الكلام في جعل البطانة من الحرير ،

وفروع ترقيع الثوب

___________________________

ولا بزرّ الثياب وأعلامها والسفائف والقياطين الموضوعة عليها وإن تعددت وكثرت 1).

(مسألة 27): لا يجوز جعل البطانة من الحرير للقميص وغيره وإن كان إلى نصفه، وكذا لا يجوز لبس الثوب الذي أحد نصفيه حرير، وكذا إذا كان طرف العمامة منه، إذا كان زائداً على مقدار الكف(2) بل على أربع أصابع على الأحوط.

(مسألة 28): لا بأس بما يرقع به الثوب من الحرير إذا لم يزد على مقدار الكف، وكذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير وبعضها غير حرير إذا لم يزد عرض الطرائق من الحرير على مقدار الكف، وكذا لا بأس بالثوب الملفق من قطعٍ بعضها حرير وبعضها غيره بالشرط المذكور(3).

___________________________

(1)   ظهر مما تقدم حال كثير من الفروع المترتبة على ذلك كالرقعة بقطعة حرير، والمدار في الكل على كون الحرير الموجود في الثوب مما تتم به الصلاة، وكذلك طرف العمامة ولا خصوصية له بنفسه، وكذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير وبعضها غير حرير، وكذا الثوب الملفق مع قطع بعضها حرير، فقد ظهر حال هذه الفروع كلها.

(2)   وهذا أيضاً قد ظهر حاله، لأن البطانة بنفسها ثوب قابل لأن يلبس وتتم به الصلاة، حتى لو كان إلى نصفه بلا فرق بين النصف الفوقاني والتحتاني، وإن صرّح بعضهم بالجواز في النصف التحتاني لأنه لا يصدق عليه أنه ملبوس تام، ولكن هذا غير صحيح لصدق اللباس عليه وكونه مما تتم به الصلاة.

ودعوى: أن الظاهر من الروايات كون الحرير مستقلاً في اللبس لا وجه لها، لأن العبرة كما عرفت بصدق اللبس وصدق أنه صلى في الحرير، مستقلاً كان أو غير مستقل.

(3)   هذا قد علم حاله مما تقدم في الفروع السابقة.

___________________________

 (مسألة 29): لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته وبطانته عوض القطن ونحوه، وأما إذا جعل وصلة من الحرير بينهما فلا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه(1).

___________________________

 (1)   الكلام في الحشو بالحرير:

(تارةً) : فيما إذا كان الحرير قطعة قابلة للبس بنفسه، فهذا غير جائز لأنه ثوب غايته، أنه مستور فيصدق لبس الحرير والصلاة فيه.

(وأخرى): فيما إذا كان الحشو بنفس مادة الحرير بدون نسج بحيث لا يسمى ثوب حرير ويجعل بين الظهارة والبطانة، ولم يتعرضوا لهذا، وكان أول من صرح بجواز الحشو هو الشهيد ونسب إلى غيره، والصدوق ذكر الرواية الدالة على الجواز في القز وحملها على قز الماعز لا قز الأبريسم، فكأنه قائل في الحرير بعدم الجواز.

وكيف كان لم يظهر من القدماء الجواز والمنع.

فلا بد من النظر للدليل والروايات وهي عديدة:

منها: صحيحة الريّان بن الصلت قال: (سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود، فقال: لا بأس بهذا كله إلا بالثعلب)[[1]].

والاستدلال بها على الجواز مبني على ما تقدم من أن المانع من الصلاة هو ما كان محرماً، وتقدم أنه لا أساس لهذا بل هما لا ارتباط بينهما.

ومنها: صحيح الحسين بن سعيد قال: (قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز فكتب إليه قرأته: لا بأس بالصلاة فيه)[[2]]، وهذه الرواية تعرض لها في المعتبر، واعترض عليها -كما في الحدائق- بضعف السند لأن الحسين بن سعيد لم ينقلها عن راوي، بل عن كتاب لم يعلم صحة نسبته لراويه.

واعترض عليه المتأخرون بأنه لا يعتبر في صحة الرواية أن تكون عن سماع بل يكفي كونها عن كتاب، وظاهر كلام الحسين بن سعيد أنه جازم بأن الكتاب لمحمد بن إبراهيم وأن الإمام كتب إليه بكذا، وبعضهم ذكر أن المحقق ذكر رواية إبراهيم بن مهزيار وهذا سهو، والذي ذكره المحقق هو هذه.

ومنها: رواية إبراهيم بن مهزيار أنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) (الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزاً هل يصلي فيه ؟ فكتب: نعم لا بأس به)[[3]].

وهذه في سندها إبراهيم وقد تقدم الكلام فيه وأنه صحيح لوروده في كامل الزيارات.

فيقع الكلام: في أنه هل يمكن الاستدلال بهذه الروايات على جواز جعل الحرير حشواً أو لا ؟

فنقول: الموضوع فيها هو القز، فحمله على قز الماعز كما فعل الصدوق وإن كان خلاف الظاهر، إلا أن القز غير الحرير، فإن لفظ (القز) معرّب لا عربي والظاهر أنه يعبر به عن المادة الأصلية قبل صيرورتها حريراً وقبل تسميتها بهذا الاسم.

وعليه فهذه الروايات لا تدل على الجواز فيه إلا بدعوى أنه هو والقز سواء كما دلت على ذلك بعض الروايات:

منها: رواية العباس بن موسى عن أبيه  (عليه السلام) قال: (سألته عن الإبريسم والقز، قال: هما سواء)[[4]]، وفي الوسائل عن أبيه (عليه السلام) فكأنه موسى بن جعفر (عليه السلام)، وفي الكافي كذلك وهذه الرواية تدل على تساويهما في الحكم فإذا جاز في القز جاز في الحرير.

إلا أن الرواية ضعيفة السند لأن العباس بن موسى وإن كان ابن الإمام بل قد ورد في العباس ابن الإمام ذم، نعم ذكر المفيد أن أولاد الإمام لكل واحد منهم منقبة وهذا لا يدل على التوثيق، وفي بعض نسخ رجال الشيخ توثيق  صرح به، ولكنه سهو لأن من ذكره ونقل عن الشيخ لم يوثقه لا سيما ابن داود الذي ذكر أنه رأى نسخة الشيخ بخطه، وإن كان غيره كما في الكافي -وهو المطمأن به- وأن ابن موسى الوراق الذي يروي عنه محمد بن علي بن محبوب ويروي هو عن الرضا (عليه السلام) فهذا ثقة ولكنه يروي عن أبيه وأبوه مجهول، ولو لم يكن أبوه مجهولاً فليس من أمثال زرارة لتقبل روايته مع كونها مضمرة.

فلا يخرج عن الروايات الدالة على المنع وعدم الجواز بهذه الروايات المتقدمة في القز، ولكنه بعد هذا يمكن أن يقال أن المستفاد من الروايات المانعة عن لبس الحرير أو الناهية عن الصلاة في الحرير، المراد منها ما يشمل القز، فلو ثبت جواز الحشو بالقز ثبت في الحرير بمناسبة الحكم والموضوع، فإن الحرير قبل التصفية يجعل حشواً ويسمى حريراً كما هو الحال في الصوف حيث يجعل حشواً قبل تصفيته إذا أريد جعله حشواً، ومن هنا يظهر أنه لا يجوز لبس المنسوج من القز بدعوى أنه ليس بحرير فإنه حرير قبل التصفية.

والحاصل: أن الحشو بالحرير يجوز بهذه الروايات.

ولو قطعنا النظر عن هذه الروايات فالأصل هو الجواز، لا لأن النهي عن لبس الحرير يختص بلبس المنسوج، فإنه غير تام جزماً لإطلاق الروايات، ولاحتمال أن المنهي عنه هو خصوص اللباس، فما لا يصدق عليه اللباس لا يمنع لبسه، ثم نهى عن الصلاة في الحرير ولم يقيده بأنه لباس، والظرفية تتحقق بظرفية المصلي للحرير، فالجواز ليس لأجل هاتين الجهتين بل لأن الممنوع هو الحرير الذي تتم فيه الصلاة لمقتضى رواية الحلبي المتقدمة، والحشو وهو الحرير غير المنسوج لا تتم فيه الصلاة، لأن نفس المادة لا تستر العورة.

عصابة الجروح والقروح إذا كانت من الحرير ، وفروعها

___________________________

 (مسألة 30): لا بأس بعصابة الجروح والقروح، وخرق الجبيرة، وحفيظة المسلوس والمبطون، إذا كانت من الحرير(1).

___________________________

(1)   هذه قد ظهر حالها وأنها لا تتم الصلاة فيها.

 


 

[[1]] الوسائل م3 ب5 لباس المصلي ح2.

[[2]] الوسائل م3 ب47 لباس المصلي ح1.

[[3]] نفس الباب السابق ح4.

[[4]] الوسائل م3 ب11 لباس المصلي  ح4.

رجوع