الكلام في دوران الأمر بين أحد الممنوعات من النجس وغير المأكول

___________________________

 (مسألة 39): إذا اضطر إلى لبس أحد الممنوعات من النجس، وغير المأكول، والحرير، والذهب، والميتة، والمغصوب، قُدّم النجس على الجميع، ثم غير المأكول، ثم الذهب والحرير ويتخيّر بينهما(1)، ثم الميتة، فيتأخر المغصوب عن الجميع.

___________________________

(1)   وهنا أيضاً يمكن تقسيم هذه المسألة إلى صوَر:

الصورة الأولى: دوران الأمر بين ارتكاب أحد مانعين من دون ارتكاب محرم أي ما هو محرم بنفسه بقطع النظر عن الاضطرار، كدوران الأمر بين لبس غير المأكول ولبس الميتة بناءً على جواز استعمال الميتة.

وقد تحصل مما تقدم: أن هذا من موارد التعارض لأن التكليف الواحد لا يمكن فرض التزاحم في أجزائه لسقوطه بالتعذر، فيكون المجعول أمراً جديداً يدور أمره بين اثنين، وحيث أن المانعية فيهما ثابتة بالإطلاق، يسقط الإطلاقان بالتعارض ويرجع إلى أصالة البراءة عن خصوصية كل منهما، والنتيجة هي التخيير ولا يجوز الجمع بينهما قطعاً.

والماتن في كلامه قدم الذهب والحرير على الميتة ولم يظهر له وجه، مع أن الحرير مضافاً إلى المانعية محرّم في نفسه.

الصورة الثانية: أن يدور الأمر بين المانع والحرام فقط بلا مانعية أو مانعيته تابعة للحرمة، وهذا المورد من موارد التزاحم، إذ جعل التكليفين في نفسهما لا مانع منه، وكل منهما مشروط بالقدرة، وهو لا يتمكن من امتثالهما معاً، فلا بد من سقوط أحدهما لعدم القدرة، والترجيح للتحريم، فيرتكب المانع ولا يرتكب الحرام، لأن القدرة المعتبرة في أجزاء الصلاة شرعية، وفي طرف الحرمة عقلية، والحرمة تصلح معجزاً عن شرط الصلاة فلا يكون قادراً شرعاً على ترك المانع فيسقط عن المانعية، وقد تقدم أن ما أخذ فيه القدرة عقلاً مقدم.

الصورة الثالثة: أن يدور الأمر بين حرامين، إما مع المانعية أو بدونهما، كدوران الأمر بين ثوب الحرير وثوب الذهب وكل منهما حرام ومانع، أو كالدوران بين ثوب الحرير والمغصوب.

فبالنسبة للتحريم كل منهما مشروط بالقدرة عقلاً، فمع عدم التمكن تسقط الحرمة في أحدهما، فيدور الأمر بين ارتكاب أحد الحرامين، فكل منهما مجهول لكنهما يتزاحمان، فهل تقدم حرمة الغصب أو حرمة لبس الحرير، بقطع النظر عن الصلاة لأنه لا بد من أحدهما لفرض الاضطرار.

والصحيح: أن تقدم حرمة الغصب، فيحرم الثوب المغصوب ويلبس الثوب الحرير، لأن لبس الحرير وإن كان محرماً أيضاً إلا أنا نقطع بأهمية حرمة الغصب أو نحتملها، لأن فيه مضافاً إلى الحرمة المحافظة على حقوق الناس، بخلاف ثوب الحرير فإنه ليس فيه إلا حق الله تعالى.

وأما في صورة الدوران بين الذهب والحرير اللذين فيهما الحرمة والمانعية، فهنا يتخير إذ من جهة المانعية فهو تعارض، ومن جهة الحرمة هو تزاحم، ففي هذه الصورة جهتا التعارض والتزاحم، وفي فرض التزاحم لا مرجح ولا احتمال أهمية ولا وجه لتقديم أحدهما، لأن كلاً منهما محرم شرعي ولكن يتمكن  من تركهما فيتخير.

وأما بالنسبة للمانعية فكذلك هما مطلقان فيسقط الإطلاقان ويرجع للبراءة عن خصوصية كل منهما، والنتيجة هي التخيير.

رجوع