حكم الصلاة في الحرير فيما لو اضطر إلى لبسه

___________________________

(مسألة 36): إذا شك في ثوب أنه حرير محض أو مخلوط، جاز لبسه والصلاة فيه على الأقوى.

(مسألة 37): الثوب من الأبريسم المفتول بالذهب لا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه (1).

(مسألة 38): إذا انحصر ثوبه في الحرير فإن كان مضطراً إلى لبسه لبرد أو غيره فلا بأس بالصلاة فيه وإلا لزم نزعه، وإن لم يكن له ساتر غيره فيصلي حينئذٍ عارياً، وكذا إذا انحصر في الميتة أو المغصوب أو الذهب، وكذا إذا انحصر في غير المأكول، وأما إذا انحصر في النجس فالأقوى جواز الصلاة فيه(2) وإن لم يكن مضطراً إلى لبسه، والأحوط تكرار الصلاة، بل وكذا في صورة الانحصار في غير المأكول فيصلي فيه ثم يصلي عارياً.

___________________________

(1)   الأمر كما ذكر، ولكن لا من جهة الحرير لأنه ليس بمحض بل من جهة الذهب إذا صدق لبس الذهب، فهذه المسألة من فروع الذهب.

(2)   الكلام هنا:

(تارة): فيما لو كان مضطراً إلى اللبس في مجموع الوقت.

(وأخرى): فيما لو كان  مضطراً في بعض الوقت.

فإن كان مضطراً في مجموع الوقت: فلا إشكال في سقوط الحرمة والمانعية، لأنه يدور الأمر بين أن لا يصلي أصلاً لوجود هذا المانع أو يصلي في الحرير، وبما أن الصلاة لا تسقط فيصلي في الحرير حيث لا يتمكن من تركه لفرض الاضطرار إليه.

وأما إذا كان مضطراً في بعض الوقت فبناءً على تفرع المانعية على الحرمة جازت الصلاة فيه حين الاضطرار لارتفاع الحرمة حينئذٍ.

وأما إذا لم نقل بذلك -كما لم نقل به- فسقوط الحرمة في بعض الوقت لا يوجب سقوط المانعية مع فرض أن المأمور به هو الطبيعي الجامع بين الحدين المبدأ أو المنتهى فلا تجوز الصلاة فيه.

نعم لو انتهى اضطراره ولم يكن عنده ساتر غيره، فيدور الأمر حينئذٍ بين أن يصلي فيه عند الاضطرار أو يصلي فيما بعد عارياً، وذكر الماتن أنه ينزعه ويصلي عارياً في جملة من الفروع، سواء دار الأمر بين الحرير والعاري، أو بين لبسه الميتة والصلاة عارياً، أو بينه وبين لبس غير المأكول ما عدا المتنجس وهذا هو المعروف والمشهور.

وقد نوقش في ذلك: بأن الصلاة مع الحرير أولى من الصلاة عارياً، من جهة أن صلاة العاري تستلزم فوات الركوع والسجود من جهة أن يصلي حينئذٍ إيماءً من جهة المحافظة على ستر العورة، وهما في نظر الشارع أهم من ترك لبس الحرير.

والكلام: (تارة): فيما لو كانت المانعية مترتبة على الحرمة بحيث يدور الأمر بين الحرمة والصلاة عارياً، كالثوب المغصوب بناء على أن حرمة الشرط لا تسري إلى المشروط فلا يكون هناك مانعية، أما لو قلنا بالسريان فيكون هناك مانعية ولكنها ليست استقلالية، بل إذا سقطت الحرمة سقطت المانعية.

(وأخرى): فيما لو كانت المانعية مستقلة، بأن كان الشيء مانعاً ولو لم يكن حراماً، فالأمر دائر بين الصلاة عارياً وبين لبس المانع بلا تحريم كما فيما لا يؤكل، ويلحق به الميتة إذا قلنا بجواز الانتفاع بها كما هو الصحيح.

(وثالثه): فيما لو كانت المانعية مستقلة وكان مع ذلك حراماً فهو مانع ومحرم كلبس الحرير والذهب للرجال.

أما القسم الأول: وهو فيما كانت المانعية مترتبة على الحرمة فكالصلاة في المغصوب، فإنه لم يقم دليل شرعي لفظي على اعتبار الإباحة في الصلاة، بل هي مستفادة من دليل حرمته لأن الحرام لا يكون مصداقاً للواجب، ويترتب على ذلك مانعيته عن الصلاة.

ففي مثل ذلك لو دار الأمر بين أن يصلي عارياً أو في المغصوب، فليس هذا من موارد التعارض بل هو من موارد التزاحم، إذ لا تعارض بين الدليلين لأن كلاً منهما مجعول، فإن حرمة الغصب ثابتة والأمر مع التمكن مجعول، فلا تعاند بينهما ولا يلزم من ثبوت أحدهما في مرحلة الجعل نفس الآخر، وهو متمكن من التستر إلا أنه محرم.

فيقع التزاحم حيث لا يتمكن المكلف من امتثال كلا الحكمين، فهو تنافٍ في مرحلة الامتثال، ولا إشكال في تقديم حرمة الغصب فيصلي عارياً، لأن التحريم تحريم مطلق حيث أن القدرة المعتبرة في جانب التحريم عقلية، بخلاف الأمر بالتستر فإنها من قيود الصلاة، وجميع قيود الصلاة اختيارية تسقط عند العجز، فالقدرة فيه قدرة شرعية، والحرمة صالحة لتعجيز المكلف عن الركوع والسجود لأن الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً.

فإذا كان التحريم فعلياً، فالمكلف لا يتمكن من اللباس ولا يكون واجداً له، فلا بد وأن يصلي عارياً مومياً للركوع والسجود لتحقق موضوعه وهو عدم وجدان الثوب، ولا يحتمل تقديم الركوع واختيار الصلاة في الثوب المغصوب.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره في مفتاح الكرامة من أن المزاحمة ليست بين المانعية وترك الشرط، بل إن المانعية وترك الركوع والسجود حيث شرعية لو ترك المانع، فلا بد من الإيماء لهما ويتركهما، فيثبت المزاحمة بين ترك التستر والإتيان بالمانع، بل بين ترك التستر وترك الركوع، والركوع في نظر الشارع، فلا تقدم الصلاة عارياً.

وهذا توضيح الإشكال الذي أشرنا إليه آنفاً.

إلا أن هذا الإشكال لا يتم، لأن الأهمية إنما تكون مرجحة فيما لو كان الواجبان مشروطين بالقدرة عقلاً، أما إذا كان أحدهما مشروطاً بالقدرة شرعاً والآخر عقلاً، فلا محالة يتقدم المشروط بالقدرة عقلاً ويرفع موضوع الآخر تشريعاً، فهو غير قادر على الركوع شرعاً للحرمة من جهة العورة، فلا يكون واجباً ولا مجال لتقديمه.

وأما القسم الثاني: وهو كون المانعية مستقلة مع عدم التحريم:

فهو كمانعية لبس غير المأكول في الصلاة، فيدور الأمر هنا بين الصلاة مع ما لا يؤكل والمحافظة على الركوع والسجود، وبين الصلاة عارياً بإلغاء الركوع والسجود حينئذٍ وترك الشرط وهو التستر.

وهذه المسألة أدرجوها في باب التزاحم بين الركوع والمانع -ومنهم النائيني- ودليل الركوع أهم أو محتمل الأهمية فيقدم.

ولكن الصحيح دخولها في باب التعارض، لأن التنافي ليس في مرحلة الامتثال بل في مرحلة الجعل، لأن التكليف بالصلاة تكليف واحد لا تكاليف متعددة، فالأمر بالركوع والسجود وغيرهما حصص لأمر واحد متعلق بالمجموع.

وهذا الأمر قد سقط يقيناً بتعذر بعض أجزاء الكل، لأنه إذا لبس فقد أتى بالمانع، وإلا فقد ترك الشرط وهو التستر وترك الركوع والسجود، فالمركب حيث لا يتمكن منه قد سقط جزماً، ولا يحتمل فيه التعارض والتزاحم.

ولكن من جهة العلم الخارجي بأن الصلاة لا تسقط بحال والأدلة الخاصة، علمنا بعدم سقوط الصلاة، فيقع الكلام بعد سقوط هذا الأمر في تعيين ما هو الواجب بعد تعذر البعض، هل هو الصلاة مع الركوع مع فوات شرط التستر أو الصلاة عارياً ولو بلا ركوع ؟ وهذا تكليف آخر غير التكليف الأول.

ولا علم لنا بوجوب أحدهما، فأحدهما مجهول وهو مشكوك، فالشك في مرحلة الجعل فهو من التعارض، فإن مقتضى إطلاق دليل الركوع عدم سقوطه عن الجزئية، ولازم ذلك أن لا يكون لبس الميتة مانعاً، ومقتضى إطلاق دليل المانعية التحفظ عليها والصلاة عارياً، ولازم ذلك سقوط الركوع والسجود، فيتعارض الإطلاقان ونشك في أيهما المجعول فهو من موارد التعارض.

وقلنا إنه في مثل هذه الموارد يتقدم ما دليله لفظي، فإذا كان فيهما إطلاق يسقط الإطلاقان، ويرجع إلى الأصل، وإذا علمنا إجمالاً بوجوب أحدهما بالخصوص فلا بد من التكرار، وإذا لم يكن لنا علم إجمالي كذلك تجري البراءة عن خصوصية كل منهما، والنتيجة هي التخيير.

هذا ما ذكرناه في كبرى التعارض في أجزاء واجب واحد، ومقامنا من قبيل ما كان لأحدهما إطلاق دون الآخر، فإنه:

(تارة): يلاحظ دليل المانعية مع دليل وجوب التستر.

(وأخرى): يلاحظ مع دليل وجوب الركوع.

فإن لوحظ مع دليل التستر: فدليل التستر لا إطلاق له بالنسبة للميتة أو لما لا يؤكل، لأن روايات الميتة وما لا يؤكل كما تدل على المانعية تدل على تقيد أدلة الشرطية بغير الميتة مثلاً لأنه ممنوع والمانع شرط، فالدليل اللفظي يقيد دليل التستر بغير الميتة، فلا إطلاق له يشمل المقام، فدليل المانعية بلا معارض فيتمسك به، ومقتضاه أن لبس الميتة في هذا الحال ممنوع فهو فاقد للباس، ودليل وجوب التستر ساقط لأنه مقيد بمن وجد الثوب حسب الفرض فيصلي عارياً.

وأما إذا لوحظ دليل المانعية مع دليل الركوع: فالأمر أيضاً كذلك، لأن دليل الركوع مقيد بما إذا صلى المكلف بلباس، فالمكلف الذي له لباس يجب عليه الركوع، فمن صلى عارياً فليست وظيفته الركوع بل الإيماء، فدليل الركوع مقيد بمن كانت وظيفته التستر في الصلاة، فدليل المانعية حاكم على دليل وجوب الركوع والسجود ورافع لموضوعه.

وأما القسم الثالث: الجامع للأمرين:

فيظهر حاله مما تقدم في القسمين لأنه واجد لكلتا الخصوصيتين الحرمة والمانعية.

رجوع