وهي أمور:
___________________________
___________________________
(الأوّل): الطهارة في جميع لباسه، عدا ما لا تتم فيه الصلاة منفرداً، بل وكذا في محموله على ما عرفت تفصيله في باب الطهارة(1).
(الثاني): الإباحة، وهي أيضاً شرط في جميع لباسه من غير فرق بين الساتر وغيره، وكذا في محموله،فلو صلّى في المغصوب ولو كان خيطاً منه عالماً بالحرمة عامداً بطلت وإن كان جاهلاً بكونه مفسداً، بل الأحوط البطلان مع الجهل بالحرمة أيضاً، وإن كان الحكم بالصحّة لا يخلوا عن قوّة(2).
___________________________
(1) هذا تقدّم في باب الطهارة.
(2) المراد بالإباحة أن لا يكون مغصوباً أو بحكم المغصوب،كما لو فرضنا أنّه اشترى الثوب بمعاملة فاسدة، فإنّه وإن لم ينطبق عليه عنوان الغصب، إلاّ أنّه مال الغير ولم ينتقل إليه -ولم يحرز رضا صاحبه- فتجري عليه أحكام المغصوب.
والحاصل: أنّ اشتراط الإباحة وأن لا يكون مغصوباً هو المشهور وادّعى عليه الإجماع ونُفي الخلاف، ونقل في الحدائق عن بعض قدماء الأصحاب كالفضل بن شاذان جواز الصلاة في المغصوب، وفي الجواهر أنّ المحكي عن الفضل غير متحقّق، وعلى تقديره فهو غير قادح في الإجماع.
ولا يخفى أنّ الإجماع إنّما هو على عدم الجواز في الساتر المغصوب، وأمّا غير الساتر ففيه كلام آخر.
وكيف كان فقد استدلّ على اعتبار الإباحة بوجوه:
منها: الإجماع.
وفيه: أنّه ليس تعبّديّاً بل هو معلوم المدرك.
ومنها: قاعدة الاحتياط، لأنّ العبادة توقيفيّة، ولم تثبت صحّة الصلاة في اللباس المغصوب.
وفيه: أنّ الأصل عند الدوران بين الأقل والأكثر والشكّ في كون شيء مانعاً كالغصب هو البراءة.
ومنها: أنّ التصرّف في الثوب المغصوب قبيح، ولا تصحّ نيّة القربة فيما هو قبيح.
وفيه: أنّ نيّة القربة المعتبرة إنّما هي في أفعال الصلاة لا في التصرّف في الثوب، والتستّر وإن كان تصرّفاً إلاّ أنّه ليس من أفعال الصلاة، فقبحه لا ينافي نيّة القربة في أفعال الصلاة.
ومنها: أنّه مأمور بإبانة الغصب وردّه إلى مالكه، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضاداً للصلاة، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه والنهي في العبادات يوجب فسادها.
وفيه: أنّه يتوقّف على الاقتضاء في مسألة الضد، وعلى تقديره يتوقّف على مسألة أنّ النهي الغيري يقتضي الفساد أو لا يقتضيه؟ وبأنّ الرد قد لا يجب لكونه متعذّراً، وقد يجب ولا يكون ضداً منافياً للصلاة لحصول المالك أو من يوصله إليه، مع أنّ هذا لو تمّ لا يختصّ بالساتر ولا بالملبوس، بل كل مغصوب يمكن ردّه إلى المالك لا تجوز الصلاة مع الابتلاء به على هذا.
ومنها: أنّ الحركات في الصلاة منهيٌ عنها، لأنّها تصرّف في المغصوب والنهي عن الحركة نهيٌ عن القيام والقعود والسجود، فيفسد الجزء للنهي عنه، فتفسد الصلاة لفساد جزئها.
(وبتعبير آخر): إذا كان الجزء محرّماً لا يكون مصداقاً للواجب، فلم يأتِ بالشرط المأمور به، فالصلاة تكون فاقدة للشرط فتفسد، والجزء في المقام محرّم، لاتحاده مع الحركات المحرّمة التي هي تصرّف في المغصوب.
وفيه: أنّه لا اتّحاد بين الحركات الغصبيّة والصلاة، فإنّ الصلاة مركّب خاص والمحرّم هو اللبس والتصرّف وهو أمرٌ خارج عن الحركات من حيث هي حركات كالقيام والسجود ونحوهما، فإذا لم يكن اتّحاد، لا يكون النهي متناولاً لجزء الصلاة ولا لشرائطها، بل إنّ مثل الركوع والسجود ليست من قبيل الحركات بل هي هيئة قائمة بالجسم، فتكون من مقولة الوضع لا من مقولة الفعل.
وأمّا دعوى: أنّه إذا استتر بالمغصوب فقد استتر استتاراً منهيّاً عنه، لأنّ الاستتار عين لبسه والتصرّف فيه، فلا يكون استتاراً مأموراً به في الصلاة، فيكون قد صلّى صلاةً خالية عن شرطها.
ففيها: أنّ التستّر ليس عبادة يشترط فيه قصد القربة، ولذا يصح مع الغفلة والنسيان والجهل، فالواجب هو الستر وهو حاصل، وإن كان عاصياً بالتصرّف في المغصوب، وهذا التستّر وإن كان منهيّاً عنه، إلاّ أنّ التستّر ليس عباديّاً، ليفسد بالنهي وتفسد الصلاة به كما عن الرياض، وليس متّحداً مع سائر أفعال الصلاة، ليكون موجباً للنهي عنها لما عرفت.
والحاصل: أنّه لا دليل على أنّ الستر المأمور به شرط للعبادة، بل مطلق الستر شرط، غايته أنّه لا يؤمر إلاّ بالمحلّل منه، وذلك لا يمنع من تحقّق الشرط بالمحرّم منه، والأمر بالستر ظاهر في الحكم الوضعي الإرشادي إلى شرطيّته للصلاة، فلا يختصّ بخصوص الساتر الحلال.
ودعوى: أنّ شرطيّته متيقّنة وغيره محل الشكّ.
هذه الدعوى مدفوعة: بأنّ إطلاق الأوامر يشمله، والأمر بالاستتار منصرف إلى إرادة بيان الشرطيّة، فالإطلاق محكم.
ومنها: رواية تحف العقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لكميل: (يا كميل انظر فيما تصلّي، وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحله، فلا قبول)[[1]]، إلاّ أنّها ضعيفة السند جدّاً.
ومنها: خبر إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق)[[2]]، بناءً على أنّ المراد من عدم القبول عدم الإجزاء.
وفيه: أنّها ظاهرة في كون الإباحة شرطاً في القبول، والإنفاق فيها ظاهر في غير ما نحن فيه، مضافاً إلى ضعف سندها.
هذا وقد نسب للمعتبر التفصيل بين ما إذا كان الثوب ممّا يستر به العورة أو يسجد عليه فالصلاة باطلة، لأنّ جزء الصلاة حينئذٍ يكون منهيّاً عنه فيفسد وتبطل الصلاة، وأمّا لو لم يكن كذلك كلبس الخاتم المغصوب فلا تبطل.
وحاصله: التفصيل بين ما يستر بالفعل فتبطل الصلاة به، وبين ما لا يستر بالفعل فلا تبطل.
وما علّل به (قده) من أنّ جزء العبادة يكون منهيّاً عنه وإن لم يكن صحيحاً، لعدم الاتّحاد كما عرفت، ولأنّ الستر ليس جزءاً بل شرط.
وتفطّن لذلك صاحب المدارك كما حكي عنه، فعلّله بأنّه شرط يفسد بالنهي فتفسد العبادة، واعترضه في الحدائق بأنّا لا نسلّم فساد الشرط بالنهي إلاّ إذا كان عبادة.
[[1]] الوسائل م3 ب2 مكان المصلي ح 2.
[[2]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب2 مكان المصلي ح1.