___________________________
وأمّا المرأة: فيجب عليها ستر جميع بدنها حتى الرأس والشعر إلاّ الوجه المقدار الذي يغسل في الوضوء (1).
___________________________
(1) ستر جميع بدن المرأة هو المعروف ولا خلاف فيه في الجملة وأنّ عورة المرأة جميع بدنها.
ونُقل عن ابن الجنيد أنّه ساوى بين المرأة والرجل في أنّ العورة إنّما هي القُبُل والدُبر، ولكن هذا لا دليل عليه حتى رواية ضعيفة، بل الروايات كلّها متطابقة على أنّ المرأة تخالف الرجل في هذا الحكم.
نعم، وقع الكلام في مواضع:
الموضع الأول:
ما عن ابن الجنيد أيضاً من أنّه لا بأس أن تصلّي المرأة الحرّة وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي محرم، ويُستدلّ لذلك بروايتين:
إحداهما: رواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا بأس أن تصلّي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع)[[1]].
وهذه الرواية ضعيفة السند بمحمد بن عبد الله بن أبي أيّوب فإنّه مجهول.
الثانية: موثّقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس)[[2]].
ونقل صاحب الحدائق عن المعتبر أنّ هذه الرواية مطروحة لضعف عبد الله، فلا يترك لأجل خبره الأخبار الصحيحة.
وهذا غريب، لأنّ عبد الله وإن كان فطحيّاً إلاّ أنّه ثقة، خصوصاً وأنّهم لا يعاملون الفطحيّة معاملة غيرهم من سائر الفرق، فإنّ العلامة الذي لا يعمل برواياتهم عمل برواية ابن بكير، بل يعبّرون عن الفطحي بالورِع الثقة لأنّ الفطحيّة يعترفون بكلّ الأئمّة (عليهم السلام)، إلاّ أنّهم أضافوا إليهم عبد الله بن جعفر وجعلوه إماماً لمدّة ستة أشهر، هذا على أنّه من أصحاب الإجماع.
وأمّا محمد بن عبد الله الأنصاري الموجود في السند، فهو بهذا العنوان لم يرد فيه توثيق، نعم بعنوان محمد بن عبد الله بن غالب الأنصاري هو ثقة من قِبل النجاشي، والظاهر أنّه الثقة ولكن حذف جدّه في الرواية، فالرواية معتبرة.
وقد قيل في الجواب عنها أمور:
منها: ما عن الشيخ من أنّه حملها على الصغيرة دون البالغة.
وهذا بعيد جداً: لأنّه عبّر بالمرأة المسلمة.
ومنها: ما في الجواهر والوسائل، حملها على الضرورة وعدم التمكّن من القناع.
وهذا أيضاً بعيد: لأنّ الكلام في الحكم الاختياري وفي مطلق المرأة، فحمله على الاضطرار بلا وجه، على أنّه لو كان للاضطرار فلماذا خصّ بالرأس !
ومنها: وفي الحدائق حملها على عدم البأس في القناع عرفاً زيادة على الخمار الذي يستر الرأس، فيستحبّ التقنّع زيادة على ستر الرأس الواجب.
وهذا بعيد: بل هو أبعد من الاحتمالين السابقين لأنّه عبّر (وهي مكشوفة الرأس).
فهذه الرواية واضحة الدلالة على جواز كشف الرأس، فهي معارضة للأخبار الكثيرة الدالة على عدم الجواز.
ولا يمكن حمل أخبار المنع على الاستحباب أي استحباب ستر الرأس، بدعوى أنّ ظاهرها وجوب الستر وهذه صريحة في الجواز، فتحمل تلك على الاستحباب لأنّ هذا وإن كان ممكناً في بعض تلك الروايات، إلاّ أنّ بعضها يأبى الحمل على الاستحباب.
مثل صحيحة زرارة قال: (سألت أبا جعفرٍ (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة، قال: درع وملحفة فتنشرهما على رأسها وتجلّل بهما)[[3]].
فإنّ هذه لا يمكن حملها على الاستحباب لأنّه سأل عن آخر مرتبة التي تكون الصلاة بأدنى منها باطلة.
فالروايات متعارضة والصحيح أن يقال: أنّ الروايات المانعة حيث أنّها كثيرة ومشهورة فلا يبعد القطع بصدور بعضها، فتدخل هذه الموّثقة في الشّاذ المخالف للسنّة فتطرح ولا سيّما أنّه لم يعمل بها أحد من فقهاء الشيعة عدا ابن الجنيد.
وأمّا الروايات الدالة على وجوب الستر فهي كثيرة:
منها : صحيحة زرارة التي ذكرناها، فإنّ الملحفة ثوب واسع سابغ شامل لجميع البدن.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى (عليه السلام) (عن المرأة ليس عليها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال: تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس)[[4]].
ومنها: رواية الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (صلّت فاطمة (عليه السلام) في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها وأذنيها)[[5]].
فإنّ ستر الشعر يلازم ستر الرأس.
إلى غير ذلك من الروايات، بالألسنة المختلفة، التي عبرت بالدرع والمقنعة والملحفة والإزار.
فإنّ الخمار: كما ذكر في الحدائق عبارة عن المقنعة.
والملحفة التي تلتفّ بها: عبارة عن ثوب واسع شامل للبدن، يلبس على الثياب بعد التقنّع تلفّها على بدنه.
والخمار: غطاء على الرأس ينسدل على جبين المرأة.
فالروايات التي بهذه المضامين تدلّ على وجوب ستر الرأس وتطرح تلك الرواية والله العالم.
[[1]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب29 لباس المصلي ح6.
[[2]] الوسائل م 3 كتاب الصلاة ب 29 لباس المصلّي ح 5 .
[[3]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب 28 لباس المصلّي ح 9 .
[[4]] الوسائل م3 ب 28 لباس المصلّي ح2 .
[[5]] الوسائل م3 ب28 لباس المصلّي ح1.