصحيح هو التعميم، فإنّ بعض الروايات وإن كان لا يستفاد منها حكم غير ذي النفس كموثّقة ابن بكير، حيث قسّم الحيوان إلى محلّل الأكل، ففرّق بين ما ذكّي منه وما لم يذكّ، وإلى محرّم الأكل فلم يجوِّز فيه مطلقاً وإن ذُكّي.

فإنّ هذه الموثّقة ظاهرة الاختصاص بذي النفس، إذ غيره لا يحتاج إلى الذبح في مقام التذكية كالسمك، لأنّ تذكية الذبح تختص بذي النفس، فموضوع الرواية هو ذو النفس السائلة، فهذه لا يُستفاد منها حكم غير ذي النفس.

وكذلك صحيحة ابن مسلم الدالة على عدم جواز الصلاة في الجلد وإن دبغ سبعين مرّة، فإنّ موضوع الحكم فيها ما له نفس وجلده نجس لا يطهر بالدبغ في مقابل العامّة.

فلو كُنّا نحن وهذه الموثّقة والصحيحة لقلنا بالتخصيص، إلاّ أنّ صحيحة ابن أبي عمير لا يمكن دعوى اختصاصها بذي النفس، لأنّه سئل عن الميتة فقال: لا تصلّ في شيء منه ولا في شسع، فإنّ فيها عموماً من جهة أجزاء الميتة، فإنّها نكرة في سياق النفي: (لا تصلُّ في شيء) فتدلّ على العموم، وفيها إطلاق من جهة عدم الاختصاص بذي النفس، بل تشمل مطلق الميتة، وهذا يقتضي عدم الاختصاص بذي النفس.

فمناسبة الحكم والموضوع التي ذكرها الهمداني لا معنى لها، فإنّا نسلّم بأنّ النجاسة مانعة والطهارة شرط والميتة نجسة ولكن هذا لا يوجب رفع اليد عن العنوان المأخوذ في المنع وهو الميتة، وجعله معرّفاً إلى عنوان النجاسة الملازم له ومقصوداً به الميتة من حيث نجاستها لا من حيث أنّها ميتة، فإنّ هذا رفعٌ لليد عن الظهور بلا دليل، لأنّ ظاهر الروايات اعتبار التذكية ومانعيّة الميتة من حيث هي لا من حيث الطهارة والنجاسة.

والحاصل: أنّ الصحيحة المذكورة لها عموم وإطلاق وفيها تصريح بالشسع وهو ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، فلو كان المانع هو النجاسة فالشسع حيث إنّه لا تتمّ به الصلاة وحده، فهو لا يمنع ومع ذلك صرّح الإمام (عليه السلام) بأنّه يمنع، وهذا يدلّ بوضوح على أنّ المانع هو عنوان الميتة وكل جزء فيها يمنع.

ثمّ لا يخفى أنّ موضوع الحكم في الروايات منصرف إلى الحيوان الذي له لحم قابل لأن يؤكل، فقد يذكّى وقد لا يذكّى، فتجوز الصلاة فيه ولا تجوز.

وأمّا ما لا لحم له كالبقّ والبرغوث ونحوهما فهذه خارجة عن الروايات ولا يصدق عليها عنوان الميتة، فلا مقتضى للمنع فيها، فلا نحتاج في جواز الصلاة في دمها إلى دعوى السيرة أو الإجماع وهذا ظاهر.

رجوع