حكم ما لو انكشف الخلاف أثناء الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ولو كان في الأثناء مضى ما تقدّم واستقام في الباقي من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه.  لكن الأحوط الإعادة في غير المخطئ في اجتهاده (1) مطلقاً وإن كان منحرفاً إلى اليمين واليسار، أو إلى الاستدبار، فإن كان مجتهداً مخطئاً أعاد في الوقت دون خارجه، وإن كان الأحوط الإعادة مطلقاً، لا سيّما في صورة الاستدبار، بل لا ينبغي أن يُترك في هذه الصورة، وكذا إن كان في الأثناء، وإن كان جاهلاً أو ناسياً أو غافلاً فالظاهر وجوب الإعادة في الوقت وخارجه.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1)   لو انكشف الخلاف أثناء الصلاة، فإذا كان وقوع بعضها لما بين المشرق والمغرب انحرف وصلّى للقبلة، وهذا المقدار لا يضرّ ببعض الصلاة، كما لا يضرّ بتمامها.

وأما لو كان الانحراف أكثر من ذلك أعادها.

ويدلّ عليه: موثّقة عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام): (في رجلٍ صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة)[[1]].

وبإزائها روايةٌ أخرى تخيل مخالفتها في الدلالة، وهي رواية القاسم بن الوليد قال: (سألته عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال: يستقبلها إذا ثبت ذلك، وإن كان فرغ منها فلا يُعيدها)[[2]].

بدعوى دلالتها على أنه بعد الصلاة لا يُعيد، ويُعيد إذا التفت في الأثناء.

إلا أنها لا تعارض:

أولاً: لضعف سندها بالقاسم بن الوليد.

وثانياً: لا دلالة فيها، ومنشأ التوهّم إرجاع ضمير يستقبلها إلى الصلاة، أي يستقبل الصلاة ويُعيدها، مع أنّ الضمير راجع إلى القبلة.

فموثّقة عمّار هي الحجّة وما ذكرناه في تمام الصلاة يجري في أبعاضها.

ولو انكشف الخلاف أثناء الوقت، وتبيّن أنه مستدبر ولم يبق من الوقت بمقدار يُعيد صلاته، فهل يقطعها فتفوت الصلاة وتصبح قضاء؟ أو يحكم بصحّتها كما اختاره الهمداني لأنها لا تترك بحال؟ أو أن مقتضى القاعدة أنها فائتة لعدم الدليل على صحّة ما صلاّه؟ والمفروض أنّه لا يتمكّن من الإتيان بها في الوقت فيقضي، وما دلّ من الروايات على أنّ من صلّى لغير القبلة يُعيد في الوقت دون خارجه، موضوعها من صلّى، والمفروض أن هذا لم يصلِّ لأنه أتى ببعض الصلاة وقطع صلاته، وجهان في المسألة.

والظاهر أنه لا يمكن تصحيحها، لأن قوله (عليه السلام)  في موثّقة عمّار أن الأجـزاء السابقة لـم تحسب لقوله: (وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة)، والمفروض أنّ ما بقي من الوقت لا يكفي، فقد فاتت الصلاة، فلا بُدّ من القضاء، فإن القطع الذي أمر به في ذيلها كان مختصّاً بالوقت للحكم بالبطلان، فهذا حكمٌ آخر غير ذلك الحكم، يعني حكم بالبطلان ثمّ حكم  بالإعادة.

وهذا وإن كان مختصّاً ببقاء الوقت، لكن الحكم الأوّل وهو القطع مطلق، وإذا قلنا بأن هذا أيضاً مطلق يحوِّل وجهه للقبلة ثمّ يفتتح الصلاة، فإذا كان الوقت باقياً فأداء، وإذا لم يكن باقياً فقضاء، فالموثّقة غير قاصرة الشمول لهذه الصورة  التي لا يتمكّن فيها من الإعادة.

هذا مضافاً إلى أنه تكفينا الأدلّة الأوّليّة الدالة على أنه لا صلاة إلا إلى القبلة، فإن عدم الدليل على صحّة هذه الأجزاء يكفي في عدم صحّتها، وليس هذا من موارد التزاحم بين الوقت والقبلة كما ذكر الهمداني، لأن ذلك إنما هو فيما إذا دار الأمر بين عملين أحدهما فاقد للقبلة والآخر فاقد للوقت، وأما هنا فليس الأمر كذلك.

وقد ذكر المحقّق الهمداني بعد ما فرض أنه من موارد التزاحم بين الوقت والقبلة: أن الوقت مقدّم حتى لو كان تمام الصلاة لغير القبلة فضلاً عمّا إذا كان بعضها للقبلة.

إلا أن هذا لا دليل عليه، لأن موثّقة عمار غير قاصرة الشمول لهذا الفرض، وإن ذكر هو بأنها منصرفة عن هذه الصورة.

ولكن لا نعرف لهذا الانصراف وجهاً لأن المستفاد من الموثّقة أمران:

أحدهما: بطلان هذه الصلاة.

ثانيهما: أنه  يتوجّه إلى القبلة فيصلّي.

فلو فرضنا أن الحكم الثاني مختص بالوقت إذا تمكّن يتوجّه ويصلّي، وأما الحكم الأوّل فهو مطلق، ومقتضى هـذه الموثّقة أن الصلاة لغير القبلة خارج ما بين اليمين واليسار باطلة لقوله (عليه السلام): (يقطعها)، فيُعلم من ذلك أن ما سبق لا يكون صحيحاً.

ولو فرضنا أنا لم نستدل بهذه الرواية وقلنا بأنّ مقتضى القاعدة هو البطلان لأنّه لا صلاة إلا إلى القبلة، فمقتضى إطلاق أدلّة الشرطيّة أن ما وقع من أجزاء الصلاة لغير القبلة مستدبراً يكون باطلاً، والمفروض أن المكلّف لا يتمكّن من الإتيان بالصلاة بعد ذلك لضيق الوقت ولو ركعة واحدة، فلا بُدّ من القضاء، وأدلّة نفي القضاء لا تشمل المقام لأنها فيمن صلّى لغير القبلة وهذا لم يصلِّ أصلاً.

ثمّ إن ما ذكره ليس من موارد التزاحم بين الوقت والقبلة كما ذكرنا، لأن ما ذكره من التزاحم إنما يكون فيما إذا دار الأمر بين أن يصلّي إلى غير القبلة أو يصلّي خارج الوقت للقبلة، كالمحبوس الذي لا يتمكّن من التحوّل للقبلة، ففي مثله نلتزم بتقديم وجوب الصلاة ولو إلى غير القبلة لأنها لا تسقط بحال.

وهذا غير موجود هنا، فإن مقتضى أن الصلاة لا تسقط هو إيجاب  الصلاة على المكلّف، لا الحكم بما صدر منه قبل ذلك وتصحيحه، وأما قبل أن يصلّي فهو كان متمكّناً من الصلاة إلى القبلة على الفرض، إلا أنه لسببٍ ما صلّى إلى غير القبلة، ففي ذلك الوقت لم يكن ما صلاّه مأموراً به واقعاً، وأما فعلاً فهو لا يتمكّن من الصلاة، فالاجتزاء بما لم يكن مأموراً به يحتاج إلى دليل وإن كان إتمامها وقضاؤها أحوط بلا إشكال.

الكلام فيما لو انكشف الخلاف خارج الوقت

بقي الكلام

فيما لو انكشف الخلاف خارج الوقت

فإن كان ما بين المشرق والمغرب فهو القدر المتيقّن من الصحة، وإذا كان أكثر من ذلك فقد ذكر الماتن أنه لا يعيد إذا كان الانحراف مبنياً على اجتهاده الخاطئ، وأما لو كان ناسياً أو غافلاً فالظاهر وجوب الإعادة وإن كان خارج الوقت ولا سيّما المستدبر.

والكلام أنه لماذا نقيّد عدم وجوب القضاء بما إذا كان الانحراف مستنداً إلى الخطأ في الاجتهاد، مع أن الروايات مطلقة وليس ما يوجب التقييد، ولذا فالصحيح هو الإطلاق في عدم الإعادة في كل مورد قلنا بأنه لا يعيد في الوقت فيما لو كان لليمين واليسار.

فمن جملة الروايات الدالة على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبى عيد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ المتقدّمة ـ قال: (إذا صلّيت وأنت على غير القبلة، واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة، وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد)[[3]].

وقد حملنا الإعادة فيها في الوقت على الاستدبار، وأما فيما بين المشرق والمغرب فلا يعيد كما تقدّم خلافاً لصاحب الحدائق، وهي مطلقة من حيث التحرّي والنسيان والغفلة وسائر الصور.

نعم هنا صورتان خارجتان: الجهل بالحكم، لأن ظاهر الرواية أنه لم يكن يدري أنه يصلي لغير القبلة، والجاهل بالحكم قد يعلم بأنه يصلّي لغير القبلة ما  دام لا يعلم بوجوب القبلة.

الصورة الثانية: الجاهل بالموضوع، مع ترك التحرّي لأنه مأمور بالتحرّي، فصلاته غير صحيحة من الأوّل حتى عند نفسه، لأنه مأمور بالتحرّي.

هاتان الصورتان خارجتان لأنه لم يعمل بوظيفته، وغيرهما من الصور داخلة وتشملها الرواية، لأنه صلّى واستبان أنه على غير القبلة، فإن كان في   وقت يعيد وإن كان في خارجه لا يعيد، فالرواية مطلقة.

ومثلها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك)[[4]].

وهذه الصلاة هي العشاء بقرينة (قبل أن تصبح)، فتدل على الاستبانة قبل الوقت وبعده، وهي مطلقة من حيث التحرّي وعدمه، فهل هناك ما يقيّد هذا الإطلاق أو لا ؟

يحتمل الاعتماد في التقييد على صحيحة سليمان بن خالد قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون في  قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ثمّ يضحي فيعلم أنه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده)[[5]].

فيقال أن الإجزاء هو الاجتهاد، ولكن ليس فيها مفهوم وأن غير المجتهد في التحرّي لا يجزي، "بل فيها إشعار"، ولعله من جهة أن المصلّي مع الغيم يتحرّى لذلك، وليس ذكر الاجتهاد لأن غيره لا يجزي، فلا تكون مقيّدة وتبقى المطلقات على حالها.

وأما رواية الحلبي المتقدّمة في الأعمى والحكم عليه بالإعادة لأنه لم يتحرّ، فهي مختصّة بالوقت، فلا علاقة لها بمحل الكلام، ولعله من جهة الغيم كانت وظيفته ووظيفة الآخرين التحرّي، وقد تحرّوا فصحّت صلاتهم دون الأعمى فإنه  لم يتحرّ، وهذا غير ما نحن فيه من الانكشاف خارج الوقت.

ومثلها غيرها من المقيّدات المدعاة التي لا يتم تقييدها.

فالإطلاق صحيح الحلبي وزرارة لا مقيّد له، فالحكم بعدم الإعادة مطلق.


 

[[1]] ب 10 القبلة ح 4 .

[[2]] نفس الباب السابق ح 3 .

[[3]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب11 القبلة ح1 .

[[4]] ب 11 القبلة ح 3 .

[[5]] ب 11 القبلة ح 6 .

رجوع