في جواز لبس الحرير للنساء والصلاة فيه

___________________________

ولا بأس به للنساء، بل تجوز صلاتهن فيه أيضاً على الأقوى(1).

___________________________

 (1)   أما بالنسبة للنساء فلا إشكال في جواز لبسهن للحرير بل هو من الضروريات، ولم ينسب الخلاف إلى أحد من المسلمين وتدل عليه عدة روايات أكثرها ضعيف وفيها ما هو معتبر وهو موثقة سماعة عن أبي عبد الله  (عليه السلام) قال: (لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة وأما في الحر والبرد فلا بأس)[[1]].

فإن المراد (بالحر والبرد) في سائر الأوقات، بل هذا هو الدليل الأساسي، مضافاً إلى أن الجواز مما جرت عليه سيرة المسلمين المتصلة بزمن المعصومين من غير رادع.

إنما الإشكال في جواز صلاتهنّ فيه: فذهب الأكثر كما في الحدائق إلى الجواز، وفي الجواهر أنه المشهور شهرة عظيمة.

ونقل صاحب الوسائل عن الصدوق المنع، بدعوى: (أنه وردت الأخبار بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال، ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء، ولم ترد بجواز صلاتهن فيه، فالنهي عن الصلاة في الابريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالإطلاق لهن في الصلاة فيه كما خصّهن بلبسه، فالروايات الدالة على المنع مطلقة حتى ورد في صحيحة ابن عبد الجبار (لا يصلي) وفي الأخرى (لا تحل الصلاة) )انتهى.

وصاحب الحدائق وإن وافق الصدوق إلا أنه ناقش في هذا الاستدلال بأنه لا إطلاق ولا عموم يشمل النساء والرجال، فإن أكثر الأخبار اشتملت على الرجل فالمقتضى قاصر.

وهذا الذي ذكره متين فإن قاعدة الاشتراك لا مجال لها في المقام، لأنها إنما تتم فيما إذا لم يكن هناك خصوصية يحتمل دخلها، ومع هذا الاحتمال كما في المقام فلا مجال لها[[2]]، ودليلها لبي لا إطلاق فيه ليشمل النساء.

ثم ذكر صاحب الحدائق بأن صحيحتي محمد بن عبد الجبار وإن دلتا بإطلاقهما على المنع من الصلاة في الحرير المحض، إلا أنهما مبتنيان على سبب خاص وهو القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصة، فلا يحمل إطلاقهما على ما يشمل النساء.

وهذه المناقشة غير تامة:

أولاً: أن العبرة بإطلاق الجواب لا السؤال، والجواب مطلق لقوله (لا تحل الصلاة) (ولا يصلي).

وثانياً: بأنه كما ذكرت (القلنسوة) كذلك ذكرت (التكة) التي هي مشتركة، فالسؤال مطلق عن الرجال والنساء.

فهذه المناقشة في إطلاق الصحيحتين لا تتم.

نعم قد يناقش بإطلاق الصحيحتين من جهة أخرى، وهي: أن الراوي سأل عما لا تتم فيه الصلاة، فيستظهر منه أن عدم جواز الصلاة فيما تتم فيه الصلاة من الحرير كان معلوماً ومفروغاً عنه عنده، وهذا المسلَّم المفروغ عنه إنما هو في الرجال لأنه لا إشكال فيه ولم يسأل عنه، وإنما سأل عما لا تتم لاحتمال الفرق بينه وبين ما تتم في الحكم المسلم كما في باب النجاسات، فالسؤال عما لا تتم مختص بالرجال فلا يكون في الرواية إطلاق، ولا أقل من إجمالها وعدم إحراز إطلاقها للنساء، فالجواز للمرأة على طبق القاعدة.

وقد استدل صاحب الحدائق (قده) لعدم جواز صلاتهن في الحرير بعدة روايات، وذكر أن الأولى للصدوق أن يستدل بها:

منها: رواية جابر الجعفي قال: (سمعت أبا جعفر  (عليه السلام) يقول: ليس على النساء أذان إلى أن قال: ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير وفي غير صلاةٍ وإحرامٍ، وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد)[[3]].

فإنها واضحة الدلالة على عدم الجواز لها في الصلاة، إلا أن سند الرواية ضعيف لأن جميع من ذكر فيها عدا محمد بن زكريا البصري ما بين مجهول ومهمل.

ومنها: رواية زرارة قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط.. إلى أن قال: وإنما يكره الحرير المحض  للرجال والنساء)[[4]].

وهذه وإن لم يتعرّض فيها للصلاة ولكن حملها على مجرّد اللبس معارض بالأخبار المستفيضة والإجماع المدعآ في جواز لبس النساء للحرير في غير الصلاة، فلا يتم تحريم لبسه عليهن كما في الرجال، والأظهر حمل إطلاقها على الصلاة.

وهذا الاستدلال أيضاً لا يتم، لأن ظاهر الرواية أنها لبيان حكم اللباس في نفسه، فحملها على حكم الصلاة خلاف الظاهر، غايته الالتزام بأن النهي بالنسبة للنساء محمول على الكراهة الاصطلاحية بقرينة الترخيص لها في جواز اللبس، وأما النهي في الرجال فهو محمول على الحرمة لعدم الترخيص، والتعبير في ذيلها ب(يكره الحرير المحض للرجال والنساء) يراد منه حينئذٍ المعنى الجامع وهو ما ليس بمحبوب، هذا على أن في سندها موسى بن بكر.

ومنها: ما دلّ من الروايات على أنه لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير، وكل ما تجوز الصلاة فيه يجوز الإحرام فيه، إلا فيما تجوز الصلاة فيه، فجواز الإحرام في الثوب لازم لجواز الصلاة فيه إما مساوي أو أعم، فإذا ارتفع هذا اللازم ولم يجز الإحرام فيه يرتفع الملزوم لا محالة وهو جواز الصلاة فيه، وحيث لا يجوز الإحرام في الحرير للنساء فلا تجوز لهنّ الصلاة فيه.

والحاصل: أن كل ما يصلي فيه ويحرم فيه، فبعكس النقيض كل ما لايحرم فيه لا يصلي فيه، والحرير لا يحرم فيه، فإن تمت هذه الكلية وهي أن كل ما يصلي فيه يجوز الإحرام فيه، يتوقف الاستدلال حينئذٍ على حجية القضية في عكس نقيضها، وعلى المنع من لبس المرأة للحرير في الإحرام، وأما إذا جوزنا لبسها للحرير في الإحرام فحتى لو تمت حجية عكس النقيض فلا يتم الاستدلال لعدم جواز صلاتها في الحرير، وأما إذا لم تتم الكلية المذكورة فالاستدلال باطل من أصله.

فنقول: إن لبسها للحرير في الإحرام محل كلام، ولو سلمنا أنه غير جائز فالملازمة بين عدم جواز الإحرام في الثوب وعدم جواز الصلاة:

(تارة): يدعى أنها بين الصلاة والإحرام بالنسبة إلى كل مكلّف بشخصه كما هو الحال في السفر الموجب للقصر والإفطار في حق شخص ولعدمهما في حق شخص آخر.

فإذا كان هذا هو المراد يتم الاستدلال كما هو واضح، ولكن هذا لا يحتمل في المقام:

أولاً: لأنه خلاف ظاهر الرواية فإن ظاهرها أن كل ثوب يصلي فيه لا بأس بالإحرام فيه، فالموضوع الثوب في نفسه لا بالنسبة لكل شخص.

وثانياً: أن هذه الملازمة غير ثابتة، فإنه لو اضطر أحد إلى لبس الثوب النجس في الصلاة فهل يحتمل جواز الإحرام فيه، طبعاً لا.

وحينئذٍ فالمراد الثوب في نفسه وأن الحرير لم يرخص بالإحرام فيه بالنسبة لعامة المكلفين، فهو ليس مما تجوز الصلاة فيه  في نفسه ولو بالنسبة للرجال فلا يجوز الإحرام فيه، فالقضية على هذا أن كل ثوب لا يصلي فيه في نفسه بالنسبة لعامة المكلفين يجوز الإحرام فيه، وعكس النقيض لها أن كل ثوب لا يجوز الإحرام فيه لا يصلي فيه لعامة المكلفين، وهذا لا ينافي الجواز بالنسبة للبعض، فنفي جواز الإحرام يستلزم نفي الصلاة بالنسبة لعامة المكلفين، ومعلوم أن هذا مرتفع ولا محذور فيه، لأن الحرير لا تجوز الصلاة فيه للرجال ولا ينافيه الجواز للنساء، فصلاة النساء في الحرير لا يدل عكس النقيض على عدم جوازها وهي أجنبية عن الرواية بالمرة.

والمتحصل: أنه لا يتم الاستدلال لعدم جواز صلاة النساء في الحرير لا بالإطلاقات ولا بالأدلة الخاصة.

وقد يقال -كما ذكر في الجواهر-: (بأن إطلاق مثل صحيحة ابن عبد الجبار للمرأة، معارض بإطلاق ما دل على جواز لبسها للحرير حال الصلاة إن قريء (يصلى) بالبناء للمجهول، كما هو في الكافي والفقيه والتهذيب والوافي، نعم في الوسائل (تصلي)، والظاهر أنها مغلوطة، بل كونها (تصلي) لعله أظهر في الملازمة العامة التي ذكرناها، لأنّ السائل ليس امرأة، فالملازمة إذن تكون مطلقة لا شخصيّة، والتعارض بينهما بالعموم من وجه والترجيح للثاني، وكأن الوجه في الترجيح عمل المشهور مثلاً أو أنه بعد التساقط يرجع إلى أصالة عدم المانعية المقتضية للجواز ) انتهى.

إلا أن الظاهر عدم تمامية هذه المعارضة: لأنّ ما دل على عدم جواز الصلاة في الحرير ليس نهياً تحريمياً، بل هو إرشاد للمانعية، والأدلة المجوزة للبسها للحرير دلت على الجواز التكليفي، ولا معارضة بين جواز اللبس التكليفي ومانعيته عن الصلاة.

فما ذكره لا يكون إشكالاً على إطلاق أدلة المانعية.

والحاصل: أن إطلاق أدلة المانعية للمرأة غير تام لما ذكرناه، ولكنه لو تم فهل هناك ما يدل على الجواز لرفع اليد به عن ذلك الإطلاق أو لا ؟

الظاهر أنه على تقدير تمامية الإطلاق المذكور، فمع ذلك نلتزم بالجواز، وقد ذكر جماعة أنا نخرج عن الإطلاق ونلتزم بالجواز كالمحقق الهمداني بموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله  (عليه السلام) قال: (النساء يلبس (يلبسن) الحرير والديباج إلا في الإحرام)[[5]].

فإن استثناء الإحرام الذي يبتلي به بعض النساء مرة واحدة في العمر مع عدم استثناء الصلاة التي يبتلى بها عامة المكلفين نساء وغيرهم في كل يوم، هذا أقوى دليل على جواز الصلاة فيه، وعلى تقدير تسليم عدم دلالة هذا إلا بالإطلاق والظهور يتعارضان ويتساقطان والمرجع أصالة عدم المانعية وإطلاق أدلة الساتر.

إلا أن الاستدلال بهذه الرواية لا يتم لأنها مرسلة، وكون ابن بكير من أصحاب الإجماع لا ينفع، فإن كونه من أصحاب الإجماع غايته أنه هو ثقة ولا يدل على وثاقة من بعده من السند فإن أصحاب الإجماع هم ثقاة وفقهاء.

ودعوى: اعتبار الرواية لوجود أحمد بن محمد الظاهر في ابن عيسى وهو لا يروي عن الضعفاء.

مدفوعة: بأنّ معنى (لا يروي إلا عن الثقة) -وإن ثبت أنه روى عن غير الثقة-: معناه أن الذي بعده مباشرة ثقة، لا أن جميع من في السند بعده ثقة، فالرواية مرسلة لا يصح الاستدلال بها والخروج بها عن إطلاق المانعية لو تم.

نعم في موثوقة سماعة المتقدمة حيث قال: (لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة فأما في الحر والبرد فلا بأس)[[6]]، فقد ذكر في الحدائق بأن فيها إشعاراً ما بعدم جواز لبسه في الصلاة لذكر الحر والبرد، مع أن ذكر الصلاة أولى، وذكر غيره عكس ذلك، وأنها مشعرة بالجواز إذ لولا ذلك لاستثنى الصلاة كما استثنى الإحرام، فيراد بالحر والبرد ما عدا حال الإحرام من سائر الأحوال الشامل لحال الصلاة.

وهذا وإن كان غير بعيد، إلا أنه يمكن أن يقال بأن الرواية غير ناظرة إلى الحكم الوضعي والمانعية، بل هي ناظرة إلى الحكم التكليفي وأنه لا يجوز لها لبس الحرير وهي محرِمة، لا بمعنى أنه معتبر في الإحرام بل المراد أنها بعدما كانت محرمة يحرم لبس الحرير لا أن الإحرام يبطل، وإلا فتروك الإحرام لا يوجب شيء منها بطلان الإحرام إلا مثل الجماع، بل هذه التروك واجباتٌ نفسيّة.

فالرواية ناظرة إلى الحكم التكليفي وقد استثنت الجواز حال الإحرام فهي أجنبيّة عن جواز الصلاة وعدمها، فهذه أيضاً لا يخرج بها عن إطلاقات المانعيّة لو تمت.

فالذي يمكن أن يقال للخروج عن تلك الإطلاقات لو تمت:

أن السيرة القطعيّة قائمة على ذلك، فإن لبس الحرير كان جائزاً للنساء قطعاً ولم يخالف في ذلك أحد، وقد جرت السيرة على أنها تصلي بلباسها، ولم يكن متعارفاً أن المرأة إذا أرادت أن تصلي تنزع لباسها وتلبس لباساً آخر بل لباسها العادي كانت تلبسه في الصلاة وغيرها ولو كان غير ذلك لظهر وبان وكان من الواضحات، مع أنه لم يقل أحد من القدماء بعدم جواز لبسه في الصلاة، بل لو كان مانعاً من الصلاة لكان أولى بالذكر مما لا يؤكل لحمه الذي هو قليل الابتلاء، ومع ذلك نبهوا (عليهم السلام) على عدم جواز لبسه، فهذا يدل على عدم الحرمة، وهذه السيرة هي أقوى دليل على الجواز.


 

[[1]] الوسائل م3 ب16 لباس المصلي ح4.

[[2]] خصوصاً وأنه يحتمل الاختصاص بالرجل قوياً، لأنه قد ثبت عدة أحكام مختصة بكل منهما، فلعلّ هذا منها.

[[3]] الوسائل م3 ب16 لباس المصلي ح6.

[[4]] الوسائل م3 ب 13 لباس المصلي ح5.

[[5]] الوسائل م3 ب 16 لباس المصلي ح3.

[[6]] الوسائل م3 ب 16 لباس المصلي ح4.

رجوع