.

حكم الصلاة في فراء السنجاب

___________________________

وكذا السنجاب (1).

___________________________

 (1) فانه مستثنى من عدم جواز الصلاة، وقد وقع الكلام في هذه المسألة واختلفت كلماتهم فيها اختلافاً كثيراً.

فعن الشيخ في المبسوط أن جواز الصلاة في السنجاب لا خلاف فيه، وعنه في مكان آخر من كتاب الأطعمة اختيار عدم الجواز، وعن ابن زهرة الإجماع على العدم، وعن العلامة نسبته في بعض كتبه للأكثر، وعن أمالي الصدوق أن دين الإمامية الرخصة فيه وفي الفنك والسمور، وعن الصدوق في الفقيه ووالده المنع عنه.

وكيف كان فالمسألة خلافية، وليس أحد القولين مما تسالموا عليه، والسر في ذلك هو اختلاف الروايات.

فقد دلت عدة منها على الجواز، وقسم من هذه الروايات ضعيف لا يعتمد عليه، والإنجبار بعمل المشهور غير تام صغروياً وكبروياً، على أن بعضها غير قابلة للتسليم في نفسها.

مثل: رواية علي بن أبي حمزة قال: (سألت أبا عبد الله وأبا الحسن o، عن لباس الفراء والصلاة فيها ؟ فقال: لا تصل فيها إلا ما كان منه ذكياً قلت: أو ليس الذكي مما ذكي بالحديد ؟ قال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم قال: لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب)[[1]].

فإنها ظاهرة في أن عدم الجواز يختص بالسباع مع أن المنع لا يختص بما يأكل اللحم من السباع الغير المأكولة اللحم.

وأما المعتبر من هذه الروايات فهي عدة روايات:

منها : صحيحة أبي علي بن راشد قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الفراء أي شيء يصلّي فيه ؟ قال: أي الفراء ؟ قلت: الفنك والسنجاب والسمور، قال: فصلّ في الفنك والسنجاب فأمّا السمور فلا تصلّ فيه، قلت: الثعالب يصلّى فيها ؟ قال: لا ولكن تلبس بعد الصلاة، قلت: أصلّي في الثوب الذي يليه قال: لا)[[2]].

فإنّ الفراء له إطلاقان:

أحدهما: الثوب الذي يلبس ويتّخذ من الحيوانات.

والآخر: حمار الوحش، ومنه القصّة المعروفة كل الصيد في جوف الفراء، فإنّه عندما سأله وأجاب، أراد بالجواب الفراء المتّخذ من الحيوانات المذكورة، فتدلّ على الجواز فيما يتّخذ منها.

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه)[[3]].

وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنّه سأله عن أشياء منها الفراء والسنجاب، فقال: لا بأس بالصلاة فيه)[[4]].

والظاهر أنهما رواية واحدة لاتّحاد السند بجميع رجاله، غايته عدّد هناك أشياء لم يعدّدها في هذه فلا اختصاص لإحداهما بالسنجاب.

والعمدة هاتان الروايتان، ويشكل على الاستدلال بهما من وجهين:

أحدهما: أنّه لم ترد رواية في خصوص السنجاب، بل الروايات المتقدّمة اشتملت عليه وعلى غيره كما عرفت ممّا لا يؤكل، فلا يمكن العمل بها لاشتمالها على ما لا نلتزم به كصحيحة ابن راشد حيث جوّزت الصلاة في الفنك، ولا نلتزم به، فهي محمولة على التقيّة، وكذا صحيحة الحلبي، فإنّها مشتملة على السمور وعلى الثعالب وأشباهه وجوّزت الصلاة فيها، وهذا لا يمكن الالتزام به.

إلاّ أنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال واضح الدفع، لأنّ سقوط الرواية عن الحجيّة في بعض مدلولها لا يسقطها في مدلولها الآخر، فلو لم نلتزم بمضمونها في الفنك مع أنّه محل الكلام وفي الثعالب، فلماذا لا نلتزم بها في السنجاب؟ والتفكيك في أجزاء الرواية الواحدة لا مانع منه إذا كانت مشتملة على أحكام متعدّدة، لأنّها حينئذٍ في حكم الروايات المتعدّدة.

ودعوى: اندفاع الإشكال المذكور بصحيحة الحلبي الثانية المختصّة بالسنجاب وحمار الوحش الذي هو ممّا يؤكل لحمه، فلا يكون فيها شيء لا يمكن الالتزام به.

مدفوعة: بما عرفت من أنّهما رواية واحدة، والأشياء التي ذكرها في إحداهما هي التي فصّلها في الأخرى.

الإشكال الثاني: أنّا لو فرضنا اختصاصها بالسنجاب، إلاّ أنّ السنجاب بخصوصه كان مورد السؤال في موثّقة ابن بكير المتقدّمة، فتقع المعارضة بين الموثّقة وهذه الروايات، ولا يمكن تخصيص الموثّقة، لأنّ موردها السنجاب وتخصيص المورد لا يمكن.

وقد ذكر جماعة في مقام الجواب عن هذا الإشكال، ومنهم صاحب الجواهر، ما حاصله: أنّه لا مانع من تخصيص الموثّقة بهذه الروايات إذ كما أنّ مثل ذلك لا يقدح في التخصيص في المتّصل قطعاً، فكذا المنفصل خصوصاً مع اندراج بعض أفراد السؤال في عموم الجواب.

وهذا الجواب لا يتم، لأنّ الفرق بين القرينة المتّصلة والمنفصلة واضح، فإنّ القرينة المتّصلة تمنع عن انعقاد الظهور من الأوّل فلا تنافي العموم، وأما بعد انعقاده إذا أتى بقرينة منفصلة، فهذه قد تنافي العموم وتعارضه، وأمثلة العرف واضحة.

فالذي ينبغي أن يقال في الجواب: أنّ تخصيص المورد إنّما لا يجوز فيما إذا علم أنّ الجواب ناظر للمورد، فلا يمكن حينئذٍ تخصيص المورد، لأنّ الكلام صريح فيه، وأمّا إذا لم يكن الجواب ناظراً إلى خصوصيّة السؤال، بل كان حكماً كليّاً ولا سيّما إذا كان السؤال عن أشياء متعدّدة، كما في الموثّقة، فإنّ هذه ذكرت على سبيل المثال في مثل ذلك، غاية الأمر أنّ الجواب ظاهر في المورد وغيره، فإذا ورد نص في إخراج بعض أمثلة المورد نرفع اليد عن ظهور الكلام في المورد بهذا النص، ونخصّص المورد ولا محذور في تخصيص المورد حينئذٍ.

والمتحصّل: أنّ الإشكال المذكور لا يتم، والصحاح المذكورة دالة على استثناء السنجاب، فتجوز الصلاة فيه.


 

[[1]] باب: 3 لباس المصلي حديث: 3.

[[2]] باب: 3 لباس المصلي حديث: 5 صدره، وروى ذيله في باب: 7 حديث: 4.

[[3]] باب: 4 لباس المصلي حديث: 2.

[[4]] باب: 3 لباس المصلي حديث: 1.

رجوع