السنة الثامنة / العدد الواحد والعشرون/ حزيران  :  2012م / رجب : 1433هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

تتمة مقال =  مناظرة الإمام الرضا (عليه السلام)

مع الهربذ الأكبر

ثم دعا (عليه السلام) بالهربذ الأكبر، فقال له الرضا (عليه السلام): أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك على نبوته؟

قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله، ولم نشهده ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه.

قال (عليه السلام): أفليس إنما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟!

قال: بلى.

قال: فكذلك سائر الأمم السالفة، أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، فما عذركم في ترك الإقرار لهم إذا كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قِبَلِ الأخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به غيره؟! فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضا (عليه السلام): يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

مع عمران الصابئ

فقام إليه عمران الصابئ، وكان واحدًا في المتكلمين، فقال: يا عالم الناس، لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ولقيت المتكلمين، فلم أقع على أحد يثبتُ لي واحدًا ليس غيره قائمًا بوحدانيته، أفتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضا (عليه السلام): إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو.

فقال: أنا هو.

فقال (عليه السلام): سل يا عمران، وعليك بالنّصفة، وإياك والخطل والجور.

قال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئًا أتعلق به فلا أجوزه.

قال (عليه السلام): سل عما بدا لك، فازدحم عليه الناس، وانضم بعضهم إلى بعض.

فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق.

قال (عليه السلام): سألت فافهم، أما الواحد فلم يزل واحدًا كائنًا، لا شيء معه، بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقًا مبتدعًا مختلفًا، بأعراض وحدود مختلفة، لا في شيء أقامه([39])، ولا في شيء حده، ولا على شيء حذاه، ولا مثله له،([40]) فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة، واختلافًا وائتلافًا، وألوانًا وذوقًا وطعمًا، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانًا، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي.

قال (عليه السلام): واعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها، لأنه لم يحدث من الخلق شيئًا إلا حدثت فيه حاجة أخرى([41]). ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضل بعضهم على بعض، بلا حاجة منه إلى من فضّل، ولا نقمة منه على من أذل، فلهذا خلق([42]).

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلومًا في نفسه عند نفسه([43])؟

قال الرضا (عليه السلام): إنما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه، وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودًا، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها([44])، أفهمت يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي. فأخبرني بأي شيء علم ما علم، أبضمير أم بغير ذلك؟([45]).

قال الرضا (عليه السلام): أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدًا من أن تجعل لذلك الضمير حدًا ينتهي إليه المعرفة؟!

قال عمران: لا بد من ذلك([46]).

قال الرضا (عليه السلام): فما ذلك الضمير؟ فانقطع ولم يحر جوابًا.

قال الرضا (عليه السلام): لا بأس، وإن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟! فإن قلت نعم، أفسدت عليك قولك ودعواك.

يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع، وليس يتوهم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم([47])؟! فاعقل ذلك وابنِ عليه ما علمت صوابًا.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي وما معانيها وعلى كم نوع يتكون؟

قال (عليه السلام): قد سألت فافهم، إن حدود خلقه على ستة أنواع([48]):

ملموس وموزون ومنظور إليه.

وما لا وزن له([49]) -وهو الروح-.

ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق.

والتقدير.

والأعراض، والصور، والعرض، والطول.

ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها([50]) وتغيّرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.

وأما الأعمال والحركات فإنها تنطلق لأنها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدًا لا شيء غيره ولا شيء معه أليس قد تغير بخلقه الخلق؟

قال الرضا (عليه السلام): لم يتغير عز وجل بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران: فبأي شيء عرفناه؟

قال (عليه السلام): بغيره.

قال: فأي شيء غيره؟

قال الرضا (عليه السلام): مشيَّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك([51])، وكل ذلك محدَث مخلوق مدبَّر.

قال عمران: يا سيدي فأي شيء هو؟

قال (عليه السلام): هو نور، بمعنى أنه هادٍ لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليّ أكثر من توحيدي إياه.

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتًا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضا (عليه السلام): لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله([52])، والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إن السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون، وإنما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك([53]).

قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا (عليه السلام): أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيّره، يا عمران هل تجد النار يغيّرها تغيّر نفسها([54])، أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها، أو هل رأيت بصيرًا قط رأى بصره؟([55]).

قال عمران: لم أر هذا. ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه؟

قال الرضا (عليه السلام): جلَّ يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلمك ما تعرفه به ولا حول ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء استدللت بها على نفسك؟!

قال عمران: بضوء بيني وبينها.

فقال الرضا (عليه السلام): هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك؟

قال: نعم.

قال الرضا (عليه السلام): فأرناه، فلم يحر جوابًا.

قال الرضا (عليه السلام): فلا أرى النور إلا وقد دلّك ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً، ولله المثل الأعلى.

ثم التفت (عليه السلام) إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.

قال الرضا (عليه السلام): نصلي ونعود.

فنهض ونهض المأمون، فصلى الرضا (عليه السلام) داخلاً، وصلى الناس خارجًا خلف محمد بن جعفر، ثم خرجا، فعاد الرضا (عليه السلام) إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران.

قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز وجل هل يوحّد بحقيقة أو يوحد بوصف؟([56]).

قال الرضا (عليه السلام): إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدًا لا شيء معه، فردًا لا ثاني معه، لا معلومًا ولا مجهولاً، ولا محكمًا ولا متشابهًا، ولا مذكورًا ولا منسيًا، ولا شيئًا يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام، ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شيء غيره([57])، وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدَثة وترجمة يفهم بها من فهم([58]).

واعلم أن الإبداع والمشيَّة والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة، وكان أول إبداعه وإرادته ومشيَّته: الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء ودليلاً على كل مدرَك، وفاصلاً لكل مشكِل، وتلك الحروف تفريق كل شيء([59]) من اسم حق وباطل، أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى([60]) غير أنفسها يتناهى، ولا وجود([61]) لأنها مبدعة بالإبداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل، علَّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفًا، فمنها ثمانية وعشرون حرفًا تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفًا([62]) تدل على اللغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرَّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات([63])، فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفًا، فأما الخمسة المختلفة فبحجج([64]) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها([65]) وإحكام عدتها فعلاً منه كقوله عز وجل: {كُنْ فَيَكون}، وكُنْ منه صنعٌ، وما يكون به المصنوع.

فالخلق الأول من الله عز وجل: الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس.

والخلق الثاني: الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها.

والخلق الثالث: ما كان من الأنواع كلها محسوسًا ملموسًا ذا ذوق منظورًا إليه.

والله تبارك وتعالى سابق للإبداع، لأنه ليس قبله عز وجل شيء ولا كان معه شيء، والإبداع سابق للحروف، والحروف لا تدل على غير أنفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟

قال الرضا (عليه السلام): لأن الله تبارك و تعالى لا يجمع منها شيئًا لغير معنى أبدًا، فإذا ألّف منها أحرفًا أربعة أو خمسه أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلّفها لغير معنى، ولم يكُ إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئًا.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضا (عليه السلام): أما المعرفة فوجه ذلك وبابه أنك تذكر الحروف([66])، إذا لم تُرِدْ بها غير أنفسها ذكرتها فردًا فقلتَ: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فَلَمْ تجدْ لها معنى غير أنفسها، فإذا ألّفتها وجمعت منها أحرفًا وجعلتها اسمًا وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت، كانت دليلة على معانيها، داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟

قال: نعم.

قال الرضا (عليه السلام): واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف، ولا اسم لغير معنى، ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل على الإحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس([67])، لأن الله عز وجل وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جل وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا([68])، ولكن يُدلُّ على الله عز وجل بصفاته، ويُدركُ بأسمائه، ويُستدلُ عليه بخلقه، حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جلّ ثناؤه لا تدلّ عليه، وأسماؤه لا تدعو إليه، والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه([69]) كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحَّد غير الله تعالى، لأن صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟

قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضا (عليه السلام): إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله عز وجل وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدًا([70])، ولكن القوم تاهوا وعَموا وصَمّوا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عز وجل: {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}([71]) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذوو الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ههنا([72])، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بُعدًا، لأن الله عزّ وجل جعلَ علمَ ذلك خاصةً عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع خلقٌ هو أم غير خلق؟

قال الرضا (عليه السلام): بل خلق ساكن([73]) لا يُدرَكُ بالسكون، وإنما صار خلقًا لأنه شيءٌ محدَث، والله الذي أحدثه، فصار خلقًا له، وإنما هو الله عزّ وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عز وجل لم يَعْدُ أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكنًا ومتحركًا ومختلفًا ومؤتلفًا ومعلومًا ومتشابهًا، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل.

واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مُدرَك للحواس([74])، وكل حاسة تدل على ما جعل الله عز وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله([75]).

واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خَلَقَ خلقًا مُقدَّرًا بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين اثنين([76]) التقدير والمقدر، فليس في كل واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن([77])، فجعلَ أحدَهما يُدرَك بالآخر، وجعلَهما مُدرَكين بأنفسهما، ولم يخلق شيئًا فردًا قائمًا بنفسه دون غيره، للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده([78])، والله تبارك وتعالى([79]) فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه([80])، والخلق يمسك بعضه بعضًا بإذن الله ومشيَّته، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا، وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم، فازدادوا من الحق بعدًا، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك ما تحيّروا فيه ارتبكوا([81])، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة.

قال: سل عما أردت.

قال: أسألك عن الحكيم في أي شيء هو، وهل يحيط به شيء، وهل يتحوّل من شيء إلى شيء، أو به حاجة إلى شيء؟

قال الرضا (عليه السلام): أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنه مِن أغمضِ ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتفاوت عقله العازب علمه([82])، ولا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون.

أما أول ذلك: فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحوّل إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك، ولكنه عزّ وجل لم يخلق شيئًا لحاجته([83])، ولم يزل ثابتًا لا في شيء ولا على شيء، إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضًا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه، والله عزّ وجل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عزّ وجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لأمره وخزّانه القائمين بشريعته، وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب([84])، إذا شاء شيئًا فإنما يقول له: كن، فيكون بمشيته وإرادته، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء، ولا شيء منه هو أبعد منه من شيء([85]). أفهمت يا عمران؟

قال: نعم يا سيدي قد فهمت، وأشهد أن الله على ما وصفته ووحّدته، وأن محمدًا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثم خر ساجدًا نحوا القبلة وأسلم.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابئ، وكان جدلاً لم يقطعه عن حجته أحد قط، لم يدنُ من الرضا (عليه السلام) أحد منهم ولم يسألوه عن شيء، وأمسينا فنهض المأمون والرضا (عليه السلام) فدخلا وانصرف الناس.

وكنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إليّ محمد بن جعفر فأتيته.

فقال لي: يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك، لا والله ما ظننت أن علي بن موسى خاض في شيء من هذا قط، ولا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إلى أصحاب الكلام.

قلت: قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم، وكلّمه من يأتيه لحاجة([86]).

فقال محمد بن جعفر: يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمّه أو يفعل به بليّة، فشِرْ عليه بالإمساك عن هذه الأشياء.

قلت: إذًا لا يقبل مني([87]). وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه (عليهم السلام).

فقال لي: قل له: إن عمّك قد كره هذا الباب وأحبَّ أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى.

فلما انقلبْتُ إلى منزل الرضا (عليه السلام) أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسّم، ثم قال: حفظ الله عمّي، ما أعرفني به لِمَ كره ذلك، يا غلام صرْ إلى عمران الصابئ فأتني به.

فقلت: جعلت فداك أنا أعرف موضعه، هو عند بعض إخواننا من الشيعة.

قال (عليه السلام): فلا بأس قرِّبوا إليه دابة.

فصرت إلى عمران فأتيته به، فرحب به ودعا بكسوة، فخلعها عليه وحمله([88])، ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها.

فقلت: جعلت فداك، حكيت فعل جدك أمير المؤمنين (عليه السلام).

فقال: هكذا نحب([89]).

ثم دعا (عليه السلام) بالعشاء، فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره، حتى إذا فرغنا قال لعمران: انصرف مصاحَبًا وبكِّر علينا نطعمك طعام المدينة.

فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم، وأعطاه الفضل مالاً وحمله، وولاّه الرضا (عليه السلام) صدقات بلخ([90]) فأصاب الرغائب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([39]) أي في مادة قديمة كما زعمته الفلاسفة. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([40]) في نسخة (د): (ولا مثله).

([41]) أي لو كان خلق ما خلق لحاجة لا يسع الله الحاجة ولا يصل إلى نهاية في الحاجة لأنه كلما أحدث شيئًا من الخلق لرفع حاجته حدثت في الله حاجة أخرى، وذلك لأن المحتاج في أموره يحتاج في كل شيء بيده إلى أشياء غيره كما هو الشأن في الناس.

([42]) أي لحاجة بعض إلى بعض وتفضيل بعض على بعض حتى يقع المحنة التي أخبر عن كونها غاية بقوله: {خَلَقَ المَوْتَ وَالحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ}، وفي نسخة (ط): (ولا نقمة منه على من أرذل).

([43]) احتمل في البحار عدة وجوه لبيان هذا المعنى، وقد اقتصرنا على نقل الوجهين الأول والثالث:

الوجه الأول: أن يكون المراد بالكائن الصانع تعالى، والمعنى ان الصانع تعالى هل كان معلومًا في نفسه عند نفسه قبل وجوده؟ فأجاب (عليه السلام) بأن المعلمة قبل الشيء إنما يكون لشيء يوجده غيره فيصوّره في نفسه حتى يدفع عنه ما ينافي وجوده وكماله، ثم يوجده على ما تصوره. والواجب الوجود بذاتِه، ذاتُه مقتضٍ لوجوده، ولا مانع لوجوده حتى يحتاج إلى ذلك، فلذلك هو أزلي غير معلول.

الوجه الثالث: أن يكون المراد بالكائن الحادث المعلول، والمراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه، وحاصل الجواب على هذا: أن المخلوق إذا أراد صنع شيء يصوّره أولاً في نفسه لعجزه عن الإتيان بكل ما يريد، ولإمكان وجود ما يخالفه ويعارضه فيما يريده، فيصوّره في نفسه على وجه لا يعارضه شيء في حصول ما أراد منه، وينفي الموانع عن نفسه بتحديد ما علم منه، وأما الصانع تعالى فهو لا يحتاج إلى ذلك لكمال قدرته، ولعدم تخيّل الموانع عن الايجاد ثمة، بل إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، فليس المراد نفي العلم رأسًا، بل نفي العلم على الوجه الذي تخيّله السائل بوجه يوافق فهمه، وضمير (منها) راجع إلى الشيء الكائن باعتبار النفس أو إلى النفس، أي علمًا ناشئًا من النفس. (التحرير نقلا عن بحار الأنوار)

([44]) تفصيل سؤاله أنه تعالى لو كان لم يزل واحدًا كائنًا لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض لم يكن عالمًا بذاته لأن معلومية شيء عند العالم به يستلزم صورة حاصلة منه في نفس العالم وهذا ينافي وحدته المطلقة، والجواب أن ذلك غير لازم في علم الشيء بنفسه لأن المَعلَمة أي الصورة الذهنية إنما يُحتاج إليها ليتعين المعلوم عن غيره عند العالم وهو يحصل بنفي الغير عنه وتحديده بحدود نفسه، ولم يكن في علم الشيء بنفسه معلوم يخالف نفس الشيء حتى يحتاج في تعينه إلى نفي ذلك الغير بتحديد المعلوم الذي هو نفسه، و(من) في قوله: (ما علم منها) بيانية، والضمير يرجع إلى نفسه.

([45]) هذا سؤال عن علمه تعالى بغيره، والمراد بالضمير هو الصورة الحاصلة من ذات المعلوم في نفس العالم، فأفحمه (عليه السلام) أولاً بأنه لا بد في الحكم بكون علمه تعالى بالضمير من أن تعرف الضمير وتحدده، فهل تقدر على ذلك، فأظهر العجز، ثم أغمض (عليه السلام) عن ذلك، وتسلّم أنك تقدر على التعريف، فهل تعرفه بضمير آخر أم لا؟ فقال: نعم أعرفه بضمير آخر، فأثبت (عليه السلام) بذلك فساد دعواه وفرض كون علمه بضمير، وبيان ذلك: أن كل علم بكل شيء لو كان بالضمير والصورة الذهنية لكان العلم بنفس الصورة أيضًا بصورة ذهنية أخرى فيلزم التسلسل في الصور ولا يحصل العلم بشيء أبدًا، فالعلم بنفس الصورة الذهنية إنما هو بحضور الصورة نفسها، فإذا أمكن أن يكون علمنا ببعض الأشياء بحضوره عند نفوسنا أمكن أن يكون علمه تعالى بالأشياء كلها بحضورها عنده، فليكن ذلك لئلا يتوهم انثلام وحدته تعالى، وإلى هذا أشار (عليه السلام) بقوله: (يا عمران أليس ينبغي أن تعلم - الخ)، وفي نسخة (و) و (ه‍(: )أن تعرف..الخ).

([46]) في نسخة (فقال: نعم، قال الرضا).

([47]) في البحار وفي نسخه (ه‍( و (ج) و (ب): (تجربة) بالراء المهملة والباء الموحدة في الموضعين وما هنا أنسب بل المناسب، وهذا لدفع دخل مقدر هو أنه لو كان واحدًا ليس فيه جهة وجهة فكيف يصدر منه الكثير، فأجاب (عليه السلام) بأن الصادر منه ليس إلا واحدًا وهو فيضه الساري في الماهيات، وليس يتصور منه جهات وأجزاء كما في الممكنات.

([48]) يخطر بالبال عند اللفت إلى ستة أنواع سرد المدركات بالحواس الخمس وما لا يدرك بها كائنًا ما كان، ويمكن تطبيق المذكورات عليها. وللعلامة المجلسي (رحمه الله)  توزيع لتطبيق المذكورات على الستة.

قال في البحار: قوله (عليه السلام): (على ستة أنواع) لعل الأول ما يكون ملموسًا وموزونًا ومنظورًا إليه.

والثاني: ما لا يكون له تلك الأوصاف كالروح، وإنما عبّر عنه بما لا ذوق له اكتفاء ببعض صفاته، وفي بعض النسخ: (وما لا لون له وهو الروح) وهو أظهر للمقابلة.

والثالث: ما يكون منظورًا إليه، ولا يكون ملموسًا ولا محسوسًا ولا موزونًا ولا لون له كالهواء أو السماء، فالمراد بكونه منظورًا إليه أنه يظهر للنظر بآثاره، أو قد يرى ولا لون له بذاته، أو يراد به الجن والمَلَك وأشباههما، والظاهر أن قوله: (ولا لون) زيد من النساخ.

والرابع: التقدير ويدخل فيه الصور والطول والعرض.

والخامس: الأعراض القارة المدركة بالحواس، كاللون والضوء، وهو الذي عبر عنه بالأعراض.

والسادس: الأعراض الغير القارة كالأعمال والحركات التي تذهب هي وتبقى آثارها. ويمكن تصوير التقسيم بوجوه أخر تركناها لمن تفكر فيه. (التحرير نقلاً عن البحار ج10 ص322)

([49]) في نسخة (و) و(د): (وما لا ذوق له).

([50]) بصيغة التفعيل أو الأفعال أو الثلاثي من العلامة، وفي نسخة (ن) و (ج): (تعملها) فتكرير لتصنع.

([51]) يحتمل أن يكون المعنى: آثار المشيّة والصفات، فإنها قد عَرَفْنا اللهَ بها وهي محدَثات، أو المعنى: أن كل ما نتعقّل من صفاته تعالى وندركه بأذهاننا فهي مخلوقة مصنوعة، والله تعالى غيرها. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([52]) لأنه عدم الملكة ولا يصح إلا فيما تصح ملكته، فليس الله ساكتًا ولا ناطقًا بالمعنى الذي فينا حتى يلزم فيه التغير والتركيب، كما لا يقال للسراج: أنه ساكت حين طفئه ولا أنه ناطق حين أضاءته، وقوله: (ولا يقال إن السراج ليضيئ فيما يريد - الخ) كأنه تمثيل وبيان لقوله: (هو نور) حتى لا يتوهم السامع من تفسيره بالهادي أن النور كون وإحداث وراء ذاته تعالى، بل هو هو وليس شيء غيره (...)، كما أن الضوء عين السراج لا أنه كون وإحداث وراء ذاته، وللمجلسي (رحمه الله)  في تفسير هذا الكلام غير ذلك.

([53]) في نسخة (د): (يستقر أمرك).

([54]) حاصله: أن الشيء لا يؤثر في نفسه بتغيير وإفناء وتأثير، بل إنما يتأثر من غيره، فالنار لا تتغير إلا بتأثير غيرها فيها، والحرارة لا تحرق نفسها، والبصر لا ينطبع من نفسه، بل من صورة غيره، فالله سبحانه لا يمكن أن يتأثر ويتغيّر بفعل نفسه، وتأثيرُ غيره تعالى فيه محال، وأما الإنسان إذا ضرب عضوًا منه على عضو آخر فيتأثر فليس من ذلك، لأن أحد العضوين مؤثِر والآخر متأثر، أو يقال: الإنسان أثّر في نفسه بتوسط غيره وهو عضو منه، والله سبحانه لا يتأتى فيه ذلك لوحدته الحقيقية وبساطته المطلقة، فلا يعقل تغيّره بفعل نفسه بوجه، ثم لما توهّم عمران أن الخلق والتأثير لا يكون إلا بكون المؤثِر في الأثر أو الأثر في المؤثر، أجاب بذكر بعض الشرائط والعلل الناقصة على التنظير، فمثّل بالمرآة حيث يشترط انطباع صورة البصر في المرآة وانطباع صورة المرآة في البصر بوجود ضوء قائم بالهواء المتوسط بينهما، فالضوء علّة ناقصة لتأثر البصر والمرآة مع عدم حصوله في شيء منهما، وعدم حصول شيء منهما فيه، فلِمَ لا يجوز تأثير الصانع في العالم مع عدم حصول العالم فيه ولا حصوله في العالم!. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([55]) المراد بهذه الأمثلة بيان أن الشيء لا يتغير من قبل نفسه ولا من قبل فعله، بل إنما يتغير بتأثير غيره، فإذا امتنع تأثير الغير فيه امتنع تغيره.

([56]) بالحاء المهملة المشددة المفتوحة، أي هل يتأتى توحيده مع تعقل كنه حقيقته، أو إنما يوحّد مع تعقّله بوجه من وجوهه وبوصف من أوصافه؟ وفي بعض النسخ (يوجد) بالجيم من الوجدان، أي يعرف، وهو أظهر، فأجاب (عليه السلام) بأنه إنما يعرف بالوجوه التي هي محدثة في أذهاننا، وهي مغايرة لحقيقته تعالى، وما ذكره أولاً لبيان أنه قديم أزلي والقديم يخالف المحدثات في الحقيقة، وكل شيء غيره فهو حادث. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([57]) في نسخة (ج) و (ه‍(: )قبل خلقه الخلق - الخ).

([58]) في هامش نسخة (ط): (وما أوقع عليه من المثل - الخ)، وفي هامش نسخة (ن): (وما أوقعت عليه من المثل)، وفي نسخة (ج): (وما أوقعت عليه من الشكل).

([59]) في البحار وفي نسخة (و)، (وبتلك الحروف تفريق كل شيء)، وفي نسخة (ج): (وتلك الحروف تفرق كل معنى)، وفي نسخة (ط): (وتلك الحروف تفريق كل معين)، وفي نسخة (ه‍(: (وتلك الحروف تعريف كل شيء)، وفي هامشه: (تعرف كل شيء).

([60]) أي إنما خلق الحروف المفردة التي ليس لها موضوع غير أنفسها، ولم يجعل لها وضعًا ولا معنى ينتهي إليه ويوجد ويعرف بذلك الحرف، ويحتمل أن يكون المراد بالمعنى الصفة، أي أول ما خلقها كان غير موصوف بمعنى وصفةٍ ينتهي إليها ويوجد، لأنها كانت مبدَعة بمحض الإبداع ولم يكن هناك شيء غير الابداع والحروف حتى يكون معنى للحروف أو صفة لها، والمراد بالنور الوجود إذ به يظهر الأشياء كما تظهر الموجودات للحس بالنور، فالإبداع هو الإيجاد، وبالإيجاد تصير الأشياء موجودة، فالإبداع هو التأثير، والحروف هي الأثر موجودة بالتأثير، وبعبارة أخرى: الحروف محل التأثير يعبّر عنه بالمفعول والفعل، والأثر هو الوجود. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار).

([61]) قوله: (يتناهى) صفه لمعنى، وقوله: (ولا وجود) عطف على معنى، وفي البحار: (ولا وجود لها لأنها - الخ)

([62]) حروف الهجاء قد تعدّ ثمانية وعشرين بِعَدِّ الألف والهمزة واحدة كما هنا، وقد تُعَدُّ تسعة وعشرين بِعَدِّهما اثنتين.

([63]) في نسخة (ج): (من الثمانية والعشرين حرفًا).

([64]) في البحار وفي نسخة (و): (فحجج).

([65]) في نسخة (د) وحاشية نسخه (ب): (بعد اختصاصها).

([66]) في البحار وفي نسخة (ج) و (ه‍(: (وبيانه أنك تذكر الحروف).

([67]) أي صفات الله وأسماؤه كلها دالة على وجوده وكماله، لا على ما يشتمل على النقص كالإحاطة، وقوله: (كما تدل) بيان للمنفي، أي كأن يدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، ويحتمل أن يكون المعنى: لأن الإحاطة تدل على أن المحاط مشتمل على الحدود. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار).

([68]) في نسخة (ج): (بالصورة التي ذكرنا).

أي لأنه ضروري أنه لا يحد بالحدود ولا يوصف بها، أو المعنى أنه تعالى لا يعرف بالتحديد لأنه لا يحلّ فيه الحدود، وقد ذكرنا أنه "ضروري أنه لا حد لغير محدود"، فلو عرف بالحدود يلزم كونه محدودًا بها، ولعل غرضه تنزيهه تعالى عن صفات تلك المعرفات بأن الحروف وإن دلت عليه لكن ليس فيه صفاتها، والمعاني الذهنية وإن دلتنا عليه لكن ليس فيه حدودها ولوازمها. ثم استدل (عليه السلام) بأنه لا بد أن ينتقل الناس من تلك الأسماء والصفات التي يدركونها إلى ذاته تعالى بوجه، وإلا يلزم أن يكون الخلق عابدين للأسماء والصفات لا لله تعالى، لأن صفاته وأسماءه المدركة غيره تعالى، فهذه الصفات المدركة وإن كانت مخالفة بالحقيقة له تعالى لكنها آلة لملاحظته ووسيلة للانتقال إليه وتوجه العبادة نحوه. والمعلمة: محل العلم والادراك من القوى والمشاعر، ويمكن أن يقرأ على صيغة اسم الفاعل . (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([69]) في نسخه (و): (لا تذكر بمعناه).

([70]) مأخوذ من الوجدان، أي يعرفونه ويجدونه بالبصر، واستدل (عليه السلام) على ذلك بأنه لو كان إدراكه بالبصر نقصًا له كما هو الواقع لم يدرك في الآخرة أيضًا به، ولو كان كمالاً له لكان مبصَرًا في الدنيا أيضًا. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([71]) الإسراء: 72.

([72]) أي ما عند الله تعالى من صفاته إلا بما ههنا أي لا يمكن الاستبداد في معرفته تعالى بالعقل، بل لا بد من الرجوع في ذلك إلى ما أوحى إلى أنبيائه (عليهم السلام)، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (هناك) الآخرة، وبقوله: (ههنا) الدنيا، أي إنما يقاس أحوال الآخرة بالدنيا، فكيف يجوز رؤيته تعالى في الآخرة مع استحالته في الدنيا، والأول أظهر كما يدل عليه ما بعده. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([73]) أي نسبة وإضافة بين العلة والمعلول، فكأنه ساكن فيهما، أو عَرَضٌ قائم بمحل لا يمكنه مفارقته. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار)

([74]) قوله: (أوجدتك) أي أفادتك.

([75]) في نسخة (ط): (يجمع ذلك كله).

([76]) لعله إشارة إلى الخلق الأول وهي الحروف، ففي خلق الحروف يُخلق شيئان: حرف، وتحديد وتقدير قائم به، وليس شيء من الحرف والعرض القائم به ذا لون ووزن وذوق. (وجعلَ أحدهما يُدرك بالآخر) أي الحرف يعرف بالحدود القائمة به، فيعرف بأنه شيء محدود. أو المعنى: أنه لو لم يكن محدودًا لم يكن مدركًا بالحواس، وجعلَ الحرفَ وَحَدَّه كليهما مدركين بنفسهما لا بآثارهما، فإن الأمور المحسوسة إنما تُدرك بأنفسها لا بآثارها. (ولم يخلق شيئًا فردًا) عن الحدود والتقديرات (قائمًا بنفسه دون غيره) أي من غير أن يخلق معه غيره كالحدود، لأنه أراد أن يكون حروفًا وأصواتًا دالة على نفسه وإثبات وجوده، وما يكون دالاً على المعاني هاديًا للناس إلى المعرفة لا يكون إلا محسوسًا، وكل محسوس يكون محدودًا، والمعنى أنه أراد أن يكون محدودًا ليدل بكونه على هذه الحالة على إمكانه وافتقاره إلى الصانع، فيكون بوجوده بنفسه دالاً على الصانع لا باعتبار مدلوله. (التحرير نقلاً عن بحار الأنوار).

([77]) في نسخة (ه‍(: (فليس في أحد منهما - الخ)، وفي نسخة (ن): (وليس في كل واحد منهما - الخ)، وفي البحار: (وليس في واحد منهما - الخ).

([78]) في نسخة (ب) و (د): (الذي أراد - الخ).

([79]) في نسخة (ن): (فالله تبارك وتعالى).

([80]) في البحار وفي نسخة (ه‍( و (د) و (ب) و (و): (ولا يعضده ولا يكنه).

([81]) ارتبك في الكلام: تتعتع، والصيد في الحبالة: اضطرب فيها، وفي الأمر: وقع فيه ولم يكد يتخلص منه، وفي نسخة (ن) و (د) و (ط) و (و): (ارتكبوا) أي ارتكبوا ما ليس بحق.

([82]) في البحار وفي نسخة (د) و (ب) و (و): (العازب حلمه)، وفي حاشية نسخة (ط): (العازب حكمه).

([83]) في البحار وفي نسخة (و) و (ب) و (د): (لحاجة).

([84]) في البحار وفي نسخة (و) و (ب) و (ن): (كلمح بالبصر - الخ).

([85]) في البحار وفي نسخة (ج) و (ب) و (د): (ولا شيء أبعد منه من شيء)، وفي نسخة (و) و (ه‍(: (ولا شيء هو أبعد منه من شيء).

([86]) في نسخة (ه‍( و (ج): (بحاجة)، وفي نسخة (و): (لحاجته)، وفي البحار: (وربما كلم من يأتيه يحاجه)، وفي نسخة (ب) و (د): (وربما كلم من يأتيه لحاجة).

([87]) في نسخة (د) و (ه‍(: (إذ لا يقبل مني) أي إذ لا يقبل مني فما أصنع؟ أو المعنى: لا أشير عليه بذلك إذ لا يقبل مني، وعدم التصريح بالمعلول للتأدب.

([88]) في نسخة (ب) و (د) و (ج) و (ن): (فجعلها عليه - الخ).

([89]) في البحار وفي نسخة (و) و (ج): (هكذا يجب).

([90]) ذكر محقق كتاب (مسندالإمام الرضا(عليه السلام)) الشيخ عزيز الله عطاردي ج2 ص93 حاشية1: وفي توليته صدقات بلخ نظر. (التحرير).

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الواحد والعشرون