___________________________
وأما مع النسيان أو الجهل بالغصبيّة فصحيحة، والظاهر عدم الفرق بين كون المصلي الناسي هو الغاصب أو غيره، لكن الأحوط الإعادة بالنسبة إلى الغاصب خصوصاً إذا كان بحيث لا يبالي على فرض تذكّره أيضاً(1).
___________________________
(1) النسيان قد لا ينتهي إلى الاختيار كما إذا كان الغاصب شخصاً غير المصلّي، والمصلّي يعلم ولكنّه نسي، وقد يكون الناسي هو الغاصب نفسه.
أمّا في الفرض الأوّل: فلا إشكال في الصحّة، بل هو أولى منهما في صورة الجهل بالحكم أو الموضوع عن قصور، وذلك لأنّه في فرض الجهل القصوري، فالحكم الواقعي موجود بحاله، لأنّ الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل، غايته أنّه غير منجز في حقّ الجاهل بل هو معذور.
وأمّا في فرض النسيان: فالحكم الواقعي غير موجود أصلاً، لأنّ المفروض أنّه غير قادر على الامتثال، فتصرّفه تصرّف جائز واقعاً، فلا محذور في صحّة الصلاة، ومجرّد أنّ المال ملك للغير لا يوجب بطلان الصلاة، لأنّ الذي كان يوجب بطلانها حرمة التصرّف في مال الغير، والحرمة ساقطة لفرض النسيان.
ونظيره في باب الوضوء لو نسيَ المتوضئ أنّ الماء مغصوب، فإنّ وضوءه صحيح مع أنّ الواجب متّحد مع الحرام، وذلك لأنّه لا حرام واقعاً.
وأمّا لو كان النسيان من نفس الغاصب، فهو داخل في قاعدة أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، لأنّه باختياره غصب ولعدم مبالاته بأمر المولى لم يردّ المغصوب وتصرّف فنسي، فلو قلنا باعتبار الإباحة فهذا غصبٌ محرّم، فهل تفسد معه الصلاة أو لا ؟ فنقول:
أمّا في باب الوضوء: لو نسيَ وتوضّأ بالماء المغصوب، فالحرمة الواقعيّة وإن سقطت فعلاً لفرض النسيان، إلاّ أنّ النسيان لمّا كان بسوء الاختيار فهو لا يعذر فيه، وهو مبغوض بواسطة النهي السابق فيفسد الوضوء، ففي باب الوضوء يفرّق بين كون ناسي الغصب هو الغاصب فيفسد وضوءه، وبين كونه غيره فيصح.
وأمّا في باب اللباس للصلاة، فقد قلنا بالصحّة لو كان الناسي غير الغاصب، ونقول بالصحّة أيضاً لو كان هو الغاصب، وذلك لأنّ الفعل وإن كان مبغوضاً وليس مشمولاً لحديث الرفع لانتهاء النسيان للاختيار، فهو معصية فلا امتنان في رفعه، فاستحقاق العقاب واقعاً موجود، وإن كان نفس التكليف ساقطاً، ولكن نحكم بالصحّة لحديث لا تعاد، لأنّ غاية ما في هذه الصلاة أنّها بمنزلة صلاة العاري، والستر ليس من الخمسة المستثناة، فلا تعاد صلاته.
وهذا بخلاف الوضوء حيث أنّ الواجب وهو الغسل هو مصداق الحرام المبغوض واقعاً حسب الفرض، وأمّا هنا فلا اتّحاد.
نعم، لو كان المدرك هو حديث الرفع، فلا بدّ من التفرقة بينهما، فيحكم بالفساد في الفرض المذكور، لأنّ الحديث لا يشمل النسيان المنتهي إلى الاختيار، وقد يقال بأنّه يشمله كما في المستمسك.
فما ذكره في المتن من عدم الفرق هو الصحيح، وإن كان الاحتياط الذي ذكره في محلّه، وما ذكرناه، لا يفرّق فيه بين كون النسيان عن قصور أو تقصير.
هذا وعن جماعة البطلان مطلقاً، لأنّ هذا الستر كالعري، ولأنّه مفرّط بنسيانه، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار، ولاستصحاب المنع الموجود قبل النسيان.
ونوقش في الأوّل: بأنّه متستّر بمقتضى إطلاق الدليل، وفي الثاني بأنّ حديث الرفع يشمله.
ولكن عرفت أن حديث الرفع لا يشمله.
فالمناقشة الصحيحة: أن حديث لا تعاد يشمله، والتكرار لا يشمل التذكار، على أنّا نفرض البحث في غير المفرّط والمناقشة في الاستصحاب بأنّه لا مجال له بعد حكم العقل بالعذر، وإن لم يكن معذوراً حال النسيان، مع أنّ استصحاب المنع من استصحاب حكم العقل.
وعن جماعة أنّه يعيد في الوقت لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه دون خارجه، لأنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد، وهو غير ثابت.
ونوقش فيه: بأنّ الدليل دلّ على اشتراط الصلاة بعدم العلم بالغصب لا بعدم الغصب، فالمأتي به على وجهه، وإذا لم تكن على وجهها فهي فائتة فيشملها ما دلّ على قضاء الفوائت.
وكيف كان فالعمدة ما ذكرناه والله العالم.