استعداد المسيح للدفاع بالسيف
إن الأناجيل قد ذكرت وهن التلاميذ وضعفهم عن الصبر على
الشدائد، وتفرقهم عن المسيح عند هجوم اليهود عليه كما
أخبرهم به المسيح قبل ذلك،، وقد تمّ إحصاء هذا كله من
الأناجيل في الجزء الأول من كتاب الهدى()
صحيفة 30 و 31، فراجعه لتعرف أن ألوفًا من أمثالهم لا
يقومون مقام واحد من أصحاب (محمد) في الصبر والثبات على
الإيمان والتفاني في سبيله.
ومع ذلك فإنجيل لوقا يذكر في العدد السادس والثلاثين من
الفصل الثاني والعشرين أن المسيح أراد من تلاميذه
الاستعداد للدفاع بالسيف وقال لهم: (من ليس له فليبع ثوبه
ويشتر سيفًا)، ولكن يا للأسف لم يحيوا أمره المؤكد لهم
جميعًا بالسمع والطاعة، بل قالوا قول المتثاقل المتشبث
بالمعاذير (ههنا سيفان)، فلم يرَ المسيح في جواب تثاقلهم
إلا أن يقول: (يكفي)، وظاهره أن جوابكم يكفي في بيان
وهنكم.
إن اليهود والنصارى يعتقدون أن التوراة الموجودة هو كتاب
الله جاء بشريعة الله في كلام الله لموسى رسوله، وقد كثُر
في هذه التوراة الأمر بالمهاجمات الحربية الابتدائية في
الحروب القاسية الآمرة بذبح الأطفال والنساء، والتوراة
وكتاب يشوع (يوشع) يذكران أن موسى الرسول ويشوع مختار الله
قد عملا بهذا الأمر القاسي على أقسى وجوهه()،
مع أن التوراة وكتاب يشوع لم يذكرا أن ذلك كان لأجل الدعوة
إلى التوحيد والإيمان والإصلاح، بل لم تذكر التوراة غاية
لهذه الحروب القاسية إلا انتهاب الأرض من سكانها المطمئنين
بها وإعطائها لشعب بني إسرائيل الذين لم يستقروا على
التوحيد والشريعة والطاعة جيلاً واحدًا.
فهل من الصواب وشرف الإنصاف أن نغضّ الطرف عن هذا كلّه،
ونعترض على الإسلام دين التوحيد الحقيقي والإصلاح والمدنية
حيث اضطرته الأحوال إلى أن يدافع عن صلاحه عدوان الوثنية
وفساد الوحشية؟!
وأنت إذا تأملت في فلسفة الإصلاح الديني الاجتماعي بل
وعواطف الاجتماع، رأيتها بوجدانك تسوّغ لمحمد في عصره
المظلم بالظلمات المتراكمة أن يبتدئ بالمهاجمة في سبيل
إصلاحه، فكيف نعترض عليه إذا سلك أرقى مسلك في الإصلاح،
ألا وهو الدفاع الجميل الذي تقوم به الحجة، ويحدّده الصلاح
وعواطف الرحمة بأكرم الحدود وأشرفها.
خلاصة الكلام في دفاع الإسلام
وأخيرًا أقول : إنك إذا نظرت إلى التاريخ نظر حرّ تجد أن
الذين نالهم السيف من الذين دافعهم (محمد) لا يبلغون عُشر
الذين آمنوا به بالطوع والرغبة وفدوا أنفسهم وكل غال دون
دعوته الكريمة، وإن هؤلاء الذين انقادوا إلى الإسلام
بالسيف لمّا تشرّفوا بنعمة الإسلام صار (محمد) أحب الناس
إليهم، وذلك لما وجدوه من صلاح دعوته، وحسن سيرته في
تبليغها، وإجراء شريعتها فيما عاملهم به من التحمّل
والمُلاينة، وجميل الدفاع، وعواطف الرحمة، وكرم المروءة،
وحسن الخلق، وحسن الولاية، وإن حروبه معهم وإن كانت لأجل
أشرف الغايات لم تكن إلا دفاعًا جميلاً لحماية الإصلاح
الديني والمدني، مقرونةً بحسن المعاملة وجميل الصفح وعظيم
المنّ وأيادي الرحمة مما لا يتصور من مُحارب مظفّر معتزّ
بنصيحة أصحابه وتفاديهم في سبيل نصره.
نعم كان كثير من النائين عن مركز (محمد) ينتظرون بإسلامهم
قوة الإسلام وارتفاع الموانع بينهم وبينه، ولأجل ذلك
تقاطرت إليه قبائلهم بالطوع والرغبة عندما ارتفعت الموانع.
إن من أنعم النظر في التاريخ وفلسفة الحقائق لا بد له من
أن يعترف بما قلناه، وإن كان النصارى الغربيون يودعون في
أذهان العوام أن (محمدًا) كان على أعظم جانب من القساوة
الحربية والتهاجم العدواني، وأن دينه لم ينتشر إلا بالسيف
العدواني القاسي، وأن ديانته وثنية وحشية، ولكن بعد النظر
إلى التاريخ والتحقق في دين الإسلام يتضح أن الحقيقة على
ما شرحناه، وأن توحيد الإسلام هو التوحيد الحقيقي.
الإسلام والمسيح
إن من أسباب نفرة النصارى من الإسلام هو توهّم أنه يقطع
علاقتهم بالدين المسيحي، ويكدّر صفاء إيمانهم بالسيد
المسيح، ويشوّش محبتهم له واعتصامهم به.. ولكن واقع الحال
أن الإسلام لا يقطع إلا علاقتهم بالتثليث، وسرّ الفداء،
وحمل آثام الناس ولعنات الناموس على سيدنا المسيح
وحاشاه...
إن الإسلام بقرآنه وبيانه يُمجّد رسالة المسيح، وينادي
بقدسه وطهارته، وبرّه وكماله، ويبرئه عما لوثت به الأناجيل
قدسه، فكيف يكدّر صفاء إيمان النصارى به، نعم إن الإسلام
ينفي ألوهية المسيح، وينفي الإيمان بألوهية البشر المضطهد.
ولعله ينقدح في نفوس البعض أن الإسلام اضطهد الكنيسة
الشرقية الزاهرة، ولكن الحقيقة هي أنه لم يُرِد منها إلا
أن تتنزه عن شرك التثليث البرهمي وعبادة الصور والأيقونات،
وزخرف التسابيح الموسيقية، وخداع الغفرانات وتأثيراته
المعروفة، وهل كانت زهرة الكنيسة إلا بهذه الأمور المظلمة.
إن الإسلام جعل للكنيسة أن تبقى على صورتها بضمان حمايته
بشرط أن تعطيه عهدًا على السلم وعدم الغدر، وأن لا تتجاهر
بالمنكرات وشرب الخمر ومضادة الإسلام. ألم تبقَ الكنيسة في
الشرق حين قوة الإسلام الحربية آمنةً مطمئنةً، يصدع
ناقوسها مع أذان المسلمين، ويجلس قساوسها محترمين مع
علمائهم، تجري في أعيادها ومواسمها على رسومها؟!
النظر في دين الإسلام ورسالته وقرآنه
لا يخفى على من نظر في القرآن بنظر حر أنه جرى بكرامة
منهجه على حقيقة الحكمة واللطف في الدعوة إلى حقيقة
التوحيد وشريعة العدل والمدنية، اللذين هما المقصود الأصلي
والمطلب الأساسي، فسلك في أمرهما أحسن مسلك في الحجة، فلم
يهاجم في الأمور الثانوية العرضية بصراحة تثير العصبية
فتكون معثرة في سبيل المقصود الأصلي وروح الإصلاح مهما
أمكن البيان لأولي العقول بنحو جميل، وليس من حكمة الدعوة
لأهل الكتاب أن يجاهرهم بالصراحة بأنّ كتبهم التي بأيديهم
قد كثُر فيها التحريف والتبديل والكفر الوثني والخرافات
الكثيرة والتناقض الظاهر، إذ لا يخفى أن المجاهرة بذلك
تهيج داء العصبية المهلك، وتنفر عن الإقبال إلى الإيمان
الصحيح، وتصرف عن الإصغاء إلى بيان الحق.
والهداية إلى الحق لا تنحصر بالمجاهرة التي ذكرناها، بل إن
القرآن أظهر ذلك وبيّنه وأوضحه بأحسن بيان وأجمل إيضاح،
فأوقف ذوي العقول على بعض موارد التبديل والتحريف والزيادة
بخصوصياتها، بحيث تتنبه عقولهم ووجدانهم لذلك على حين غفلة
من هياج العصبية، فتعرّض لذكر القصص التي لها نحو وقوع في
التاريخ فنزّهها عن الخرافات والأغلاط الزائدة، وأوردها
على الحقيقة المعقولة استلفاتًا للعقول إلى الخرافات
الدخيلة في الوحي، وأما ما لم يكن له نحو وقوع فلم يتعرّض
لتكذيبه بالصراحة لكنه أودع في معارفه ما يوضح تكذيبه،
وهذا شيء في غاية الحكمة بحسن الإرشاد.
فالقرآن بجميل إشارته ووضوح حجته يشير إلى كذب جملة من
منقولات العهدين الرائجين، وإليك جملة من موارد ذلك :
فمن
ذلك
: أن العهد القديم والعهد الجديد قد نصّا على نبوة يعقوب
وموسى وهارون وداود وسليمان وأرميا والمسيح عليهم السلام،
وأنهم أُكرموا بالوحي والقداسة والأمر بإرشاد للناس، ومع
ذلك ينسب العهدان إلى هؤلاء الأنبياء الكرام ما ينافي مقام
النبوة والإمامة في الناس للإرشاد والتعليم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى كذب هذه النسبة الساقطة بقوله
تعالى في الآية الرابعة والعشرين بعد المائة من سورة
البقرة: {وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}،
(كما تقتضيه الحكمة وجلال الله وقدسه)،
{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}()،
فإن الكذب، والخديعة، والجرأة، وسوء الأدب مع الله،
وخيانته، وعدم الإيمان به، والاستهزاء بوعده، ونسبة الخداع
والكذب إليه، والزنا الفاحش بالمحصنات، والغدر بالمؤمنين،
والدعوة إلى الشرك بالله، وعبادة غيره، وبناء مشاعر
الأوثان، والقول بتعدد الأرباب والآلهة، والتحريف، هذه
كلها من أقبح الظلم، ومرتكبها من الظالمين، والعقل
والوجدان يُقبّحان ائتمان الظالم على الرسالة والنبوة
وإمامة الدين والتوحيد والشريعة.
ومنها
: قصة آدم (عليه السلام) وأكله من الشجرة، وما فيها من
نسبة الكذب إلى الله عز وجل (وحاشا لله)، حيث أخبر آدم أنه
يوم يأكل من شجرة الحسن والقبح يموت، بينما ينسب الصدق إلى
الحية التي هي إبليس لعنه الله، حيث أخبرتهما الحية أن تلك
الشجرة التي نهيا عن الأكل منها هي شجرة معرفة الحسن
والقبح، فلما أكلا منها لم يموتا كما أخبرهما الله عز وجل،
وإنما أصبحا عارفين بالحسن والقبح كما أخبرهما إبليس لعنه
الله().
ومنها
: خرافة أن الله جسم يتمشى، وله صوت، ويختبئ منه آدم،
ويقول لآدم أين أنت..؟ من أعلمك أنك عريان..؟ هل أكلت من
الشجرة..؟. وأن آدم صار كواحد من الآلهة في معرفة الحسن
والقبح.. وأن الإله خشي أن يأكل آدم من شجرة الحياة فيعيش
إلى الأبد().
ومنها
: أن يعقوب عليه السلام خادع أباه إسحاق وكذب عليه مرارًا
لكي يأخذ منه البركة().
ومنها
: خرافة مصارعة يعقوب مع الله وما فيها من الكلمات
الوثنية، فإن القرآن يوضح بطلان هذه الخرافات بما تضمنته
معارفه وتعاليمه بحقيقة التوحيد وجلال الله وقدسه وأنه
الواحد القهار().
ومنها
: ما نسب إلى موسى عليه السلام من الجرأة على الله بالخطاب
والشك في وعده().
ومنها
: أن هارون صنع العجل
الوثني لكي يتخذه بنو إسرائيل إلهًا ويعبدوه من دون الله،
وصنع أمام العجل مذبحًا لعبادته، مع أن الله في ذلك الحين
كان يكلّم موسى في تقديس هارون بالكلام الطويل لرياسة
الدين والشريعة، وإن الله كلّم هارون في أمور الدين
والشريعة مع موسى ومنفردًا قبل واقعة العجل وبعدها().
في حين أن القرآن ينسب عمل العجل والدعوة للشرك إلى
السامري (الشمروني) من عشيرة شمرون ابن يساكر ابن يعقوب
الذين كان منهم مع موسى ألوف، ويبرئ هارون من أمر العجل،
ويوضّح أنه نصح بني إسرائيل ونهاهم عن عبادته، وأخبرهم
بفتنتهم وضلالهم.
فالقرآن أوضح حال الخرافة الجامعة بين نبوة هارون وتقديس
الله له والدوام على تكليمه، وبين كون هارون يدعو إلى
الشرك ويصنع العجل الوثني ويبني له مشعر العبادة().
ومنها
: ما ورد من أمر موسى عليه السلام بقتل الأطفال، وجعله
شريعة جرى عليها خليفته يشوع (يوشع)، حيث ورد في التوراة
أنه لما تغلب بنو إسرائيل على المديانيين وسبوا نساءهم
وأطفالهم، أمرهم موسى أن يقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل
امرأة ثيبة، وأما الأطفال من النساء اللواتي لم يقربهن ذكر
فإنهن يبقين حيات لهم، وقد كنّ اثنين وثلاثين ألفًا.
وأن الله أمر بني إسرائيل أن يحرموا مدن الحثيين
والأموريين والكنعانيين والفرزيين واليبوسيين، ولا يبقوا
منها نسمة أصلاً من البشر أو من البهائم، وعلى ذلك جرى
يوشع بن نون في حروبه، وأن المقتولين من الأطفال والنساء
يزيدون على مئات الألوف().
ومنها
: ما ورد في التوراة عن الله جل شأنه أن موسى وهارون
عليهما السلام لم يؤمنا بالله، وعصياه، وخاناه().
ومنها
: ما ورد من أن أرميا نسب الخداع والكذب إلى الله جل شأنه().
ومنها
: ما نسب إلى سليمان عليه السلام من اتّباع الأوثان
وعبادتها وبناء مشاعرها، حيث تذكر التوراة الرائجة بأن
سليمان خالف الشريعة وتزوج بالنساء المشركات، فأملن قلبه
وراء آلهة أخرى، فذهب سليمان وراء عشتاروت إلهة
الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين، وبنى مرتفعة لكموش رجس
الموابيين، ولمولك رجس بني عمون، وعمل لسائر نسائه
المشركات مثل ذلك.
وقد تكرر نسبة هذا العمل الإشراكي لسليمان في العدد الثالث
عشر من الفصل الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.
فكيف يرضى أحد أن يقال في جلال الله أنه يختار لإنقاذ
عباده من الشرك والفساد رجلاً يعلم أنه يشرك، ويدعو إلى
العبادة الوثنية، ويعمل أوثانها، ويبني مشاعر عبادتها؟!()
ومنها
: ما ورد من أن (امنون) بن داود عشق أخته ثامار بنت داود
حتى زنا بها.. وقد سمع داود بذلك، فلم يعامل (امنون) بحدود
الشريعة.. وأن (أبشالوم) بن داود زنا بسراري أبيه ونسائه
على السطح بمنظر بني إسرائيل، ولما مات بكى عليه داود
كثيرًا بصراخ، قائلا: من يجعل موتي أنا عوضًا عنك يا
أبشالوم ابني يا ابني().
ومنها
: ما نسب إلى داود (عليه السلام) من نسبة الزنا بامرأة
أوريا المؤمن المجاهد الناصح، وحكاية الحمل من الزنا، فذلك
مما تقشعرّ منه الجلود، ولا يصدر من أكثر الفسّاق
المتهتكين الخائنين().
ومنها
: قول التوراة الرائجة أن موسى وهارون وابنيه وسبعين من
شيوخ بني إسرائيل رأوا الله وتحت رجليه شبه صنعة العقيق،
ولم يمد الله يده إليهم بل رأوه وأكلوا وشربوا.
في حين أن في آيات القرآن ما يكذّب هذه الحكاية ويسفّهها،
مضافًا إلى أن القرآن الكريم يكذّب خرافة رؤية الله
-المتكررة في التوراة والعهد القديم -بقوله تعالى في الآية
الثالثة بعد المائة من سورة الأنعام المكية:
{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ}().
ومنها
: حكاية الذين جاؤوا إلى إبراهيم وإلى لوط، واضطراب
التوراة الرائجة في عددهم، وفي أنهم الله أو ملائكة، وذكرت
أنهم أكلوا من طعام إبراهيم ولوط، في مقابل بيان كرامة
القرآن في ذكره لهذه القصة على الوجه المعقول، حيث يقول
تبارك وتعالى : {هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ
قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ
بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا
تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا
تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}().
ومنها
: أن إنجيل يوحنا ينسب إلى المسيح ( عليه السلام ) قوله
بتعدد الآلهة مع الاحتجاج الساقط والتحريف الواهي().
وإن أناجيل متى ومرقس ولوقا تنسب إلى المسيح القول بتعدد
الأرباب مع الاحتجاج الساقط والتحريف الكبير، وما تذكره
الأناجيل في أحوال تلاميذ المسيح مما لا ينفك عن الظلم ولو
بمحض خذلانهم للمسيح ونكولهم عن مواساته التي طلبها منهم
مرارًا بالتأكيد().
والقرآن -بآية العهد المتقدمة- يوضّح أن الأناجيل قد خالفت
الحقيقة بأحد أمرين: إما بوصف التلاميذ بما مر من صفات
الذم.
وإما بإرسال المسيح للتلاميذ بعده ليُعلّموا جميع الأمم
ويعظوا العالم أجمع بالإنجيل، وأنه أرسلهم كما أن الله
أرسله()،
وهذه هي الإمامة في الناس.
بل جاء في انجيل متى أن المسيح قال للتلاميذ : "إن كل ما
يربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السموات وكل ما يحلونه
على الأرض يكون محلولاً في السموات"().
وكيف يجتمع في كتاب الوحي أن المسيح يقول لبطرس : اذهب عني
يا شيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله بل بما
للناس، مع قول المسيح له: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني
كنيستي، وأعطاه إمامة الحل والربط في الديانة كما تقدم
لسائر التلاميذ().
ومنها
: أن بولس كان ضدًا للكنيسة، وكان يهجم على البيوت، ويجر
المؤمنين بالمسيح نساءً ورجالاً إلى السجن، ويقتلهم،
ويعاقبهم، ويضطرهم إلى التجديف (الكفر بالمسيح وشتمه)،
وكان مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا().
وكيف يجتمع هذا مع ما يذكره العهد الجديد في أعمال الرسل
والرسائل المنسوبة إلى بولس أن بولس صار رسولاً وإمامًا،
بل كان النفوذ لإمامته في النصراني، فقد قالت رسائله ما
شاءت من إبطال شريعة التوراة وعيبها وذمها().
فالقرآن يوضّح أن التلاميذ وبولس إن كانوا رسلاً وأنبياء
وأئمة، فوصفهم بما يؤدي إلى كونهم ظالمين كاذب، وإن كانوا
كما وُصفوا به فوصفهم بالرسالة والنبوة والإمامة كاذب،
وهذا العهد الجديد قد جمع بين المتنافيين فإن الظالم لا
يكون إمامًا.
(انتهى المقال)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|