العدد الحادي عشر/ خريف 2007م  / ذو الحجة 1428هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

النِيَّة

الخطوة الأولى في السلوك إلى الله

الشيخ محمد صالح الفقيه

 

استفاضت الأحاديث الشريفة المأثورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وعن أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) في موضوع النية، منها ما يُنبّه على أن عمل الإنسان الذي هو عماد وجوده، إنما يُقيَّم عند الله بلحاظ النية، ومنها ما يُبيّن خطر النية في نفسها مع غضّ النظر عن العمل، فيحثّ على نية الخير ويجعلها بمثابة العمل بل أفضل منه، ويحذّر من نية الشر ويظهر أنها سبب خلود أهل المعاصي في النار، ومنها ما يوضح أن أساس العمل ومقدمته هو النية، ومنها غير ذلك، ويجمعها الحديث المشهور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) من قوله: (إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى)([1]).

1- تعريف النية

والنية هي عبارة عن فعل من أفعال النفس وهي عقد القلب على القيام بفعل أو عدمه، فلا تحتاج إلى مزيد مؤونة، إذ لا تستلزم جهدًا جسديًا ولا تحتاج لبذل مادي، وإنما تتوقف على تصورات ذهنيّة لما يترتب على وجود الفعل في الخارج من المصالح التي تستتبع الرغبة والشوق إلى إيجاده، أو المفاسد التي تصدّ عن ارتكابه.

2- النية أهم من العمل

وقد يتوهم أن النية بهذا الحدّ لا أهمية لها إذ لا أثر لها خارجًا، لأن المصالح والمفاسد إنما تترتب على الوجود الخارجي للأفعال، فالصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وفعل الخيرات هو الذي يصلح المجتمع، وليس مجرد النية، وكذا ارتكاب المحرّمات هو الفاحشة والظلم والفساد وليس مجرد نية ارتكابها.

ولذا فإن من يطلع على مضامين الأحاديث المتعلقة بالنية، قد يهوله الاهتمام البالغ الذي تعيره الشريعة لها، حيث تجعلها في مصافّ العمل بل أفضل. فقد ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): (النية الصالحة أحد العملين)([2]).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (نية المؤمن خير من عمله، ونيّة الكافر شرّ من عمله، وكل عامل يعمل على نيته)([3]).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنه قال: (والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل، ثم تلا قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} يعني نيته)([4]).

بل قد لا يرى للعمل وزن بلا نية،كما في الحديث الآنف عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى)([5])، وكما عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: (لا عمل إلا بنية)([6]).

وما أحاول بيانه فيما يلي هو أن وجه أهمية النية هو مدى تأثيرها في توجيه سلوك الإنسان وفي تغيير طباعه، وأنها الخطوة الأولى في طريق سيطرة الإنسان على نفسه وهي الأداة التي بها يتحكم الإنسان بمساره.

3- لا ثواب ولا عقاب على العمل بلا نية

فمن تستوقفه هذه المضامين يزول استغرابه لو تأمل ارتباط النية الوثيق بالغاية من وجود الإنسان في هذه الدنيا وهي الخلافة الإلهية، والتي تتحقق بسعي الإنسان وجهاده في سبيل السلوك إلى الله تعالى والارتقاء في مدارج الكمال، {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}([7])، ولا يكون ذلك إلا بالعمل الذي يرتضيه المولى عز وجل والذي يصدر من العبد عن سابق قصد واختيار ونية، فإنه هو الذي تكمل به النفوس، وهو الذي يثقل الميزان يوم القيامة، كما أن كل عمل تعمّد فيه العبد المخالفة لربه عزّ وجلّ يوجب سقوطه ويؤاخذ عليه، أما ما صدر منه من عمل بلا نية لغفلة أو سهو أو اضطرار أو إلجاء، فلا اعتداد به، ولا ثواب عليه ولا عقاب.

4 - شاكلة الإنسان قالب لأعماله

إذا عرفت هذا، فاعلم أن أكثر ما يتحكم بأعمال الإنسان الاختيارية هو سجيته وشاكلته، قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}([8]).

وشاكلة الإنسان هي سجيته وطبيعته التي تخلّق بها، والمقتضية لصدور الأفعال والأقوال على طبقها وبما يناسبها كما في بعض التفاسير([9])، أو فقل هي الخصال والصفات المعنوية والنفسية، المقتضية لصدور الأعمال الاختيارية من صاحبها بما يناسبها بروية ومن دون تكلف.

وإنما سميت السجية شاكلة وطريقة ومذهبًا لأنها كالطريق الذي يجبر سالكه على عدم الانحياز والتنكب عنه، فيأخذه إلى غايته ومنتهاه كما عن بعض أهل اللغة([10]).

والآية تتحدث عن ترتب عمل الإنسان على شاكلته وسجيته التي هي عماد بنيته الروحية والنفسية، فعمل كل إنسان مناسب وموافق لشاكلته، فهي قالب تصدر عنه الأعمال وتنطبع على طبقه، بحيث لا تختلف عنه غالبًا. فالإنسان المجبول على خلق الكرم لا بدّ أن يظهر أثر خلقه هذا في موارده، فتتسم أعماله وتصرفاته بطابع الجود والكرم، بخلاف من جُبل على الشحّ والبخل، فإن مواقفه وتصرفاته تنمّ عن بخله وشحّ نفسه، وهكذا سائر السجايا والملكات.

5- تأثير الشاكلة اقتضائي لا يستلزم الجبر في الأفعال

وقد يتوهم لزوم الجبر وانتفاء الاختيار عن الإنسان حينئذ، لكون أعماله تتأثر تلقائيا بشاكلته، والجواب عن هذا التوهم هو أن الشاكلة التي نتحدّث عنها ليست علّة تامّة حتى يستحيل فيها التخلّف، وإنما هي مقتضٍ يؤثر لو خلي له التأثير مستقلاً، ولم تتدخل عناصر أخرى اختيارية للإنسان تكون مانعة من ترتب تلك النتائج، أو تكون هذه العناصر سببًا في فقدان شرط تأثير الشاكلة والسجية، فالإنسان قادر على التحكم بأعماله، سواء وافقت طباعه أو خالفتها، غاية الأمر أن ما خالف الطبع يكون فيه مشقة بخلاف ما وافقه، فليس من المستحيل أن يجود البخيل، إلا أن جوده يحتاج إلى تكلّف وعناية خاصّة منه ومجاهدة لنفسه، تمامًا كالكريم إذا رام أن يمنع، وهكذا.

ولذا قد يكون تكلف الكرم من البخيل سببًا في زيادة الأجر على كرمه، إذا كان سبب جوده هو امتثال أمر الله تعالى، وذلك باعتبار أن أفضل الأعمال أحمزها، أو أشقها، وباعتبار أن فيه تهذيبًا للنفس، وهذا ما يوجب له قربا من الله تعالى، كما قد يكون الكرم غير موجب للقرب من الله تعالى، وذلك إذا كان إرضاء للنفس فقط، حيث أن في العطاء لذة قد لا تضاهيها لذة الأخذ، أو فيما إذا كان العطاء ابتغاء للسمعة بين الناس، فيكون كرمه حينئذ موجبًا للبعد عن الله تعالى، فالعمل الخارجي واحد، والفارق الذي أوجب الثواب والقرب، أو البعد والسخط إنما هو في النية التي كانت سببا ومقدمة لصدور العمل.

6- الإنسان قادر على تغيير شاكلته أيضًا

ونتيجة لما تقدم من بطلان حتمية صدور الأعمال من المرء على طبق شاكلته وسجيته، فإن الإنسان مهما بلغ به الانحراف عما تقتضيه الفطرة الإنسانية، ومهما ساءت نفسه والظروف المحيطة به، يظلّ قادرا على التحكم بعمله، وعلى تغيير سجيته وشاكلته أيضا، بل وعلى تغيير مسار حياته كلها، وعلى إزاحة كل ما تراكم من الموانع، ولولا ذلك لبطل إرسال الرسل وإنزال الشرائع أجمع، ولما صح حينئذ توجيه الدعوة إلى كل البشر، على اختلاف أجناسهم وطبائعهم وصفاتهم النفسية، علما بأن كون الدعوة الإلهية عامة إلى كل البشر وخصوصا دعوة نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، هو من ضروريات الدين، إذ مما لا يقبل الإنكار والشك أن الدعوة الإلهية موجهة إلى كل عاقل، يقول تعالى في كتابه الكريم، موجّها الدعوة العامة لكل من تبلغه تلك الدعوة: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}([11])، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ...}([12])، فوجّه الخطاب لكل الناس ولم يخصه بمن كانت شاكلته شاكلة خير.

ولو كان الطبع يغلب الإنسان ويمنعه كلّيًا من الاختيار لبطل الثواب لأهل الخير والعقاب لأهل الشر، لأن غلبة الطبع على الإنسان يؤدي حتمًا إلى القول بالجبر وعدم الاختيار كما أسلفنا، فلا معنى لترتب الثواب والعقاب على فعل المجبر، وإلا للزم نسبة الظلم إلى الباري عز وجل، وحاشا لله أن ينسب إليه الظلم، وهو الغني عن عباده، القادر على كل شيء.

ويلزم أيضا أن تكون الدعوة إلى الدين والاستقامة خلاف الفطرة والخلقة الإنسانية، والله تعالى يقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}([13])، ولكان طلب الطاعة من العاصين أمرا غير ميسور والله تعالى يقول: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}([14]).

فهذه كلها لوازم فاسدة للقول بحتمية صدور الأعمال على طبق السجية والشاكلة، فلا يمكن المصير إلى هذا القول.

7- العوامل المؤثرة في الشاكلة داخلية وخارجية

وبناء على ذلك، لا بد لنا من دراسة المقتضيات والمؤثرات التي تؤثر في تكوين شاكلة الإنسان وسجيته، فنجدها كثيرة، بعضها خارجية وبعضها الآخر من داخل النفس.

أما العوامل الخارجية، فمنها ما هو من قبل الله تعالى، كالهداية العامة التشريعية من الإنذار والتبشير، والوعد والوعيد من قبل الأنبياء والأئمة والعلماء، وهذا متوفر لكل من بلغته الدعوة من العقلاء، وتأثيرها العام هو صياغة الإيمان في قلوب الناس، وتوجيههم لعبادة الله الواحد، وتخويفهم من يوم الحساب وترغيبهم بالثواب، ولا شك في أن للمؤمن طباعًا وأخلاقًا خاصة يقتضيها إيمانه، كالصبر والعفة ونحوها، وهذه تستلزم منه السلوك الإيماني المناسب.

ومنها الهداية الخاصة التي يختص بها اللهُ تعالى أهلَ الإيمان بمقدار ما يتقرّبون إليه تعالى، وهي المتمثلة بالألطاف الإلهية من التسديدات والتوفيقات والنعم، أو الابتلاءات والمصائب والمحن التي تتفاعل آثارها في نفس الإنسان إيجابا ليزداد خشوعًا وتواضعًا ورقّة، فتشعره بعجزه وافتقاره إلى القادر المنعم وتُوجِّه نفسه إلى الخالق تبراك وتعالى، فتفكَّ بذلك عنه الأغلال وتُزيح عن بصره الغشاوات وتُحرر إرادته بعد أن جمدها الصدأ، وتوقظ نفسه من سكرة الحياة الدنيا قبل أن يوقظها الموت من سباتها، فقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)([15]) فإياك أخي أن تُهمل وتسوّف فتقول بعد الموت {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} لأن الجواب المعلوم {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}([16]).

ومقابل هذه الألطاف الإلهية ما يبتلى به الكفار والعصاة من الاستدراج بالنعم فيملي الله لهم ليزدادوا إثمًا ويستكبروا ويطغوا وتأخذهم العزة بالإثم، أو الخذلان بأن يكِلهم الله إلى أنفسهم فيصابوا بالغرور والحسد، ونحو ذلك.

ومن العوامل الخارجية ما هو من قبل الآباء بطريق الوراثة في الخلقة والخلق، أو بواسطة التربية، أو بنتيجة ما يسمى بالآثار الوضعية للأعمال التي تصدر عن الإنسان باختياره.

أما الوراثة في الخِلقة، فإن الصفات الخَلقية بشكل عام، ومنها الموروثة، تترك آثارا نفسية في طباع حاملها، ايجابية تارة وسلبية أخرى، وذلك بحسب فهمه العام لعالم التكليف وعدل الله تعالى، وبحسب فهمه للهدف والغاية من نعمة إيجاده في عالم الدنيا، فإن لكل من العافية والجمال مثلا، أو الأمراض والعاهات والتشوهات الجسمية، آثاره الخُلُقية، فإن من ورث نعمة العافية أو جمال الصورة أو القوة البدنية أو نحوها، تمنحه هذه الصفات الثقة بالنفس، وأحيانا تتسبب بابتلائه بالغرور والكبر، كما أن من ورث زمانة وعاهة أو مرضا مستديما، قد تكسبه هذه حلية الصبر، أو قد تربي في نفسه عقدة نقص أو غير ذلك.

ثم إن الأخلاق تورث أحيانا بشكل مباشر كما تورث الصفات البدنية، فيرث البعض من آبائه صفة الكرم أو الشجاعة، ويرث آخر اللؤم أو الجبن ونحو ذلك.

وقد يتسبب الآباء ببعض الآثار الوضعية في أبنائهم، نتيجة لبعض الأعمال التي ارتكبها الآباء، مثل الغنى أو الفقر أو الابتلاء بالظلم أو غير ذلك، مما يترك آثارًا وبصمات واضحة في طباع الأبناء.

والتربية من الأبوين لها تأثيرها البالغ في صياغة شخصية الأبناء وسجاياهم.

وكذلك يتطبّع الإنسان بما يتعارف في البيئة والمجتمع الذي ينشأ فيه من الآداب والسُّنن والعادات والتقاليد.

وكذا العُشراء والخُلطاء يُكتسب منهم الأخلاق، حتى ورد في المثل السائر: قل لي من تعاشر أقل لك من أنت.

هذه جملة من العوامل الخارجية، التي قد تؤثر في تكوين شخصية الإنسان وسجاياه، إيجابًا أو سلبًا، فيستسهل حينئذ ما يتوافق مع ما ورثه أو نشأ عليه وتعلمه واعتاده من أهله وبيئته ومجتمعه ومعشره، بل غالبًا ما يستحسنه ويركن إليه، وينفر مما يخالفه ويستصعب تغييره، وجل هذه العوامل الخارجية -بل كلها- وإن كان خارجًا عن الاختيار بخلاف العوامل الداخلية الآتية، إلا أنها لا تعدو كونها مقتضيات ومحفزات وعوامل مساعدة، وأما العوامل التي بها تتم العلة واليها يستند التأثير في نهاية الأمر، فهي عوامل داخلة تحت الاختيار والقدرة.

وأما العوامل الداخلية، فأهمها العقل والفطرة، وهما من الهداية العامة التكوينية، فقد حبى الله بهما الجنس البشري عمومًا، وهما يشكلان العنصر الفعال في تحديد خيارات الإنسان وإراداته، ويكون نفس الاختيار هو جزء العلة الأخير الذي عنه تصدر النية بمقدماتها وبه تتقوّم.

والعقل هو العمدة، لأنه بالنهاية هو الحاكم على سائر العوامل الأخرى، وبإمكانه السيطرة عليها.

وقد جعل الله تبارك وتعالى العقل هو مناط التكليف عند المكلفين، وإليه يتوجه الخطاب، وبه استحق الإنسان الثواب والعقاب، وباعتباره أصبحت النفس (العاقلة) مسؤولة عن تصرفاتها وأعمالها الاختيارية. فتأمل في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}([17])، تأمل -أيها العزيز- في ذيل الآية، لتدرك أن العقل هو الإذن الذي أعطاه الله للمكلفين ليدخلوا في عالم النور والهداية والإيمان، للوصول إلى الكمال، وإلى درجات القرب والزلفى، من رب الأرباب وسيد السادات، معبود العابدين وقرة عين العارفين، تقدست أسماؤه وجل ثناؤه.

وأما الفطرة التي فطر الناس عليها فلها أثرها في الخيارات التي يتّخذها الإنسان ولا يضرّ كونها غير اختيارية لأن أثرها إيجابي دائمًا كما سيأتي توضيح ذلك.

فالنتيجة أن المطلوب من الإنسان أن يستفيد من تلك العوامل الإيجابية الداخلية والخارجية التي هيأها له ربه ليُزكي نفسه، ويوصلها إلى درجة السعادة ومرتبة المقربين، فإن ذلك كله رهن إرادته واختياره، شرط أن يحسن الاختيار، ويستمع إلى صوت العقل والهداية اللطيف الهاتف في أعماق نفسه، إذ أن كلاً منا يملك شطرًا من الهداية ينمو ويشتد كمّا وكيفا كلما جاهدنا أهواءنا.

ولعله من هنا رتّب تعالى قوله: {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}([18]) على قوله: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}([19])، فإن من كانت شاكلته عادلة مستقيمة، سهل عليه الاهتداء والانقياد إلى الحق والعمل الصالح، وانتفع بالدعوة الحقة، ومن كانت شاكلته ظالمة، صعب عليه كل ذلك، ولم يزده استماع الحق إلا نفورا واستكبارا وخسارا.

ولكن مهما بلغ الإنسان من الظلم فإن جذوة نور الهداية، المغروسة في أعماق نفسه، لا تنفك عن التوهج والإنارة {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}([20])، وإن خُتمت وسُدّت -والعياذ بالله- فباختيار الإنسان الظالم فتحها والنظر من خلالها ساعة يشاء، غاية الأمر أنه يحتاج لجهد وصبر ليتمكن من ذلك، فالظالم له نصيب من الهداية، لكن غيره أهدى سبيلاً منه، وربنا أعلم بمن هو أهدى سبيلاً.

8 - الإنسان مهيّأ بطبعه ليكون مستقيما

وقد هيّأ الله تعالى الإنسان ليكون مستقيمًا بطبعه، فهدى الناس عامة وعرّفهم الاستقامة والتمييز بين الخير والشر، ّ {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً}([21])، وجبل النفوس على حب الخير وكره الشرّ، {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}([22])، فلا يمكن أن يُفطر الإنسان على خلاف ذلك، حتى إنّ الشرير المقيم على الشرور والرذائل يقرّ بأنها بغيضة، ويرفض أن تُـنسب إليه تلك الرذائل، التي يعترف في قرارة نفسه بأنه متصف بها، فمن النادر أن ترى جبانًا يعترف بجبنه وخوفه، أو تصادف بخيلاً يُقرّ بشحّه... إنها النفس المجبولة على حب الإيمان والخير، المفطورة على الفضائل والخصال السامية، تأبى أبدًا أن ينسب إليها خلافها.

9 - ما يوجب الانطباع على خلاف الاستقامة الفطريّة

ثم بعد ذلك، إذا حافظ الإنسان على فطرته، والتزم بما يمليه عليه عقله، حسنت سجاياه واستقامت طريقته واعتدلت شاكلته، وإذا انقاد إلى غرائزه، وانهمك في إشباع شهوات نفسه الأمارة بالسوء، فسدت فطرته وانحرفت شاكلته، وهكذا كلما أهمل مجاهدة نفسه وتربيتها وتزكيتها وتطهيرها واتبع هواه، تراكمت عليها ظلمات الظلم ونتانة القبائح، وكلما ابتعد أكثر عن ضوء الهداية احتجب عنه النور، وتكاثفت على عينيه الغشاوة، وتكاثرت على قلبه الأقفال، وتعاظم عليه الرين، وحينئذ تغلب عليه شقوته لسوء اختياره، فلا يخطو بقدمه إلى خير، بل يشعر أنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً، يقول تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً}([23])، وقد يبلغ به الحال أن يستوي بالنسبة إليه الإنذار وعدمه، ولا ينفعه اللطف والهداية العامة، فيغدو -والعياذ بالله- مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}([24]).

10 - على طريق الاستقامة

أ - الهجرة:

خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة، والطريق إلى الله يمكن للمستضعفين سلوكه واتباعه، فضلا عن الأقوياء، وينبغي أن يبدأ بهجر الظلم والظالمين، والانتقال عن مكان الانحراف والظلم، واعتزال رفاق السوء.

قال تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل (عليه السلام): {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}([25]).

وقال تعالى حكاية عنه (عليه السلام) أيضًا: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}([26]).

وقال تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}([27]).

وقال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}([28]).

وموضوع الهجرة يحتاج إلى بسط في الكلام لا تسعه هذه المقالة، ولكننا نشير إليها باختصار، فنقول: المراد بالهجرة هي أن تهجر النفس ما اعتادت عليه، من الأفعال الاختيارية التي تبعد عن رحمة الله ورضوانه، إلى ما يقربها من الله تعالى، وإلى ما يعينها على الارتقاء في مدارج الكمال، ولعل ترك المفطرات في أثناء الصوم يقرب إلينا الفكرة إلى حد ما، فَرُبَّ مهاجر إلى ربه ما ترك وطنه، ولا حتى منزله الذي يقطنه قط، نعم قد تكون الهجرة بالبدن من مكان الانحراف والفساد في كثير من الأحيان مقدمة لهجرة النفس إلى ربها.

فتأمل -أيها العزيز- في قوله تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، كيف رتّب عز وجل الهداية على الهجرة، فهي هجرة النفس إلى بارئها، ليتولى الرب تعالى تربيتها وترويضها.

ب - النية الحسنة:

إلا أن هذه الهجرة أيضًا لا بد أن يسبقها خطوة هي أسهل منها وأبسط وأقل مؤنة، وفي الواقع هي الخطوة الأولى، وهي مفتاح مشكاة نور الهداية للإنسان، وهي الاستجابة للنداء الفطري في داخل كل منّا، وهذه الخطوة الأولى هي النية الحسنة، نية الخير التي تجر إلى الخير، وقد ورد في الحديث: (من حسنت نيته أمده التوفيق)([29])، ورد أيضًا (إحسان النية يوجب المثوبة)([30]).

والنية هي المنطلق للإرادة التي لا ينبثق أي عمل اختياري للإنسان بدونها، فتارك النية تارك للعمل، والمتكاسل عنها هو أشد تكاسلاً عن العمل، بل أبعد ما يكون عنه.

وكما تكون النية الحسنة مفتاح كل خير للإنسان ، فإن نية السوء والمعصية قد تؤدي بالعبد إلى أسوء العواقب، فإن العبد إذا حدّث نفسه بالمعصية وتكرّر منه ذلك ، فقد تترسخ هذه النية عنده ويصل إلى مرحلة الهمّ بها والعزم عليها، ثم لا يلبث أن يرتكبها ويقع في مخالفة ربّه عز وجل.

ولذا نجد أن النبي (صلى الله عليه وآله) يوصى أبا ذر بقوله: (يا أبا ذرّ: هُمَّ بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين)([31])، وهذا وجه من الوجوه والأسباب التي لأجلها كان الحث عليها من الله ورسله بعد أن غرسها وفطرها فينا وجبلنا عليها، فلا تستكثر -أيها العزيز- ما ستنبئك به الروايات من ثواب عظيم على نية فعل لم تفعله، فرحمة ربك أوسع من أن تدركها عقولنا، أو تصل إلى كنهها أوهامنا، وهو القائل عز من قائل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}([32]).

فهذه جملة من المرويات تصرّح بأن النية تعدّ عملاً من الأعمال التي يثاب عليها الإنسان، ففي الحديث: (النية الصالحة أحد العملين)([33])، وفي الحديث أيضا: (إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي الليل، فتغلبه عينه فينام، فيثبت الله له صلاته، ويكتب نَفَسَه تسبيحا، ويجعل نومه عليه صدقة)([34]). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير، فإذا علم الله عز وجلّ ذلك منه بصدق نيّة، كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إن الله واسع كريم)([35]).

وعن أنس بن مالك قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: (إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا، حبسهم العذر)([36]). وفي نص آخر: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال "صلى الله عليه وآله": حبسهم المرض)([37]).

وقد ورد في تفسير القمي: (في قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} قال: على نيته، {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}، فإنه حدثني أبي، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه، فيكون هو الذي يتولى حسابه، فيعرض عليه عمله، فينظر في صحيفته، فأوّل ما يرى سيئاته، فيتغير لذلك لونه وترتعش فرائصه وتفزع نفسه، ثم يرى حسناته، فتقرّ عينه وتسرّ نفسه وتفرح روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه، ثم يقول الله عز وجل لملائكته: هلمّوا الصحف التي فيها الأعمال التي لم يعملوها، قال: فيقرؤونها، ثم يقولون: وعزتك إنك لتعلم أنّا لم نعمل منها شيئًا، فيقول: صدقتم، نويتموها فكتبناها لكم، ثم يثابون عليها)([38]).

11- النية الحسنة أفضل من العمل

ورد في الحديث: (نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته، فإذا عمل المؤمن عملا نار في قلبه نور)([39])، ولعل ذلك لما للنية من الأثر في توفيق الله لعبده من جهة، ولخلوصها من الرياء الذي قد يشوب الفعل، وقد ورد في مضمون عدة أحاديث أن نية المؤمن خير من عمله لأنها لا يشوبها الرياء بخلاف العمل، أو لأنه ينوي من الخير ما لا يدركه من العمل ولو لمرض أو خوف أو ذهاب عقل أو حين أجل، والكافر كذلك نيته شر من عمله لأنه ينوي ما لا يدركه من الشر، فما نواه أشرّ مما عمل.

أحاديث في فضل النية الحسنة

ولمعرفة أهمية النية نستعرض بعض الأحاديث الواردة في ذلك -مضافا إلى ما مرّ في طي الكلام السابق-:

فقد ورد أن: (إحسان النية يوجب المثوبة)([40]).

وورد أيضًا عن الرسول (صلى الله عليه وآله): (إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى)([41]).

وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أغزى عليا (عليه السلام) في سرية، وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته، فقال رجل من الأنصار لأخ له: أغز بنا في سرية علي لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) قوله، فقال: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله عزّ وجلّ وقع أجره على الله عز وجلّ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى)([42]).

وورد في الحديث: (ليكن لك في كل شيء نية حتى في النوم والأكل)([43]).

وفي دعاء مكارم الأخلاق: (وانته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال، اللهم وفّر بلطفك نيتي…)([44]).

وورد: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أحسابكم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه)([45]).

عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من هم بالحسنة ولم يعملها كتبت له واحدة، وإن عملها كتبت له عشرا)([46])، وعن العياشي في تفسيره: (ومن هم بالسيئة أن يعملها لا يكتب عليه، ومن عملها كتبت عليه سيئة واحدة)([47]).

ويكفيك أخي العزيز ما ورد في حديث جابر في زيارة الأربعين، فقد روى في بشارة المصطفى: عن عطية العوفي قال: (خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل، ثم ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثم فتح صرة فيها سُعد ونثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله حتى دنا من القبر قال: ألمسنيه فألمسته، فخرّ على القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فأفاق.

 ثم قال: يا حسين ثلاثا، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك.

 ثم ذكر بعض مناقبه وكأنه كان هذا زيارته له، ثم زار الشهداء بالسلام عليهم.

 ثم قال: والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

 قال عطية: فقلت لجابر: وكيف ولم نهبط واديا، ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج؟

 فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق نبيا إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه)([48]).

فتأمل كيف راح جابر يردد بقلب مطمئن (أشهد أننا قد شاركناكم..). فهو واثق بأن له من الأجر مثل ما سيناله مَن قُتل مع الحسين (عليه السلام) من ثواب الله جل وعلا، كل ذلك لمجرد أن نية جابر كانت في القتال مع الحسين (عليه السلام).

ولعله لهذا ورد في المأثور أن نقول: (يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما)، فإن هذا التأسف على فوات الشهادة بين يدي الإمام عليه السلام، إن كان صادقا، فليس ببعيد من رحمة الله أن يكتب اللهُ الكريمُ للعبد المخلص -الصادق في تأسفه هذا- شيئا من ثواب من قتل بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام).

النتيجة

إن الشاكلة هي التي تصور عاقبة الإنسان لأنها صنيعة صاحبها وحصيلة نواياه وتوجهاته وأهوائه، وعاقبة كل إنسان مما كسبته يداه، لذا تدخل جميع أفكار الإنسان ونواياه في تحديد عاقبته، ولعله لذلك لا ينظر إلى كمّ العمل بل إلى النوع والنية، ومن هنا استحق المؤمنون الخلود في النعيم واستحق الكفار الخلود في العذاب.

فقد ورد في الحديث عن أبي هاشم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنما خلّد أهل النار في النار، لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدًا، وإنما خلّد أهل الجنّة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدًا، فبالنيات خلّد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} قال: على نيّته)([49]).

ويدل عليه أيضا قوله تبارك وتعالى في حق العاصين له تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (النية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل، ثم تلا قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} يعني على نيته)([50]).

تذكرة فيها تبصرة

فعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا -متوكلاً على الله- ليخلص نفسه من الملكات الرديئة والخصال الممقوتة، وذلك بأن يداوم على نية ما يقابلها من الخصال الحسنة وأعمال البر والإيمان، ويتكلف العمل بما يوافق النية الجديدة الصالحة، ويداوم على ذلك ولو بمشقة وتطبع، حتى تتحول هذه إلى خصال راسخة عنده وطبع سليم موافق للفطرة والشريعة، ويتوسل مع كل ذلك إلى الله تعالى أن يتولى تربيته وترويضه، ليحشر يوم القيامة مطبوعا بطابع القلب السليم والفطرة الخالصة، حتى لا ينادي يوم القيامة: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً}. فيأتيه الجواب: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}([51]).

* * *

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

[1]- وسائل، آل البيت: 1/ 49، ب5 من أبواب مقدمة العبادة، ح10.

[2]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3415.

[3]- الكافي ج2ص84 ح2.

[4]- الوسائل، آل البيت: ج1ص51، ب 6 من أبواب مقدمة العبادة ح5. والآية من الإسراء: من الآية84.

[5]- حديث متقدم.

[6]- الوسائل: 1/46، ب5 من أبواب مقدمة العبادة، ح1.

[7]- الانشقاق:6

[8]- الإسراء 84

[9]- مجمع البيان ج6 ص673 طبعة دار المعرفة، والميزان الطباطبائي ج13 ص189تفسير سورة الإسراء ط. الأعلمي.

[10]- الشاكلة مأخوذة من الشَكْل وهو التقييد للدابة بالشِكال، والشِكال هو ما يقيد به، وسميت السجية شاكلة لتقييدها الإنسان بالجري على ما يناسبها وتقتضيه، ويقال هذا طريق ذو شواكل، أي تتشعب منه طرقٌ جماعة. راجع مجمع البحرين الطريحي ج5 ص402 ط إيران المكتبة الرضوية، ولسان العرب لابن منظور ج7 ص176ط دار إحياء التراث العربي.

[11]- الأنعام: من الآية19.

[12]- النساء: من الآية1.

[13]- الروم من الآية30.

[14]- عبس :20.

[15]- عوالي اللئالي، الأحسائي، ط1 سنة 1403هـ: 4/73.

[16]- المؤمنون: من الآية99-100.

[17]- يونس: 100 .

[18]- الإسراء: من الآية84.

[19]- الإسراء: من الآية84.

[20]- الروم: من الآية30.

[21]- الأنعام: من الآية161.

[22]- الحجرات: من الآية7.

[23]- الأعراف: من الآية58.

[24]- البقرة: الآية 6 ومن الآية7.

[25]- مريم: من الآية48.

[26]- الصافات:99.

[27]- المزمل: من الآية10.

[28]- النساء: من الآية97.

[29]- ميزان الحكمة: 4/3416.

[30]- ميزان الحكمة: 4/3415.

[31]- ميزان الحكمة: 3/2285.

[32]- الأعراف: من الآية156.

[33]- حديث متقدم.

[34]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3416.

[35]- الكافي، الكليني: 2/85، ح3.

[36]- مسند أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت: 3/103.

[37]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3415.

[38]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3410.

[39]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3417.

[40]- حديث متقدم.

[41]- حديث متقدم.

[42]- وسائل، آل البيت: 1/ 49، ب5 من أبواب مقدمة العبادة، ح10.

[43]- وسائل، آل البيت: 1/ 49، ب5 من أبواب مقدمة العبادة، ح8.

[44]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3419.

[45]- ميزان الحكمة، الريشهري، دار الحديث، ط1: 4/3411.

[46]- عوالي اللئالي: 1/37.

[47]- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري،مؤسسة آل البيت، ط1، 1408 هـ: 1/92.

[48] - بشارة المصطفى، محمد بن علي الطبري، ط1، 1420، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ص125.

[49] - وسائل الشيعة (آل البيت): 1/50، ب2 من أبواب مقدمة العبادة ح2.

[50]- وسائل الشيعة (آل البيت): 1/50، ب2 من أبواب مقدمة العبادة ح6.

[51]- طـه: 125- 126.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الحداي عشر