ــــــــــــــــــــــــــــــ
(مسألة 12): لو كان عليه صلاتان، فالأحوط أن يكون تكون الثانية إلى جهات الأولى (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوجه في ذلك: أنّه لو صلّى الثانية إلى غير جهات الأولى ولو كانت أربعاً، يحصل له علم إجمالي إما بأنّ الأولى لم تقع إلى القبلة الواقعيّة أو الثانية، بل إذا كانتا مترتبتين يحصل له علم تفصيلي ببطلان صلاة العصر، إما لعدم وقوعها إلى القبلة أو لفوات الترتيب ببطلان الأولى لعدم كونها إلى القبلة، ولأجل ذلك احتاط المصنِّف.
إلا أنّ هذا الوجه غير تام، لأنّه إذا صلّى الأولى إلى أربع جهات يحرز الاستقبال كما هو المفروض على ما تقدّم، وصلاته صحيحة، حتى لو انكشف بعدها أن القبلة كانت بين الطرفين اللذين صلى إليهما، لأن هذا البعد لا يحتمل أنه يزيد على خمسة وأربعين درجة مع تقابل الخطوط، ولا يحتمل أنّه يبلغ التسعين مع عدم تقابلها، فهو يعلم بصحّتها.
فإذا صلّى الثانية إلى أربع جهات يعلم بصحّتها أيضاً، لأنّه يعلم بعدم وقوعها مستدبراً أو إلى اليمين أو اليسار، بل إما للقبلة أو ما بين اليمين واليسار وهو قبلة المتحيّر، فلا يحصل له علم إجمالي أو تفصيلي بالبطلان.
ويؤكّد هذا أنّه كان المتعارف في الزمان السابق، الفصلُ بين الفريضتين زماناً ومكاناً، ولم يكونوا يتحيّرون في أمر القبلة إلا في السفر، فكان المتعارف في السفر إيقاع الصلاتين مختلفتين زماناً ومكاناً، ولم تكن الجهات الأربع التي كان يصلّي إليها الثانية متحدة مع الأربع التي يصلّي إليها الأولى، ولا يمكن إحراز ذلك، فمقتضى إطلاق الدليل ـ وهو أنه إذا لم يتمكّن يصلّي إلى أربع جهات لو تم ـ هو عدم الفرق بين اتحاد الجهات واختلافها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(مسألة 13): من كانت وظيفته تكرار الصلاة إلى أربع جهات أو أقل، وكان عليه صلاتان يجوز له أن يتمم جهات الأولى ثمّ يشرع في الثانية (1)،
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر السيّد الأستاذ هنا صوراً:
الصورة الأولى: أن يصلّي صلاة الظهر مثلاً إلى الجهات الأربع وبعدما يفرغ من الصلاة يشرع في صلاة العصر، وهذا لا إشكال في صحّته، ولا يجب أن يكون شروعه في الثانية من الجهة التي شرع فيها من الأولى، وهذا واضح لأنّ المقصود تحصيل القبلة، وهي في إحدى هذه الأطراف بأية كيفيّة أوقعها.
الصورة الثانية: أن يصلّي الظهر إلى جهة واحدة ثم يصلّي العصر إلـى غير تلك الجهة، ثمّ يعود للظهر ويعود للعصر وهكذا.
وقد حكم الماتن في هذه الصورة بالبطلان إذ لا يحتمل صحّة العصر، لأن القبلة إن كانت في طرف العصر فالظهر لم تسقط، فقد فقدت العصر للترتيب، وإن كانت القبلة في طرف الظهر فبطلان العصر واضح.
إلا أنّ هذا على إطلاقه لا يتم لما تقدّم، فيمكن أن تكون الظهر والعصر كلتاهما قد وقعتا إلى القبلة، لأنّ الانحراف إلى ما بين اليمين واليسار خمسة وأربعين درجة قبلة المتحيّر، فتكون كل منهما للقبلة، وإن كانت جهتهما مختلفة.
إلا أنه يمكن أن يقال بأنّه لو صلّى العصر إلى آخر ما يجوز الصلاة إليه، أي كان بعيداً بمقدار خمسة وأربعين أو تسعة وثمانين درجة، بحيث لو انحرف عنه قليلاً كان لليمين أو اليسار، فحينئذٍ تبطل العصر لبطلان الظهر من جهة عدم القبلة لأنّها منحرفة عن هذا الطرف المفروض وهذا محتمل فلا يحرز الامتثال.
الصورة الثالثة: أن يصلّي الظهر إلى جهة، ثم يصلّي العصر إلى نفس تلك الجهة، ثم يصلّي الظهر إلى الجهة الأخرى، ويصلّي العصر إليها، وهكذا حتى تتم إلى جميع الجهات، وقد حكم الماتن بجوازه ولكن جعل الصورة الأولى أحوط.
وقد يقال: بأن هذه الصورة غير جائزة، لأنّه يعتبر في العصر الترتيب، والمفروض أنّه شاك في أنّه أتى بالظهر أو لا، إذ لعلّ القبلة إلى غير جهتها، فلم يحرز كون الظهر للقبلة ولم يحرز كون العصر مرتّبة عليها، فكيف يمكنه أن يأتي بالعصر ويشرع فيها.
ولكن هذا غير تام، لأنّه إن كانت الظهر إلى القبلة، فالعصر إليها أيضاً، لفرض اتحادهما في الجهة فالترتيب حاصل، وإن كانت الظهر إلى غير القبلة فــلا يعتبر فيها الترتيب لأنها باطلة، والترتيب يعتبر في الصـلاة الصحيحة، فما المانع مـن الإتيان بصلاة العصر التي لم نؤمر بها من باب المقدّمة العلميّة، فالعصر باطلة في نفسها من جهتين، فلا يعتبر فيها الترتيب.
يبقى الإشكال في هذه الصورة من ناحية الجزم بالنيّة، حيث أنّه حين إتيان العصر غير جازم بصحّتها، ويحتمل أنّ ذمّته لا تزال مشغولة بالظهر، فكيف يقصد القربة بالعصر مع احتمال بقاء الظهر، (وسقوط اعتبار الجزم من جهة اشتباه القبلة لا يوجب سقوطه من غير هذه الحيثية كما في الجواهر كشرطيّة الترتيب).
وفيه: أنّه لا يعتبر الجزم بالنيّة وقد تكرّر ذلك، ولا مانع من أن يقصد أمر العصر احتمالاً لا جزماً، فإنّه حتى لو صلّى الظهر إلى أربع جهات، فكما لا يعتبر الجزم في العصر لتعدّد محتملاتها كذلك هنا.
"وما ذكره في الجواهر من الفرق بين الصورتين لا يتم".
والعمدة أنّه لا يعتبر الجزم بالنية، والجزم بالترتيب موجود، فما استظهره الماتن من الحكم بالصحّة في هذه الصورة هو الأظهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجـــوز أن يأتي بالثانية في كل جهة صلّى إليها الأولى إلى أن تتمم.
والأحوط اختيار الأوّل، ولا يجوز أن يصلّي الثانية إلى غير الجهة التي صلّى إليها الأولى، نعم إذا اختار الوجه الأوّل لا يجب أن يأتي بالثانية على ترتيب الأولى.
(مسألة 14): من عليه صلاتان -كالظهرين مثلاً- مع كون وظيفته التكرار إلى أربع، إذا لم يكن له من الوقت مقدار ثمان صلوات، بل كان مقدار خمسة أو ستة أو سبعة، فهل يجب إتمام جهات الأولى وصرف بقيّة في الثانية، أو يجب إتمام جهات الثانية وإيراد النقص على الأولى.
الأظهر الوجه الأوّل، ويحتمل وجه ثالث وهو التخيير، وإن لم يكن له إلا
مقدار أربعة أو ثلاثة فقد يقال يتعيّن الإتيان بجهات الثانية(1) وتكون الأولى قضاءً، لكن الأظهر وجوب الإتيان بالصلاتين وإيراد النقص على الثانية، كما في الفرض الأوّل، وكذا الحال في العشاءين، ولكن في الظهرين يمكن الاحتياط بأن يأتي بما يتمكّن من الصلوات بقصد ما في الذمّة فعلاً بخلاف العشاءين لاختلافهما في عدد الركعات.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكلام تارة فيما إذا لم يتمكّن بعد تعذّر الثمان إلا من الأربع وأخرى فيما إذا تمكّن مما فوق الأربع، والفرض الأوّل يأتي التكلّم فيه.
والكلام فعلاً فيما إذا تمكّن من أكثر من الأربع وأقلّ من الثمان، فماذا يفعل بهذا الزائد عن الأربع، فهل يجب اختيار الامتثال القطعي بالنسبة إلى الصلاة الأولى أو بالنسبة للثانية أو يتخيّر ؟
قد يقال: بلزوم صرف الامتثال القطعي في العصر، لأنّه وقت الاختصاص لها، فإن وقتها الاختصاصي إن كان الطرف معلوماً أربع ركعات، ومع الشك ستة عشر ركعة أي أربع صلوات لأربع جهات، فلا يجوز الإتيان بصلاة الظهر إلا فيما قبل هذا الوقت.
إلا أن هذا لا دليل عليه، وما دلّ على وقت الاختصاص إنما يدلّ عليه بالنسبة إلى نفس الصلاة، وأما مقدّماتها العلميّة فهي للإحراز الذي ليس له وقت اختصاصي.
وقد يقال عكس ذلك كما اختاره الماتن وأنّه يصرف الامتثال القطعي في الظهر، لأن الظهر متقدّمة في الرتبة على العصر، فلا وجه لرفع اليد عن محتملاتها والاشتغال بالعصر بلا ضرورة تدعو إلى ذلك، فإن ذلك مخالفة للتكليف بلا عذر.
ولا مجال لأن يقال كذلك بالنسبة إلى العصر، لأنه إذا أتى بمحتملات الظهر واشتغل بمحتملات العصر، فإن عدم إتمامها يكون لعذر وهـو ضرورة ضيـق الوقت.
وهذا أيضاً بظاهره لا نعرف له وجهاً، لأنه لو دار الأمر بين فقدان إحدى الصلاتين للشرط وهو القبلة، فلماذا تُقدّم الأولى على الثانية، مع أن نسبة الاشتراط بالقبلة بالنسبة إليهما علـى حـد واحد، فلا بد وأن يحكم ابتداءً بالتخيير لتزاحمهما وعدم الأهميّة لأحدهما، وتقدّم الظهر رتبة لا أثر له إذا لم يكن وجوبها متقدّماً رتبةً.
والحاصل: أنّه يدور الأمـر بين الامتثالين القطعيين لهما، وفي مثل هذا المورد يحكم بالتخيير.
إلا أن المقام ليس من صغريات دوران الأمر بين الامتثالين القطعيين، لأن الحكم الواقعي في ظرف الجهل محفوظ،فهو مكلّف بالصلاتين معاً ولم يسقط ذلك واقعاً لجهله بالقبلة.
وحينئذٍ فالصلاة الأولى مختصة بالظهر والأخيرة مختصة بالعصر على كل حال، إما لأنه صلّى الظهر إلى جهتها الواقعيّة، أو لأن هذا وقتها الاختصاصي.
وأما المقدار المتوسط بينهما، فالمكلّف لا يتمكّن من إحراز الامتثال بالنسبة إلى كل منهما وإن كان التكليفان باقيين.
إلا أن القصور في مرحلة الامتثال، وحينئذٍ فماذا يفعل، فيدور الأمر بين أن يصلّي الظهر إلى طرف، ثم يصلّي الأطراف الأربعة للعصر، بتوهّم أن هذا امتثال قطعي للعصر.
إلا أنّه ليس كذلك، لأن الطرف الذي صلّى إليه العصر ولم يصل إليه الظهر على الفرض، إن كان إلى غير قبلة فهو غير مأمور بالصلاة إليه، وإن كان قبلة فهو أيضاً غير مأمور بها لأنّه لم يصلِّ الظهر إليه، فتبطل العصر فيه لفقد الترتيب.
فهذا الشق إذن لا يحتمل أن يكون امتثالاً لصلاة العصر من جهة الترتيب، وإن كان امتثالاً من جهة القبلة، فهذا الاحتمال ساقط.
والاحتمال الثاني بعكسه، وهو أن يصلّي الظهر إلى الأطراف الأربعة ثم يصلّي العصر، فيكون امتثال الظهر قطعياً وامتثال العصر احتمالياً، وهذا الاحتمال امتثال قطعي بالنسبة للظهر، وهو متمكّن منه فتقدّم الظهر.
وقد يقال: بأنّه ما هو المرجّح للظهر بعد الدوران، فيقال: بأن الظهر مأمور بها بأمرها النفسي من حيث أنها ظهر، ومأمور بها بأمر من جهة الترتيب، ففيها جهة النفسيّة والمقدّميّة، بخلاف العصر فإنّه ليس فيها إلا أمرها النفسي.
وفيه: بأنّ مقدّمة الواجب غير واجبة بالوجوب الشرعي، فلا وجوب غيري فيها ناشئ من أمر العصر، بل ليس إلا أمرها المختص، وحينئذٍ لا يبقى فرق بينها وبين العصر فلا مرجّح.
وعليه فالجهة الرابعة التي يأتي بها إذا ضمّها للظهر لا تكون مقدّمة للعصر حتى تجب، بل ربما تكون مفوّتة لها، وعليه فلا مرجّح، ومجرّد التقدّم الوجودي لا يرجح.
وعلى هذا فلا بد وأن يقال بالتخيير في المقدار الزائد بين صرفه للظهر أو للعصر.
نعم لا بد أن تكون العصر في غير الأخيرة، فلو صلّى الظهر مثلاً لجهات ثلاثة دون جهة واحدة، فعندما يشرع في العصر لا يجوز له أن يبدأها من الجهة التي لم يصل إليها الظهر، إذ لم يعلم حينئذً تفصيلاً ببطلان العصر، إما من جهة عدم القبلة أو عدم الترتيب، لأن الظهر حيث لم تقع إليها لم تقع إلى القبلة فتبطل.
والحاصل: أنّه لا يجوز له ذلك لأنّه لا يبقى امتثال العصر قطعياً لو اختار أن يجعله هو القطعي.
والحاصل أن الصور أربعة:
الصورة الأولى: أنّ المكلّف قد يكون متمكّناً من الموافقة القطعية لكلتا الصلاتين، فاللازم بحكم العقل تكرار الصلاتين أربع مرّات لتحصيل الموافقة القطعيّة، وقد تقدّم الكلام في كيفيّة التكرار.
الصورة الثانية: أنه قد يكون متمكّناً من الموافقة القطعيّة لإحدى الصلاتين، وقـد تقدّم أنّه لا ترجيح لأحدهمـا ولا محذور مـن حيث الترتيب بينهما، فهما متزاحمان ومقتضى القاعدة هو التخيير.
الصورة الثالثة: أنّه قد لا يكون متمكّناً من الموافقة القطعيّة بالنسبة لكلتيهما، بل يتمكّن من الموافقة الاحتماليّة، ففي مثل ذلك لا يمكن صرف الوقت لا في الظهر فقط ولا في العصر فقط، فلا بد من الامتثال الاحتمالي، لأن وقت الاختصاص واجب والترتيب واجب.
ودليل الاختصاص دل على الاختصاص بالنسبة لذات الصلاة لا بالنسبة للمقدّمات العلميّة، فاحتمال الاختصاص بالنسبة للعصر في كل الجهات غير موجود، ولا فرق في ذلك بين عدد الجهات الذي يتمكّن منه، فإن الأخيرة مختصّة بالعصر والأولى مختصّة بالظهر، وبغير ذلك يعلم بالبطلان لفقدان الترتيب وفقدان الاختصاص، فلا تحصل الموافقة القطعيّة جزماً.
فبالنسبة إلى الصلاة الأولى والأخيرة هي للاختصاص، وأما الوسط فهل يجب صرف الوقت في الظهر أو في العصر أو يتخّير في هذا الوسط ؟
الظاهر هو التخيير ما دام لا يتمكّن من الموافقة القطعيّة، لعدم ترجّح أحدهما على الآخر، والامتثال الاحتمالي بالنسبة لهما على حدٍّ سواء، نعم لا يصلّي العصر إلى جهة لم يصلّ إليها الظهر.
الصورة الرابعة: أن يتمكّن من الموافقة القطعيّة بالنسبة لصلاة الظهر فقط كما إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار ست صلوات، ففي مثله يمكن أن يصلّي الظهر إلى أربع جهات، فقد حصل الامتثال القطعي ولكن لا يتمكّن من الامتثال القطعي بالنسبة للعصر، بل هو متمكّنٌ من الصلاة إلى جهتين، فهو امتثالٌ احتمالي، إذ لعلّ وقت الاختصاص بالنسبة للعصر في غير هاتين الجهتين، وفي غير ذلك لا تحصل موافقة قطعيّة حتى لو صلّى أربع جهات للعصر، فإن وقت الاختصاص وإن حصل إلا أنّ الترتيب غير معلوم، إذ لعلّ الظهر التي صلاّها إلى جهتين، هي في الجهتين الأخريين، فصلاة الظهر إلى جهتين والعصر إلى أربعة، إما الظهر باطلة لعدم وقوعها في الجهة الواقعيّة، أو العصر باطلة لفقد الترتيب.
والحاصل: أنّه في جميع الصوَر المحتملة إذا لم يصلِّ الظهر إلى أربعة لتكون موافقتها قطعيّة، لا يجزم بصحّة واحدة منهما، بل الامتثال كلّه احتمالي، وإذا دار الأمر بين الامتثال القطعي بالنسبة للظهر والامتثال الاحتمالي بالنسبة لهما، فالعقل يقدّم الامتثال القطعي بالنسبة لأحدهما على الامتثال الاحتمالي بالنسبة لهما معاً، فيتعيّن أن يصلّي الظهر إلى أربع جهات ويصلّي ما تبقّى للعصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(مسألة 15): من وظيفته التكرار إلى الجهات، إذا علم أو ظنّ بعد الصلاة إلى جهة أنها القبلة لا يجب عليه الإعادة ولا إتيان البقية(1)، ولو علم أو ظنّ بعد الصلاة إلى جهتين أو ثلاث أن كلها إلى غير القبلة، فإن كان فيها ما هو ما بين اليمين واليسار كفى(2)، وإلا وجبت الإعادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أما عدم وجوب الإعادة إلى الجهة التي صلّى إليها فلأنها القبلة، ولا فرق بين كون الانكشاف علميّاً أو ظنيّاً، لأنه حجة في باب القبلة ولأن الإعادة من قبيل الامتثال عقيب الامتثال لا معنى له، لأن المفروض سقوط الأمر، لأنه أتى بالمأمور به بكل أجزائه وشرائطه.
وأما عدم وجوب الإتيان إلى بقيّة الجهات، فلأن هذه الجهات بمقتضى علمه أو ظنّه المعتبر ليست بقبلة.
(2) الكلام تارة في صغرى هذه المسألة وأخرى في كبراها:
أما صغرى هذه المسألة: وهي أنه هل من يصلّي لثلاث جهات متقاطعة يمكن أن ينكشف له بعد ذلك أن القبلة لم تكن بين اليمين و اليسار؟
فنقول: إنّ هذا الكلام غير معقول، لأن بين كل صلاة وصلاة أخرى على ما ذكرنا ربع دائرة تسعين درجة، وبين اليمين واليسار مائة وثمانون درجة، فإذا فرضنا الفصل ما بين المصلّي وبين القبلة فإن أقل من مائة وثمانين درجة كما هو المفروض، فإنه يصح حينئذٍ أن يقال أنه صلّى ما بين اليمين واليسار أي ما بين مائة وثمانين درجة في هذا البين، فيحكم بصحّة صلاته.
فصغرى هذا الفرع غير تامّة على إطلاقها، نعم يمكن أن يتصوّر ما أفاده الماتن (قده) فيما إذا صلّى إلى جهتين فقط، فيمكن أن تكون القبلة ليست ما بين اليمين واليسار، ويكون هو في الوسط الحقيقي، يعني متوجّهاً على نقطة الجنوب مثلاً، فصغرى المسألة فيما إذا صلّى إلى ثلاث جهات غير معقولة، أما إذا صلّى إلى جهتين فالصغرى معقولة.
أما بحسب الكبرى، فإنه بناءً على ما ذكرناه من أنّه عند تردّد القبلة بين جهات، وعدم إمكان تعيين القبلة حتى بالظن أي التحرّي، فإنّه حينئذٍ يكفي الصلاة إلى جهة واحدة لقوله (عليه السلام): (يجزي المتحيّر..)، فبناءً على هذا فما أفاده الماتن (قده) صحيح.
وأما بناءً على ما سلكه المشهور وتابعهم الماتن (قده) عليه من أن وجـوب الصلاة إلى
أربعة جهات، فمقتضى ذلك الاغتفار حينئذٍ بمقدار خمسة وأربعين درجة أي ثمن الدائرة،
فلا عبرة بوقوع القبلة فيما بين اليمين واليسار، وإن كان ما بين اليمين واليسار
قبلة، لكن لغير هذا الشخص الذي وظيفته الصلاة إلى عدّة
جهات، لأن هذا الشخص قبلته فيما بين خمسة وأربعين درجة في هذا البين ـ الوسط ـ،
وأما الزائد عليه فلا دليل على الاغتفار، فبناء على هذا فالاجتزاء بمثل هذه الصلاة
مشكل جداً.
فما أفاده الماتن مبتن على ما مسلكنا لا على ما سلكه المشهور وذهب إليه هو (قده).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(مسألة 16): الظاهر جريان حكم العمل بالظن مع عدم إمكان العلم والتكرار إلى الجهات مع عدم إمكان الظن في سائر الصلوات غير اليوميّة، بل غيرها مما يمكن فيه التكرار كصلاة الآيات وصلاة الأموات وقضاء الأجزاء المنسيّة وسجدتيْ السهو، وإن قيل في صلاة الأموات بكفاية الواحدة عند عدم الظن مخيراً بين الجهات أو التعيين بالقرعة، وأما فيما لا يمكن فيه التكرار كحال الاحتضار والدفن والذبح والنحر فمع عدم الظن يتخيّر والأحوط القرعة (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر هنا عنوانين:
الأوّل: الصلوات غير اليوميّة ؛ والثاني: غير الصلوات، وعطف الأمثلة وخلط بينها.
والحاصل: أنّه تارةً يفرض أن المكلّف كان ظاناً بالقبلة ومتحيّراً، فالظاهر حينئذٍ أنّه لا يفرّق بين الصلوات اليوميّة وغيرها مما يعتبر فيه الاستقبال، ففي جميع ذلك إذا تحرّى المكلّف في تعيين القبلة، فإطلاق الدليل يقتضي ترتيب آثار القبلة لأنّه غير مختّص بالصلاة، بل شاملٌ لها ولغيرها، لقوله (عليه السلام): (يجزي المتحيّر أبداً) وأخرى يفرض أن المكلّف لم يحصل له ظن، بل القبلة مرددة عنده بين الجهات، ففي مثل هذا قد يقال: أن وجوب الصلاة إلى أربع جهات، هذا قد ثبت برواية خراش وموردها هو الصلوات اليوميّة، فالتعدّي عن موردها إلى غيرها لا وجه له أصلاً.
ولكن الصحيح في المقام أن يقال: أن غير الصلاة من الأمور التي ذكرناها، قد يكون الواجب فيها استقبال نفس الشخص، وقد يكون أمراً آخر غير استقبال نفس الشخص.
فإذا فرضنا أن المطلوب هو توجّه نفس الشخص كصلاة الأموات بناءً على أنّها صلاة، وكذا سجدتا السهو وقضاء الأجزاء المنسيّة ونحو ذلك، فلا مانع من التمسّك بصحيحة زراره في قوله (عليه السلام): (يجزي المتحيّر)، لأنها مطلقة، فيكفي التوجّه إلى جهة واحدة، والتكرار لا بأس به فيما أمكن فيه التكرار.
وأما إذا فرضنا أن المطلوب توجيه شيء آخر غير نفس المكلّف كالميّت والمحتضر والذبيحة والنحر ونحوه، ففي مثل هذا لا يمكن التمسّك بصحيحة زرارة (يجزي المتحيّر) لأن الحكم في الصحيحة ثابت لتوجيه نفس المكلّف لقوله (عليه السلام): (يجزي المتحيّر أينما توجّه) أي هو لا أينما وجّه شيئاً آخر، فالرواية قاصرة الشمول لمثل هذا المورد فما هو المتّبع فنقول:
أما بالنسبة لدفن الميّت فحيث أنّه يجب دفنه وتوجيهه إلى القبلة، وحيث أن الامتثال القطعي غير ممكن، وحيث أن الاحتياط غير ممكن أيضاً، وحيث أن المخالفة القطعيّة لا تجوز بأي نحو كان، فتصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي لا محالة، ومقتضاه الحكم بالتخيير، أي توجيهه إلى أي طرف.
وكذا الحال بالنسبة للمحتضر.
أما بالنسبة للذبيحة ونحوها فإن كان دليل وجوب الاستقبال فيها مطلقاً ولم تكن ضرورة إلى الذابح لم يجز الذبح، للشك في الاستقبال، فاللازم تأخير الذبح.
ولكن الروايات الصحيحة وإن كان بعضها مطلقاً، ولكن بعضها الآخر مقيّد، حيث أخذ في
بعضها عنوان التعمّد موضوعاً للحرمة كقوله (عليه السلام) بالمضمون:
(إذا لم تذبح إلى القبلة متعمّداً فلا تأكله)، فيفهم منها ومن أمثالها أنّه لو ذبح
إلى غير القبلة نسياناً أو غفلةً عن الحكم أو الموضوع أو جهلاً كما في المقام.
فحينئذٍ لا يقال أنّه تعمّد الذبح إلى غير القبلة، بل إن ما وقع إلى غير القبلة لم يكن عن عمد جزماً، فالدليل قاصر الشمول عن اعتبار الاستقبال في هذا الحال، فالظاهر جـواز الذبح إلى أي طرف شاء.
وأما احتمال القرعة في هذه الموارد كما عن بعضهم فلا أساس له، لأنّ أدلّة القرعة إنما هي في موارد حقوق الناس، وأما الحقوق الإلهيّة في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة فلا معنى فيها لدليل القرعة، بل المرجع إلى الأدلّة أو الأصول.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(مسألة 17): إذا صلّى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة غفلةً أو مسامحة يجب إعادتها إلا إذا تبيّن كونها القبلة مع حصول قصد القربة منه(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر السيد الأستاذ (قده) أن هذه المسألة يأتي الكلام فيها في بحث الخلل في القبلة عند تعرّض الماتن لها.