وأمّا الأصول الحكميّة: فأيضاً لا تجري إذ لم يحرز كون الميتة مانعاً ليقال بأنّ الأصل البراءة عن تقييد الصلاة بهذا الفرد ولم يحرز كون التذكية شرطاً ليقال: الأصل بقاء اشتغال الذمّة لو صلّى بهذا الفرد الغير محرز.
إلاّ أنّ النتيجة هي نتيجة الاشتغال للعلم بالتكليف بالصلاة والشك في مصداقيّة المأتي به للمأمور به، فلا بدّ من إحراز الامتثال والانطباق.
هذا، ولكنّ الصحيح أنّ عنوان الميتة والمذكّى ليس بينهما تضاد، ولا عدم وملكة، بل العناوين التي أخذت موضوعاً لحرمة الأكل وجوازه، وعدم جواز الصلاة في الآية والروايات، بينهما عموم وخصوص مطلق.
وتوضيح ذلك:
أنّ عنوان الميتة كما يظهر من الكتاب العزيز واللغة واستعمال العرف،عبارة عن الحيوان الميّت حتف أنفه ومن تلقاء نفسه فهو عنوان وجودي، وإن كان قد يقال: بأنّه في لسان المتشرّعة ولعلّ في زمن الأئمّة i أطلق عنوان الميتة على ما لم يذكّ وكان سبب موته غير الأمر الشرعي، وهذا أيضاً غير بعيد.
والميتة بالمعنى الثاني أعمّ منها بالمعنى الأوّل مطلقاً، لانطباق العنوان الثاني على ما مات حتف الأنف، وما مات بسبب غير شرعي، وقد نهى القرآن الكريم عن أكل الميتة، كما نهى عن أكل ما لم يذكّ، وما لم يذكر اسم الله عليه.
وكذلك الروايات، فإنّ قسماً منها نهت عن الميتة وقسماً نهى عن غير المذكّى، أو اشترط التذكية، ولا مانع من تعلّق النهي بعنوان آخر أعمّ منه، فإنّ تعلّقه بالعنوان الأخص يكون تطبيقاً للحرام الواقعي، ويكون الحرام الواقعي هو العنوان الأعم، فإذا كان الأمر كذلك، فموضوع حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة أعمّ من الميتة وهو غير المذكّى بمقتضى الجمع بين الآيتين وبين الروايات بعضها مع بعض.
فينتج أنّ ما لا يجوز أكله هو غير المذكّى، والميتة من مصاديقه، وما لا تجوز الصلاة فيه هو غير المذكّى، والميتة من المصاديق، فيكون المعتبر في الصلاة هو المذكّى، فإذا شككنا في جلد أنّه مذكّى أو غير مذكّى تجري فيه أصالة عدم التذكية بلا معارض، ويثبت عدم جواز أكله ولا الصلاة فيه.
ولا يعارض بأصالة عدم كونه ميتة، لأنّ عنوان الميتة ليس بخصوصه موضوعاً للحكم ليستصحب عدمه، بل الموضوع الجامع وهو عدم المذكّى.
نعم في باب النجاسات لم يرد دليل على أنّ النجس هو ما لم يذكّى بهذا العنوان أي لم يعتبر في الحكم بالطهارة عنوان التذكية إلاّ رواية الصيقل الضعيفة كما تقدّم في بحث النجاسات(إذا كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس)، والكلام في النجاسة فتدل بالمفهوم، بل الحكم بالنجاسة ثبت للميتة وتعدينا عن هذا إلى الحكم بنجاسة كل ما مات وذبح على غير الوجه الشرعي بمقتضى الروايات التي دلّت على أنّ موضوع النجاسة أعمّ من الموت حتف الأنف، وهو الموضوع الذي مات بغير السبب الشرعي كما استظهرنا هناك من كلام صاحب المصباح.
وهذا الموضوع يختلف عن موضوع حرمة الأكل والصلاة هنا، ولذا لو شككنا في الطهارة أو النجاسة فبما أنّه لم يعتبر في الطهارة التذكية ولا كان موضوع النجاسة هو عدم التذكية فلا يمكن الحكم بنجاسة المشكوك بأصالة عدم التذكية، لأنّ أصالة عدم التذكية لا تثبت الموضوع المذكور ليحكم بالنجاسة.
وبهذا الجمع أيضاً يجمع بين الروايات الواردة في مقام الشكّ، فإنّه لا بدّ من حمل الروايات الناهية عن الصلاة فيما علم أنّه ميتة على الروايات التي اعتبرت العلم بالتذكية، كموثّقة ابن بكير بقرينة الروايات الأخرى الواردة في سوق المسلمين، وأنّه يجوز إلاّ إذا علم أنّه ميّت، فإنّ الأماريّة تسقط فتقيّد روايات العلم بالتذكية بسوق المسلمين، وتخصّص بالروايات الأخرى الناهية عمّا علم أنّه ميت.
فبعد هذا إذا شككنا في جلد فبما أنّ الموضوع هو التذكية ولو بأماريّة سوق المسلمين، لا أنّ المانع هو الميتة تجري أصالة عدم التذكية بالاستصحاب، ويثبت أنّه ميتة، لأنّ الميتة من مصاديق عدم المذكى، وعدم التذكية يثبت بالاستصحاب لأنّه أصل محرز ولا يجوز أكله ولا الصلاة فيه، ولكنّه لا يحكم بنجاسته لعدم إحراز موضوع النجاسة.
هذا حاصل الكلام في هذا المقام مع بيان الفرق بين هذا الباب وباب النجاسات على ما ذكره السيّد الأستاذ قده.