المغصوب الساتر فعلاً أو شأناً

المغصوب الساتر فعلاً

فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في اللباس غير الساتر بالفعل أو حتى شأناً،إذا فرضنا أنّ المكلّف لبس ثوبين أحدهما مباح والآخر غير مباح وكل منهما ساتر، بحيث لو فرضنا أنّ الساتر غير المباح لم يكن، كان المكلّف واجداً للشرط، فلا موجب لبطلان العبادة به، بعد عدم اتّحاد المأمور به والمنهي عنه، حيث أنّه ليس شيء من أجزاء الصلاة متّحداً مع الحرام كما عرفت، فليست العبادة منهيّاً عنها، وكونه ضدّاً قد عرفت ما فيه، فالبطلان هنا مبني على الاحتياط.

المقام الثاني: في الساتر بالفعل، فنقول: النهي عن الشرط لا يسري إلى المشروط، ولا يوجب فساد الشرط إذا لم يكن عباديّاً، لأنّ غاية الشرط وهي التوصّل تحصل وإن كان حراماً بعد ما لم يكن عباديّاً، والشرط ليس مأموراً به بالأمر النفسي كالأجزاء، بل غايته أمر مقدّمي إن قلنا بوجوب المقدّمة.

وعصيان الأمر الغيري لا يوجب بطلان المأمور به إذا كان توصليّاً، ولذا تصح صلاته لو صلّى مستتراً جاهلاً بالشرطيّة أو غافلاً عنها، لأنّ الستر ليس عباديّاً، ومقتضى عدم انتفاء النهي عن الشرط غير العبادي لفساده هو أنّه لا تعتبر الإباحة في اللباس مطلقاً ساتراً كان أو غير ساتر.

إلاّ أنّ الشرط إذا كان على المأمور به، كما لو غسل الثوب بماءٍ مغصوب فهو وإن حرم التصرّف في المغصوب إلاّ أنّه بعد تحقّق الشرط وهو طهارة الثوب لا مانع من صحّة الصلاة.

وأمّا إذا كان الشرط مقارناً كالاستقبال والستر فهو أمر واحد مقارن للصلاة، وبعدما أمر المولى بالتستّر بلباس، ومنع عن لباس خاص من حيث أنّه غصب، ولا يبعد بحسب الفهم العرفي أن يكون هذا النهي تقييداً لذلك الإطلاق الثابت للستر، وهذا الظهور العرفي غير بعيد وإن لم يكن كذلك عقلاً لعدم المنافاة بين الأمرين، ولذا فهم العلماء هذا الاشتراط.

ولو تمّ هذا الوجه فهو مختصّ بما هو ساتر فعلاً، وأمّا غيره فليس بشرط حتى يكون مأموراً به، ويكون النهي تقييداً له، فشرطيّته منتفيّة، ولا يبقى إلاّ احتمال مانعيّته، وحيث لا دليل على المانعيّة، فلا مانع من صحّة الصلاة لأصالة البراءة.

إلاّ أنّ هذا الوجه إنّما يتم لو كان اعتبار اللباس في نفسه، ولكن الظاهر من صحيحة ابن جعفر أنّه معتبر لأجل أن لا يصلّي عارياً، فاللبس مقدّمة فلا وجه لانصراف الأمر إلى المباح، لأنّ كونه غير عاري يحصل بالمغصوب وبغيره، فهذا الوجه أيضاً غير تام.

وممّا ذكرنا يظهر حال المحمول المغصوب، فإنّ حاله حال اللباس غير الساتر، ويترتّب على هذا أنّه لو كان اللباس محرّماً من غير ناحية الغصب كلباس الشهرة، فإنهم لم يجزموا فيه بالفساد مع أنهما من باب واحد، فتفسد الصلاة به إذا كان ساتراً ولا تفسد إذا لم يكن ساتراً بناءً على تماميّة الوجه المذكور، لأنّ موجب التقييد لإطلاق الستر هو حرمة اللباس من أي شيء نشأت هذه الحرمة.

والحاصل: البطلان مع كونه ساتراً لما عرفت وعدمه مع عدمه لعدم الاتّحاد مع الحرام، وتحريكه بالقيام والركوع مثلاً وإن حرم، لكنّه متّحد معه، نعم تحريك الثوب مقارن للركوع فهو محرم حالها، لا أنّه هو هي، والفرق بينه وبين المكان واضح بضرورة الجسم وأكوانه للمكان، وعدم كون اللباس من ضروريّات الجسم كما هو واضح.

وقد يُستدلّ على الإباحة بأنّ المصلّي مأمور بنزع الثوب المغصوب وإبطال الصلاة، والأمر بإبطال الصلاة مع الأمر بإتمامها لا يجتمعان، فلا أمر بالإتمام فتبطل، وهذا الوجه يختصّ بالساتر، إذ اللباس غير الساتر لا أمر بإبطال الصلاة معه.

وفيه: أوّلاً: أنّه ليس في المقام أمر بالإبطال، وإنّما الموجود الأمر بإيجاد المبطل وبينهما فرق، والأمر بإيجاد المبطل موجود في كل واجب أهمّ من الصلاة ملازم لبطلانها، وليس الأمر متعلّقاً بالإبطال، فلو عصى المكلّف ولم يوجد المبطل لا مانع من صحّة صلاته على نحو الترتّب على ما قوّيناه في الأصول.

وثانياً: لو فرضنا تعلّق الأمر بالإبطال، فالذي لا يجتمع مع الأمر بالإتمام هو الأمر بالإبطال على وجه الإطلاق، وأمّا الأمر بحصّةٍ خاصة من الإبطال أي من جهة نزع الثوب مثلاً، فهذا لا مانع من اجتماعه مع الأمر بالإتمام على نحو الترتّب، فيقال: أبطل صلاتك بنزع ثوبك، وإن لم تبطل فأتمّ صلاتك.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّه ليس في البين دليل على اعتبار الإباحة في الصلاة، إلاّ أنّ هذا أمر متسالم عليه ولم يخالف فيه أحد إلاّ القليل، ونسب إلى الفضل بن شاذان فقط، وهذا التسالم هو الذي منعنا عن القول بالصحّة وإلاّ لكان الحكم بالصحّة قويّاً جدّاً.

ثمّ لو قلنا بالبطلان مع الغصب مطلقاً أو في الجملة فلا يتوقّف الحكم بالبطلان على العلم بأنّ لبس المغصوب مفسد بعد العلم بكونه مغصوباً وحراماً، لأنّ الجهل حينئذٍ ليس عذراً ولا يرفع المبعديّة الحاصلة من العلم بالغصب.

وأمّا لو لم يعلم بالحرمة أيضاً للجهل بحرمة الغصب أو بموضوعه، فقد ذكر الماتن أنّ الأحوط البطلان، وإن كان الحكم بالصحّة لا يخلو عن قوّة.

رجوع