___________________________
وكذا لا فرق بين أن يكون مدبوغاً أو لا (1).
والمأخوذ من يد المسلم وما عليه أثر استعماله بحكم المذكّى (2)، بل وكذا المطروح في أرضهم وسوقهم وكان عليه أثر الاستعمال، وإن كان الأحوط اجتنابه.
___________________________
(1) هذا لا ينبغي الإشكال فيه، لأنّه إن بنينا على أنّ الدبغ لا يرفع النجاسة فهو مانع من الجهتين الميتة والنجاسة، وإن بنينا على أنّه يرفعها فهو مانع من حيث الميتة وإن كان طاهراً.
وعلى أي حال الرواية المتقدّمة صريحة في عدم الجواز وإن دبغ سبعين مرّة.
(2) تقدّم أنّ المحكّم عند الشكّ هو استصحاب عدم التذكية، فما هو القاطع لهذا الأصل بعد عدم تماميّة الأصول الأخرى.
فنقول: لا إشكال في أماريّة يد المسلم وسوق المسلمين على التذكية، للروايات الكثيرة الدالّة على ذلك، ونذكر جملة منها:
منها: صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: اشترِ وصلِّ فيها حتى تعلم أنّه ميتة بعينه)[[1]].
ومنها: صحيحة البزنطي قال: (سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفرٍ (عليه السلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك)[[2]].
ومنها: صحيحة الآخر عن الرضا (عليه السلام) قال: (سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكيٌ هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال: نعم، أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلّي فيه وليس عليكم المسألة)[[3]].
ومنها: صحيحة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح (عليه السلام) أنّه قال: (لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس)[[4]].
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) في حديث قال: (وسألته عن رجلٍ اشترى ثوباً من السوق للّبس، لا يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: إن كان اشتراه من مسلم فليصلِّ فيه وإن كان اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتى يغسله)[[5]].
ومنها: رواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثيرٌ لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكّين، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له: يا أمير المؤمنين، لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي فقال: هم في سعة حتّى يعلموا)[[6]].
ومنها: رواية إسماعيل بن عيسى قال: ( سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه)[[7]].
ولا إشكال في دلالة هذه الروايات في الجملة على طهارة ما أخذ من يد المسلم ومن سوق المسلمين وجواز الصلاة فيه، لأنّ السوق لم يُرَد به مطلق السوق، بل منصرف إلى خصوص سوق المسلمين، وكذا ما صنع في أرض الإسلام بمقتضى صحيحة إسحاق بن عمّار.
ولا ينبغي الشك في أنّه لا خصوصيّة للسوق ولا موضوعيّة له، إذ لم يذكر السوق لخصوصيّة فيه في قبال الدار والصحراء ونحوها، بل المراد الشراء من المسلم فهو أمارة على يد المسلم التي هي أمارة على التذكية.
وهل يعتبر أن يكون عليه أثر تصرّف المسلم تصرّفاً يدلّ على التذكية كالصلاة فيه ونحو ذلك أو لا ؟
قد يقال بأنّه يعتبر ذلك لرواية إسماعيل بن عيسى (وإذا رأيتم يصلّون فيه) ولكن هذه الرواية ضعيفة السند، وغير دالّة، لأنّ الظاهر أنّ سوق الجبل كانت بلاد كفر، ولم يعلم أنّ المراد بمن يصلّون فيه هم المسلمون.
فمجرّد كونه في يد المسلم يكفي بلا سؤال، بمقتضى إطلاق الشراء من المسلم وخصوص صحيحة علي بن جعفر، فيكفي مجرّد أخذه من يد المسلم ولو مجّاناً، ومقتضى الإطلاق أيضاً عدم اعتبار كيفيّة مخصوصة من معاملة أو بيع، بل مطلق الاستيلاء عليه من يده يكفي.
والحاصل: أنّ ذكر عدم وجوب السؤال يدلّ على كفاية المسلم أو الأخذ من السوق الذي هو أمارة على يد المسلم باعتبار الغلبة أو على ما صنع في أرض الإسلام أو في بلاد أغلبها الإسلام كصحيح البزنطي فيستفاد من ضمّ الروايات بعضها إلى بعض أنّ يد المسلم أمارة، وكونه ممّا صنع في بلاد الإسلام أو في بلاد يكثر فيها الإسلام أيضاً أمارة على التذكية، ويحكم معه بطهارته وجواز الصلاة فيه، وصحيحة إسحاق بن عمّار تكاد تكون صريحة في ذلك وأنّه لا يسأل عن حال الجلد وأنّ مجرّد غلبة المسلمين يكفي وإن احتمل أنّ الذي أخذ منه كافر فلا يلزم الإحراز.
ويشهد لهذا أيضاً رواية السفرة للسكوني، بل ادّعى المحقّق الهمداني أنّ وجود السكّين قرينة على أنّها ليست سفرة مسلم إذ تقطيع اللحم والخبز بالسكّين لم يكن متعارفاً لغير المجوس، ومع ذلك جوّز (عليه السلام) -لو صحّت الرواية- لمجرّد كونها في أرض المسلمين، وهذه الرواية ضعيفة السند.
وفيما ذكرناه كفاية.
___________________________
كما أنّ الأحوط اجتناب ما في يد المسلم المستحل للميتة بالدبغ (1).
___________________________
(1) نسب إلى العلاّمة والمحقّق الثاني وغيرهم التوقّف في طهارة ما في يد المسلم المستحل للميتة بالدبغ، بل عن بعضهم الجزم بالنجاسة حتى لو أخبر بالتذكية، وفصّل بعضهم بين إخباره بالتذكية وعدمه.
وقد يستفاد ذلك من رواية أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء، فقال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلاً صرداً لا يدفئه فراء الحجاز، لأنّ دباغها بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه، فكان يُسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة ويزعمون أنّ دباغه ذكاته)[[8]].
بدعوى أنّ إلقاء الثوب ناشئ من أحد أمرين:
الأوّل: أن يكون قد علق بالثوب الذي تحت الفرو شيء من أجزائه، وهذا الاحتمال لا ينفع لأنّ ما يمكن أن يعلق هو الصوف، وهو ممّا لا تحلّه الحياة ومحكوم بالطهارة حتى مع العلم بكون الجلد جلد ميتة.
الثاني: أن يكون نزعه لأنّه لاقى الفرو برطوبة فتنجّس وهذا الاحتمال متعيّن.
وهذه الرواية هي منشأ احتياط الماتن بالنجاسة.
إلاّ أنّها ضعيفة السند وغير دالّة لأنّه فعلٌ من الإمام (عليه السلام) فهو مجمل لا يدل على شيء، فلعلّه فعله من باب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة الذي لا ينافي العصمة -ولو لأجل التعليم- وليس ناشئاً من الحكم بنجاسة الفراء المشكوك فيه مع وجود أمارة سوق المسلمين التي دلّت الروايات على كفايتها للحكم بالطهارة، فلتحمل الرواية على استحباب النزع عند الصلاة، لا على مانعيّة ما احتمل أنّه ميتة من صحّة الصلاة مع كونه مأخوذاً من سوق المسلمين.
وقد يناقش أيضاً بأنّ الشراء إنّما يصحّ مع الحكم بالتذكية فكيف يكون نجساً، بل بناءً على عدم جواز الانتفاع بالميتة في غير الصلاة بأنّ اللبس أيضاً يتوقّف على التذكية ولو ظاهراً، والمهم ضعف الرواية.
___________________________
ويستثنى من الميتة صوفها وشعرها ووبرها وغير ذلك ممّا مرّ في بحث النجاسات (1).
___________________________
(1) تقدّم في باب النجاسات على ما لا تحلّه الحياة من الميتة، وذكرت هناك الروايات التي دلّت على طهارته وجواز الصلاة فيه إذا كانت الميتة من مأكول اللحم ومن جملة ما دلّ على ذلك:
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة إنّ الصوف ليس فيه روح)[[1]].
ولولا دلالة هذه الروايات على جواز الصلاة فيه بالإضافة إلى الطهارة، لما
جازت الصلاة فيها لعدم الملازمة، فإنّ مذكّى ما لا يؤكل لحمه طاهر ولا تحلّ الصلاة فيه، ولكنّها دلّت على جواز الصلاة فيه، وبتلك الروايات.
ومنها: صحيحة الحلبي، رفعنا اليد عمّا دلّ من المطلقات على مانعيّة الميتة من صحّة الصلاة.
وبهذه الروايات أيضاً نتصرّف فيما يظهر من ذيل موثّقة ابن بكير الدال على أنّ كلّ شيء من غير المذكّى لا تحلّ الصلاة فيه، فقد ذكر في ذيلها: (فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكّي قد ذكّاه الذابح).
ومفهوم هذه الشرطيّة إذا لم تعلم لا تجوز الصلاة، فإن كان الضمير في (أنّه) راجع إلى جميع ما قبله، دلّت على عدم جواز الصلاة بجميع المذكورات بالمفهوم، ولكن هذا الظهور نتصرّف فيه بواسطة الروايات التي أشرنا إليها الدالّة على جواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من ميتة مأكول اللحم، وذلك بإرجاع الضمير في ذيل الرواية إلى المورد الأخير وهو قوله: (وكل شيء منه) فيكون المفهوم (إذا لم تعلم أنّه ذكّي إلخ..) فلا تجوز الصلاة في كلّ شيء منه، وهذه سالبة كلّية لا تنافي جواز الصلاة فيما تحلّه الحياة منه، لأنّ نقيض السالبة الكلّية موجبة جزئيّة، فالنهي عن الصلاة في كلّ شيء لا ينافي الصلاة في بعض الشيء منه.
[[1]] الوسائل م 2 ب 68 النجاسات ص 1088 ح 1.
[[1]] الوسائل م 2 ب50 النجاسات ص 1071 ح 2.
[[2]] الوسائل م 2 ب50 النجاسات ص 1071 ح 3.
[[3]] المصدر السابق نفس الباب حديث: 6.
[[4]] المصدر السابق نفس الباب حديث: 5.
[[5]] المصدر السابق نفس الباب حديث: 1.
[[6]] المصدر السابق نفس الباب حديث: 11.
[[7]] المصدر السابق نفس الباب حديث: 7.
[[8]] الوسائل م 3 ب 61 لباس المصلي ص 337 ح 2.