السنة العاشرة/ العدد السادس والعشرون /  كانون أول 2014م / ربيع أول 1436هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الافتتاحية

 

 

خلق الله الكون بكلمة، فقال له: {كن} فكان، وعندما تساءل الملائكة عن استخلاف الله لآدم (عليه السلام)، علّمه تعالى الأسماء كلَّها ليُظهِرَ فضله على باقي المخلوقات كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، ثم كان موضوع الآيات الأولى التي نزلت على رسول الله  (صلى الله عليه وآله)  هو التعليم والتعلّم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

فالكلمة مسؤولية وضعها الله تعالى على عاتقنا، وأمرنا أن نتدبرها قبل التلفظ بها، ولذا شبَّه الله سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، بينما شبَّه الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة في قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}.

وعندما نتأمل في الآيات القرآنية نجد أن الله سبحانه قد دعا نبيّه (صلى الله عليه وآله) إلى الحوار مع الآخرين كما في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وفي قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، ونهى عن سبِّ ما يقدِّسه الآخرون حتى لو كانوا كافرين، فقال تعالى: {لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

بهذا جاءت تعاليم الكتاب المجيد منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان، غير أن الناس غالبًا ما تناسَوا هذه التعاليم القيِّمة، ولم يعملوا بِهَدْيِها، فكان أن غرقت المجتمعات الإسلامية في ظلام التخلف، لابتعادها عن الكلمة الطيّبة، وعن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، بل قام جدالها على الإرهاب والجهل والتعصب. وكذلك غرقت المجتمعات الغربية في الكِبر والظلم والنفاق، فأصيبت بمرض الانفصام في شخصيتها، وفي منطقها وسلوكها. وكانت النتيجة هي اشتراك كلا المجتمعَين في عدم الانقياد للهداية الإلهية، مما أبعدهم عن جوهر الإنسانية الحقَّة، ليعيشوا في التيه والضلال.

أفما آن الأوان لكي يرجع المسلمون إلى هدي كتابهم المُنزَل، لتبدأ على أيديهم الرحلة نحو الخلاص، خلاص البشرية جمعاء؟!

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس والعشرون