حكم المأخوذ من يد الكافر أو المطروح في بلاد الكفر ، وبعض الفروع المتعلق بذلك

___________________________

 (مسألة 10): اللحم أو الشحم أو الجلد المأخوذ من يد الكافر أو المطروح في بلاد الكفّار أو المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين(1) أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن عليه أثر الاستعمال
___________________________

 (1) الأمارة الثانية الحاكمة على أصالة عدم التذكية كون الشيء مأخوذاً من يد المسلم، فما يؤخذ من يد الكافر لا يحكم عليه بعدم التذكية إلاّ إذا لم يكن من صنع الإسلام أو مع عدم سبق يد المسلم عليه الذي هو الأمارة الثانية، وكذا المأخوذ من يد مجهول الحال وكذا المطروح في بلاد الكفر إذا كان من صنع دار الإسلام، وكلّ ذلك قد تقدّم.

وأمّا المطروح في أرض المسلمين، فقد حكم الماتن بعدم تذكيته إذا لم يكن عليه أثر استعمال المسلمين، ولكن تقدّم أنّه لا دليل على اعتبار الاستعمال في الحكم بتذكية المطروح.

وما يتوهّم دلالته على ذلك هو خبر إسماعيل بن عيسى، وقد تقدّم أنّه ضعيف السند وغير تام الدلالة لأنّ مورد السؤال فيه هو سوق الجبل، والظاهر أنّ هذه البلاد كانت بلاد كفر، وليست بلاد مسلمين، فالمورد من أخذ الجلد من يد كافر في بلاد كفر.

والحاصل: أنّه لا دليل على اعتبار تصرّف المسلم، بل مجرّد كونه في يده يكفي.

نعم لو أخذ من يد الكافر ولم يحرز أنّه من صنع الإسلام وكان في سوق المسلمين لا تشمله الروايات ولا إطلاق لها للمقام، لأنّ السوق لا موضوعيّة له وإنّما اعتبر من جهة كونه طريقاً إلى كون الصانع مسلماً باعتبار الغلبة بل قد يقال بأنّ يد الكافر أمارة على عدم التذكية كما في الجواهر، نعم لو كان مجهول الحال كفى كونه في بلاد المسلمين لأماريّة سوق المسلمين.

___________________________

محكوم بعدم التذكية ولا يجوز الصلاة فيه، بل وكذا المأخوذ من يد(1) المسلم إذا علم أنه أخذه من يد الكافر مع عدم مبالاته بكونه من ميتة أو مذكّى.

___________________________

 (1) قد يقال هنا بأنّ إطلاقات روايات (لا بأس بما يشترى من السوق) تشمل المقام، لأنّ الكفرة كانوا كثيرين لا سيّما إذا ألحقنا بهم الخوارج والنواصب.

ومقتضى عبارة المصنّف التفصيل بين المسلم المبالي وغيره، فالمبالي يحمل فعله على الصحّة، ويحكم بتذكية ما في يده دون غير المبالي.

أمّا بالنسبة لغير المبالي فلا إشكال فيما أفاده المصنّف، لأنّ ما دلّ على أماريّة اليد والسوق مع عدم السؤال إنّما هو مع احتمال أنّه مذكّى، بحيث لو سألنا لا يظهر لنا خلاف ما احتملناه.

وفي المقام، هذا الشيء مع العلم بسبق يد الكافر عليه وقبل انتقاله ليد المسلم كان محكوماً بأصالة عدم التذكيّة، لا بمعنى كون يده طريقاً لعدم التذكية، ليقال بأنّ طهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الأمارتين كما ذكر في الجواهر لأقوائيّة هذه الأمارة، بل ظاهر الأمر بالسؤال عدم كون يده طريقاً إلى شيء.

وروايات الباب لا تشمل ما كان محكوماً بالحرمة قبل يد المسلم لأنّها تدلّ على التذكية فيما لم يحكم عليه بعدم التذكية قبل يد المسلم، ولذا نهى عن السؤال حيث أنّه غير محكوم بحكم قبل يد المسلم، نعم لو شككنا في أنّه أخذه من مسلم أو كافر فلا بأس به وتشمله الروايات.

وأمّا المبالي بالدين فالظاهر من عبارة الماتن إطلاق الحكم بتذكية المأخوذ منه، وكان اللازم التفصيل بين كونه ثقة فيحكم بكون ما في يده مذكّى حتى مع العلم بسبق يد الكافر عليه، لأنّ عمله وبيعه بمنزلة إخبار منه بكونه مذكّى وخبر الواحد في الموضوعات حجّة، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يجري في حقّه ذلك وحكمه حكم غير المبالي.

بقي الكلام فيما لو كان حيوان واحد وكان مقدار من الجلد مثلاً في يد مسلم ومقدار منه في يد الكافر، فحيث لا يحتمل التفكيك بين أجزاء الحيوان الواحد من حيث التذكية وعدمها، فهل يحكم بعدم تذكية كليهما، أو يحكم بتذكيتهما معاً، أو بالتفكيك في الحكم الظاهري بين ما في يد المسلم ويد الكافر، وجوه...

قد يقال بالجواز فيهما معاً لأنّ يد المسلم أمارة، ولازم ذلك أن يكون ما في يد الكافر أيضاً مذكّى، لأنّ مثبتات الأمارة حجّة، فتكون يد المسلم أمارة عليهما معاً، ويد الكافر ليست أمارة على العدم، بل غايته أنّه لا أمارة على التذكية وعدم جواز الصلاة فيما يؤخذ من يده لا من جهة أماريّة يده على عدم التذكية بل لأصالة عدم التذكية، وهذا الأصل يسقط لحكومة يد المسلم عليه.

وأمّا إذا بنينا على أنّ يد الكافر أمارة على عدم التذكية كما استقربه في الجواهر فما في يد الكافر محكوم بعدم التذكية ويلزمه الحكم بعدم تذكية ما في يد المسلم، لأنّ مثبتات الأمارات حجّة، فتتعارض الأمارتان، ويرجع لأصالة عدم التذكية.

هذا.. ولكن الوجه الأوّل لجواز الصلاة فيهما معاً مبنيٌّ على أن يكون المثبت من الأمارات حجّة على الإطلاق كما هو المعروف مع أنّه محل مناقشة، والمتيقّن من حجيّة لوازم الأمارات ما كان دليلها يقتضي حجيّة مدلولها الالتزامي كما في باب الإخبار والكشف عن الواقع والإقرار، ولم يثبت في غير ذلك.

فالظنّ بالقبلة مثلاً حجّة لإجزاء التحرّي، فلو استلزم دخول الوقت لا يكون حجّة.

ومقامنا كذلك، فإنّه يستفاد من صحاح الحلبي والبزنطي وإسحاق جواز الصلاة فيما يؤخذ من المسلم أو يصنع في بلاد الإسلام، وأمّا لازم ذلك وهو أنّ جزء هذا الشيء إذا كان في يد الكافر فحكمه الطهارة فلا، وعليه فلا يحكم بجواز الصلاة فيه ولا تدلّ عليه الروايات المذكورة.

ومنه يعلم فساد الوجه الآخر لابتنائه على ذلك أيضاً.

فالأوجه: هو التفصيل بين ما في يد المسلم فيحكم بتذكيته لأنّها أمارة وبين ما في يد الكافر فيحكم بعدم تذكيته لأصالة عدم التذكية، والتفكيك في الحكم الظاهري لا بأس به، ولا مانع من الرجوع إلى الأمارة والأصل معاً لعدم العلم بالمخالفة.

___________________________

(مسألة11): استصحاب جزء من أجزاء الميتة في الصلاة موجب لبطلانها وإن لم يكن ملبوساً(1).

(مسألة 12): إذا صلّى في الميتة جهلاً لم يجب الإعادة، نعم مع(2)
___________________________

(1) تقدّم في النجاسات أنّ المستفاد من الروايات عدم جواز الصلاة في الميتة والنجس وعدم الفرق بن الكبير والصغير، وأما المحمول فلا يصدق عليه أنّه صلى فيه لأنّه لم يلبسه وليس هو ظرفاً، وهذا بالنسبة للنجس تام، وأما بالنسبة للميتة، فقد ذكر هناك أنّ صحيحة علي بن جعفر تدلّ على عدم جواز حمل ما لم يذكَّ في الصلاة، ولولاها فالروايات المذكورة لا تدل.

(2) الجاهل قد يكون ملتفتاً إلى أنّه جلد حيوان ويشك في أنه ميتة وهو الجهل البسيط، ففي مثله لا تجوز ولا تجزي كما ذكر الماتن، لأنّ الشروع فيها بعنوان الأمر محرم ولا يجزي لأصالة عدم التذكية.

وأما لو كان غافلاً أو معتقداً بأنّه مذكّى وانكشف أنّه ميتة وهو الجهل المركب، ففي مثله لا تجب الإعادة ولا القضاء لأنّ النجاسة المجهولة مورد لنصوص عدم وجوب الإعادة، ودليل لا تعاد يدل على ذلك.

رجوع