بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والصلاة والسلام
على نبيه محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن الدنيا دار فناء وزوال ، ولو كتب الخلود فيها لأحد ،
لكان نبينا (صلى الله عليه وآاله) أحق بالخلود من كل أحد،
ولكنّ الله تعالى كتب على عباده الموت، فقال عز اسمه
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ
أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ}، وقال تعالى
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }..سنّة الله
في هذه الحياة، إذ {يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا}.
وتسليمًا بقضاء الله تعالى ، نعت جامعة النجف الأشرف ،
عميدها وأستاذها ومؤسسها، أستاذ العلماء ، آية الله الشيخ
مفيد الفقيه، الذي وافته المنية نهار
الأحد ، الواقع فيه 3 نيسان سنة 2016م ، الموافق 25 جمادى
الثانية 1437هـ.
وكان (قدس سره) قد ابتلي سنة 1990م بفقد ولدين من أولاده،
بالإضافة إلى صهره على كريمته، الذين اعتقلهم الحكم الظالم
في العراق عُنوةً مع ثلّة من
العامليين، حتى انقطعت أخبارهم .. وبُذِلت جهود كبيرة
لمعرفة مصيرهم، لكن الحكم الظالم لم يقدّم أيّ بصيص أمل
على وجودهم فضلاً عن حياتهم.. وقد تلقّى الشيخ (قدس سره) كل ذلك بالصبر، مسلِّما أمره إلى الله تعالى، محتسبًا ،
متأسيًا بآل البيت (عليهم السلام)،
ومتمسكًا -مع ذلك- بالأمل في
العثور عليهم، واستمرّ في العطاء والعمل، فأكمل
اشتغاله بالعلم، وبقيت حلقات درسه عامرة، بروح عالية في
العطاء مع حيوية ونشاط، مع أنه كان قد ذَرَّفَ على السبعين
.. فمر عقدان من الزمن، اختزن قلبه خلالها مرارةً أضعفت
بدنه، إلى أن ابتلي بمرض أنهك بدنه
الضعيف، عانى منه
سنواتٍ، أسلم بعدها روحه إلى باريها، فوفد على ربه
نهار الأحد، الواقع فيه 3 نيسان سنة 2016م، الموافق 25
جمادى الثانية 1437هـ.
وتوافد المعزّون من
كل حدب وصوب، حُزنًا على فقد ركن من أركان عاملة، وخسارة
علَم من كبار أعلامها، حيث إنه
(قدس سره) كان قد ملأ الفراغ الذي خلفه خسارة جبل
عامل للجيل السابق عليه من كبار العلماء..
وفي لبنان أقيم له
تشييع حاشد، ففي حاريص أَمَّ الصلاة عليه سماحة آية الله
السيد محمد علي الأمين، في لفيف من العلماء وحشد من
المؤمنين .. ثم كان له تشييع آخر من بلدته إلى بيروت، وفي
بيروت أيضاً أَمَّ الصلاة عليه سماحة آية الله السيد علي
مكي، ثم نُقِلت الجنازة جوًا إلى النجف الأشرف، إلى جوار
مَن تشرّفت تلك الأرض به، أمير المؤمنين (عليه السلام)،
تلك الأرض الطاهرة التي عاش فيها جلّ عمره، وكان تفتُّحُ
روحه وعقله بجواره (عليه السلام)، مكتسبًا خلال تلك المدة
الطويلة العلوم والمعارف والتخلّق بأخلاق آل البيت (عليهم
السلام).. لذلك كان قد اتخذ لنفسه قبرًا في "وادي السلام"
في مقبرة ابن عمته المرحوم الحاج علي شعبان -والتي تبرع
بها بعض أولاده وجعلها وقفاً لهم ولآل الفقيه خصوصًا-،
فأوصى أن يُدفَن فيه إلى جنب والده المقدس آية الله الشيخ
علي الفقيه، وعمه المقدس آية الله الشيخ محمد تقي الفقيه،
رحمهم الله تعالى ...
وصل جثمانه الشريف
إلى النجف الأشرف يوم الثلاثاء 5 نيسان 2016م،، وطيف به
على مراقد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، ثم توافد
العلماء والمؤمنون لتقديم العزاء.. وفي اليوم التالي
-الأربعاء 6 نيسان-، أقام الصلاة عليه آية الله العظمى
السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله)، وشيَّعَه جمع غفير من
المؤمنين والعلماء إلى مثواه الأخير..
وختامًا نسأل الله سبحانه أن يتغمّده بواسع رحمته، ويكتبه
عنده في عليين، ويجعله في مصافّ العلماء العاملين ممن
سبقوه، ويحشره مع محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين،
ويجمع بينه وبينهم صلوات الله عليهم في دار خلده في جنته،
وأن يوفقنا وسائر إخواننا لأن نكون خير خلف لخير سلف، إنه
سميع مجيب.
|