تطبيق صور الشك على مسألة اللباس المشكوك

وأما تطبيقه على مسألة اللباس المشكوك فنقول:

حيث أنّ مسألتنا ليست من القسم الأوّل الذي ليس له متعلّق، بل لمتعلّق التكليف هنا وهو اللبس متعلّق، ومتعلّق المتعلّق هو غير المأكول، فهو كلّي لا شخصي.

وهذا الكلي ليس على نحو صرف الوجود لأنّ التكليف تحريمي، فيدور أمره بين الكلي المجموعي وهو أن يكون النهي عن الصلاة في مجموع ما لا يؤكل، وهو ما لا يحتمل، إذ لا يحتمل أن يكون النهي عن الصلاة في مجموع ما لا يؤكل لحمه، إذ لازمه جواز الصلاة في فرد مما لا يؤكل لحمه لأنه يصدق عليه أنّه لم يصلِّ في المجموع، فيتعيّن النهي على نحو الاستغراق والانحلال، وأن يكون كل فرد مما لا يؤكل لحمه منهياً عن الصلاة فيه، لأنّ قوله (لا تلبسون شيئاً منه تصلون فيه) نكرة في سياق النفي.

وحينئذٍ، فكلما أحرز أنه من أفراد ما لا يؤكل فهو منهي عنه، وإذا شككنا في شيء أنّه مما لا يؤكل أو مما يؤكل، فالشكّ حينئذٍ شكٌ في أنه منهي عنه أو لا، لفرض أنّ النهي انحلالي، فهو شاك في حرمة هذا الفرد للشكّ في أنّه يصدق عليه أنّه لبس لما لا يؤكل، فتجري البراءة.

هذا إذا حملنا النهي على ما هو ظاهره المولوية من الزجر والتحريم.

وأما إذا لم نقل بأنه مقتضٍ لحمله على ذلك، بعد فرض أن لبس ما لا يؤكل ليس محرّماً  إلا من ناحية التشريع  فهو إرشاد إلى عدم حصول الامتثال، وأنّ لبس ما لا يؤكل فيه فساد ومانعية في الصلاة، فهو إرشاد إلى المانعية.

ومعنى المانع اعتبار عدم شيء في المأمور به، فعلى هذا يكون الأمر الصلاتي قد تعلّق بعدّة أمور وجوديّة وتعلّق بأمور عدميّة، أو أنّ تلك الأمور الوجودية مقيّدة بأمور عدميّة،ومرجع هذا إلى أنّ أعدام ما لا يؤكل مأخوذة في الصلاة، وأنّ الصلاة مقيّدة بهذه الأعدام.

وحينئذٍ فكل فرد علمنا أنه مصداق لما لا يؤكل فعدمه معتبر، وكل فرد شككنا فيه فقد شككنا في أنّ الصلاة مقيّدة بعدمه أو لا، فيرجع الشكّ إلى التقييد وهو كلفة زائدة تنفى بالبراءة.

فالبراءة نتيجة أمرين:

أحدهما: أنّ العلم بالكبرى لا يكفي في تنجز التكليف ما لم يعلم بالانطباق، لأنّ الشبهة الموضوعية لا يجب فيها الفحص.

الثاني: أنّه في موارد الأقل والأكثر الارتباطيين، نرجع للبراءة.

فضم أحد هذين إلى الآخر ينتج البراءة، لأن الشك في التقييد شك في الأكثر، لأنّ الأمر واحد والمأمور به مردّد بين الصلاة وبينها مقيّدة بعدم هذا المشكوك.

نعم لو قلنا بالشرطية وأن المعتبر عنوان وجودي بسيط ملازم لعدم لبس ما لا يؤكل، ففي مثله لا بدّ من الاشتغال، لأن ذلك العنوان لا ينحل إلى الأقل والأكثر، بل هو لا يتحقق إلا بترك كل ما لا يؤكل، ولا بد في تحققه من جميع الأفراد.

فإذا شكّ في فرد أنّه مما لا يؤكل وأن العنوان يتحقق فلا بدّ من إحرازه، لأن التكليف فعلي والقدرة محرزة، فتجري قاعدة الاشتغال.

ولكنا لم نقل بالشرطية كما تقدّم، بل الالتزام بالشرطيّة مناف لما تسالموا عليه بلا خلاف ظاهراً من أنه إذا اضطرّ المكلّف إلى لبس ما لا يؤكل أو غيره، فبما أنّ الصلاة لا تسقط لا محالة لأنّ مانعية هذه الأمور مقيدة بحال التمكن، فحينئذٍ لا بدّ من الاقتصار على مقدار الضرورة، وهو مضطرّ إلى لبس واحد فترتفع مانعية الواحد.

وأما الزائد على الواحد فالمتسالم عليه أنه لا يجوز لبسه لأن الضرورات تقدر بقدرها، وهذا لا يتم إلا على القول بأن المانعية ثابتة لكل فردٍ فرد وأن كل عدم معتبر بنفسه أو أن مجموع الأعدام مقيّدة.

إذ لو فرضنا أن المأمور به عنوان وجودي بسيط بنحو الشرطيّة ملازم لهذه الأعدام، فالمفروض أن ذلك العنوان تسقط شرطيته بالاضطرار إلى واحد لأنه ملازم للجميع أو لمجموع الأعدام، فإذا اضطرّ إلى واحد فذلك العنوان لا يمكن تحقّقه.

وحينئذٍ فلا داعي لتقدير الضرورة بقدرها بل يجوز له لبس أكثر مما اضطرّ إليه بعد ما لم يكن عدمه معتبراً.

إلا أن يقال: بأن الأمر الوجودي ملازم لترك المقدار الممكن من غير المقدور، فمع الاضطرار إلى لبس واحد وتمكن من ترك الجميع وجب لأنه ممكن، أو أن يقال بأن هذا العنوان الوجودي ذو مراتب، فأعلى مراتبه ملازمة ترك الجميع وهكذا، ولكن لا يخفى أن هذا كله تصورات وفروض لا دليل عليها.

والحاصل: أنه بناءً على المانعية يرجع إلى البراءة، وبناءً على الشرطيّة لا يرجع للبراءة، إلا بناءً على ما تقدّم مما ذكره العلامة من أن الشرط هو وقوع الصلاة فيما أحل الله أكله، فيتمسك حينئذٍ في المشكوك باستصحاب حلية الحيوان الذي أخذ منه التي كانت ثابتة لهذا الحيوان قبل جعل الأحكام الإلزاميّة.

ولكن تقدّم أن كون المعتبر هو هذا غير صحيح، وأن المستفاد تقييد الصلاة بعدم وقوعها فيما لا يؤكل.

على أن الأصل الموضوعي المذكور يختص بما علم كونه من الحيوان وشكّ في مأكوليته وعدمها.

وأما إذا لم يحرز كونه حيواناً فاستصحاب الحل لا يجري، إذ لم يفرض أنه حيوان حلال حتى نستصحب حليته، فليس هنا إلا استصحاب عدم كونه مما لا يؤكل، وهذا بناءً على الشرطية لا أثر له إلا على القول بالأصل المثبت.

والمتحصل من جميع ما ذكرناه:

أن البراءة تجري بلا فرق بين كونه من أول الصلاة أو أثنائها، ولا بين أن يعلم كونه حيواناً أو لا، ولا بين كونه ساتراً أو غير ساتر إلى غير ذلك من التفصيلات التي ذكرت واحتملت في المقام.

 

هذا تمام الكلام في مسألة اللباس المشكوك.

رجوع