___________________________
(مسألة 8): إذا استقرض ثوباً وكان من نيّته عدم أداء عوضه، أو كان من نيّته الأداء من الحرام، فعن بعض العلماء: أنه يكون من المغصوب، بل عن بعضهم: أنه لو لم ينو الأداء أصلاً لا من الحلال ولا من الحرام أيضاً كذلك، ولا يبعد ما ذكراه، ولا يختصّ بالقرض ولا بالثوب، بل لو اشترى أو استأجر أو نحو ذلك وكان من نيّته عدم أداء العوض أيضاً كذلك(1).
___________________________
(1) ما ذكره إمّا أن يكون مستنده القاعدة الأوّليّة باعتبار أنّ المعاملة متقوّمة بالمعاوضيّة، فإذا كان أحدهما بانياً على عدم الأداء لا يتم العقد، لتقوّم مفهومه بالمعاوضة والمبادلة وهي غير موجودة.
إن كان المستند هو هذا، فهذا لا يتم لأنّ المعاوضة ليست معاوضة خارجيّة التي هي عبارة عن أخذ شيء وإعطاء شيء، بل هي في عالم الاعتبار، وهذه لا يشترط فيها نيّة الأداء، وليست النيّة المذكورة من مقدّمات العقد، ولذا لم يذكرها الفقهاء من الشرائط في البيع والإجارة كما عن صاحب الجواهر.
نعم، ذكروا أنّه لو لم يؤدّ أحدهما كان للآخر الخيار، وهذا أمرٌ آخر.
وأمّا إذا كان مستنده الروايات فهي أيضاً لا تتم، لأنّ عمدة الروايات روايتان:
إحداهما: مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من استدان ديناً فلم ينوِ قضاءه كان بمنزلة السارق)[[1]]، وكونه بمنزلة السرقة يدلّ على أنّ المال لا يزال على ملك مالكه الأوّل، وليس ذلك إلاّ لبطلان المعاملة.
إلاّ أنّ هذه الرواية مضافاً لإرسالها ضعيفة بصالح بن أبي حمّاد، حيث ذكر النجاشي ما يشعر بضعفه، فهو لم يوثّق على كل حال، وذكر الكشي في مدحه رواية في سندها علي بن محمّد وهذا لم يوثّق.
ولو سلّم سندها فهي في القرض، فالتعدّي إلى البيع يحتاج إلى دليل، فإنّ القرض معاملة عوضيّة، بل تمليك بالضمان على ما بينّاه في المكاسب فيمكن أن يقال فيه باشتراط نيّة الأداء إذ مع عدم النيّة فكأنّه لم يستقرض، فالتعدّي إلى سائر المعاملات بلا دليل.
الرواية الثانية: خبر أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(أيّما رجل أتى رجلاً فاستقرض منه مالاً وفي نيّته أن لا يؤدّيه، فذلك اللص
العادي)[[2]].
وهي تدلّ على من نوى عدم الأداء، فهي أخصّ من الرواية الأولى، فلا يتعدّى منه إلى عدم نيّة الأداء، على أنّها مختصّة بالقرض مضافاً إلى ضعف سندها لضعف طريق الصدوق إلى سالم المذكور بمحمّد بن علي.
___________________________
(مسألة 9): إذا اشترى ثوباً بعين مال تعلّق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائها من مال آخر حكمه حكم المغصوب(1).
___________________________
(1) تارةً يفرض أنّه بعد الشراء يؤدّي خمس ما اشترى به من مال آخر وحينئذٍ لا مانع من صحّة البيع حتى في الزكاة المتعلّقة بالعين فضلاً عن الخمس، لأنّه يدخل في كبرى ما إذا باع شيئاً ثمّ ملكه، وهذا في الزكاة منصوص، وفي الخمس هو على القاعدة.
والظاهر أنّ الماتن (قده) يريد بقوله (مع عدم أدائها)، عدم الأداء بعد الشراء، لا قبله، إذ عدم الأداء قبله يكون التقييد به لغواً، حيث أنّ في قباله الأداء قبله، وفي صورة الأداء قبله لا يكون هذا مالاً تعلّق به الخمس.
وأمّا إذا لم يؤّدِ الخمس أو الزكاة بعد الشراء ففي الزكاة هو من بيع ما لا يملك، لأنّ المال مشترك بينه وبين الفقراء، فلا يصحّ له التصرّف فيما اشتراه، لأنّه بمقدار الزكاة ليس ملكاً له، ولم ينتقل إليه بل هو بيع فضولي.
وأمّا بالنسبة للخمس، فإن قلنا بأنّ حكمه حكم الزكاة فواضح، وأمّا إذا قلنا بأنّ أدلّة إباحة المعاملات والنجاسات تشمل المقام، فالمال الذي يأخذه البائع حلال له بمقتضى الأدلّة المذكورة.
وأمّا ما يأخذه المشتري الذي يجب عليه الخمس، فينتقل الخمس ممّا باعه إلى الذي انتقل إليه بمقدار ما كان يجب عليه في العين التي كان يملكها أو الثمن الذي كان يملكه، فالمعاملة صحيحة وليست فضوليّة.
نعم، ما ينتقل إليه يصير فيه الخمس، ففي باب الخمس سواء كان حكمه الزكاة أو لا فالمعاملة صحيحة، غايته أنّه على التقديرين لا يصح له التصرّف فيما انتقل إليه لأنّ فيه الخمس، فما ذكره الماتن هو الصحيح.
[[1]] الوسائل م13 ب5 من أبواب القرض والدين ح 2.
[[2]] نفس الباب السابق حديث: 5.