المَدْخَل

الولاية والحريّة

الولاية على شيء مقابلة لعدم قدرة ذلك الشيء على التصرف:

إما تكوينا: كما هو حال الموجودات الخارجية، فإن التصرف فيها وإيجادها بأيّ شكل من الأشكال مَنُوط بغيرها.

وإما تشريعًا: كالولاية على الإنسان، سواء في ذلك ولاية الإنسان على نفسه أو ولاية غيره عليه.

فهذا العنوان -عنوان (الولاية)- مع عنوان (الحرية) بالنظر البَدْوي نقيضان، إذ لا يمكن أن نفترض حُرًّا في تصرفاته، وفي الوقت نفسه ليس حُرًّا بل عليه ولاية من قِبل آخر.

الحريّة

فالحريّة في الإنسان ليس لها إلا جانب واحد، فهو حرّ في تفكيره وعقيدته وسائر تصرفاته و أفعاله الاختيارية.

وهذه الحرية من الأوصاف النفسية التي جعلها الله تبارك وتعالى للإنسان، وجعل اختياره بِيَده، لتكون لله الحُجّة البالغة، وحيث إنّ الإنسان محدود بوجوده وقدراته شأن كلِّ ممكن، فصفاتُه محدودة لا تزيد عليه، لأنّ زيادة الوصف على الموصوف من الأمور المستحيلة كما هو واضح.

وتحديد هذه الصفات، من الحرية، والاختيار، والقدرة، جعلها فيه خالقه وخالق كل الكون جلّ شأنه، بالحدود المناسبة له.

هذه هي الحرية بشكل عام. 

الولاية

وأما الولاية: فلابد فيها من التفكيك بين أمور:

الأول: الولاية في التكوين.

الثاني: الولاية على التشريع.

الثالث: الولاية التشريعية.

فالولاية التكوينية: هي تولّي أمور الموجودات والكون بأَسْره بما فيه الإنسان؛ والوليُّ الحقيقي في ذلك هو خالق الكون ومبدعه -عزَّ اسمه-. 

وأما الولاية على التشريع: فهي تولّي جعل القوانين للموجودات الكونية وللموجودات العاقلة كالإنسان.

وأما الولاية التشريعية: فهي محل الكلام:

وهي الولاية التي جُعِلَتْ في ضِمْن دائرة التشريع، وظرْف وجودها هو الشريعة الإسلامية، فهي تتبع دائرتها سعة وضِيقا -إنْ كان هناك ضيق في الشريعة غير حرمان الإنسان مما فيه ضرر عليه وفساد في الدنيا والآخرة-.

فهي ولاية على تطبيق الشريعة الإسلامية ضِمْن تكليف الأفراد بالحدود التي فرضها الله عزّوجلّ عليهم منفردِين، وعلى المجتمع الإنسانيِّ العاقل الرشيد بما فيه مصلحة المجموع من حيث المجموع، ومصلحة الأفراد ضِمْن هذا المجموع.

* * *

ولا ينبغي بل لا يحسُن أن نتحدث عن دور الخالق العظيم في هذه الولايات، فإنه العالِم بكل شيء، والخالق لكل شيء، والكون كله تحت قدرته وسلطانه المطلق، وكل ممكن مَنُوط بمشيئته وقدرته، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك..

وعِلْمه أزليّ أبدي لا يفرق فيه بين ماضٍ وحاضر ومستقبل، وإذا وُجد في الكون ما لا يرغب فيه الإنسان، أو صدر من الإنسان ما لا يرضى به الله تعالى، فهو يعلم به بمقدماته وعلّته، وذلك لا يعني سَلْبَ قُدْرته كما قالت اليهود{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}([1])، كما لا ينافي أزلية عِلْمه وتمام قدرته، لأنه تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولم يتركهم هملاً..

 

لذا ينبغي الكلام في أمور أربعة هي (أبواب الكتاب):

الأول  :   في ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).

الثاني  :   في المرجعية  والتقليد.

الثالث  :   في القضاء.

الرابع  :   في ولاية الفقيه.


 

([1]) المائدة: من الآية64.