محتملات العناوين الواردة في الروايات

ثمّ إنّ الروايات الواردة في المقام بعناوينها فيها محتملات:

الأوّل: أن يكون عنوان التحريم أو محلّل الأكل معرفاً إلى العناوين الذاتيّة للحيوان أي عنوان الأرنب ونحوه، فالموضوع هو نفس هذه العناوين لا نفس عنوان ما حرّم الله أكله فيكون الحكمان في مرتبة واحدة.

الثاني: أن يكون نفس حرمة الأكل هي موضوع لعدم جواز الصلاة، فيكون الحكمان وهما محرّم الأكل وعدم جواز الصلاة مرتبتين: أحدهما مأخوذ من موضوع الآخر، فالأسد لا يجوز ولكن لا بما هو أسد بل بوصف أنّه محرّم الأكل، فحرمة الأكل موضوع لعدم جواز الصلاة.

ثمّ إنّه على الثاني: أي لو قلنا بأنّ الموضوع الحرمة أو الحليّة، فهل المراد بها الحرمة الفعليّة المختلفة باختلاف الأشخاص، فيختلف الحكم بالنسبة للصلاة باختلاف حالات المكلّفين من الاضطرار وغيره، أو الحرمة الثابتة للحيوان في ذاته أي الطبيعة الشأنيّة التي لا تختلف باختلاف الأشخاص ؟

وعلى الثاني: فهل الملاحظ ذات الحيوان بقطع النظر عن العوارض، أو الملاحظ ذات الحيوان بقطع النظر عن العوارض، أو الملاحظ مطلق الحليّة والحرمة الشأنيّة ولو بالنظر للعوارض، كالغنم الموطوء، فإنّه محرّم أكله لكن لا بذاته بل بعنوان طارئ ؟

وعلى الثاني: فهل يشمل العوارض التي تقبل الزوال كالجلد أو يختصّ بما لا يقبل الزوال، كعنوان الوطي والحيوان الذي شرب لبن الخنزير، فإنّه أيضاً يحرم أكله هو ونسله على ما في الرواية، فإنّ هذه حرمة طبيعيّة، غايته أنّها عارضة.

ثمّ إنّ هذه العناوين على قسمين:

منها: غير قابلة للزوال كالموطوء.

ومنها: قابلة للزوال كالجلاّل بالإستبراء.

أمّا احتمال كون المانعيّة لذوات الحيوانات وكون عنوان محرّم الأكل معرّفاً لتلك الذوات فموضوع الأثر هو ذوات الحيوانات.

هذا الاحتمال بعيد وخلاف الظاهر، لأنّ الظاهر من الروايات أنّ محرّم الأكل بعنوان كونه محرّم الأكل مأخوذ من موضوع الحكم لا بعنوان أنّه أسد، لأنّ ظاهر هذا العنوان أنّ له دخلاً في ثبوت الحكم للموضوع.

وأمّا مثل رواية علي بن أبي حمزة، الظاهر منها أنّ نفس الحيوان مانع بعنوانه فهذه ضعيفة السند كما تقدّم، على أنّها ظاهرة في اختصاص الحرمة بالسباع التي لها ناب ومخلب.

وأمّا غيرها فالموضوع فيها هو السبع لا بما أنّه محرّم، ولو لم تكن رواية علي بن أبي حمزة ضعيفة فلا بدّ من طرحها للقطع بعدم اختصاص الحكم بالسباع، حتى أنّ علي بن أبي حمزة نفسه روى رواية أخرى بعين هذا السند لا تجوّز الصلاة فيما حرّم أكله.

فإذا كان المانع هو عنوان محرّم الأكل، فهل المراد بالحرمة هي الحرمة الفعليّة أو الحرمة الثابتة للحيوان بذاته ؟

الصحيح: هو الثاني، لأنّ الحرمة الفعليّة لو كانت هي المأخوذة، فهذه تختلف باختلاف الأزمان والأشخاص وهذا لا يمكن الالتزام به، مضافاً إلى أنّه خلاف ظاهر الرواية.

فإنّ الظاهر منها أنّ حليّة الأكل وعدمها من جهة الإضافة إلى الحيوان لا من الجهات الأخرى كالمغصوب والضرر، وهذا خارج عن العنوان، لأنّ العنوان حرّمة لحم هذا الحيوان، لا حرمة عنوان ينطبق عليه.

بل إنّ كثيراً من الموارد إلاّ ما شذّ، لا يكون هناك حرمة فعليّة للحم الحيوان لخروجه عن محل الابتلاء بانعدام موضوعه أو نحو ذلك، كما هو الغالب من انعدام الحيوان ذي الجلد منذ زمن طويل فلا يصدق على الصوف أنّه صوف لحيوان يحرم أو يحلّ أكله فعلاً.

والحاصل: أنّ المراد ما كان محرّماً بذاته، وعلى هذا التقدير فهل المراد حرمته الطبيعيّة، فلا يشمل المحرّم بالعارض أو بالنظر إلى عوارضه ؟

فنقول: لا موجب لدعوى الاختصاص بما كان محرّماً بقطع النظر عن العوارض لمنافاته للإطلاق في قوله (حرام أكله) فإنّ مقتضى هذا الإطلاق أنّ العبرة بصدق كونه ممّا حرّم الله أكله، ولو كان ذلك لعارض، ولا يلتفت إلى سبب التحريم، وعلى هذا فالموطوء أو ما شرب لبن الخنزير لا تجوز الصلاة فيه، لأنّه محرّم الأكل ويصدق عليه هذا العنوان صدقاً حقيقيّاً.

وعلى هذا التقدير: فهل يشمل ما لو كان هذا العنوان قابلاً للزوال أو لا؟

ذكر المحقّق النائيني: الاختصاص بما لا يقبل الزوال، فلا يشمل ما يقبل الزوال كالجلاّل.

وهذا التخصيص لا وجه له: لأنّ موضوع الحكم هو حيوان حرّم الله أكله، وقبول الحرمة للزوال وعدمه أجنبيٌّ عنه، لأنّ الموضوع هو الحيوان الذي حرّم الله أكله، والجلاّل بلا عناية هو حيوان حرّم الله أكله فلا فرق بين ما يزول وغيره.

والغريب من المحقّق النائيني أنّه ذكر أنّ حال الجلل حال الاضطرار في قابليّة الزوال، فلا يكون له دخل مثله، فإنّ هذا قياس مع الفارق، لأنّ الاضطرار يوجب تبدّل الحرمة الفعليّة بالإباحة الشخصيّة في حقّ الشخص المضطر، لا أنّ الحيوان يكون ممّا حرّم الله أكله على كلّ أحد كما هو الحال في الجلاّل فإنّه يوجب التبدّل في مقام الجعل بالنسبة لجميع البشر.

فالتخصيص لا وجه له، وحاله حال ما ذكره هو (قده)، على ما هو المظنون في باب النجاسات من أنّ بول الحيوان وخرءه إذا كان ممّا لا يؤكل يحكم بنجاستهما لقوله (عليه السلام): (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه).

وهنا عمّم الحكم للجلاّل مع أنّهما من باب واحد، فلو كان ما لا يؤكل لحمه لعارض كالجلل يحكم بنجاستهما، ومقامنا من ذلك القبيل فلماذا يخصّصه !

رجوع