مقدّمات وضع النّحو
احتضنت جزيرةُ العربِ اللّغةَ العربيّةَ على مدى قرون،
وكان أهلُها في جاهليتِهم وصدرٍ من إسلامهم ينزعون في
نطقهم بالسّجيّة ويتكلّمون على السّليقة، غير مشوبٍ
لسانُهم بِلَوثةِ لحنٍ إلى أن سطع نور الإسلام.
دخل العربُ، وغيرُ العرب، في دين الله أفواجًا، ثمّ
تتابعَتِ الفتوحاتُ فاختلطَ العربيّ بالأعجميّ في الأمصار
الإسلامية، مُتاجرين ومُتصاهرين ومُتجاورين في السّكن
والأسواق والأماكن العامّة، فكان لِزامًا على غيرِ العربيّ
أن يتعلّمَ العربيّةَ من أجل الفَهم والإفهام، وتأديةِ
الواجباتِ الدّينيّة، ومع توالي الأيّام وكرّ الأزمان وطول
المخالطة تسرّبَ الضّعفُ والوهنُ إلى لسان العربيّ وإلى
سليقته، مُتأثّرًا لسانُهُ بمَنْ خالطَهُم من الأعاجم،
وظهرَ اللّحنُ في كلام الموالي والـمُتعرّبين منذ وقتٍ
مبكّرٍ من تاريخ الإسلام، قال أبو الطّيّب اللغوي: [واعلمْ
أنّ أوّلَ ما اختلَّ من كلامِ العربِ فأحوجَ إلى
التّعلُّم: الإعرابُ، لأنّ اللّحنَ ظهرَ في كلامِ الموالي
المتعرّبين من عهد النبيّ (ص)] ([1]).
وفي مطلع العهد المروانيّ فشَا اللّحنُ بين العامّة
والخاصّة، وصارَتْ سلامةُ اللّسانِ شيئًا يُعتدُّ به،
ويُتحدّثُ عنه، قال الأصمعيُّ: [أربعةٌ لم يَلْحَنُوا في
جِدٍّ ولا هَزْل: الشّعبيُّ، وعبدُ الملك بن مروان،
والحجاجُ بن يوسف الثّقفيّ، وابنُ القرية، والحجّاجُ
أفصحُهُم]([2])؛
وهذا اللّحنُ لم يقتصرْ على الحواضر الإسلاميّة حيث اختلطَ
العربيّ بالأعجميّ بل وصل إلى البادية، قال الجاحظُ:
[قالوا: وأوّلُ لحنٍ سُمع بالبادية: هذه عَصَاتي]([3]).
جرثومةُ اللّحنِ هذه هي التي أفزعَتْ علماءَ العربيّةِ
الأقحاحَ في الصّدر الأوّل من العصر الإسلاميّ إلى
التّفكير والعمل على إيجاد مَنْ يصونُ لغةَ القرآن من
التّحريف واللّحن، ويحميه (أي القرآن) ممّا أخذ يتعرّض له
من أخطار، ومَن أولى من النُّخب الـمُثقّفة أصحاب العقول
الرّاجحة والقابليات النَّفْسيّة من التصدّي، ووضعِ أُسس
علمٍ يقوّمُ اعوجاجَ لسانِ العربيّ والأعجمي على حدٍّ
سواء، وخاصّة أن الأعجميَّ صارَ جُزءًا من الجسم العربيّ
الإسلاميّ، قال أبو الأسود الدُّؤليّ: [هؤلاء الموالي قد
رَغِبُوا في الإسلام، ودخلوا فيه، فصاروا لنا أخوةً، فلو
علّمْنَاهُم الكلامَ، فوضع بابَ الفاعل والمفعول، ولم يزد
عليّه]([4]).
واضع علم النّحو
نشأ النّحو وترعرعَ في العراق، لأنّه على حدود البادية،
وملتقى العرب والعجم في البصرة والكوفة وغيرهما من
الأمصار، وكان العراقُ أظهرَ بلدٍ انتشرَ فيه وباءُ اللّحن
الدّاعي إلى وضع النّحو.
إنّ الرّوايات التّاريخيّة التي تتناول أوّلية مَنْ وضعَ
أسسَ النّحو قسمان: رواياتٌ ترجعُهُ إلى الإمام عليّ بن
أبي طالب (عليه السلام)، وهي الأقوى، وأخرى تنسبُهُ إلى
رجلٍ علويِّ الهوى هو أبو الأسود الدُّؤليّ (69هـ)،
[والجمهورُ من أهلِ الرّوايةِ على أنّ أوّلَ مَنْ وضعَ
النّحو أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)]([5])،
ولا شكّ أنّ تأسيسَ العلومِ واختراعَها يحتاجُ إلى
قابلياتٍ لا تتوفّر عند أغلب الناس، وهذا ما دفعَ ابنَ
جنّي إلى القول عن النّحو أنّه: [لم يوفّقْ إلى اختراعِهِ
وابتداءِ قوانينِهِ وأوضاعِهِ إلا البرُّ عندَ اللهِ
سبحانَه، الحظيظُ بما نوّه به، وأعلى شأنَه، أوَ لا يُعلم
أنّ أميرَ المؤمنين عليًّا -رضيَ اللهُ عنه-هو البادئه،
والمنبّه عليّه، والمُنشئه، والمُرشد إليه، ثمّ اكتفال أبي
الأسود -رحمه الله- إيّاهُ]([6]).
إنّ القابلياتِ والملكاتِ النَّفْسيّةَ اللازم توفّرُها
فيمَنْ يضعُ علمًا أو يخترعُ اختراعًا موجودةٌ دون أدنى
شكٍّ أو نقاشٍ عندَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه
السلام)، وهو أمرٌ دليلُهُ في طيِّهِ، ولا يُعاند أو يخالف
فيه إلا مكابرٌ رَبـِيَ على كُره عليّ، والتزَمَ سبَّهُ
على المنابر، ونصبَ له العداء، وهؤلاء لا يُعدُّ خلافُهم
خلافًا، وأمّا تلميذُهُ أبو الأسود الدُّؤليّ فهو من
النُّخبِ العلميّة والثقافيّة في عصره، فكان ذا مواهبَ
وقابلياتٍ وملكاتٍ نفسيّةٍ وعقليّةٍ تؤهّلُهُ أن يُكملَ ما
بدأَهُ إمامُهُ عليّ، قال الجاحظ: [وكان أبو الأسود
الدُّؤليّ خطيبًا عالمًا، قد جمعَ شدّةَ العقل، وصوابَ
الرأي، وجودةَ اللّسان، وقولَ الشّعر والظّرف، وهو يُعدُّ
في هذه الأصناف، وفي الشّيعة]([7])،
وقال بحقِهِ أيضًا: [أبو الأسود معدودٌ في طبقات الناس،
وهو في كلّها مُقدّمٌ، مأثورٌ عنه الفضلُ في جميعِها، وكان
معدوداً في التابعين والفقهاءِ والشّعراءِ والمحدّثين
والأشرافِ والفرسانِ والأمراءِ والدُّهاةِ والنّحويين
والحاضري الجواب والشّيعةِ]([8])؛
ونَقَلَ ابنُ حجر عن ابن عبد البرّ في الإستيعاب قوله:
[وكان ذا دِينٍ وعقلٍ ولسانٍ وبيانٍ وفهمٍ وذكاءٍ وحزم]([9])،
[وزعمُوا أنّه كان يجيبُ في كلّ لغة]([10]).
هذه القابلياتُ العلميةُ نمّاها أبو الأسود بعلومِ عصرِهِ
المتّصلةِ بالشّريعة الإسلاميّة كعلوم القرآن والحديث
النبويّ والفقه وغيرها من فنون الأدب والشعر واللّغة،
وزكّاها بصحبة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)،
فاغترف منه شتّى صنوف المعرفة والثقافة والدّين، وكان من
القرّاء، [قرأ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب]([11])،
وقد أجمعَ المؤرّخون على تشيّعه، فكلُّ مَن ترجمَ له
يؤكّدُ أنّه كان علويَّ الهوى، من وجوهِ شيعةِ عليّ بن أبي
طالب، [روى عن عليّ وابنَيه الحسن والحسين، وعن عليّ بن
الحسين زين العابدين، وروى عن أبي ذرّ وابنِ عباس وغيرِهم]([12])،
وهو تابعيٌّ، ثقةٌ عندَ الفِرَقِ والمذاهب الإسلاميةّ
كافّةً، قال ابن سعد: [..كان شاعرًا مُتشيّعًا، وكان ثقةً
في حديثه]([13]).
وأنا أنقلُ لكَ الرّواياتِ التي تروي أنّ عليًّا أميرَ
المؤمنين هو مَنْ رسمَ أصولَ النّحو، وأرشدَ أبا الأسود
الدُّؤليّ إليه، فكان للإمام (عليه السلام) فضلُ الهداية
إلى الأسس والأصول، ولأبي الأسود فضلُ الوضعِ لِـمَا أرشده
إليه الإمام:
الرّواية الأولى:
راويها الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ)، قال أبو الطّيّب
اللّغويّ صاحب مراتب اللّغويّين: [حدّثنا أبو الفضل جعفر
بن محمّد بن بابتويه، قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن
حميد([14])،
قال: أخبرنا أبو حاتم السّجستانيّ([15])،
وأخبرنا أبو بكر محمّد بن يحيى([16])،
قال: حدّثنا محمّد بن يزيد النّحويّ([17])،
قال: حدّثنا أبو عمر الجرميّ([18])،
عن الخليل، قالوا: وكان أبو الأسود أخذَ ذلك عن أمير
المؤمنين عليّ (عليه السلام) لأنّه سمع لحنًا، فقال لأبي
الأسود: [اجعلْ للنّاس حروفًا]، وأشار له إلى الرّفع
والنصب والجر، فكان أبو الأسود ضنينًا بما أخذه من ذلك عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)]([19]).
الرّواية الثانية:
رواها أبو عبيدة([20])،
قال السّيرافيُّ (368هـ): [قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى:
أخذَ أبو الأسود عن عليّ بن أبي طالب-رضيَ الله عنه-
العربيّةَ، فكان لا يُخرج شيئًا ممّا أخذه عن عليّ بن أبي
طالب-رضي الله عنه- إلى أحدٍ، حتّى بعثَ إليه زياد: اعملْ
شيئًا تكون فيه إمامًا ينتفعُ به الناسُ، وتُعْرِبُ به
كتابَ الله، فاستعفاهُ من ذلك، حتى سمع أبو الأسود قارئًا
يقرأ{..أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولُهُ} بكسر اللام في كلمة (رَسُولِهِ)، فقال:
ما كنتُ أظنُّ أنّ أمرَ النّاس صار إلى هذا، فرجع إلى
زياد، فقال: أنا أفعلُ ما أمرَ به الأمير، فلْيبغِني
كاتبًا لَقِنًا يفعل ما أقول، فأتى بكاتبٍ من عبد القيس،
فلم يرضهِ، فأتى بآخر -قال أبو العباس: أحسبُهُ منهم- فقال
له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحتُ فمي بالحرف فانقط
نقطةً فوقه على أعلاه، فإن ضممتُ فمي فانقط نقطة بين يدي
الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحتَ الحرف، فإن أتبعت شيئًا
من ذلك غنّة فاجعل مكان النقطة نقطتين، فهذا نقطُ أبي
الأسود]([21]).
الرّواية الثالثة:
راويها المبرّد، قال الزّبيديّ: [وقال أبو العباس محمّد بن
يزيد: سُئلَ أبو الأسود عمّن فتح له الطريق إلى الوضع في
النّحو، وأرشده إليه، فقال: تلقيته من عليّ بن أبي طالب
(رحمه الله). وفي حديث آخر قال: ألقى إليّ عليّ أصولاً
احتذيتُ عليّها]([22]).
الرواية الرابعة:
[حكى أبو حاتم السّجستانيّ قال: وُلدَ أبو الأسود
الدُّؤليّ في الجاهليّة، وأخذَ النّحو عن عليّ بن أبي طالب
(رضي الله عنه)] ([23]).
الرّواية الخامسة:
راويها الطّبريّ، قال ابن النديم: [قال أبو جعفر بن رستم
الطّبريّ([24]):
إنّما سُمّيَ النّحو نحوًا لأنّ أبا الأسود الدُّؤليّ قال
لعليٍّ (عليه السلام)، وقد ألقى إليه شيئًا من أصول
النّحو، قال أبو الأسود فاستأذنتُهُ أن أصنعَ نحوَ ما صنع،
فسمّي ذلك نحوًا]([25]).
الرواية السادسة:
رواها أبو الفرج الأصفهاني (356هـ) بأسانيدها، قال
الأصفهانيّ: [أخبرنا أبو جعفر بن رستم الطّبري بذلك، عن
أبي عثمان المازنيّ، عن أبي عمر الجرميّ، عن أبي الحسن
الأخفش، عن سيبويه، عن الخليل بن أحمد، عن عيسى بن عمر، عن
عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ، عن عنبسة الفيل وميمون
الأقرن، عن يحيى بن يعمر اللّيثيّ: أنّ أبا ألأسود
الدُّؤليّ دخل على ابنته بالبصرة فقالت: يا أبتِ ما أشدُّ
الحرِّ! (رفعت أشدّ) فظنّها تسألُهُ وتستفهمُ منه: أيُّ
زمنٍ الحرُّ أشدُّ؟ فقال لها: شهرُ نَاجِرٍ (يريد شهر صفر.
الجاهليّة كانت تُسمّي شهور السّنة بهذه الأسماء) فقالت:
يا أبتِ إنّما أخبرتُكَ ولم أسألكَ.
فأتى أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)،
فقال: يا أميرَ المؤمنين، ذهبت لغة العرب لـمّا خالطت
العجم، وأوشكَ إنْ تطاولَ عليّها زمانٌ أن تضمحلّ، فقال
له: وما ذلك؟ فأخبره خبرَ ابنته. فأمره فاشترى صُحفًا
بدرهمٍ، وأَمْلَ عليّه: الكلامُ كلُّه لا يخرج عن اسمٍ
وفعلٍ وحرفٍ جاء لمعنى (وهذا القول أوّل كتاب سيبويه)، ثمّ
رسمَ أصولَ النّحو كلها، فنقلها النّحويّون وفرّعوها. قال
أبو الفرج الأصفهانيُّ: هذا حفِظْتُهُ عن أبي جعفر وأنا
حديث السّنّ، فكتبْتُهُ من حفظي، واللّفظ يزيدُ وينقصُ
وهذا معناه]([26]).
الرّواية السابعة:
رواها ياقوت الحموي (626هـ) بأسانيدها قراءةً من كتاب (الأمالي)
للزّجّاج، وأنا أنقل لك هذه الرّواية بطولها لأنّها تحتوي
على نصّ تلك الصّحيفة التي ألقاها أمير المؤمنين إلى أبي
الأسود الدُّؤليّ، فنسجَ أبو الأسود على منوالها في تأصيل
أصول النّحو، قال ياقوت: [قرأتُ في كتاب (الأمالي)
للزّجّاج قال: حدّثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن رستم
الطّبري صاحب أبي عثمان المازنيّ قال: حدّثنا أبو حاتم
السّجستانيّ، عن يعقوب بن إسحاق الخُضريّ قال: حدّثنا سعيد
بن سلم الباهليّ قال: حدّثني أبي عن جدّي عن أبي الأسود
الدُّؤليّ، أو قال: عن جدي عن أبي عن ابن أبي الأسود
الدُّؤليّ، عن أبيه قال: دخلتُ على أمير المؤمنين عليّ بن
أبي طالب (عليه السلام)، فرأيتُهُ مُطرقًا مُفكّرًا،
فقلتُ: فيمَ تفكّر يا أميرَ المؤمنين؟ قال: إنّي سمعتُ
ببلدكم هذا لحنًا فأردتُ أن أضعَ كتابًا في أصول العربيّة،
فقلتُ: إن فعلتَ هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا، وبقِيَتْ
فينا هذه اللّغة، ثمّ أتيتُهُ بعد أيامٍ فألقى إليَّ
صحيفةً فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم: الكلام كلّهُ اسمٌ وفعلٌ
وحرف، والاسم ما أنبأَ عن الـمُسمّى، والفعل ما أنبأ عن
حركة الـمُسمّى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسمٍ ولا
فعل، ثمّ قال لي: تتبّعه وزد فيه ما وقع لك، واعلمْ يا أبا
الأسود أنّ الأشياء ثلاثة: ظاهرٌ ومضمرٌ وشيءٌ ليس بظاهر
ولا مضمر.
قال "أبو الأسود" فجمعتُ منه أشياءَ وعرضتُها عليّه، وكان
من ذلك حروف النصب، فكان منها (إنّ) و(أنّ) و(ليتَ)
و(لعلّ) و(كأنّ) ولم أذكر (لكنّ). فقال لي: لِـمَ تركتَها؟
فقلتُ: لم أحسِبْها منها. فقال: بل هي منها فزدْها فيها]([27]).
هذا هو الأشهرُ من أمر ابتداء النّحو، وهذه هي أشهر
الروايات المُسندة المتواترة الّتي تؤكّد على أنّ الإمام
عليّ بن أبي الطالب (عليه السلام) هو أوّل مَن رسمَ النّحو
العربيّ، ثمّ أرشد أبا الأسود لينحوَ نحوه، وهناك نُقُوْلٌ
نَقَلَها أصحابُ التراجم، وتقريراتٌ قرّروها من دون إسناد
تنسب إلى الإمام عليّ رَسْمَ أصولِ العربيّةِ، قال صاحب
الفهرست: [زعمَ أكثرُ العلماء أنّ النّحو أُخذَ عن أبي
الأسود الدُّؤليّ، وأنّ أبا الأسود أخذَ ذلك عن أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليّه]([28])؛
وقال القفطيُّ: [الجمهور من أهل الرّواية على أنّ أوّلَ
مَن وضع النّحوَ أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (كرّم
الله وجهه)]([29])؛
وبعدَ أن يعرضَ ابن الأنباريّ الرّوايات المتعدّدة في وضع
أصول النّحو يقول: [والصّحيح أنّ أوّلَ مَنْ وضعَ النّحو
عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)، لأنّ الرّوايات كلّها
تُسْنِدُ إلى أبي الأسود، وأبو الأسود يُسْنِدُ إلى عليّ
بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فإنّه رُويَ عن أبي الأسود
أنّه سُئل فقيل له: من أين لك هذا النّحو؟ فقال: لَفَقْتُ([30])
حدودَهُ من عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)؛ ورأيتُ بمصر
في زمن الطّلب بأيدي الورّقين جزءًا فيه أبوابٌ من النّحو،
يُجمعون على أنّها مقدّمة عليّ بن أبي طالب التي أخذها عنه
أبو الأسود الدُّؤليّ]([31]).
وهناك رواياتٌ يرويها أصحابُ التّراجم ينسبون وضعَ النّحو
إلى أبي الأسود الدُّؤليّ، وقد عرفتَ أنّ أبا الأسود
يُسنِد عن عليّ (عليه السلام)، ولا أظنُّ الدّؤليّ إلا
متمثّلاً قول الأصمعيّ: [من حقِّ مَنْ يَقْبِسُكَ علمًا أن
ترويَهُ عنه]([32])؛
قال الفراهيدي: [وبَلَغَنَا أنّ أبا الأسود وضعَ وجوهَ
العربيّةَ، فقال للناس: أُنـْحُوا نحوَ هذا فسُمّيَ نحوًا،
ويُجمع على أنحاء]([33])؛
قال ابن سلام الجمحي: [وكان أوّلَ مَن استنَّ العربيّةَ
وفتحَ بابَها، وأنهجَ سبيلَها، ووضعَ قياسَها أبو الأسود
الدُّؤليّ، وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل، وكان رجلَ
أهل البصرة، وكان علويَّ الرأي]([34])؛
وقال ابن قتيبة: [أبو الأسود الدُّؤليّ أوّلُ مَنْ عملَ في
النّحو كتابًا، ويُعدُّ في العرج، وشهدَ مع عليّ بن أبي
طالب (رضي الله عنه) صفّين، ومات في البصرة -وقد أسنَّ-
سنة 69هـ في الطّاعون الجارف]([35])؛
وقال ابن فارس: [تواترت الرّوايات بأنّ أبا الأسود أوّلُ
مَنْ وضعَ العربيّةَ]([36])؛
وقال في حقّه العجليّ: [كان من التابعين، من أصحاب عليّ،
وهو أوّلُ مَنْ وضعَ النّحو، بصريّ، تابعيّ، ثقة]([37])؛
وقال ابن حِبّان: [ويُقال أنّه أولُ مَنْ تكلّم في النّحو]([38]).
وأختم بروايةٍ طويلةٍ، ولكنها مفيدة في المقام، رواها ابن
النّديم في فهرسته، وهو ثقةٌ، يقول: [كان بمدينة الحديثة([39])
رجلٌ يُقال له محمد بن الحسين ويُعرف بابن أبي بعرة،
جمّاعة للكُتب، له خزانةٌ لم أرَ لأحدٍ مثلها كثرة، تحتوي
على قطعة من الكُتب الغريبةِ في النّحو واللّغة والأدب
والكُتب القديمة، فلقيتُ هذا الرّجلَ دُفعاتٍ فأنِسَ بي،
وكان نفورًا ضنينًا بما عنده وخائفًا من بني حمدان، فأخرج
إليَّ قمطرًا كبيرًا([40])،
فيه نحو ثلثماية رطل جلود فلجان وصِكَاك وقِرْطَاس وورق
صينيّ وورق تهاميّ وجلود أدم([41])
وورق خرساني، فيها تعليقاتُ لغة عن العرب، وقصائدُ مفردات
من أشعارهم، وشيءٌ من النّحو والحكايات والأخبار والأسمار
والأنساب وغير ذلك من علوم العرب وغيرهم، وذكرَ أنّ رجلاً
من أهل الكوفة، ذهبَ عنّي اسمه، كان مُسْتَهْتَرًا([42])
بجمعِ الخطوط القديمة، وأنّه لـمّا حضرتْهُ الوفاةُ خصَّهُ
بذلك لصداقةٍ كانت بينهما، وأفضالٍ من محمد بن الحسين
عليه، ومجانسةٍ بالمذهب فإنّه كان شيعيّاً،فرأيتُها
وقلّبتُها فرأيتُ عجبًا، إلا أنّ الزّمان قد أخْلقَها([43])،
وعملَ فيها عملاً أدرسَها وأحرفها، وكان على كلِّ جزءٍ أو
ورقةٍ أو مدرج توقيعٌ بخطوط العلماءِ واحدًا إثرَ واحدٍ،
يذكر فيه خطّ مَن هو، وتحتَ كلّ توقيعٍ توقيعٌ آخرُ خمسة
أو ستّة من شهادات العلماء على خطوط بعض لبعض، ورأيتُ في
جملتها مصحفًا بخطّ خالد بن أبي الهيّاج صاحب عليّ (عليه
السلام)، ثمّ وصل هذا المصحفُ إلى أبي عبد الله ابن حاني
(رحمه الله). ورأيتُ فيها بخطوط الأئمّة من الحسن وإلى
الحسين ^، ورأيتُ عدّةَ أمانات وعهود([44])
بخطّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، ومن غيره من
كُتّاب النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ومن خطوط العلماء في
النّحو واللّغة مثل أبي عمرو بن العلاء، وأبي عمرو
الشّيبانيّ، والأصمعيّ، وابن الأعرابيّ، وسيبويه،
والفرّاء، والكسائيّ،.. ورأيتُ ما يدلّ على أنّ النّحو عن
أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي أربعةُ أوراقٍ، أحسبها من
ورق الصّيني، ترجمتها: هذه فيها كلامٌ في الفاعل والمفعول
من أبي الأسود (رحمةُ الله عليّه)، بخطّ يحيى بن يعمر،
وتحتَ هذا الخطّ بخطٍّ عتيق: هذا خطّ علان النّحويّ،
وتحتَهُ: هذا خطّ النّضر بن شميل. ثمّ لـمّا ماتَ هذا
الرجلُ فقدْنا القِمْطَر وما كان فيه، فما سمعنا له خبرًا،
ولا رأيتُ منه غير المصحف، هذا على كثرة بحثي عنه]([45]).
صار من الواضح والبيّن أنّ أبا الأسود الدُّؤليّ هو واضعُ
علم النّحو العربيّ بإرشادٍ وتوجيهٍ من الإمام عليّ بن أبي
طالب (عليه السلام)، وما نقلناه من نقول يؤكّدُ ذلك، ولا
يترك مجالاً لشاكٍّ أن يشُكّ في أمر مؤسّس النّحو وواضعِ
الخطوطِ العريضةِ الأولى له.
أخذَ النّحو عن أبي الأسود الدُّؤليّ تلامذتُه [عنبسة
الفيل، وميمون الأقرن، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن
هُرمُز، ويحيى بن يعمر]([46])،
وتابع هؤلاء علماءُ كبار أمثال حمزة بن حبيب الزّيّات
(156هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ)، وسيبويه
(180هـ) [واسمه عمرو بن قَنْبَر وهو اعلم الناس بالنّحو
بعد الخليل، ألّف كتابه الذي سمّاه الناس (قرآن النّحو)]
([47]).
مناقشة المشكّكين بوضع الإمام علي
(ع)وتلميذه النّحوَ
كان النّحو من أسبق العلومِ الإسلاميّة إلى الظهور، ولو لم
يبدأ التفكير به في وقت مبكّر على يدِ الإمام عليّ (عليه
السلام) وتلميذه الدّؤليّ لما بلغَ من الشّأو والكمال ما
بلغه على يدِ سيبويه (180هـ) وأقرانه من طبقته، وطبيعةُ
الأشياء تؤيّد ذلك وتدلّ عليه، فما بينَ رسم حدود النّحو
وبينَ مبلغه الكمال ما يزيد على القرن والنّيّف من الزمن،
وهي فترةٌ معقولةٌ طبيعيّة بين بدايات أيّ علمٍ وشبهِ
كماله.
إنّ منطقَ الأمور يقبل هذا النّموَّ التدريجيَّ للنّحو،
وأمّا القول أنّ النّحو نشأ وترعرع واكتمل في غضون عقدين
أو ثلاثة فإنّه أمرٌ تأباهُ طبيعةُ الأشياء، ويأباهُ
المنطق والعقل.
سبق القول أنّ إجماعَ العلماء الأوائل واتفاقهم، وشهرةَ
الرّوايات وتواترها، ووثاقةَ الرّجال وإسنادهم أمورٌ
كلُّها تؤكّدُ أنّ أوّلَ مَنْ رسمَ النّحو هو الإمام عليّ
(عليه السلام)، وأكمل تلميذُهُ أبو الأسود ما رسمه الإمام
بإرشادٍ منه.
والغريب أن يأتيَ بعد هذا كلّه مَنْ يُشكّكُ في الرّوايات
ووثاقة الرّجال، فيقدّم ظُنونَهُ وتخميناتِه على الرّوايات
وتواترها، وعلم الرّواية عند المسلمين له أُصولُه
وقواعدُه، وأمّا أن نُعمل الأهواء والضّغينة والمخالفة
مقابل الرواية المتواترة والرّاوي الموثوق فأمرٌ لا
يستقيم، ولا يجوز نسبته إلى الرأي العلميّ، والأكثر غرابةً
أن يَتْبَعَ الباحثون من العرب والمسلمين أولئك المستشرقين
في شطحاتهم وأوهامهم وتخرّصاتهم، وما إنْ يستنكرُ المستشرق
الرّواية حتى يتلقّفها المسلم أو العربي ويبني عليها دون
تفكّر أو تمحيص.
إنّ الرّوايات المتواترة الحاملة لمقولة وضعِ أبي الأسود
الدّؤليّ حدودَ النّحو بإرشادٍ من الإمام عليّ (عليه
السلام) لم أقفْ على أحد من العلماء المسلمين القدامى
المعتبرين قد ردَّها، لأنّها رواياتٌ متواترةٌ مُتواطَأٌ
عليها قديمًا، وكان المستشرقون أوّلَ مَنْ فتحوا بابَ
التشكيك بهذه الرّوايات، والأنكى أن يتّبعهم قليلٌ ممن
يُسمّون "باحثين" عند العرب والمسلمين، يقول المستشرق
الألمانيّ كارل بروكلمان (1868/1956م): [أمّا تعيين أوّلِ
مَنْ وجّهَ العربَ إلى الاشتغال بالبحوث اللّغويّة فهذا
أمرٌ لا يزالُ غامضًا بعدُ، وما يُروى عن تلاميذ أبي
الأسود الدُّؤليّ المزعومين فهو أمرٌ غير أكيد
أيضاً،..ومهما وجب، علينا أن نعدَّ من قبيل الأساطير
دراساتِ أبي الأسود الدُّؤليّ وتلاميذِه المزعومين]([48]).
وتاليًا، جاء التشكيك على يدِ مَنْ تبعَ المستشرقين وسار
بركبهم من الباحثين العرب، الذين احتذوا بهم حذوَ النّعل
بالنّعل، وأوّل مَن سار بركبهم واحتذى بهم الكاتب المصري
أحمد أمين (1878/1953م) في كتابه "ضُحى الإسلام"، ثمّ
تتالى الباحثون العرب ينقلون آراء المستشرقين، أو ما نقله
أحمد أمين عنهم وزادَ عليه تعليله العقدي لهذه الأساطير
والخرافات.
يقول أحمد أمين عن وضعِ أبي الأسود الدّؤلي النّحو بإرشادٍ
من الإمام عليّ (عليه السلام): [كلّ هذا حديث خُرافة،
فطبيعة زمن عليّ وأبي الأسود تأبى هذه التعاريف وهذه
التّقاسيم الفلسفيّة.. وأخشى أن يكون ذلك من وَضْعِ بعض
الشّيعة الذين أرادوا أن ينسبوا كلَّ شيءٍ إلى عليٍّ بن
أبي طالب وأتباعِهِ]([49])،
وتأمل معي كيف أنّ أحمد أمين استبدل كلمة بروكلمان
(الأساطير) بكلمة (خرافة).
وينقل إبراهيم مصطفى ما قاله المستشرقون دون أن يستسيغ ما
نقلته الرّوايات، يقول: [ولكنّنا لا نستطيع أن نتقبّل
بيسر، ولا أن نستسيغ أن هذا الزّمن المبكّر قد تمكن فيه
العرب من الاشتغال بـالـعـلوم ووضع القواعد على هذا الوجه
الذي نراه في كتب العربية، وقد أنكر ذلك المستشرقون وعدّوه
حديث خرافة]([50]).
وتابع شوقي ضيف (1910/2005م) أحمد أمين من دون أن يذكره أو
يشير إليه أيضًا، يقول: [الرّوايات تحمل في تضاعيفها ما
يقطع بانتحالها لما يجري فيها من تعريفات وتقسيمات منطقيّة
لا يُعقل أن تصدر عن عليّ بن أبي طالب أو عن أحدٍ من
معاصريه، ولعلّ الشّيعة هم الذين نحلوه هذا الوضع القديم
للنّحو، الذي لا يتّفقُ في شيءٍ وأوّليّة هذا العلم ونشأته
الأولى.. وقد تقفُ الرّوايات في الوضع الأول للنّحو عند
أبي الأسود، وقد يكون ذلك من صنع الشّيعة، وكأنّهم أرادوا
أن يضيفوا النّحو إلى شيعيّ قديم، فارتفع به بعضُهم إلى
عليّ بن أبي طالب، ووقف به آخرون عند أبي الأسود صاحبه
الذي كان يتشيّع له]([51]).
أمّا سعيد الأفغاني فإنّه انمازَ عن شوقي ضيف بأنّه لم
يغمِطْ أحمد أمين حقَّه وأشار إليه عند النقل، يقول:
[ولستُ أدري هل أبقت أمور الخلافة والحروب والفتن لعليٍّ
وقتًا يفرغُ فيه للتأليف في العلوم وتنقيحها واختراعها؟!
ولعلّ الأستاذ أحمد أمين لم يكن بعيدًا من الصّواب حين روى
هذا الخبر، فعلّق عليه بما يأتي: حديث خرافة...] ([52]).
وهكذا نجد أنّ المستشرقين ومَن تبعهم من العرب والمسلمين
استبعدوا الرّوايات وأعملوا الظّنَّ والتّخمين والتشكيك
والنّظر والاجتهاد والفروض مقابل تواتر الرّوايات
واستفاضتها وإجماعها، وكان الأجدر بهم أن يأخذوا بها
لأنّها هي الأقرب إلى عهد الوضع، وهي الأحرى بالأخذِ
والثّقة بها، وبعد ذلك تجدني مضطرًّا أن أشكّكَ بالخلفيّة
العلميّة لهؤلاء وأقول أنّها اعتراضات وتشكيكات مشبوهة
حاقدة أُلبست لبوس البحث العلميّ([53]).
وبالعودة إلى أحمد أمين وتناوله أوّليّة وضع النّحو العربي
فإنّه في الصفحة (285) من ضُحاه يقول: [كلّ هذا حديث
خُرافة ومن صنع الشيعة]، ولكنه في الصفحة (286) يقول:
[ويظهر لي أنّ نسبة النّحو إلى أبي الأسود لها أساسٌ صحيح]
فانظر -يا رعاك الله- إلى هذا التّهافت والتّخبّط
والضّياع، وكلّ ذلك لأنّه لا يريدُ أن يُذعنَ للرّوايات
المستفيضة المتواترة التي تنسب النّحو إلى الإمام عليّ
(عليه السلام) وتلميذه، وكأنّي به يريد أن يقول أنّهما غير
جديرين بذلك، وليسا صاحبي عقلٍ راجح ولا حكمة، وهما غير
مؤهّلَين عقليًا أن يضعا أصول علمٍ جديد، بينما غيرهما
مؤهلٌ ولا ضيرَ في ذلك، وهذا ليس غريبًا على أحمد أمين
وأضرابه، ففي معرض حديثه في كتابه (فجر الإسلام) عن أخذ
أبي الأسود الدُّؤليّ النّحوَ عن الإمام عليّ يقول ساخرًا
مُتهكّمًا: [..وعلى الجملة فليس هناك من علمٍ إلا وأصله
عليّ بن أبي طالب، وكأنّ العقول كلّها أجدبت بالعقم إلا
علي بن أبي طالب وذرّيته، وعلي من ذلك براء]([54]).
إنّ ما يحمله أحمد أمين في قلبه من ضغينة وحقد وحسد تنوء
به الجبال هو الذي دفعه إلى التّشكيك وإنكار نسبة أوّليّة
وضع النحو إلى الإمام عليّ أو إلى أحد تلاميذه ممّن تشيّع
له، وحجّته تلك التعاريف والتقسيمات العقليّة والمنطقيّة،
وهي أمور طبيعية واقعيّة غير مستغربة، ولا أحدَ ادّعى أنّ
النحو وُلِدَ كاملاً تامًّا على يدي الإمام، ولم يقلْ هذا
أحدٌ ممّن روى الرّوايات عن لسان الدّؤلي، وجلّ ما قاله
أبو الأسود: [ألقى إليّ عليٌّ أصولاً احتذيتُ عليها]([55])،
وما رسمه الإمام من أصول احتذاها أبو الأسود [ونقلها
النّحويون وفرّعوها]([56])
ووضعوا لها التعاريف الدّقيقة والتقاسيم الفلسفية
والمنطقية المملّة، وإن لم تكن ولادة العلوم على هذه
الشاكلة فليقل لنا هؤلاء كيف تبدأ العلوم وتنمو حتى تصل
إلى تمام كمالها؟
إنّ النّحوَ الذي وضعَهُ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام)،
ورسَمَ حدودَهُ تلميذُهُ الذي كان يتشيّع له أبو الأسود
الدُّؤليّ، كان بدائيًّا بسيطًا لأنّه ابتدائيّ، والحال
هذه تُشبه ولادة وبدايات مختلف العلوم والأفكار، وإذا
أردنا أن نُشكّك بأوّلية كلّ العلوم من خلال الفرض والظّنّ
والنّظر العقليّ بعيدًا عن تواتر الرّوايات وإجماعها فإنّه
لا يبقى شيءٌ من تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين، ولا
عند غيرهم، لأنّها كلّها قائمة على الرّواية، يقول الدكتور
الدّجني: [أقولها للحقيقة والتّاريخ أنّ أبا الأسود
الدُّؤليّ هو الذي أسّس النّحو العربيّ، وغرس بذوره الأولى
في فجر الإسلام الحنيف، علمًا بأنّني أعتمدُ في ذلك على
العلماء، وهؤلاء الذين نقلوا لنا تُراثًا إسلاميًّا
عربيًّا واسعَ الآفاق خصيبَ الجوانب..لم يُخطئوا جميعًا]([57])،
ولكنّ أحمد أمين يُخطّئُهم جميعًا، ويَصُمُّ أذنيه فلا
يسمع أقوال العلماء، ويَعْصِبُ عينيه فلا يرى رواياتهم،
ويُعْمِلُ حقده وضغينته فيخرج بنتيجة مفادها أنّ عليًّا
وتلميذَهُ الذي يتشيّع له غير لائقَين أن ينتجا علمًا،
لأنّ عقليتهما لا تزال بدويّة، قاصرة عن إنتاج العلم
والمعرفة!!
والسّؤال المطروح: ما هي حجّة أحمد أمين في ردِّ
الرّوايات؟
حجّته أنّها رواياتٌ متناقضة في سبب الوضع، يقول: [يشهدُ
لهذا الرّواياتُ الكثيرةُ المتناقضةُ في سبب الوَضْع]([58])،
فهو قد اجتهدَ وأعمل فكره مقابل النّص الواضح البيّن، وكان
الأحرى به أن يأخذ بها، لأنّ رواتها كُثر يُؤْمَنُ
تواطؤُهم على الكذب، ولأنّ طرقها متعدّدة، على ما قرأت في
بداية هذا البحث، ويكفي أنّ رجلاً ثقةً عند الجميع هو ابن
النّديم قد قرأ في أوراقٍ في مدينة الحديثة عند رجلٍ
جمّاعةٍ للكُتب [ما يدلُّ على أنّ النّحو عن أبي الأسود
الدّؤليّ]([59])،
ويعلّق الدكتور علي النجدي ناصف على هذه الرّواية بقوله:
[فهذه شهادةُ عيانٍ من رجلٍ نثق به، ونعتمدُ عليه في معرفة
الكثير عن تراثنا الفكري في القرون الأولى، وتُظاهرُها مع
ذلك الأنباءُ المستفيضةُ والرّواياتُ المتعدّدة المصادر
والطُّرُق، وليس باليسير ولا الهيّن أن نردَّها، ونعرضَ عن
الأخذ بها لمجرّد التظنّنِ والتّشكيك هيامًا بالمخالفة
واستطراف الآراء]([60]).
ولو بقيت المسألة مع أحمد أمين وأضرابه مسألة تشكيكٍ
وتظنُّنٍ بالرّوايات المرويّة عن الثّقات واستطرافٍ للآراء
لكان الأمر هيّنًا، عندها نقول: إنّ الباحثَ اجتهدَ فأخطأ
أو أصاب، ولا شيءَ عليه، ولكنّه خلط ما هو علميّ تاريخيّ
بما هو عقديّ، فخالف ما عليه الرّواة الثقات نكايةً
بالشّيعة، لأنّ الواضع لعلم النّحو هو عليّ أو أحدُ
تلامذته، [وأخشى ما أخشاه في هذا المقام أن يستدرجَنا
الاستكثار من اتّهام التّشيّع في بحوثنا ودراساتنا إلى
الطّرف الآخر، فنصبحُ كالنّاصبة من حيث لا نشعر ولا نريد]([61])،
والحقّ أنّه موقف علميّ عقلانيّ منصف مُتقدّم، ليت علماء
الأمّة اليوم ومشايخها ودُعاتها يتأسّون به، ويعملون بهديه.
إنّ رواية أحمد أمين لتاريخ نشوء النّحو تقوم على الظّنّ
والتخمين، فهو يشكّ ويظنّ بالرّوايات التي تتحدّث عن جهود
عبد الله بن أبي إسحاق (117هـ) أيضًا، وهو [أعلمُ أهل
البصرة، وأعقلُهم، فرّعَ النّحو وقاسه]([62])،
وكتب التّراجم كلّها تروي نظير ما رواه أبو الطّيب
اللّغوي، ولكن أحمد أمين يُشكّك بذلك كله، يقول: [ومع هذه
الرّوايات فلا نظنُّ أن ابن أبي إسحاق كان يعلم كثيرًا من
النّحو الذي عُرفَ في عهد سيبويه]([63]).
وفجأةً يُولَدُ النّحو عند أحمد أمين على يد عمر بن عيسى
الثّقفيّ (148هـ)، وهذه الولادة تبعَ فيها بروكلمان أيضًا،
يقول بروكلمان: [ونحن ندخل لأوّل مرّة في دائرة التاريخ
الصّحيح مع طبقةِ أساتذةِ الخليل وسيبويه عيسى بن عمر
الثقفيّ]([64])،
ويقول أحمد أمين: [عيسى بن عمر الثّقفيّ هو أوّل مَنْ جمع
مسائل النّحو المعروفة في كتاب، فألّف كتابين أحدهما
(الجامع)، والآخر (الإكمال).. وهما محاولة أوّليّة لجمع
النّحو]([65])،
هذا الذي قاله أحمد أمين نقله عن أبي الطّيّب اللغوي صاحب
مراتب اللّغويين([66])،
وأبو الطّيّب نفسه نقل رواية أوّليّة وضع النّحو على يد
أمير المؤمنين عليّ أو تلميذه الدؤلي، والعجيب أن أحمد
أمين قَبِلَ رواية أن يكون عيسى بن عمر هو أوّل مَن جمع
مسائل النّحو، ورفض رواية أن يكون الواضع هو الإمام أو
تلميذه، (تلك إِذَنْ قسمةٌ ضِيزى)، ثمّ إنّ اسمَي كتابي
عمر بن عيسى [يَشِيان بمعناهما ومضمونهما، فالأوّل
(الإكمال) يوحي بتداركِ فائتٍ وإتمامِ ناقص، والثاني
(الجامع) يوحي بضمِّ أشتات واستيعاب شوارد]([67])،
وما بين ابن أبي إسحاق وعمر بن عيسى فترة من الزمن لا
تتجاوز العقدين أو الثلاثة على أبعد تقدير، فهل ينشأ علمٌ
وينمو ويكتمل في ثلاثة عقود؟
وتاليًا، كيف يحق لمَن يدّعي البحثَ العلميَّ أن يأخذَ من
راوٍ بروايةٍ ويردَّ أخرى؟ إنّه الهوى والضّغينة والجحد
والعصبيّة، إن لم نقل النّصب.
إنّ علم النّحو على قول أحمد أمين يكون قد نشأ ونما وترعرع
واكتمل على يدِ الأستاذ وتلميذه، فهو نشأ على يدِ عبد الله
بن أبي إسحاق، وترعرع واكتمل وصار جامعاً على يد التّلميذ
عمر بن عيسى الثّقفيّ([68])،
وعليه، أيُّ القولين أقربُ إلى سُنّةِ النُّشوءِ
والتّطوّر:
أن نقول إنّ النّحو نشأَ على يد الإمام عليّ (عليه السلام)
وتلميذه، وبعد مرور قرن ونيّف بلغَ أشُدّهُ على يدِ
سيبويه.
أو نقول إنّ النحو نشأ واكتمل على يد الأستاذ وتلميذه؟
أيّ القولين أقربُ إلى منطق الأمور، وطبيعة الأشياء؟
أفتُونا يرحمكم الله..!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
([1])
أبو الطّيّب اللّغويّ: مراتب اللّغويّين، ص19.
([2])
عليّ بن الحسين بن هبة الله الشّافعي المعروف بابن
عساكر (571هـ): تاريخ دمشق، ج34، ص203، تحقيق عليّ
شيري، دار الفكر، بيروت-لبنان، ط1، 1998هـ.
([3])
عمرو بن بحر الجاحظ: البيان والتبيين، ص337، تحقيق
درويش جويدي، المكتبة العصرية، صيدا-لبنان، 2008م.
([4])
ابن عساكر (571هـ): تاريخ دمشق، ج25، ص190.
([5])
عليّ بن يوسف القفطي (624هـ): إنباه الرّواة على
أنباه النّحاة، ج1، ص39، تحقيق محمّد أبو الفضل
إبراهيم، دار الفكر العربيّ-القاهرة، ومؤسسة الكتب
الثقافية-بيروت، ط1، 1986م.
([6])
ابن جنّي (392هـ): الخصائص، ج3، ص309، تحقيق محمّد
عليّ النّجار، دار الهدى للطباعة والنشر،
بيروت-لبنان، ط2، د. ت.
([7])
عمرو بن بحر الجاحظ (255هـ): البيان والتبيين،
ص194.
([8])
أبو الفرج الأصفهانيّ: الأغاني، ج12، ص349.
([9])
ابن حجر العسقلانيّ (852هـ): تهذيب التهذيب، ج12،
ص11، رقم الترجمة 8267، دار الفكر، بيروت-لبنان،
ط1، 1984م.
([10])
أبو الطّيّب اللّغويّ: مراتب اللّغويّين، ص22.
([11])
بن يوسف القفطي (624هـ): إنباه الرّواة على أنباه
النّحاة، ج1، ص50.
([12])
أبو جعفر الطوسي (460هـ): إختيار معرفة الرجال،
ج2، ص476، رقم الترجمة 383، تحقيق مهدي رجائي،
مؤسسة آل البيت، قم-إيران، 1404هـ. وراجع أيضًا:
أبو القاسم الموسوي الخوئي: معجم رجال الحديث، رقم
الترجمة 6033، جزء10، ص187، ط5، 1992.
([13])
محمد بن سعد (230هـ): الطبقات الكبرى، ج7، ص99،
دار صادر، بيروت-لبنان، د. ت.
([14])
إبراهيم بن حميد الكلابزي النّحويّ البصريّ
(ت:316هـ).
([15])
أبو حاتم السجستانيّ (ت:255هـ).
([16])
محمّد بن يحيى بن العباس الصّوليّ (ت:335هـ)، وهو
شيخ أبي الطّيّب اللّغويّ.
([17])
محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر الثماليّ الأزدي، أبو
العباس المعروف بالمبرد (ت:286هـ)، إمام العربيّة
في بغداد بزمنه، وأحد أئمّة الأدب والأخبار.
([18])
صالح بن إسحاق، أبو عمر، الجرميّ بالولاء
(ت:225هـ)
([19])
عبد الواحد بن عليّ، أبو الطّيّب اللّغويّ
(351هـ): مراتب النّحويين، ص20، تحقيق محمّد أبو
الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا-لبنان، ط2،
2009م. وكتاب أبي الطيب اللّغويّ هو أوّل كتاب
وصلنا يترجم فيه صاحبه للنحويين.
([20])
أبو عبيدة، معمر بن المثنى التيمي، من تيم قريش،
توفي سنة 211هـ، وقد قارب عمره المائة سنة.
([21])
الحسن بن عبد الله السّيرافي، أبو سعيد (368هـ):
أخبار النّحويين البصريين ومراتبهم، ص34 و35،
تحقيق محمّد إبراهيم البنا، دار الإعتصام-القاهرة،
ط1، 1985م. وراجع هذه الرواية في:
محمّد
بن إسحاق النديم المعروف بأبي يعقوب الورّاق
(463هـ): كتاب الفهرست، ج1، ص45، تحقيق رضا تجدد،
د. ت.
عبد
الرحمن بن محمّد الأنباري (577هـ): نزهة الألبّاء
في طبقات الأدباء، ص18، تحقيق محمّد أبو الفضل
إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا-لبنان،ط1، 2003م.
عليّ
بن يوسف القفطي (624هـ): إنباه الرّواة على أنباه
النّحاة، ج1، ص39، ط1، 1986م.
أحمد
بن محمّد بن أبي بكر بن خلكان (681هـ): وَفَيات
الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، ج2، ص537، تحقيق
إحسان عباس، دار صادر، بيروت-لبنان، د.ت.
محمّد
بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ): سير أعلام
النبلاء، ج4، ص82، تحقيق شُعيب الأرناؤوط، مؤسسة
الرسالة، بيروت-لبنان، 1993م.
([22])
محمّد بن الحسن الزبيدي الأندلسي (379هـ): طبقات
النّحويين واللّغويّين، ص21، تحقيق محمّد أبو
الفضل إبراهيم، دار المعارف-مصر، ط2، د. ت. وراجع
رواية المبرد في: ابن حجر العسقلانيّ (852هـ):
الإصابة في تمييز الصحابة، ج3، ص561، رقم الترجمة
4333، دار الجيل، بيروت-لبنان، ط1، 1412هـ.
([23])
عبد الرحمن بن محمّد الأنباري (577هـ): نزهة
الألبّاء في طبقات الأدباء، ص19.
([24])
أبو جعفر، محمّد بن جرير بن رستم الطّبري (460هـ)،
وهو غير الطبري صاحب التاريخ.
([25])
محمّد بن إسحاق النديم المعروف بأبي يعقوب الورّاق
(463هـ): كتاب الفهرست، ج1، ص45. وراجع مضمون
الرواية في:
أحمد
بن محمّد بن أبي بكر بن خلكان (681هـ): وَفَيات
الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، ج2، ص537.
محمّد
بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ): سير أعلام
النبلاء، ج4، ص82.
ابن
الجزري الدمشقي الشافعي (833هـ): غاية النهاية في
طبقات القراء، ج1، ص314، رقم الترجمة 1493، تحقيق
برجستراسر، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط1،
2006م.
([26])
أبو الفرج الأصفهانيّ (356هـ): الأغاني، ج12،
ص347، تحقيق عبد عليّ مهنا، دار الفكر، بيروت-
لبنان، ط1، 1986م. وهذا الذي نقله الأصفهاني تجده
في: الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج4، ص84. وتجده
في: الإصابة في تمييز الصّحابة: ابن حجر
العسقلاني، ج3، ص563، رقم الترجمة 4333.
([27])
ياقوت بن عبد الله الرّومي الحموي (626هـ): معجم
الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)، ج5،
ص203 و204، تحقيق عمر فاروق الطّبّاع، مؤسسة
المعارف، بيروت-لبنان، ط1، 1999م. وتجد مضمون
رواية ياقوت في:
محمّد
بن عمران المزربانيّ (384هـ): كتاب نور القبس
المختصر من (المقتبس)، إختصار اليغموري، ص7، دار
النشر فرنتس شتاينر بفيسبادن، 1964م.
عليّ
بن يوسف القفطي (624هـ): إنباه الرّواة على أنباه
النّحاة، ج1، ص39.
([28])
محمّد بن إسحاق النديم المعروف بأبي يعقوب الورّاق
(463هـ): كتاب الفهرست، ج1، ص39.
([29])
عليّ بن يوسف القفطي (624هـ): إنباه الرّواة على
أنباه النّحاة، ج1، ص39.
([31])
عبد الرحمن بن محمّد الأنباري (577هـ): نزهة
الألبّاء في طبقات الأدباء، ص19 و 20.
([32])
ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ج1، ص80.
([33])
الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ): العين، ج3،
ص302، تحقيق مهدي مخزومي وإبراهيم السامرائي،
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت-لبنان، ط1، 1988م.
([34])
ابن سلام الجمحيّ (231هـ): طبقات الشعراء، ص13،
تحقيق محمّد سويد، دار إحياء العلوم، بيروت-لبنان،
ط1، 1998م.
([35])
ابن قتيبة (276هـ): الشّعر والشّعراء، ص491، دار
إحياء العلوم، بيروت-لبنان، ط6، 1997م.
([36])
أحمد بن فارس بن زكريا (395هـ): الصّاحِبيّ في فقه
اللّغة العربيّة، ص17، دار الكتب العلميّة،
بيروت-لبنان، ط1، 1997م.
([37])
أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن العجليّ
(261هـ): معرفة الثقات، ج1، ص484، باب الظاء
المعجمة، رقم الترجمة804، مكتبة الدار-المدينة
المنورة، ط1، 1985م.
([38])
محمّد بن حبان (354هـ): الثقات، رقم الترجمة 4453،
دار الفكر، بيروت-لبنان، 1957م.
([39])
بلدة في العراق قريبة من الجزيرة في سوريا.
([40])
القِمْطَر والقِمْطَرة: ما تُصان فيه الكُتب،
وجمعه: قماطر (ابن منظور: لسان العرب، ج12، ص191،
دار صادر، بيروت-لبنان، ط2، 2003م)
([41])
أَدَمَ: أي أَصْلَحَ، ويقال: أدم الصّانعُ الجلدَ:
أي: أصلحه بنزع الزّائد من أدمته.
([42])
الإستهتار هو الولوع بالشّيء والإفراط فيه، يُقال:
استُهتِرَ بأمرِ كذا أي: أُوْلِعَ به، لا يتحدّث
بغيره، ويُقال: فلانٌ مُسْتَهْتَرٌ بكذا أي: مولع
به. (ابن منظور: لسان العرب، ج15، ص19)
([44])
وفي نسخة (وعهودًا).
([45])
محمّد بن إسحاق النديم المعروف بأبي يعقوب الورّاق
(463هـ): كتاب الفهرست، ج1، ص46.
([46])
عبد الرحمن بن محمّد الأنباري (577هـ): نزهة
الألبّاء في طبقات الأدباء، ص20.
([47])
أبو الطّيّب اللغوي: مراتب النّحويين، ص73.
([48])
كارل بروكلمان (1956م): تاريخ الآداب العربيّة،
ج2، ص123 و 128، نقله إلى العربية د. عبد الحليم
النّجّار، دار المعارف، القاهرة-مصر، د. ت.
([49])
أحمد أمين: ضُحى الإسلام، ج2، ص285، طبع ونشر
مكتبة النهضة المصرية، ط7، د. ت.
([50])
إبراهيم مصطفى: أوّل مَن وضع النّحو، مجلة كلّيّة
الآداب، جامعة فؤاد الأوّل، المجلد العاشر، القسم
الثاني، ديسمبر 1948م.
([51])
شوقي ضيف: المدارس النّحويّة، ص14 و15، دار
المعارف-مصر، ط2، د. ت.
([52])
سعيد الأفغاني: في أصول النّحو، ص164، مديرية
الكتب والمطبوعات الجامعية، دمشق، 1994م. (وينقل
رأي أحمد أمين السابق).
([53])
إنّ هذه التشكيكات المرتبطة بالإمام عليّ (عليه
السلام) لها نظائر كثيرة عند المستشرقين وعندَ مَن
ناصب العداء للإمام، ولعلّ أوّل مَن فتح باب
التشكيك بنهج البلاغة كان ابن خلكان (681هـ) صاحب
(وفيات الأعيان)، فهو يرى أن نهج البلاغة من صنع
الشّريف الرّضي ووضعه، بينما يصرح الشريف الرضي
نفسه أنّه هو الجامع له لا أكثر، ثمّ تبع ابن
خلكان في ذلك الحاسدون، فمن ابن تيميّة في كتابه
(منهاج السّنة) إلى الذهبيّ صاحب (ميزان الإعتدال)،
وابن حجر العسقلانيّ صاحب (لسان الميزان)، مرورًا
بالمستشرقين، وصولاً إلى أحمد امين في (فجر
الإسلام)، وشوقي ضيف في كتابه (الفنّ ومذاهبه)،
ومحمد سيد كيلاني في كتابه (أثر التّشيّع في الأدب
العربي)، وجرجي زيدان وو..
ومن
الملاحظ أنّ الذين اعترضوا على أوّلية وضع النحو
على يد الإمام عليّ وتلميذه هم أنفسهم الذين
اعترضوا على نسبة نهج البلاغة للإمام، ثمّ إنّ
أدلّتهم في نفي نسبة نهج البلاغة إلى الإمام تُشبه
أدلّتهم في نفي أوّلية نسبة النّحو إليه، والأهداف
والشُّبهات متشابهة، وحديث الخرافة هذا -نسبة
النهج إلى الشّريف الرّضي- ردّه العلماء، والدليل
بسيط سهل وهو أنّ أكثر خُطب وأحاديث وحِكم النهج
موجودةٌ في مصادرَ وكُتبٍ متقدّمة زمنيًا على زمان
الشريف الرّضي، وإذا ثبت هذا يصبح من السّهل ثبوت
نسبة التقسيم الثلاثيّ أو بدايات النحو للإمام
(عليه السلام) أو تلميذه، لما في النهج من تعريفات
وتقسيمات ومصطلحات وأفكار عالية المضامين والمعاني
تدلّ على إبداع وعلى قوى فكرية هائلة. (للمزيد في
ذلك راجع بحثًا عنوانه: أبو الأسود الدؤلي: السيد
هاشم محمد).
([54])
أحمد أمين: فجر الإسلام، ص296 و197، مؤسسة هنداوي
للتعليم والثقافة، القاهرة-مصر، 2012م.
([55])
الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين، ص21.
([56])
الأصفهاني: الأغاني، ج 12، ص347.
([57])
عبد الفتاح الدجني: أبو الأسود الدّؤلي ونشأة
النحو العربي، ص161، وكالة المطبوعات-الكويت، ط1،
1974م.
([58])
أحمد أمين: ضُحى الإسلام، ج2، ص285.
([59])
محمد بن إسحاق النديم المعروف بأبي يعقوب الورّاق
(463هـ): كتاب الفهرست، ج1، ص46.
([60])
علي النجدي ناصف: سيبويه إمام النّحاة، ص137 و138،
عالم الكتب-القاهرة، ط2، 1979م.
([61])
م. ن: ص 142. (النّواصب: فرقةٌ تتديّنُ ببغض عليّ
بن أبي طالب، فهم نصبوا له، أي: عادوه، وهم يقولون
أنّ علياً لم يكن مُصيبًا في حروبه) راجع: الذهبي:
سير أعلام النبلاء، هامش ج4، ص171، و ج8، ص45.
([62])
أبو الطّيّب اللغوي: مراتب اللغويين، ص26.
([63])
أحمد أمين: ضُحى الإسلام، ج2، ص289.
([64])
كارل بروكلمان: تاريخ الآداب العربيّة، ج2، ص128.
([66])
راجع الرّواية بتمامها في: أبو الطّيّب اللغوي:
مراتب النحويين، ص37.
([67])
علي النجدي ناصف: سيبويه إمام النّحاة، ص138.
([68])
في جدولٍ صنعه أحمد أمين يظهر فيه أن عبد الله بن
أبي إسحاق هو تلميذ عمر بن عيسى الثقفي. (راجع:
ضحى الإسلام: ج2، ص284).
|