في عدم الفرق بين ذي النفس وغيره

وحكم فضلات الحيوانات مما لا لحم له

___________________________

ولا فرق في الحيوان بين كونه ذا نفس أو لا كالسمك الحرام أكله(1).

(مسألة 14): لا بأس بالشمع، والعسل، والحرير الممتزج، ودم البق والقمل والبرغوث، ونحوها من فضلات أمثال هذه الحيوانات ممّا لا لحم لها(2).

___________________________

(1) لا يبعد أن يكون هذا هو المعروف بينهم وإن استشكل فيه بعضهم باعتبار عدم وجود إطلاق في الروايات يشمل غير ذي النفس، وإن كان هذا الإطلاق موجوداً في روايات المنع عن الميتة.

وأمّا فيما لا يؤكل فلا إطلاق، إذ العمدة في حكم ما لا يؤكل هو موثّقة ابن بكير وهي لا تشمل غير ذي النفس، لأنّ ذيلها وارد فيما يحتاج في تذكيته إلى الذبح، فهذا الذيل قرينة على اختصاص الحكم بذي النفس لأنّه هو الذي يحتاج في تذكيته إلى الذبح، وأمّا غيره فذكاته بغير الذبح.

إلاّ أنّه ذكر السيّد الأستاذ: أنّ الرواية شاملة لغير ذي النفس أيضاً لأنّ الموثّقة اشتملت على روايتين إحداهما عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي مطلقة شاملة لغير ذي النفس، والأخرى من نفس الإمام (عليه السلام) أنشأها بعد أن نقل حكم النبي (صلى الله عليه وآله) وفصل بينهما بقوله (عليه السلام): (فاعرف ذلك إلخ...) فالرواية صادرة عن معصومين، والإمام (عليه السلام) حكى الأولى وأنشأ الثانية، والأولى مطلقة ولا ينافي إطلاقها كون الثانية التي أنشأها غير شاملة لغير ذي النفس، فكلام النبي مطلق ولم يؤخذ فيه عنوان ذي النفس، ولا مقيّد لهذا الإطلاق، فيؤخذ به وعنوانه كل ما حرّم الله، فيحكم بالتعميم حتى لمثل الحشرات، وحتى لمثل ريق الهرّة ونحو ذلك إلا إذا كان جامداً وذهب أثره بحيث لا يصدق، فلا بأس به حينئذٍ.

(2) الوجه في ذلك أنّ الموضوع في الرواية هو حيوان قابل لأن يؤكل أو لا يؤكل بالتذكية، أي الحيوان الذي له لحم قابل لأن يؤكل أو لا يؤكل، وأمّا ما لا لحم له كالبرغوث والبق والقمل فهو خارج عن الموضوع ابتداءً، ومثله الشمع والعسل، حيث أنّه ممّا لا يؤكل لحمه، والحرير الممتزج إذا كان ممّا لا يؤكل لحمه، فإنّ جميع هذه الأمور لا دليل على حرمة الصلاة بها، والدليل الذي عمدته الموثّقة قاصر عن شمولها صدراً وذيلاً، أمّا الذيل فقصوره واضح لاختصاصه بالحيوان الذي يحل لحمه ويحرم بالتذكية وعدمها.

وأمّا الصدر فعنوانه وإن لم يكن ما له لحم بل عنوانه كل شيء حرّم أكله ونهي عنه ولأجل ذلك قد يتوهّم شموله بالإطلاق لمثل المذكورات.

إلاّ أنّ الظاهر أنّه لا يشملها، لأنّ كلامه (صلى الله عليه وآله) منصرف عنها جزماً، لأنّ التقسيم تقسيم بالنسبة لأمور قابلة للأكل، فما حرّم أكله منها، فحكمه كذا والمذكورات خارجة عن موضوع محرّم الأكل ومحلّله انصرافاً، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالأكل، الأكل المتعارف، وهذه الأمور لا يتحقّق أكلها إلاّ ببلعها ووصولها إلى الجوف، فلا ينتقل ذهن العرف من الكلام المحكي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى مثل هذه الأمور.

فالإطلاق قاصر من الأوّل عن شمولها، ولا حاجة إلى دعوى الإجماع أو السيرة كما في الجواهر، وإن كانت السيرة محقّقة إذ لم نرَ ولم نسمع أنّ أحداً يجتنب عن هذه الأمور أو فضلاتها في الصلاة، وبالقطع بعدم الفرق بينها وبين غيرها يجري الحكم في غيرها إلاّ أنّه لا حاجة لهذه السيرة لعدم المقتضي، بل في بعض الروايات ما يدلّ على عدم البأس بهذه الأمور:

ففي صحيحة عبد الله بن أبي يعفور، قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (ما تقول في دم البراغيث ؟ قال: ليس به بأس، قلت: إنّه يكثر ويتفاحش، قال: وإن كثر)[[1]].

فإنّه وإن لم يذكر فيها الصلاة صريحاً إلاّ أنّ السؤال عن الصلاة، لأنّه بعدما سأله وحكم الإمام (عليه السلام) بعدم البأس سأله ثانياً أنّه يكثر، فلو كان السؤال عن النجاسة فلا معنى له، إذ النجاسة لا يفرّق فيها بين القليل والكثير، بل هو ناظر للصلاة، حيث أنّه عندما أجابه الإمام (عليه السلام) احتمل أن يكون عدم البأس لقلّته، فسأل ثانياً فأجابه (عليه السلام)، فالرواية ظاهرة في ذلك.

وأمّا رواية الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه ؟ قال: لا وإن كثر.. الحديث)[[2]].

فهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على المطلب إلاّ أنّها غير تامّة السند، لأنّها مرويّة عن محمّد بن يحي، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، فإنّ المراد بابن سنان هنا هو محمد، لأنّ ابن سنان الذي يروي عن ابن مسكان، ويروي عنه أحمد بن محمد، هو محمد بن سنان لا عبد الله، لأنّ عبد الله من أصحاب الصادق وابن مسكان يروي عنه، لا أنّه هو يروي عن ابن مسكان، ومحمد بن سنان غير معتبر.


 

[[1]] الوسائل م 2 ب 23 النجاسات ص 1031 ح 1.

[[2]] الوسائل م 2 ب20 النجاسات ص 1026 ح 7.

رجوع