ولاية الفقيه مسألة كلامية فقهيّة

وأما أن هذه الولاية عقلية أو كلامية أو فقهية مَحْضة، فنقول:

أما مسألة الإمامة:

فهي من الأصول العقائدية، وهي مسألة كلامية، لأن موضوعها هو فعل الله-تعالى-، وأنه هل نصب إمامًا أم لا ؟

فمن يقول بالحسن والقبح العقليين، يقول بأنها كلامية، لأنَّ الله-تعالى- الذي يعلم بكل شيء، ما كان وما يكون، ولا يعزب عنه مثقال ذرَّة، يعلم: أنَّ زمن حضور النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) محدود ولا يمكن أن يترك الأمة وشأنها، كما لا يمكن أن يترك الشريعة بلا صيانة، مع علمه بما جدَّ وما يستجدّ.

في هذه الحال يدرك العقل حُسْنَ النصْب وقُبْح تركه، فلا بدَّ أَنْ يفعل الله-تعالى- ما هو حَسَن وينصب الإمام، وهذا رَأْينا نحن الإمامية.

وأما ولاية الفقيه:

فيمكن البحث فيها من الناحيتين: الكلامية والفقهية:

فهي كلامية: من جهة أنَّ الله-تعالى- بعد أن نصَب الإمام في كلِّ الأزمنة على لسان رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، فهو يعلم بزمن حضور هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) ، ويعلم بأَنَّ خاتمهم سيغيب أحقابًا من الزمن، فهو -تعالى- قد أَمَر بأَمْر معيَّن في زمن الغيبة، لأنه لا يمكن أن يترك الخلق سدًى ويدعهم هملاً..

فهل نَصَب الإمام  (عليهم السلام) ، وهو (عليهم السلام) يؤدي ما أمره الله-تعالى- به ؟

أَوْ أَمَرَه بتنصيب الوليِّ في غيبته ؟

وعلى كِلا التقديرَيْن: فالتنصيب فعْل الله -تعالى-، أو فعل الإمام عن أمر الله-تعالى-، فهي مسألة كلامية، لأنه ليس الكلام في فعلٍ وما هو حكم هذا الفعل، بل الكلام في نفس هذا الحكم وهو التنصيب، وهو فعل الحجة (عليه السلام)  على كل حال، فتكون كلامية، خصوصًا بعد الاستدلال عليها في ما سبق بوجوب حِفْظ النظام عقلاً، وبأنَّ الله-تعالى- لا يرضى بالإهمال والتَرْك عقلاً.

نعم، بالنظر إلى النصوص الدالة عليها، فهي مسألة فقهية محضة.

لذلك يمكن القول: بأن فيها جهة المسألة الكلامية، ولكنها مسألة فقهية لأجل استفادتها من النصوص، وإنْ كان يمكن الاستدلال عليها بالدليل العقلي عند مَنْ لم تتمّ لديهم النصوص.

ولكن ليس مجرد دلالة العقل على مسألة يجعلها عقلية وعقائدية، بل إن كثيرًا من الأحكام الفقهية يتدخل العقل في الدلالة عليها، ولا تكون كلامية ولا عقائدية، وإنما طرحنا احتمال العقائدية لأنها متفرعة على ولاية الإمام  (عليه السلام) التي هي من أهم العقائد، وهذه حكم من أحكامها، وفرع من فروعها، فهي مسألة فقهية حكمها صادر من الإمام (عليه السلام) .

وبعد ذلك، تكون أحكام هذه الولاية فقهية، من حيث وجوب قيام الولي بواجباته، ووجوب إطاعته من قِبَل المكلفين، وقد جُعِلَتْ الولاية للفقيه في الإفتاء والقضاء وسائر الأمور الأخرى بالشكل المحدود الذي سوف نذكره، فتكون من هذه الجهة فقهية.