___________________________
وإلاّ اليدين إلى الزندين، والقدمين إلى الساقين ظاهرهما وباطنهما(1).
___________________________
(1) المعروف والمشهور استثناؤهما في الصلاة وادّعى عليه الإجماع، ولكنّ صاحب الحدائق استشكل في ذلك وذكر أنّه مبني على أنّ القميص والخمار الوارد في الروايات لا يسترهما عادةً، وهذا إنّما يتم لو علم أنّ القميص كان في ذلك الوقت عند العرب على هذا الشكل.
إلاّ أنّه يجوز أن يكون كما هو الآن من سعة الأكمام بنحوٍ يستر الكعبين وطول الذيل بنحوٍ يغطّي القدمين، هذا في صحيحة ابن مسلم وغيرها، فلا تدلّ الروايات على أنّ اليدين والرِجلين مستثنيات، بل المستثنى هو الوجه فقط وأصرّ صاحب الحدائق على ذلك.
إلاّ أنّ هذا الاستدلال لا يتم:
أمّا أوّلاً: فلأنّه مبنيٌ على أن يكون عندنا دليل على وجوب ستر جميع بدنها، فنحتاج في الخروج في أي جزء إلى دليل، وحيث لم يعلم كون القميص ساتراً أو غير ساتر، فما لا يستر يبقى تحت دليل وجوب الستر، إلاّ أنّه لا دليل على وجوب ستر بدنها إلاّ هذه الروايات كما عرفت، حيث ذكرت أن أذنَيْ ما تصلّي فيه المرأة درعٌ وخمار، فالمقتضى لوجوب الستر قاصر، بل إطلاق الروايات وأنّ ما يصدق عليه قميص يكفي لأنّه يقتضي عدم الوجوب، ومع الشك فالمرجع أصالة البراءة.
ويرِد عليه ثانياً: أنّ ما ذكره من كون الكم واسعاً والذيل طويلاً بعيد، فإنّ الكُمّ إن كان واسعاً من جميع الأطراف بحيث يستر بدنها فكيف تلبسه المرأة في بيتها مع عملها، غايته أنّه واسع من جهةٍ واحدة، كما شاهدناه إلى زمانٍ قريب بالنسبة إلى الرجال أيضاً، وكذلك الطول فإنّه طويل من الخلف كما شاهدناه في نساء العرب إلى زمانٍ قريب أيضاً، ومن أجل ذلك قالوا: وعلى المحصنات جرّ الذيول.
بل لو كان واسعاً من جميع الجهات لما تمكّنت حتى من المشي وتقع لا محالة، مع أنهنّ كنّ يلبسنه ويشتغلن في بيوتهنّ، فالقدمان من الأمام كما ترى، وكذلك الكفّان، ومقتضى جواز الصلاة في القميص جوازها على هذا النحو الذي يستره القميص.
وأمّا ثالثاً: فلو فرضنا أنّ القميص يختلف، بعضه طويل بالنحو الذي ذكره وبعضه كما ذكرنا، فما كان بنحو ترى القدمان والكفّان فإنّه يصدق عليه القميص قطعاً وليس فرداً نادراً، ومقتضى إطلاق القميص شموله لمثله وجواز الصلاة فيه.
فالصحيح: ما ذكره المشهور خلافاً لصاحب الحدائق.
ثمّ إنّ هنا تفصيلين
التفصيل الأول: التفصيل بين اليدين فلا يجب سترهما، وبين القدمين ففيه تردّد كما عن الشرائع وغيره، إلاّ أنّ المشهور نقلاً وتحصيلاً كما في الجواهر هو الملازمة بينهما وعدم وجوب سترهما.
وأمّا تردّد الشرائع فلعلّ وجهه صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة، فإنّ مقتضى إطلاقات روايات الدرع والخمار ونحوها هو استثناء القدمين لأنّها لا تستر بهذه الأمور.
إلاّ أنّ الصحيحة المذكورة دلّت على عدم البأس في صورة الاضطرار، حيث قال لا بأس إذا لم تقدر على غير ذلك، فيفهم منها أنّه مع القدرة فيجب عليها ستر رجلها.
ولكنّ هذا الاستدلال لا يتم، لأنّ سقوط وجوب الستر بالعذر لا يختص بالرجلين بل يشمل جميع البدن، فتخصيص الرجل إنّما هو لأجل أنّه فرض أنّ لها لباساً واحداً لا يغطّي جميع بدنها وهو الملحفة، والمفهوم من الرواية أنّها لا تغطّي جميع البدن، فيدور أمر هذا اللباس بين أن تضعه من عند رأسها فيصل إلى نصف الساق مثلاً أو تضعه من عند كتفها فيستر الرجلين، ولكنّ الرأس يبقى مكشوفاً، فرجّح الإمام (عليه السلام) جانب الرأس وأنّه يستر.
فليست الرواية في مقام بيان وجوب ستر الرجلين، بل الراوي في مقام بيان أنّها لا تتمكّن من ستر جميع بدنها، وليس المراد بالرِجل في الرواية القدمين، بل يدخل فيه شيء من الساق بمقتضى مناسبة السؤال والجواب، فلا مفهوم لها يقتضي أنّه إذا لم تقدر على ستر القدمين ففيه البأس.
بل المفهوم منها بمقتضى ما ذكرنا أنّه إذا لم تتمكّن من ستر الرِجلين الذي يدخل فيه قسم من الساقين فلا بأس، فإن تمكّنت ففيه البأس، وهذا نوافق عليه، لا أقل من أنّه محتمل فلا يتم الاستدلال المذكور بهذه الرواية، ولا دليل على وجوب ستر القدمين.
التفصيل الثاني: بين ظاهر القدمين فلا يجب سترهما لِما تقدّم من أنّه مكشوفٌ غالباً بمقتضى روايات الدرع والخمار، وبين باطنهما فيجب ستره، واستدلّوا على ذلك بأنّ الباطن مستور غالباً بالأرض في حال القيام والركوع، ومستور بالثوب في حال الجلوس للتشهّد، بل هو في جميع حالات الصلاة مستور، فما دلّ على جواز الصلاة في درع وخمار ممّا ليس من شأنه أنّه يستر القدمين لا يدلّ على عدم وجوب ستره.
إلاّ أنّ هذا الاستدلال لا يتم، وناقش فيه المحقّق الهمداني:
أوّلاً: بأنّ القدر المتيقّن الذي ثبت وجوب ستره في الصلاة هو غير محل الكلام، فيرجع فيه إلى البراءة إلاّ إذا قلنا بقاعدة الاشتغال عند الشك في الشرطيّة.
وثانياً: بأنّه لو وجب ستر الباطن لوجب كونه بثوب، لأنّ المفروض أنّها في حال الصلاة، فلا تكتفي بالستر كيفما كان، فالأرض لا تكفي وبالثوب لا يجب لعدم دليل عليه من الروايات، فلا يجب ستر القدمين.
ثمّ ناقش في هذا: بأنّ الأرض إنّما لا يعتبر الستر بها على سبيل الاستقلال، وأمّا هنا فلا مانع من الستر بها، فإنّ مباشرة بعض جسد المرأة للأرض حال جلوسها للتشهّد لا ينافي صدق كونها بجملتها مستورة بالثوب، مع أنّ أسفل بدنها الملتصق بالأرض مستور بالأرض حقيقة فيما إذا لم يكن عليها إلاّ هذا الثوب، وهذا بخلاف ما لو استقلّت بالساتريّة كما لو وقعت في بئر محيطة بجسدها فإنّه لا اعتداد بسترها.
وناقشه السيّد الأستاذ: بأنّ هذا إنّما يتم لو كان القميص المذكور يستر من تمام الأطراف، فإنّ باطن الرِجلين حينئذٍ وإن كان مستوراً بالأرض، إلاّ أنّ الثوب ساتر لتمام الأطراف، وأمّا إذا لم يكن القميص كذلك لأنّه ساتر من طرف واحد كما عرفت من طرف الخلف، فالباطن حينئذٍ مستور بالأرض وحدها وهي لا تكفي حسب الفرض.
ويرِد على التفصيل المذكور ثالثاً: أنّه يكفي في عدم وجوب ستر الباطن ما دلّ على أنّ المرأة تصلّي في درعٍ وخمار، فإنّ إطلاقها يشمل ما لو رفعت قدمها حال الصلاة لغرض بحيث يرى باطن القدم.
على أنّا لو سلّمنا ستر تمام البدن بالثياب المذكورة في الروايات، ففي بعض حالات الصلاة تظهر باطن القدم ولا تستر بهذه الصلاة، ومقتضى إطلاق الروايات شمول مثل هذه الحالات.
فالصحيح: هو ما عليه المشهور من عدم وجوب ستر القدمين ظاهراً وباطناً.