الكلام في طرف الثوب الطويل غير المتحرك بحركات المصلي إذا كان نجساً أو حريراً أو مغصوبا أو نحو ذلك

___________________________

 (مسألة 49): إذا لبس ثوباً طويلاً جداً وكان طرفه الواقع على الأرض غير المتحرك بحركات الصلاة نجساً أو حريراً أو مغصوباً  أو  مما لا يؤكل، فالظاهر هو عدم  صحة الصلاة  ما  دام  يصدق انه لابس ثوباً  كذائياً،  نعم لو  كان بحيث لا يصدق لبسه بل يقال لبس هذا الطرف منه -كما اذا كان طوله عشرين ذراعاً وليس بمقدار ذراعين منه أو ثلاثة وكان الطرف الآخر مما لا تجوز الصلاة فيه- فلا بأس به (1).

___________________________

 (1)   أما ما ذكره ثانياً فمما لا اشكال فيه، فإنه اذا لم يصدق أنه صلى في الثوب المتنجس كما هو المفروض، كان المقدار الذي يصلي فيه والمقدار الخارج عن اللباس الذي لم يلبسه يعدان بحسب النظر العرفي كأنهما قطعتان، أحداهما متصلة بالأخرى بالخياطة أو بغيرها، نظير ما لو خاط ثوبه بفراشه المتنجس فإنه عرفاً لا يكون فراشه جزءاً من ثوبه، وإنما هو موجود آخر متصل باللباس.

واما الجزء الأول من كلامه: فإنما يتم في اللباس المتنجس، فإن موضوع الحكم الثوب الذي أصابه نجس، هذا لا يصلي فيه، فنجاسة جزء من الثوب مانعة من الصلاة، فلو أن الثوب طويل على نحو يصدق عرفاًانه لابس للثوب النجس، فالصلاة لا تتم وهذا صحيح.

ولكن بالنسبة للمغصوب لم يدل دليل على بطلانها في ثوب كان بعض أجزائه مغصوباً، وانما قلنا بالبطلان في المغصوب اذا قلنا بأن الغصب متحد مع الحركات الصلاتية، لأن ما يكون محرماً من الحركات الصلاتية حينئذ لا يكون مأموراً به لإستحالة اجتماع الأمر والنهي، والمنهي عنه لا يكون مصداقاً للواجب.

فيقال حينئذ: أن لباس المصلي لا بد وان يكون مباحاً فالدليل هو هذا.

وعلى هذا المبنى: فالممنوع إنما هو ما كان متحداً مع الحركات الصلاتية حتى لو كان محمولاً، واما اذا كان المغصوب منفصلاً عن الصلاة ولا يتحرك بالحركات الصلاتية، هذا محرم من جهة استيلائه عليه، وأما الإتحاد معها فليس حاصلاً ولم يرد نص ان الثوب الذي بعض أجزائه غصب لا تجوز الصلاة فيه، نعم لا يجوز لبسه

وأما البطلان: فلا، لعدم اتحاده مع الصلاة، لأن هذا هو الدليل حتى لو صدق  انه لابس لثوب مغصوب فمع ذلك لا تبطل الصلاة.

أما بالنسبة للحرير والذهب: فالممنوع هو لبس الحرير أو الذهب فلا بد من أن يصدق أنه لبس الحرير أو الذهب، واللبس لا يصدق في المقام، لأنه إنما يصدق اذا كان الشيء مشتملاً على البدن، وهذا الثوب لبس بعضه لا كله.

نعم لبس ثوباً مقدار منه حرير، ولكن ذلك المقدار غير ملبوس، فما الدليل على حرمة مثل هذا اللبس، فإن لبس الحرير حرام، وأما لبس ثوب بعض أجزائه حرير فلا دليل عليه.

وكذلك لا تبطل الصلاة فيه لأن الممنوع الصلاة في الحرير أو الذهب، وقد تقدم في اللباس المشكوك أن صدق الصلاة فيه كونه ظرفاً لها بعناية  أنه ظرف للمصلي، باعتبار أنه مشتمل على المصلي، وإلا فأي معنى للصلاة فيه.

وهنا ليس الحرير ظرفاً للمصلي لعدم الإشتمال وبأي عناية يقال صلى في الحرير، فالظاهر هو هذا التفصيل، وما ذكره لا نعرف له وجهاً لا سيما في المغصوب.

الصلاة فيما يستر ظهر القدمين كالجورب ونحوه

___________________________

 (مسألة 50): الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا يغطي الساق كالجورب ونحوه(1)

___________________________

(1)   اختلفت كلماتهم في هذه المسألة على قولين، فعن الأكثر الجواز، واختلف القائلون بالجواز.

فعن الشيخ وابن حمزة، بل نسب الى المشهور بين المتأخرين: القول بالكراهة، وعن الشيخين في المقنعة والنهاية وابن البراج والفاضلين وغيرهم: القول بحرمة ذلك في الصلاة.

واستدل على ذلك في المعتبر كما حكي عنه: ( ولا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم وليس له ساق كالنعل السندي والشمشك، قاله الشيخان في المقنعة والنهاية ومستند ذلك فعل النبي(ص) )، والظاهر أن هذه النسخة غلط، والصحيح عدم فعل النبي (ص).

وفيه: أنا لا نجزم بأن النبي(ص) لم يفعل، فلعله فعل ولم يعرف، على أنه لو سلمنا أنه لم يفعل فذلك لا يدل على عدم الجواز بل هو أعم منه، والا لحرمنا جملة من الأشياء لأنها مما لم يفعلها النبي (ص) ولم يصلّ فيها لعدم وجودها في زمانه، ومن المعلوم أنه لا يجب عليه أن يصلي بجميع ما في العالم ليثبت حليته، فعدم فعله يكشف عن عدم الوجوب في الصلاة لا عن حرمته فيها، فالإستدلال المذكور ساقط.

ومنه يظهر فساد الإستدلال بقوله (ص): (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فإن هذا الحديث بالإضافة الى أنه لم يثبت عندنا، فالمراد منه ما يكون فعلاً من افعال الصلاة كالطهارة والإستقبال وغيرها، لا كل ما لم يفعله حتى يستدل به للمقام، فلا دليل على الحرمة.

ورواية سيف بن عميرة: (لا يصلى على جنازة بحذاء)[[1]]، فضلاً عن ضعفها فهي غير معمول بها في موردها، اذ لا بأس بالصلاة على الجنازة في الحذاء وذلك خلاف الرواية، ولا دليل على الكراهة أيضاً سوى ما عن المختلف عن ابن حمزة: (أنه عدّ النعل السندي والشمشك فيما تكره الصلاة فيه)[[2]].

ولكن ذلك لا يثبت المدعى لعدم معلومية المراد منهما، فلعل المنع كان لأنهما  يمنعان من السجود او لعدم وقوع ابهام الرجل معهما على الأرض.

وقد يستدل للكراهة: بقاعدة التسامح في أدلة السنن بتعديها الى المكروهات.

وفيه: أولاً: أن أصل القاعدة لو سلمت لا يثبت بها الاستحباب، لعدم استكشاف الأمر من استحقاق الثواب، بل الثواب يثبت بحكم الفعل من باب الإنقياد حتى لو لم يكن هناك أمر.

وثانياً: أنه لو سلمنا اثباتها للأمر الإستحبابي، فبأي دليل نتعدى للكراهة، فإن  القاعدة بلوغ ثواب على عمل لا بلوغ قزازة في الفعل.

وثالثاً: أنه لم يعلم تحقق البلوغ بمجرد الفتوى.

والحاصل: أنه لا دليل على الكراهة، نعم لا بأس بالإحتياط الإستحبابي ولو لاحتمال مبطليته واقعاً.


 

[[1]] الوسائل م2 ب26 صلاة الجنازة ح1.

[[2]] الوسائل م3 ب 38 لباس المصلي ح6.

رجوع