في بيان الأصل العملي : على القول بالشرطية وعلى القول بالمانعية

بقي ها هنا شيء:

وهو أنّه إن قلنا بالشرطيّة فالمورد مجرى للاشتغال، لأنّ الأمر بالصلاة المقيّدة معلوم، فلا بدّ من إحراز القيد.

وأمّا لو قلنا بالمانعيّة، فبما أنّ القيد عدمي، يمكن التمسّك بالأصل لنفيه.

هذا هو المعروف، فبناءً على هذا إذا أحرزت الشرطيّة أو المانعيّة فلا إشكال، وأمّا إذا لم نستفد من الروايات شيئاً ولم ندرِ أنّ الصحيح هل هو الشرطيّة أو المانعيّة، فالأصل ماذا يقتضي، فهل يقتضي ترتيب آثار المانعيّة حتّى تثبت الشرطيّة أو العكس ؟

ذكر المحقّق النائيني: أنّا نرجع للبراءة، لأنّ الشرطيّة فيها كلفة زائدة ونتيجتها عدم البراءة عند الشكّ، فإذا شككنا في أنّ المجعول هل هو الشرطيّة أو المانعيّة نرجع للبراءة، للشكّ في الكلفة الزائدة، فالنتيجة نتيجة المانعيّة.

ولكن يمكن المناقشة فيه: لأن الشرطيّة والمانعيّة كلاهما حكم شرعي مجعول يوجب ضيقاً للمكلف في نفسه، فالشكّ في كلٍّ منهما يقتضي أن الأصل عدم جعله.

ولكنّ العلم الإجمالي يجعل أحدهما مانع عن الرجوع إلى الأصل في كل منهما، لأنّ احتمال كل منهما طرف للعلم الإجمالي، فلا يمكن الرجوع إلى الأصل بالنسبة لنفي المجعول، وهو واضح للعلم الإجمالي المانع من الأصول.

واعتبار الشرطيّة والمانعيّة اعتباران متضادان وليس أحدهما قدراً متيقناً بالنسبة للآخر، فلا أقل وأكثر لتجري البراءة ولا غير ذلك، فلا يمكن الرجوع للبراءة، لا فيهما معاً للعلم بالمخالفة القطعيّة ولا في أحدهما لعدم المرجح.

وأمّا الكلفة في الشرطيّة فواضح البطلان، لأنّها لا تزيد على اعتبار المانعيّة، نعم نتيجتها حكم العقل بالاشتغال، وهذه كلفة عقليّة بعد اعتبار الشرطيّة الشرعيّة لهما، وهذا لا دخل له في المجعول الشرعي، بل هما بالنسبة للمجعول الشرعي سيّان، فلا محالة يكون احتمال الشرطيّة كافياً في عدم حكم العقل بجواز الاكتفاء بالمشكوك فيه، إذ نحتمل أن يكون وقوع الصلاة فيما يؤكل لحمه معتبراً شرطاً، والمفروض أنّ هذا الاحتمال لا دافع له، فيكون الشكّ شكّاً في الامتثال وفي المحصّل، لأنّ الشكّ في الشرطيّة والمانعيّة يلازم الشكّ في أنّ ما وقع خارجاً هل وقع امتثالاً أم لا ؟ فمقتضى الأصل الاشتغال حتى يحرز المانعيّة.

رجوع