ــــــــــــــــــــــــــــــ
(مسألة 2): إذا ذبح أو نحر إلى غير القبلة عالماً عامداً حرم المذبوح والمنحور، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو لم يعرف جهة القبلة(1) لا يكون حراماً، وكذا لو تعذّر استقباله كأن يكون عاصياً أو واقعاً في بئر أو نحو ذلك مما لا يمكن استقباله فإنّه يذبحه وإن كان إلى غير القبلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا إشكال في وجوب الاستقبال مع العلم والعمد، ولو أخطأ في اجتهاده أو نسي أو غفل فذبح الذبيحة على غير القبلة، لا إشكال في عدم تحريم الأكل منها، لأن اعتبار الاستقبال مقيّد بالمتعمّد كما دلّت عليه الرواية، وكذا الجاهل بالموضوع، فإنه غير عارف بالقبلة، فلا يصدق عليه أنّه تعمّد الذبح على غير القبلة.
وأما الجاهل بالحكم لو ذبح على غير القبلة، فالمشهور والمعروف هو حل الذبيحة، ولا يمكن الاستدلال له بروايات من لم يتعمّد، لأن الجاهل بالحكم متعمِّد للجهة التي ذبح إليها، غايته أنّه لا يعلم أنها مخالفة.
نعم استدلّ في الجواهر على حل ذبيحته بوجهين آخرين:
أحدهما: (رواية دعائم الإسلام فيمن ذبح لغير القبلة، إن كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شيء عليه وتؤكل ذبيحته إلخ)[[1]].
وهذه الرواية ضعيفة السند، ولم يعلم استناد المشهور إليها، على أنه ذكر في صدرها الخطأ والنسيان والجهل وذكر بعد ذلك أنه إن تعمّد فقد أساء، حيث قابلت بين العمد وبين هذه الأمور، فيعلم أن الجهل المذكور هنا ليس هو الجهل بالحكم، لأنه عمد فلا يُجعل في قبال العمد، بل المراد الجهل بالموضوع، فلا تدل على ما نحن فيه .
الوجه الثاني: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (عن رجلٍ ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة فقال (عليه السلام): كُل منها، فقلت له: فإنه لم يوجهها، فقال: فلا تأكل منها... الحديث)[[2]].
فقد ذكر في الجواهر فيها احتمالين:
الأوّل: أن المفروض أنه لم يستقبل على كل حال فهذا هو الجامع، غايته مع الجهل مرّة ومع عدمه أخرى، فحكم في الأوّل بالحل وفي الثاني بالحرمة.
الثاني: أن الجامع هو الجهل في الصورتين، غايته أنه في الفرض الأوّل صادف القبلة فحلّت وفي الفرض الثاني لم تصادفها فحرمت، ثمّ رجّح الوجه الثاني بفتوى المشهور.
وفيه: أنه لا يمكن ترجيح أحد الاحتمالين بالفتوى.
فالذي يمكن أن يقال: أن الصحيحة في نفسها ظاهرة الدلالة، فإن الاحتمال الثاني وهو أن الجاهل بالحكم هو الجامع بين الفرضين ساقط، إذ كيف يحتمل محمد بن مسلم أن الجهل مع فرض مصادفة القبلة يوجب الحرمة، فإن الذبح ليس من العبادات، ولو كان منها فلا يشترط العلم والقصد كما هو حال شرائط الصلاة، فإنها تصح لو وجدت ولو لم يعلم بها، فكيف يسأل ابن مسلم عن هذا الفرض، فالظاهر من الرواية هو الوجه الآخر.
هذا كله فيما إذا كان متمكّناً من الاستقبال.
وأما إذا لم يتمكّن من الاستقبال بالذبيحة لسبب من الأسباب كالمتردّية في بئر أو المجنونة أو نحو ذلك، فقد ذكر الفقهاء أنه يسقط مع الاضطرار اشتراط الاستقبال، بل يسقط مع الاضطرار اعتبار الذبح من المذبح والمنحر المتعارف، ويذبح من أي موضع كان، وقد دلّت على ذلك عدّة روايات مذكورة في باب الذبائح من الوسائل[[3]].
بل يستفاد ذلك من نفس الروايات الدالة على اشتراط الاستقبال في الذبح، فإنه يستفاد منها في نفسها أن الشرط شرط في حال الاختيار بقرينة التفصيل بين المتعمّد وغيره، فإن المستثنى من جواز الأكل هو المتعمّد القاصد الذي يكون الفعل تحت اختياره وجوداً وعدماً، وغيره لا يقال أنه متعمّد لأنه غير قادر، فالحكم لا إشكال فيه.
[[1]] مستدرك الوسائل م16 كتاب الصيد والذبائح ب12 من أبواب الذبائح ح2 .
[[2]] ب 14 الذبائح ح 2 .
[[3]] الوسائل م16 ب4 وب10 من أبواب الذبائح .