فالمعروف أنّه لا يجوز، بل في الحدائق الظاهر أنّه لا خلاف فيه، ويستدلّ له بآية الغض، ولكن قد تقدّم أنّها لا تدلّ.
ويستدلّ للحكم أيضاً بعدّة روايات ضعاف كرواية أحمد بن أبي عبد الله قال: (استأذن ابن أم مكتوم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده عائشة وحفصة، فقال لهما: قوما فادخلا البيت فقالتا: إنّه أعمى، فقال: إن لم يركما فإنكما تريانه).
ومثلها رواية أم سلمة حيث كانت هي وميمونة فدخل الشخص المذكور فقال: (أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه)[[1]].
وهاتان الروايتان ضعيفتان، فإنّ رواية البرقي إن كانت عن الصادق (عليه السلام) فهي بعيدة، ولعلّ الواسطة قد سقطت، وهذا الشخص يروي عن الضعفاء، على أنّه لم يظهر منها الحرمة بل لعلّه لأمر آخر.
وأما الروايات الأخرى، فقسمٌ منها ظاهر في الريبة، وقسمٌ ظاهر في مكارم الأخلاق كالمروي في مكارم الأخلاق.
وقد ذكر السيّد الأستاذ بعد الإشارة إلى هذه الأدلّة: أنّ حكم نظر المرأة إلى الرجل قد ظهر ممّا تقدّم ممّا علمناه من مذاق الشارع من المحافظة الشديدة والنهي عن معاشرتهنّ للرجال لأنّه مثار الفتنة ونحو ذلك، فالحكم فيه كما تقدّم، غايته أنّ أدلّة حرمة نظر الرجل إلى المرأة أكثر.
أقول: الظاهر منهم اتّحاد المرأة والرجل في المستثنى منه والمستثنى، ولا مستند لهذه الدعوى إلا الإجماع المدّعى، لأنّ الآية لو تمّت دلالتها فينبغي أن لا يستثنى حتى الوجه والكفّين، لأنّه لم يستثنِ من غضّهنّ شيئاً.
ولا ملازمة بين جواز نظره وجواز نظرها، والإجماع المشار إليه مخالف للسيرة القطعيّة الفارقة بين الرجل والمرأة، وإن كان لو حرّم نظرها إليه فلا يجب عليه التستّر والاحتجاب لعدم الملازمة كما عرفت.
والظاهر: أنّ السيرة تامّة، لخروج النساء ونظرهنّ للرجال ومعاشرتهنّ للأرحام غير المحارم من غير نكير، ولم يكن ذلك شيئاً مستحدثاً، بل الظاهر اتصاله بالمعصومين.
ولو نوقش في هذه السيرة بقرينة الروايات الناهية عن المعاشرة والتحدّث والخروج مع أنّها غير مانعة، فهي تحمل على التحفّظ عن المقدّمات، على أنّه يمكن حينئذٍ الاستدلال من نفس الآية بقرينة السياق حيث دلّت الآية على وجوب ستر المرأة لغير العورة، وقلنا بالملازمة بين ذلك وبين حرمة نظر الرجل إليها.
وأمّا بالنسبة للرجل فهو لم يؤمر إلاّ بالغضّ وحفظ الفروج، وحفظ الفرج يلازم حرمة نظرها ولم يؤمر بستر غيره لنقول بالملازمة بين وجوب ستره وحرمة نظرها.
هذا والاحتياط في مثل هذا سبيل النجاة.
[[1]] الوسائل م14 كتاب النكاح ب129 مقدماته ح1-4 .